ما هو مفهوم السَّلاَمِ فى الإِنْجِيل؟
إعداد
د. القس
سامي منير اسكندر
والكلمة اليونانية هى «إيرينى»(eiréné) ، وتؤدى نفس
معنى الكلمة العبرية «شالوم» التى ترجمت بهذه الكلمة فى
الترجمة السبعينية.
السَّلاَمِ هو حالة الراحة من الاضطراب
الخارجي الذي يحدث بهجوم جيش في الحرب، أو من الاضطراب الداخلي براحة النفس. وكانت هذه الكلمة عبارة التحية
عند اليهود، وهم يقصدون بها الأطمئنان والسرور والراحة، كما يقصدون بها الأمن
الخارجي والتحرر من الاستبعاد السياسي. وهو تحية المسيحيين أيضاً، ولكنهم يريدون
به السَّلاَمِ القلبي العميق الذي اشتراه الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بدمه،
سلاماً لا تُنيله الدنيا ولا تنزعه كل عواصفها. وهو السَّلاَمِ الذي يملك على قلب
المؤمن نتيجة مصالحته مع الله «1فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ
مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ5:
1)، و«14لأَنَّهُ
هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ
السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ» (رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ2: 14). وكان اليهود يُطيلون السَّلاَمِ
والتحية فتتعطل المصالح ويضيع الوقت، وعلى هذا فقد طلب اليشع النبي من غلامه: «29فَقَالَ لِجِيحَزِي: «أُشْدُدْ حَقَوَيْكَ وَخُذْ عُكَّازِي بِيَدِكَ وَانْطَلِقْ،
وَإِذَا صَادَفْتَ
أَحَداً فَلاَ تُبَارِكْهُ، وَإِنْ بَارَكَكَ أَحَدٌ فَلاَ تُجِبْهُ. وَضَعْ عُكَّازِي عَلَى
وَجْهِ الصَّبِيِّ»(سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الثَّانِي4: 29)، كما هى الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ تلاميذه من التسليم على أحد في الطريق لنفس السبب «4لاَ تَحْمِلُوا كِيساً وَلاَ مِزْوَداً وَلاَ
أَحْذِيَةً، وَلاَ تُسَلِّمُوا
عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا10: 4).
أولاً: فإنجيل الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ هو رسالة سلام من الله للإنسان «14الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (إِنْجِيلُ لُوقَا2: 14)، فهو «36الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِالسَّلاَمِ
بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا
هُوَ رَبُّ الْكُلِّ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ10: 36). وقد صار «1فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ
مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ5:
1). ومن ينادون بالإنجيل إنما يبشرون بالسَّلاَمِ وبالخيرات «15وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ
مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِينَ
بِالْخَيْرَاتِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ10:
15).
والرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «هُوَ سَلاَمُنَا»: «14لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ
وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ 15أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ
نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ
إِنْسَاناً وَاحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاَماً،»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى
أَهْلِ أَفَسُسَ2: 14و15). كما أن السَّلاَمِ عنصر هام فى ملكوت الله «17لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْباً بَلْ
هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ
وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ14: 17).
ثانياً: يجب على تلاميذ الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ أن يشتهوه ويتبعوه، فقد أوصي الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ تلاميذه: «50اَلْمِلْحُ
جَيِّدٌ. وَلَكِنْ إِذَا صَارَ الْمِلْحُ بِلاَ مُلُوحَةٍ، فَبِمَاذَا
تُصْلِحُونَهُ؟ لِيَكُنْ
لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِلْحٌ، وَسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ9: 50). ويحرض الرسول بولس المؤمنين قائلاً: «11أَخِيراً أَيُّهَا الإِخْوَةُ افْرَحُوا. اكْمَلُوا.
تَعَزَّوْا. اهْتَمُّوا اهْتِمَاماً وَاحِداً. عِيشُوا بِالسَّلاَمِ، وَإِلَهُ
الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ» (رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ13: 11)، «18إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ
النَّاسِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ12: 18)، «15وَلَكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ
فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَداً فِي مِثْلِ هَذِهِ
الأَحْوَالِ. وَلَكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ7: 15).
ثالثاً: والله هو «إِلَهُ السَّلاَمِ» فهو مصدر ومانح كل سلام وخير وبركة «33إِلَهُ السَّلاَمِ
مَعَكُمْ
أَجْمَعِينَ. آمِينَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ15: 33)، «20وَإِلَهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ
تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعاً. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ.
آمِينَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ16: 20)،
وهو «رَبُّ السَّلاَمِ» ومعطي السَّلاَمِ «16وَرَبُّ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ
السَّلاَمَ دَائِماً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الثَّانِيةُ إِلُى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي3: 16). وكانت التحية والطلبة
الرسولية من أجل الكنيسة هى: ليكن لكم «3نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا
وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ1: 3)، «2نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ1: 2...الخ).
رابعاً: كما أن «السَّلاَمِ» كان التحية المألوفة «13فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقّاً فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ
عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقّاً فَلْيَرْجِعْ سَلاَمُكُمْ
إِلَيْكُمْ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى10: 13)، «5وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلاً: سَلاَمٌ لِهَذَا الْبَيْتِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا10: 5)،
و«ابْنُ السَّلاَمِ» هو المستحق للسلام والذى يسعى
للسلام «6فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنُ السَّلاَمِ يَحُلُّ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَيَرْجِعُ
إِلَيْكُمْ»(إِنْجِيلُ لُوقَا10: 6).
وكانت تحية الرب الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ لتلاميذه: «سَلاَمٌ لَكُمْ» «36وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ
نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 36)، «19وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ
أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ
التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ
وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سلاَمٌ لَكُمْ!»...21فَقَالَ
لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ
أُرْسِلُكُمْ أَنَا...26وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ
أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ،
وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: «سلاَمٌ لَكُمْ!»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا20: 19و21و26).
وقبل أن يفارقهم، باركهم قائلاً لهم: «27سلاَماً
أَتْرُكُ لَكُمْ.
سَلاَمِي
أُعْطِيكُمْ.
لَيْسَ كَمَا
يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ
وَلاَ تَرْهَبْ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 27). وكثيراً ما قال «34فَقَالَ لَهَا: «يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اذْهَبِي بِسَلاَمٍ
وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ5: 34)، «50فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ»(إِنْجِيلُ لُوقَا7: 50).
خامساً: السَّلاَمِ الذى صنعه الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو أساساً سلام روحي من الله ومع الله، سلام فى القلب، وسلام فى الروح. وقد قال الرب: «34لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى
الأَرْضِ. مَا
جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً»(إِنْجِيلُ مَتَّى10: 34)، «51أَتَظُنُّونَ
أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ
انْقِسَاماً»(إِنْجِيلُ لُوقَا12: 51)، مشيراً بذلك إلى طبيعة دعوته
الفاحصة وما سينتج عنها من انقسامات حول الحق الواضح. لكن لاشك فى أن روح الإنجيل
والحياة المسيحية هو السَّلاَمِ. ومن واجب المؤمن أن يسعى نحو السَّلاَمِ، وأن
يعمل على وضع حد للحروب والمنازعات والمخاصمات أينما وجد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق