• اخر الاخبار

    أولاً: الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو النبي الذي أرسله الله د.القس سامي منير اسكندر







    وظائف الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الثلاث


    أولاً: الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو النبي


    الذي أرسله الله


    إعداد 


    د. القس سامي منير اسكندر

    إنّ الانسجام الكامل في طبيعتي الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الإِلهية والبشرية له موقع مركزي وحيوي خصَّ تحقيق جميع المقاصد الإِلهية المتعلقة بعالم البشر، وليس فيما خصَّ عملية الخلاص وحدها. لكن تنفيذ عملية الخلاص هو جزء لا يتجزأ من مجمل تلك المقاصد. صحيح أنّ فداء بني البشر هو المحور الأساسي الذي ترتكز عليه مجموعة مخططات اللّه. وهذا طبيعي، لأن سقوط البشر بسبب عصيانهم لشريعة اللّه هو المحك الذي أوجب ليس فقط عملية التجسد والخلاص، بل أيضاً جميع التأثيرات الفرعية التي لزم أن يخطط اللّه لاستئصالها أو إصلاحها أو إعادة بنائها. أمّا تحقيق الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لجميع هذه المقاصد الأزلية، وعلى رأسها فداء البشر، فقد جرى ضمن نطاق وظائف أو أدوار رسمية ثلاث، إذ توجّب عليه أن يكون نَّبِيُّاً وكاهناً وملكاً.
    أولاً: الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّبِيُّ
    كانت وظيفة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النبوية ضمن الخواص المميزة للمسيّا الذي تنبأت عنه أسفار نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. والواقع أن النبوة الواردة بهذا الشأن كانت إحدى النبوات الواردة في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عن مجيء الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وقد جاءت على لسان النَّبِيُّ موسى: «15يُقِيمُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة18: 15)، أمّا في الإِنْجِيل فقد أشار الرسول بطرس ضمن إحدى مواعظه العامة مشيراً إلى هذه النُبوّة، ومطبّقاً إياها على الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «22مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ3: 22).
    وتختصّ وظيفة النُبوّة في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بأولئك الذين تكلّموا للبشر بالنيابة عن اللّه. من الطبيعي أن يكون الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ذا مكانة خاصة ضمن دائرة أنَّبِيُّاء اللّه. والواقع أن هذا أمر حيوي بالنسبة لمهمة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ التي جاء إلى عالم البشر لتنفيذها. كان العديد من الأَنْبِيَاءِ الحقيقيين قد سبقوا مجيء الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وجميعهم تكلّموا بكلام اللّه للشعب، لكن ما أعلانه اللّه لهم به كان ذا طبيعة تمهيدية وغير مكتملة. لقد كانوا جميعاً يرمزون للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّبِيُّ الأعظم، الذي كانوا قد أتوا من أجل التمهيد لمجيئه.
    يعتقد البعض أن اللّه أرسل مزيداً من الأَنْبِيَاءِ الواحد تلو الآخر، لعدم نجاح الأَنْبِيَاءِ السابقين في إتمام مهماتهم، أو لسبب حاجة الناس لمن يذكّرهم بما سبق وإعلانه الله للأنَّبِيُّاء الذين أتوا في أجيال سابقة. لكن ذلك ليس مفهوم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. إنّ أنَّبِيُّاء اللّه لم يفشلوا، ولا واحد منهم، في تحقيق ما أراد اللّه تحقيقه عن طريقهم. أمّا سبب تعدّد الأَنْبِيَاءِ، وتوالي قدومهم من عند اللّه في حقبة نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، فمرجعه أنّ لكل منهم دوره في التمهيد لمجيء الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. من المهم للغاية أن ندرك هذه الحقيقة، لأنها ترينا أن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بواسطة أنَّبِيُّائه لا يعتريه تناقض أو نقصان، حتى أن اللّه يسعى لإصلاح ما تهدّم بإرسال مزيد من الأَنْبِيَاءِ، فاللّه لا يسمح بأي فشل في تأدية أنَّبِيُّائه لمهمتهم، ولا بأي تشويش يؤثر على ما ينقلونه منه للبشر الآخرين.
    لذلك لا يجوز لنا الإعتقاد بأي شيء من هذا القبيل، إلاّ إذا كنا نعتقد أن اللّه غير جدّي فيما يعمل، أو أنه غير قادر على إنجاز ما يريد عمله، وهو بالطبع تفكير خاطئ وغير صحيح عنه. فاللّه وهو كلّي السيادة، أعطى عصمة خاصة لأنَّبِيُّائه حين دوَّنوا الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كاملاً بدون خطأ. وهو في نفس الوقت، بحكمته وسلطانه، عمل على حماية ما دوَّنوه من التحريف أو الفقدان، عبر الأجيال.
    لقد أدّى كل نَّبِيُّ دوره بكل أمانة وجدارة، مدعوماً بقوة اللّه، في التحضير التدريجي لمجيء الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فلو أنّ اللّه كشف عن كل شيء دفعة واحدة لما كان من الممكن لبني البشر استيعابه. من هنا كانت ضرورة الطبيعة التدريجية والتقدُّمية للإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. كما أن ذلك هو السرّ الحقيقي وراء ذلك الترابط والتكامل بين أدوار الأَنْبِيَاءِ الظاهر في أسفار الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ.
    إن المرء الذي يتأمّل بالتدقيق في مسرة هؤلاء الأَنْبِيَاءِ لا بد يرى أن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ قد أخذ شكل هرم متدرّج الأطوار، بنى فيه كل نَّبِيُّ على ما سبق وبناه أقرانه من قبله. أمّا قمة الهرم فيقف عليها الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مكمّل الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ وخاتمه. ليست هذه صورة خيالية أو تخميناً بشرياً، بل نجده مدوناً ضمن ما أعلان به اللّه نفسه، إذ قال عن مؤمنيه في الإِنْجِيل: «20مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنَّبِيُّاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلّزَاوِيَةِ، 21ٱلَّذِي فِيهِ كُلُّ ٱلْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي ٱلرَّبِّ. 22الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ2: 20-22).
    بيد أنّ هناك اختلافاً جوهرياً آخر بين دور الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كنَّبِيُّ وأدوار أنَّبِيُّاء اللّه. لقد تكلم الأَنْبِيَاءِ كبشر مسوقين من عند اللّه وليس من عندياتهم، بينما تكلّم الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كاللّه. كانوا دائماً يصحبون رسالتهم بتعبيرات مثل: «22فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ4: 22). ولم تكن لديهم السلطة ولا القدرة على قول أي شيء بالنيابة عن اللّه، إلاّ ما كان قد أعلان به اللّه إليهم. أمّا يسوع فقد كان يؤكد في رسالته على الدوام أنه يقول ما يقوله بسلطته هو. عندما أشار لأقوال الأَنْبِيَاءِ قال: «31وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ الْقَائِلِ:» (إِنْجِيلُ مَتَّى22: 31)، لكن عندما أشار إلى ما يقوله هو قال: «22وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ:» (إِنْجِيلُ مَتَّى5: 22)، أو «34أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا8: 34).
    تحدث الأَنْبِيَاءِ بالنيابة عن اللّه، أمّا الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فتحدث بالإِصالة عن نفسه وانطلاقاً من سلطته الشخصية، فأدهش معاصريه الذين لاحظوا أنه يختلف عن الأَنْبِيَاءِ ورجال الدين، «29لأنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَٱلْكَتَبَةِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى7: 29)، و«22فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 22)، «27فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «مَا هَذَا؟ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى ٱلأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 27)، و«36فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ ؟لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا4: 36).
    وقد صرّح يسوع أكثر من مرة بأن له سلطاناً يفوق ما هو لأي بشر «6وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا». حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!» (إِنْجِيلُ مَتَّى9: 6)، و«10وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا». قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ2: 10)، و«24وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا»، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا5: 24)،
    ثم أنه أعطى رسله الذين أعلان لهم بكتابة الإنجيل بواسطة الروح القدس، أعطاهم السلطان في مهماتهم النبوية. «1ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ»(إِنْجِيلُ مَتَّى10: 1)، و«7وَدَعَا الاِثْنَيْ عَشَرَ وَابْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ،»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ6: 7)، و«1دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاِثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَاناً عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ،»(إِنْجِيلُ لُوقَا9: 1). إذن فهو في مهمته النبوية عبّر عن سلطة لم تكن للأنَّبِيُّاء البشر، بالإضافة إلى الحق الذي عبّر عنه في إعطاء السلطة للأنَّبِيُّاء البشر.
    بالرغم من أن يسوع أشار إلى نفسه كنَّبِيُّ، لديه رسالة خاصة من اللّه الآب «33بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا13: 33)، و«26إِنَّ لِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَتَكَلَّمُ وَأَحْكُمُ بِهَا مِنْ نَحْوِكُمْ، لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌّ. وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهَذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ». 27وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ عَنِ الآبِ. 28فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهَذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا8: 26-28)، «49لأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ. 50وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ، فَكَمَا قَالَ لِي الآبُ هَكَذَا أَتَكَلَّمُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا12: 49و50)، «10أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 10و24)، إلاّ أن أعماله النبوية الخاصة لم تكن في حاجة إلى تأكيد شفوي على مركزه النبوي، فقد تنبّأ عن المستقبل «3وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟» 4فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. 5فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 6وَسَوْفَ تَسْمَعٌونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُروُبٍ. اُنظُرُوا, لا تَرتَاعُوا. لأَنَّهُ لا أَن تَكُونَ هَذِهِ كُلُّها, وَلكِن لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعدُ. 7لِأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلازِلُ فِي أَمَاكِنَ. 8وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. 10وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. 11وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 12وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. 13وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ. 14وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى. 15«فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ - لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ - 16فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 17وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً، 18وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. 19وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 20وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ، 21لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. 22وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. 23حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 24لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً. 25هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. 26فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 27لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هَكَذَا يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 28لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ. 29«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا. 32فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصاً وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 33هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً، مَتَى رَأَيْتُمْ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 34اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ. 35اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى24: 3–35)، «41وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا 42قَائِلاً: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضاً، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلَكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. 43فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، 44وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا19: 41-44). ثم أنّ تعاليم الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كانت ذات طبيعة نبوية في صبغتها الغالبة.
    كان من الطبيعي إذن أن يشير إليه الناس كنَّبِيُّ «11فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ...46وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ، خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ»(إِنْجِيلُ مَتَّى21: 11و46)، «16فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ»(إِنْجِيلُ لُوقَا7: 16)، «19فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 19)، «14فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا6: 14)، «40فَكَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكلاَمَ قَالُوا: «هَذَا بِالْحَقِيقَةِ هُوَ النَّبِيُّ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا7: 40)، و«17قَالُوا أَيْضاً لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا9: 17).
    وبالرغم من أن مواصفات النُبوَّة الشائعة في حقبة نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ انطبقت عليه من جهة علاقة تصريحاته بالماضي والحاضر والمستقبل «1فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «انْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلَهاً لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ7: 1)، «18أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة18: 18)، «6فَقَال: «اسْمَعَا كَلامِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لهُ. فِي الحُلمِ أُكَلِّمُهُ. 7وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَليْسَ هَكَذَا بَل هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. 8فَماً إِلى فَمٍ وَعَيَاناً أَتَكَلمُ مَعَهُ لا بِالأَلغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ. فَلِمَاذَا لا تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلمَا عَلى عَبْدِي مُوسَى؟»(سِفْرُ اَلْعَدَد12: 6-8)، «........»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ 6)، «4فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ: «5قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيّاً لِلشُّعُوبِ». 6فَقُلْتُ: «آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ». 7فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. 8لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ يَقُولُ الرَّبُّ». 9وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ. 10اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هَذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ»(سِفْرُ إِرْمِيَا1: 4-10)، «1فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ, كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هَذَا الدَّرْجَ, وَاذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ». 2فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذَلِكَ الدَّرْجَ. 3وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ, أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلَأْ جَوْفَكَ مِنْ هَذَا الدَّرْجِ الَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً. 4فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ, اذْهَبِ امْضِ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكَلِّمْهُمْ بِكَلاَمِي»(سِفْرُ حِزْقِيَال3: 1-4و17)، إلاّ أن المسيرة النبوية الجوهرية التي طغَت على خدمته ظهرت في مقدرته الدائمة على تفسير الشريعة الإلهية وتطبيقها على الحياة اليومية المعاصرة.
    أما تفسيره للشريعة الإِلهية فقد كان مدعوماً دائماً بحياته الطاهرة، وسلوكه الذي لم تكن به شائبة أخلاقية. في هذا لم تنطبق عليه مواصفات في مفهوم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ ليست مجرّد إدعاء بالحصول على وحي أو رسالة من اللّه، لكنها مصحوبة بقوة معجزية خارقة تدل على أن اللّه هو مصدرها، ثم أنها أيضاً مصحوبة بحياة نقية طاهرة يتحلّى بها النَّبِيُّ، دلالة قاطعة على أن تكريسه للنبوة هو من اللّه. هذا بالطبع مغاير لادِّعاءات الكثيرين من الأَنْبِيَاءِ المزيفين، فهؤلاء اتَّسمت ادِعاءاتهم بخلّوها من القيمة المعجزية الإِلهية. ومع أنهم ادَّعوا المقدرة على القيام بالمعجزات، فإن سجلاتهم تشهد أن المعجزات التي ادَّعوها كانت من نسج خيالهم، ولم تكن من مصادر موثوق بها، لأن المعجزات الحقيقية التي مصدرها قوة اللّه لا تحصل في الخفاء بل في العلن، وإلاّ لما كان لحصولها أي معنى. بيد أن الحياة الأخلاقية للأنَّبِيُّاء الكذبة عبر التاريخ تتَّسم بفساد جنسي ورغبة قوية في التسلُّط على الآخرين، بالإضافة إلى الخوف الدائم من المعارضين والسعي للبطش بهم. أمّا الأَنْبِيَاءِ الحقيقيون والذين كان يسوع مثالهم الأسمى فإن تقواهم الحقيقية لم تكن تخفى على أحد. ثمّ أنهم عبّروا عن ثقة دائمة في اللّه، وعن رغبة دائمة في طاعة شريعته وأوامره الخاصة، حتى وإن قادهم ذلك إلى الموت. أما ثقتهم في اللّه فقد دلّت عليها حياة التضحية التي مارسوها كل يوم، لأنه لم يكن يهمّهم إرضاء البشر على الإطلاق بل إرضاء اللّه في كل ما يقولونه ويعملونه ويفكرون فيه. أما المعجزات التي صحبت خدمتهم فلم يستعملوها لنيل ربح شخصي، بل على العكس نراهم يقشعرون عندما يحاول أحد أن يعطيهم سلطة إلهية، أو عندما يعتقد البعض أن معجزاتهم تلك ناتجة عن مقدرة كامنة فيهم.
    من هنا وجب علينا أن نتذكر أن يسوع لم يكن مجرد نَّبِيُّ عادي، فإن تفوّقه المعجزي والأخلاقي لم يكن الفارق الجوهري الوحيد، لأنه بعكس باقي أنَّبِيُّاء الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ تمتع بمركزه وخدمته النبويتين من قبل مجيئه إلى عالم البشر. إن «روح المسيح» هو الذي دلَّ الأَنْبِيَاءِ وقادهم وأعلان إليهم من قَبْل مجيئه «10الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، 11بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا. 12الَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ الآنَ بِوَاسِطَةِ الَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُرْسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. الَّتِي تَشْتَهِي الْمَلاَئِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى1: 10-12).
    كما أن مهمة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النبوية امتدّت إلى المستقبل، حتى بعد عودته إلى يمين العظمة في السماء، لأنها كانت ذات فعالية قبل وأثناء تجسّده. فهو إذ صعد إلى السماء واصل خدمته النبوية عبر رسله الأطهار «1اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ1: 1). ثم أنه لا يزال يقوم بمهمته النبوية تلك بواسطة الروح القدس المعزِّي الذي أرسله إلى كنيسته لينعشها ويقويها ويطبق في حياتها مطالب كلمته الطاهرة «26وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 26)، «12إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لأَقُولَ لَكُمْ، وَلَكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا16: 12-14).

    إلى اللقاء مع
    الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: أولاً: الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو النبي الذي أرسله الله د.القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top