مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
v مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا
قال الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «25مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ
نَفْسَهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا12: 25).
ويقصد بذلك: من «يُحِبُّ نَفْسَهُ» محبة خاطئة، يُهْلِكُهَا، أما عبارة «وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ»، فالمقصود بها: من لا يعطي نفسه كل
ما تريد. بل تكون عنده فضيلة «ضبط النفس», فلا يجعلها تسلك حسب هواها، بل يمنعها
عن شهواتها إن كاتي تلك الشهوات ضد وصية الله. وبهذا المنع «يحفظها إلي حياة أبدية».
وقد تكرر عبارة «يُبْغِضُ نَفْسَهُ» في «26إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ
أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ،
حَتَّى نَفْسَهُ
أَيْضاً، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً»(إِنْجِيلُ
لُوقَا14: 26)، حيث يقول الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «وَلاَ يُبْغِضُ...حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ
لِي تِلْمِيذاً».. إذن هذا شرط للتلمذة علي الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ولكن
هي يقدر الإنسان علي هذا؟
كل إنسان يحب نفسه. وليس في هذا خطأ. إذ تقول الوصية الإلهية «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» «39وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى22: 39) «19أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى19: 19).
إذا، ما هي المحبة الحقيقية للنفس؟
المحبة الحقيقية للنفس هي أن تحفظ لها طهارتها ونقاوتها، ولا
تسمح لها أبدا أن تنفصل عن الله بالخطية، بل تحب الله من كل القلب ومن كل الفكر «37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ
كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى22: 37). والمحبة الحقيقية للنفس هي تدريبًا علي النمو الرُّوحِي،
حتي تصل إلي حياة القداسة وإلي الكمال حسب وصية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «48فَكُونُوا
أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى5: 48).
غير أن البعض في بنائهم لأنفسهم يلجأون إلي طرق خاطئة تضيعهم!
وأول طريقة خاطئة في محبة النفس هي شبعها لذاتها وشهواتها. ولو
كانت شهواتها روحية، لأصبح هذا خيرا. لكن الخطأ هو في شبعها باللذات عن طريق
الحواس.. لذة جسدانية مادية لا تفيدها بل إن هذه اللذة الجسدانية تقودها إلي
الشهوة وإلي الخطية..«16لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ
الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ»(رِّسَالَةُ
يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى2: 16).
وهذه المحبة لشَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَلشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَلتَعَظُّمَ
الْمَعِيشَةِ
يمكن أن تقود إلي الملاذ التي وقع فيها سليمان حينما قال: «10وَمَهْمَا
اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ لأَنَّ
قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي. وَهَذَا كَانَ نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي»(سِفْرُ
الْجَامِعَةِ2: 10). شهوة القنية والمال والرفاهية والنساء. إلي أن عرف
أخيرا أن كل هذا باطل وقبض الريح..
والمحبة الجسدانية للنفس، قد تمنع الإنسان عن الصوم، وقد تمنعه
أيضا عن السهر.. كما تمنعه أيضا عن طهارة الجسد..
والذي يمتع ذاته بلذة الجسد والحواس، إنما هو يهلكها..
وينسي أن «17وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا
الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ»(رِّسَالَةُ
يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى2: 17). وينسي أيضا قصة الغني الغبي الذي ظن
في محبته لنفسه قائلا لها: «19وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ
كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!»(إِنْجِيلُ
لُوقَا12: 19). ومثله أيضا غني لعازر «25فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ
فِي حَيَاتِكَ، وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ
يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ»(إِنْجِيلُ لُوقَا16: 25).
وبذلك فقد العزاء الأبدي. هو أيضا أحب نفسه فأهلكها.
نعم، يهلك نفسه كل من يريد – في محبته الخاطئة لها – أن يمنحها
لذة العالم، ورفاهية الحياة, ومتع الحياة، وتنعم الحواس.
وهناك من لا يلذذ نفسه بالحواس، وإنما بالفكر.
وما لا يدركه بالفعل، يناله بالفكر. كل ما يريد أن يتمتع به،
يكفيه أن يغمض عينيه، ويؤلف حكايات وقصصا وخيالا وأحلام يقظة، ويلتذ بكل هذا.
ويقول لنفسه: سوف أصير وأكون، وأعمل وأتمتع.. ويمكن أن يغرق في هذا الفكر
بالساعات.
والمحرمون في الحياة العملية, يعوضون أنفسهم بالفكر والخيال.
يدخلون في لذة أحلام اليقظة، وكما يقول المثل العامي «الجوعانة
تحلم بسوق العيش». وهكذا يسرح الإنسان في الخيال..كتلميذ لم يذاكر. فتراه يترك
كتابه، ويسبخ في أفكار كثيرة: أنه نجح وتفوق، والتحق بكلية عالية المستوي، وتخرج
وصار..وصار..ثم يستيقظ من أحلام اليقظة ليري أنه أضاع فيها وقتا كان يحتاج إليه في
مذكراته.
إن الخيال لون من المتعة، أوسع بكثير من متعة الحواس. ذلك لأن
مجال الفكر والخيال غير محدود، وأوسع بكثير من مجال النظر والسمع وباقي الحواس.
وفي هذا الخيال يتصور تصورات لا يمكن أن يتحقق في الواقع. فمن يحب نفسه بأن يمتعها
عن طريق الخيال، إنما يخدرها. وحينما تفيق، تجد أنها في الفراغ.
ولعل من هذا النوع المرضي بالبارانويا Paranoia أي جنون
العظمة. تحضرني في هذا المجال قصة حدثت من حوالي نصف قرن. حيث ذهب بعض طلبة من
كلية الطب في زيارة إلي مستشفي الأمراض العقلية، لكي يشاهدوا المرضي علي الطبيعة.
فرأوا واحدا منهم يدعي أنه رسول من الله! وكان واقفا يدعو الناس إلي الإيمان
برسالته. فلما انتهوا من سماعه، رأوا إلي جواره مريضا اّخر جالسا في اتزان وهدوء..
فسألوا لماذا لم تستمع إلي خطاب (رسول الله)؟ فقال لهم: لا تصدقوا ادعاءه أنه رسول
الله. فأنا لم أرسله أبدا!!
فهناك أشخاص يظنون في محبة الذات، أنهم يمتعوها بالعظمة. يظن
الواحد منهم أنه يحقق ذاته بالعظمة، وأول مثال لذلك: الشيطان الذي قال «14أَصْعَدُ
فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ»(سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ14: 14). وبنفس العظمة حارب أبوينا الأولين قاْلا لهما «5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ
أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3: 5). ومثال ذلك أولئك الذين أرادوا بناء برج بابل قائلين: «4وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ
بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى
وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ11: 4).
وكل هؤلاء الذين أحبوا أنفسهم محبة خاطئة، بالعظمة.. أضاعوا
أنفسهم: سواء الشيطان، أو أدم وحواء، أو بناة برج بابل. فالذين أحبوا أنفسهم
بالعظمة فأهلكوها، إنما كان قصدهم هو العظمة فأهلكوها، إنما كان قصدهم هو العظمة
العالمية، وليس العظمة الرُّوحِية.
فالعظمة الرُّوحِية يصل إليها الإنسان بالإتضاع. كما قال الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ «كل من يرفع نفسه يتضع. ومن يضع نفسه يرتفع»«14أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ
مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ
يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ»(إِنْجِيلُ
لُوقَا18: 14). فالذي يحب نفسه محبة حقيقية، عليه أن يهرب من الرفعة. لأن «12فَإِنَّ
لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْماً عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَالٍ وَعَلَى كُلِّ
مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ...17فَيُخْفَضُ
تَشَامُخُ الإِنْسَانِ وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ
وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ»(سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ2: 12و17).
ولنا مثال علي ذلك هيرودس الملك الذي بسبب العظمة «22فَصَرَخَ الشَّعْبُ: «هَذَا صَوْتُ إِلَهٍ لاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ!» 23فَفِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ
يُعْطِ الْمَجْدَ لِلَّهِ فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ12: 22و23). هو أيضا أحب نفسه بالعظمة فأهلكها.
الذي يحب نفسه بالعظمة، قد يدخل في حروب ومنافسات تضيعه.
مثال ذلك: أبشالوم بن داود، الذي أراد أن يرفع نفسه بأن يأخذ
عرش أبيه في حياته. فقادته هذه الشهوة إلي أن يدخل في حرب ضد أبيه، وينجس سراريه.
وكانت أنه مات خاطئًا وهالكًا «15وَأَمَّا أَبْشَالُومُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ رِجَالُ
إِسْرَائِيلَ فَأَتُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَخِيتُوفَلُ مَعَهُمْ. 16وَلَمَّا جَاءَ حُوشَايُ الأَرْكِيُّ صَاحِبُ
دَاوُدَ إِلَى أَبْشَالُومَ، قَالَ: «لِيَحْيَ الْمَلِكُ! لِيَحْيَ الْمَلِكُ!» 17فَقَالَ أَبْشَالُومُ لِحُوشَايَ: «أَهَذَا
مَعْرُوفُكَ مَعَ صَاحِبِكَ؟ لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعَ صَاحِبِكَ؟» 18فَقَالَ حُوشَايُ لأَبْشَالُومَ: «كَلاَّ،
وَلَكِنِ الَّذِي اخْتَارَهُ الرَّبُّ وَهَذَا الشَّعْبُ وَكُلُّ رِجَالِ
إِسْرَائِيلَ فَلَهُ أَكُونُ وَمَعَهُ أُقِيمُ. 19وَثَانِياً:
مَنْ أَخْدِمُ؟ أَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِهِ؟ كَمَا خَدَمْتُ بَيْنَ يَدَيْ
أَبِيكَ كَذَلِكَ أَكُونُ بَيْنَ يَدَيْكَ». 20وَقَالَ
أَبْشَالُومُ لأَخِيتُوفَلَ: «أَعْطُوا مَشُورَةً مَاذَا نَفْعَلُ»(سِفْرُ
صَمُوئِيلَ الثَّانِي16: 15–20). هو أيضا أحب نفسه – محبة خاطئة – فأهلكها.
عكس يوحنا المعمدان الذي اتضع فارتفع. كان باستمرار يقول: «11أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلَكِنِ الَّذِي
يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ
حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى3: 11)، «16أجَابَ يُوحَنَّا لِلْجَمِيعِ قَائِلاً: «أَنَا
أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلَكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ
أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ
وَنَارٍ»(إِنْجِيلُ لُوقَا3: 16)، «27هُوَ الَّذِي
يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي
صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ
حِذَائِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 27)، «30يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. 31اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ
الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ
يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ،»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا3: 30و31).
يوحنا هذا الذي كان فوق مستوي (الأنا)، هو الذي وصفه ربنا يسوع
المسيح بأنه «11اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ
النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلَكِنَّ الأَصْغَرَ فِي
مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى11: 11).
ما أجمل ما قيل عن الله – في هذا المجال – إنه «5مَنْ مِثْلُ الرَّبِّ إِلَهِنَا السَّاكِنِ فِي
الأَعَالِي 6النَّاظِرِ الأَسَافِلَ
فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور113: 5و6). والكائنات المتواضعة هي البعيدة
عن (الأنا).
هناك أشخاص اخرون يحاولون أن يبنوا ذواتهم بمظهر من الزعامة في
نظرهم أو (ببطولة) تستخدم أسلوب الصراع والعراك. تجدهم كشعلة من نار، في حماس
مستمر، للنقد والهدم والتحطيم!! دون أن يقوموا بأي عمل إيجابي بناء. إنما لا تسمع
من أفواههم سوي عبارة هذا خطأ وهذا مخطئ. ولذتهم هي في انتقاد الكبار. ومثلهم
الأعلي هو (طرزان Tarzan) الذي يقفز علي
الجبال, ويضرب هذا وذاك. شأنهم شأن الفتيان الذين يحبون الأفلام السينمائية التي
فيها ضرب نار، وقلب عربات، وتخريب وقتل، ويسمونها أفلام البطولات.
الواحد من هؤلاء يري ذاته بطلا، حينما يقول: فلان هذا سأوقعه،
وفلان هذا سأضيعه! وفلان هذا لن يفلت من يدي! سأريه من هو!!
إنه الطبع الذي يسمونه (الطبع الناري). دائم الهجوم، دائم
العدوان، دائم الغضب والاقتحام. يبني ارتفاعه علي جماجم الاخر. ويري لذاته في
تحطيم غيره. نفسه التي يحبها بهذا الأسلوب، هو يهلكها، وفيما يظن أنه يحطم
الاخرين. إنما يحطم نفسه. ولا يكسب الدنيا ولا الاخرة.
إنه مثل التلميذ المشاكس في الفصل. يظن أنه يكون ظاهرا بأعمال
(الشقاوة). وأخيرا يضيع نفسه. ويكون النجاح لزميله الهادئ المتزن. يري ذاته حينما
يتعب المدرسين، ولا يأبه باحترامهم. ويظن عمله جرأة وقوة وشجاعة. ولكنه بكل هذا
قضي علي نفسه بالضياع. وينطبق عليه «مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا».