وظائف الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الثلاث
ثالثا: الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو الملك الأبدي
إعداد
د. القس
سامي منير اسكندر
ثالثاً: الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الملك
من
الطبيعي جداً أن يكون للرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ نصيبه الأزلي في التسلُّط على الكون، وهو الإِلهيّ
الطبيعة. ذلك هو حقّه الإِلهي. لكن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ له مكانته الملكية
الخاصة بصفته الوسيط بين اللّه والناس، مخلّص البشر الخطاة. إذن مَلَكية الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ التي نحن بصددها الآن تتعلق به كابن اللّه المتجسّد فهو في
طبيعته البشرية إنسان أعطي سلطة خاصة لتكميل ملكوته الروحي في الكنيسة، وذلك
بحفظها وحمايتها وقيادتها نحو المجد الأبدي.
هذا
من جهة، ومن جهة ثانية فإن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أيضاً بصفته الفادي
والوسيط، لديه سلطة خاصة كملك على كل المخلوقات، بما في ذلك الأبالسة والبشر غير
المؤمنين. هذا بالطبع يرجع إلى مَلَكيته الفريدة في النهاية عندما «1قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ
أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور110: 1)، وحين يكون قد أخضع الكل وصار الكل في
الكل. «24وَبَعْدَ ذَلِكَ النِّهَايَةُ مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ
لِلَّهِ الآبِ مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ.
25لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ
حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. 26آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. 27لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ
قَدَمَيْهِ. وَلَكِنْ حِينَمَا يَقُولُ «إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ»
فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ. 28وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ فَحِينَئِذٍ
الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ كَيْ
يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ15: 24-28).
إن الجانب الأول من
ملكية
الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ إذن يرتبط بعلاقته بالمفديين. فهو ملكهم الروحي، وله سلطة
على خلاص وفداء النفس. تلك المسؤولية كانت ضمن مواصفات الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
المنتظر التي كان قد سبق للمشورة الإلهية وقضت بها: «6أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ
قُدْسِي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور2: 6).
هذا هو الوعد المُعطَى للملك داود، الذي كان رمزاً للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الملك الحقيقي. إن
الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ يقول في هذا الصدد: «11أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ لِدَاوُدَ بِٱلْحَقِّ، لا
يَرْجِعُ عَنْهُ: مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور132: 11). لأجل هذا
السبب دُعي يسوع «ملك اليهود» و«ابن داود»، ولعل هذا هو السبب
الرئيسي من وراء ما تضمنه الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ لتلك القوائم
الطويلة عن أنساب الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بسبب ضرورة إثبات صلة قرابته بالملك داود. وقد سبق
الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ ووصف الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بأن «6لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً
أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ
نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا
وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا»(سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ9: 6–7)، «2أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ
صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي
يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ
أَيَّامِ الأَزَلِ»(سِفْرُ مِيخَا5: 2)، و«13يَبْنِي هَيْكَلَ ٱلرَّبِّ، وَهُوَ يَحْمِلُ
ٱلْجَلالَ وَيَجْلِسُ وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَيَكُونُ كَاهِناً عَلَى
كُرْسِيِّهِ»(سِفْرُ زَكَريَّا6: 13).
أمّا
بشارة الملاك لمريم فقالت عن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الموعود بقدومه: «32هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ
ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ
يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 32-33).
هذا
ما أقرّت به الجماهير الغفيرة عندما هتفت: «38قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!
سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!»(إِنْجِيلُ
لُوقَا19: 38)، أمّا يسوع فقد أشار إلى طبيعة مملكته تلك عندما دحض أقوال
زعماء اليهود الذين اتّهموه بالتآمر على نظام الحكم الروماني، فقال: «36أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ.
لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ
لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ
هُنَا»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا18: 36).
والجانب الروحي لمَلكية
الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو في موضعه المَلكي على شعبه المؤمن. وهذه الملكية تتخذ إطاراً
روحياً على قلوب وحياة المؤمنين، ولها بُعد روحي هو خلاص الخطاة. أمّا وسائط هذا
الجانب من مُلكه فهي روحية أيضاً: فهو يحكم بواسطة كلمته وروحه. وهو يعبّر عن
مُلكه هذا بواسطة تجميع وحكم وحماية وتكميل كنيسته. إن مُلك الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هذا
يُسمّى في الإِنْجِيل «ملكوت الله» أو «ملكوت السموات». ومهما تكن التسمية فإن
أعضاء الملكوت الروحي الذي يملك عليه الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هم المواطنون أعضاء
كنيسته الحقيقية المفدية التي اقتناها بدمه الطاهر «28اِحْتَرِزُوا اذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ
الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً
لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ20: 28).
لكن
للتأثير الروحي لمملكة الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الذي هو ملكوت النور، بُعد أوسع من حياة المؤمنين.
فحيثما وُجدت كنيسته وتزايد تأثيرها على المجتمع، يُلاحظ نمو غير عادي للوفاء
والمحبة والعدالة وروح الطهارة والقداسة والجد والتضحية والسلام.
هذا
ما يعكسه مَثَلاَ الزارع والشبكة اللذان ضربهما الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نفسُه «24قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ قَائِلاً: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ
السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً زَرَعَ زَرْعاً جَيِّداً فِي حَقْلِهِ. 25وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَاناً فِي
وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى. 26فَلَمَّا طَلَعَ
النَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَراً، حِينَئِذٍ ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضاً. 27فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ وَقَالُوا
لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ
زَرْعاً جَيِّداً زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟. 28فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ
هَذَا. فَقَالَ لَهُ الْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ 29فَقَالَ: لاَ! لِئَلَّا تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ
وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. 30دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ
كِلاَهُمَا مَعاً إِلَى الْحَصَادِ وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ، أَقُولُ
لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَماً لِيُحْرَقَ،
وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَنِي...47أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً
مَطْرُوحَةً فِي الْبَحْرِ، وَجَامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. 48فَلَمَّا امْتَلَأَتْ أَصْعَدُوهَا عَلَى
الشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا
وَجَمَعُوا الْجِيَادَ إِلَى أَوْعِيَةٍ، وَأَمَّا الأَرْدِيَاءُ فَطَرَحُوهَا خَارِجاً.
49هَكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ الْعَالَمِ: يَخْرُجُ
الْمَلاَئِكَةُ وَيُفْرِزُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ، 50وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ
وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى13: 24-30 و47-50).
فالرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ عندما يملك على قلب البشر ينقلهم من ملكوت الظلمة، حيث هم
بالطبيعة مستعبَدين للشرّ، إلى ملكوت النور حيث كل جمال وحُسن وصلاح «28وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللَّهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ،
فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللَّهِ!»(إِنْجِيلُ
مَتَّى12: 28)، «21وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا، أَوْ: هُوَذَا
هُنَاكَ: لأَنْ هَا
مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ»(إِنْجِيلُ
لُوقَا17: 21)، «13الَّذِي انْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا الَى
مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي1: 13)،
وإذ
يرى الناس الحياة متغيرة في هؤلاء والمخلوقة من جديد بواسطة روح الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، يمجدون الله، «16فَلْيُضِئْ
نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا
أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى5: 16). من هنا كان امتداد تأثير ملكوت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
لكن
ملكوت الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ المعطَى له بعد التجسد امتد بشكل أوسع إِثر قيامته،
لذلك صرّح لتلاميذه قائلاً: «18فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ
وَعَلَى ٱلأَرْضِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى28: 18).
كان
هذا جزءاً لا يتجزأ من مقاصد الله الأزلية وعمله «20ٱلَّذِي
عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ
يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ، 21فَوْقَ
كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ ٱسْمٍ يُسَمَّى
لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً، 22وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ،
وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، 23ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلَأُ
ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1: 20-23). ومع أنه قبل تجسده كان يتمتع بمثل هذا
السلطان على كل شيء، إلاّ أنه بعد قيامته رسّخ بشكل جديد مُلكه على الكل، وهو في
ذلك يتحكّم في جميع ظروف مسار التاريخ البشري بأسره، لأجل تكميل عمله الكفّاري،
ولأجل حماية كنيسته من كل خطر من شأنه عرقلة مسيرتها الروحية نحو الكمال الذي
أراده لها.