تعاون
الإنسان مع الله في الثمر
(ثَمَرُ الرُّوحِ)
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
أولاً: الله سيد الحياة:
إلا أن الله لا يُطالب مخلوقاته بثمار دون أن يزوّدهم
بالوسيلة. على أن الإنسان، وهو يتعاون على الإثمار بجهده، يجب أن يعترف بأن الثمرة
هي أولاً من عمل الله. فقد كلف آدم بزرع ثم بجني ثمار أشجار عدن حيث وضعه الله.
إلا أنه حُرِّم عليه أن يمدّ يده إلى ثمرة شجرة الحياة «22وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ
صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالْآنَ لَعَلَّهُ
يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضاً وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا
إِلَى الأَبَدِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ3: 22)، كما لو كان ينبّه عليه فيما
ينبّه، بأنه هو تعالى وحده مصدر الحياة.
وإنّ على إفرائيم ويعني اسمه «اللهَ جَعَلَنِي مُثْمِراً» «52وَدَعَا اسْمَ الثَّانِي أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «لأَنَّ اللهَ جَعَلَنِي
مُثْمِراً فِي أَرْضِ مَذَلَّتِي»(سِفْرُ التَّكْوِينِ41: 52)، على مدى تاريخه، أنه يدرك
أنه إذا ما أتى بثمر، فالفضل يرجع إلى الله، السرْوَة الخضراء، شجرة الحياة
الحقيقة «9مَنْ هُوَ حَكِيمٌ حَتَّى يَفْهَمَ هَذِهِ الأُمُورَ وَفَهِيمٌ حَتَّى
يَعْرِفَهَا؟ فَإِنَّ طُرُقَ الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ وَالأَبْرَارَ يَسْلُكُونَ
فِيهَا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَيَعْثُرُونَ فِيهَا»(سِفْرُ هُوشَعَ14: 9).
ولذا ينبغي لإسرائيل أن يُقدِّم بواكير ثماره كعلامة لاعترافه
بالجميل «2فَتَأْخُذُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ ثَمَرِ الأَرْضِ الذِي تُحَصِّلُ مِنْ أَرْضِكَ
التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ وَتَضَعُهُ فِي سَلةٍ وَتَذْهَبُ إِلى المَكَانِ
الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِل اسْمَهُ فِيهِ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة26: 2)، وينبغي بنوع خاص أن يلجأ إلى
الحكمة الإلهية، التي تُبشّر أزهارها بثمار عجيبة.
ثانياً: الماء المحيي:
في جنة عدن ذاتها، لكي ينبت العشب، كان أيضاً لا مناص من أن
ينزل الله المطر ويصنع إنساناً ليفلح الأَرْضِ «5كُلُّ شَجَرِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فِي الأَرْضِ
وَكُلُّ عُشْبِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ لأَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ لَمْ
يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى الأَرْضِ وَلاَ كَانَ إِنْسَانٌ لِيَعْمَلَ الأَرْضِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ2: 5). فتبعاً للرمزية في الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ لا تستطيع الأَرْضِ دون الإنسان، أن تنتج ثمرها ما لم
تسقِ المياه البذرة. فبدون ماء تلبث الأَرْضِ عقيمة، إنها الصحراء، كما في سدوم، حيث
النباتات تعطي ثمراً لا ينضج.
فمن دون يهوه، الصخرة الأمينة الوحيدة، لا يستطيع الإنسان
أن يأتي بثمر، «وعِنَبُهُمْ عِنَبُ سُمٍّ» «32لأَنَّ مِنْ جَفْنَةِ سَدُومَ جَفْنَتَهُمْ وَمِنْ
كُرُومِ عَمُورَةَ. عِنَبُهُمْ
عِنَبُ سُمٍّ وَلهُمْ عَنَاقِيدُ مَرَارَةٍ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة32: 33)، ومن ثمّ فإن من واجبه أن
يصلي مثل إيليا، لكي، بفضل المطر، «وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا» «17كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَاناً تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا،
وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ
سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. 18ثُمَّ صَلَّى أَيْضاً فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَراً وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا»(رِّسَالَةُ يَعْقُوبُ الرَّسُولِ5: 17–18).
حينئذ تقبل الأَرْضِ بركة الله، وتُخرج نباتاَ مفيداً «7لأَنَّ أَرْضاً قَدْ شَرِبَتِ الْمَطَرَ الآتِيَ
عَلَيْهَا مِرَاراً كَثِيرَةً، وَأَنْتَجَتْ عُشْباً صَالِحاً لِلَّذِينَ فُلِحَتْ مِنْ
أَجْلِهِمْ، تَنَالُ بَرَكَةً مِنَ اللهِ. 8وَلَكِنْ إِنْ أَخْرَجَتْ شَوْكاً وَحَسَكاً، فَهِيَ
مَرْفُوضَةٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ، الَّتِي نِهَايَتُهَا لِلْحَرِيقِ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ6: 7-8)، والبار أشبه ما يكون «8فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ وَعَلَى
نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ وَيَكُونُ
وَرَقُهَا أَخْضَرَ وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ»(سِفْرُ إِرْمِيَا17: 8)، «3فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِيِ
الْمِيَاهِ الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ.
وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور1: 3)، «14أَيْضاً يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَاماً
وَخُضْراً 15لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ
فِيهِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور92: 14-15).
ثالثاً: دور الإنسان:
لئن ارتبط الماء قبل كل شيء بالله، فاختيار الأَرْضِ
والعناية بها أمرهما منوط بالإنسان. إن القمح المزروع، في وسط الشوك، لا يصل إلى
النضج «14وَالَّذِي سَقَطَ
بَيْنَ الشَّوْكِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ
فَيَخْتَنِقُونَ مِنْ هُمُومِ الْحَيَاةِ وَغِنَاهَا وَلَذَّاتِهَا، وَلاَ يُنْضِجُونَ
ثَمَراً»(إِنْجِيلُ لُوقَا8: 14)، وهو يأتي بثمر أكثر أو أقل
تبعاً لجودة الأَرْضِ التي سقط فيها «8وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى
ثَمَراً، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى13: 8). على أية حال فإن النمو لا
يرتبط أولاً بجهود الإنسان: لأن الأَرْضِ «من نفسها» (باليونانية automate) تثمر ثمرها «26وَقَالَ: «هَكَذَا مَلَكُوتُ اللَّهِ: كَأَنَّ إِنْسَاناً
يُلْقِي الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، 27وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَالْبِذَارُ
يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ، 28لأَنَّ الأَرْضَ مِنْ ذَاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ.
أَوَّلاً نَبَاتاً، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحاً مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ. 29وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَلِلْوَقْتِ
يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ4: 26-29).
لا شك في أن الأمر قد تطلّب مشقة لإنبات الحكمة، إلا أنه
يمكن الاطمئنان لثمارها الرائعة. إن في ذلك درساً في آن معاً، عن المشقة في العمل،
وعن الصبر المطلوب في انتظار الثمرة.