ماذا بعد الرحيل أو الانتقال (الْمَوْتُ الجسدي)؟
في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ
د. إعداد القس سامي منير اسكندر
كل من تغرب عن الجسد «13اقْتَصِرْ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ فَلاَ أُوجَدَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور39: 13)، «8لاَ تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا!... 21وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي
لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ؟ تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ!»(سِفْرُ أَيُّوبَ7: 8و21)، «10لاَ يَرْجِعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ»(سِفْرُ أَيُّوبَ7: 10).
هذا هو الانطباع الأوّل لعدم
الوجود، لأن ما يجري بعد الْمَوْتُ يخفى عن أعين الأحياء. ومع ذلك، فليس الْمَوْتُ،
في المعتقدات البدائية التي حافظ عليها نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ طويلاً، فناءً كاملاً. فبينما يوضع الجسد في الْهَاوِيَةَ التي هي حفرة تحت الأرض، يظل شيء
ما من المتوفى بمثابة أثر له باق في الْهَاوِيَةَ (شيول).
ولكنّ هذه الْهَاوِيَةَ يترك بطريقة بدائية جداً، على شكل
حفرة فاغرة أو بئر عميق، وكأنه موضع صمت «17لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ
وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور115: 17)، وهلاك، وظلمات، ونسيان «12هَلْ تُعْرَفُ فِي الظُّلْمَةِ عَجَائِبُكَ
وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ النِّسْيَانِ؟ 13أَمَّا أَنَا فَإِلَيْكَ يَا رَبُّ صَرَخْتُ وَفِي الْغَدَاةِ صَلاَتِي تَتَقَدَّمُكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور88: 12-13)، «13إِذَا رَجَوْتُ الْهَاوِيَةَ بَيْتاً لِي
وَفِي الظَّلاَمِ مَهَّدْتُ فِرَاشِي»(سِفْرُ أَيُّوبَ17: 13)،
يجتمع فيه كل الأموات ويتركون في
نفس المصير البائس «13لأَنِّي قَدْ كُنْتُ الآنَ مُضْطَجِعاً سَاكِناً.
حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحاً 14مَعَ
مُلُوكٍ وَمُشِيرِي الأَرْضِ الَّذِينَ بَنُوا أَهْرَاماً لأَنْفُسِهِمْ 15أَوْ مَعَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ ذَهَبٌ
الْمَالِئِينَ بُيُوتَهُمْ فِضَّةً 16أَوْ
كَسِقْطٍ مَطْمُورٍ فَلَمْ أَكُنْ كَأَجِنَّةٍ لَمْ يَرُوا نُوراً. 17هُنَاكَ يَكُفُّ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغَبِ
وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. 18الأَسْرَى
يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعاً. لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. 19الصَّغِيرُ كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ
وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ»(سِفْرُ أَيُّوبَ3: 13-19)،
«9اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ لاِسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ
مُنْهِضَةٌ لَكَ الأَخِيلَةَ جَمِيعَ عُظَمَاءِ الأَرْضِ. أَقَامَتْ كُلَّ مُلُوكِ
الأُمَمِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ. 10كُلُّهُمْ
يُجِيبُونَ وَيَقُولُونَ لَكَ: أَأَنْتَ أَيْضاً قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا
وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ14: 9-10)،
وإن تفاوت درجات خزيهم «17وَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ فِي الْخَامِسِ عَشَرَ مِنَ
الشَّهْرِ أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ: «18يَا
ابْنَ آدَمَ, وَلْوِلْ عَلَى جُمْهُورِ مِصْرَ وَأَحْدِرْهُ هُوَ وَبَنَاتِ
الأُمَمِ الْعَظِيمَةِ إِلَى الأَرْضِ السُّفْلَى مَعَ الْهَابِطِينَ فِي
الْجُبِّ. 19مِمَّنْ نَعِمْتَ
أَكْثَرَ؟ انْزِلْ وَاضْطَجِعْ مَعَ الْغُلْفِ. 20يَسْقُطُونَ
فِي وَسَطِ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. قَدْ أُسْلِمَ السَّيْفُ. أَمْسِكُوهَا مَعَ
كُلِّ جُمْهُورِهَا. 21يُكَلِّمُهُ
أَقْوِيَاءُ الْجَبَابِرَةِ مِنْ وَسَطِ الْهَاوِيَةِ مَعَ أَعْوَانِهِ. قَدْ
نَزَلُوا. اضْطَجَعُوا غُلْفاً قَتْلَى بِالسَّيْفِ. 22هُنَاكَ أَشُّورُ وَكُلُّ جَمَاعَتِهَا. قُبُورُهُ مِنْ
حَوْلِهِ. كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ. 23اَلَّذِينَ جُعِلَتْ قُبُورُهُمْ فِي أَسَافِلِ
الْجُبِّ وَجَمَاعَتُهَا حَوْلَ قَبْرِهَا, كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ
بِالسَّيْفِ الَّذِينَ جَعَلُوا رُعْباً فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ. 24هُنَاكَ عِيلاَمُ وَكُلُّ جُمْهُورِهَا حَوْلَ
قَبْرِهَا, كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ الَّذِينَ هَبَطُوا غُلْفاً
إِلَى الأَرْضِ السُّفْلَى, الَّذِينَ جَعَلُوا رُعْبَهُمْ فِي أَرْضِ
الأَحْيَاءِ. فَحَمَلُوا خِزْيَهُمْ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. 25قَدْ جَعَلُوا لَهَا مَضْجَعاً بَيْنَ
الْقَتْلَى مَعَ كُلِّ جُمْهُورِهَا. حَوْلَهُ قُبُورُهُمْ كُلُّهُمْ غُلْفٌ
قَتْلَى بِالسَّيْفِ, مَعَ أَنَّهُ قَدْ جُعِلَ رُعْبُهُمْ فِي أَرْضِ
الأَحْيَاءِ. قَدْ حَمَلُوا خِزْيَهُمْ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. قَدْ
جُعِلَ فِي وَسَطِ الْقَتْلَى. 26هُنَاكَ
مَاشِكُ وَتُوبَالُ وَكُلُّ جُمْهُورِهَا. حَوْلَهُ قُبُورُهَا. كُلُّهُمْ غُلْفٌ
قَتْلَى بِالسَّيْفِ, مَعَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا رُعْبَهُمْ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ.
27وَلاَ يَضْطَجِعُونَ مَعَ
الْجَبَابِرَةِ السَّاقِطِينَ مِنَ الْغُلْفِ النَّازِلِينَ إِلَى الْهَاوِيَةِ
بِأَدَوَاتِ حَرْبِهِمْ, وَقَدْ وُضِعَتْ سُيُوفُهُمْ تَحْتَ رُؤُوسِهِمْ,
فَتَكُونُ آثَامُهُمْ عَلَى عِظَامِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ رُعْبُ الْجَبَابِرَةِ فِي
أَرْضِ الأَحْيَاءِ. 28أَمَّا أَنْتَ
فَفِي وَسَطِ الْغُلْفِ تَنْكَسِرُ وَتَضْطَجِعُ مَعَ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. 29هُنَاكَ أَدُومُ وَمُلُوكُهَا وَكُلُّ
رُؤَسَائِهَا الَّذِينَ مَعَ جَبَرُوتِهِمْ قَدْ أُلْقُوا مَعَ الْقَتْلَى
بِالسَّيْفِ, فَيَضْطَجِعُونَ مَعَ الْغُلْفِ وَمَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. 30هُنَاكَ أُمَرَاءُ الشِّمَالِ كُلُّهُمْ
وَجَمِيعُ الصَّيْدُونِيِّينَ الْهَابِطِينَ مَعَ الْقَتْلَى بِرُعْبِهِمْ, خَزُوا
مِنْ جَبَرُوتِهِمْ وَاضْطَجَعُوا غُلْفاً مَعَ قَتْلَى السَّيْفِ, وَحَمَلُوا
خِزْيَهُمْ مَعَ الْهَابِطِينَ إِلَى الْجُبِّ. 31يَرَاهُمْ
فِرْعَوْنُ وَيَتَعَزَّى عَنْ كُلِّ جُمْهُورِهِ. فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُمْهُورِهِ
قَتْلَى بِالسَّيْفِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 32لأَنِّي
جَعَلْتُ رُعْبَهُ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ, فَيُضْجَعُ بَيْنَ الْغُلْفِ مَعَ
قَتْلَى السَّيْفِ, فِرْعَوْنُ وَكُلُّ جُمْهُورِهِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ»(سِفْرُ حِزْقِيَال32: 17-32):
يسلمون إلى مَغَالِيقِ الْهَاوِيَةِ (التراب)«16تَهْبِطُ إِلَى
مَغَالِيقِ الْهَاوِيَةِ إِذْ تَرْتَاحُ مَعاً
فِي التُّرَابِ»(سِفْرُ أَيُّوبَ17: 16)،
«16لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ
الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور22: 16)،
«10اسْتَمِعْ يَا رَبُّ وَارْحَمْنِي. يَا رَبُّ كُنْ
مُعِيناً لِي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور30: 10)،
ولِلْقَبْرِ وَلِلدُّودِ «11أُهْبِطَ
إِلَى الْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ رَنَّةُ أَعْوَادِكَ. تَحْتَكَ تُفْرَشُ الرِّمَّةُ
وَغِطَاؤُكَ الدُّودُ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ14: 11)، «14وَقُلْتُ
لِلْقَبْرِ: أَنْتَ أَبِي وَلِلدُّودِ: أَنْتَ أُمِّي وَأُخْتِي»(سِفْرُ أَيُّوبَ17: 14)،
وجودهم سبات «4لِئَلاَّ
يَقُولَ عَدُوِّي: «قَدْ قَوِيتُ عَلَيْهِ». لِئَلاَّ يَهْتِفَ مُضَايِقِيَّ
بِأَنِّي تَزَعْزَعْتُ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور13: 4).
لا أمل بعد ولا معرفة لله، ولا
إحساس بمعجزته، ولا تسبيح مقدمة له «6تَعِبْتُ فِي
تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ
فِرَاشِي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور6: 6)، «10اسْتَمِعْ يَا رَبُّ وَارْحَمْنِي. يَا رَبُّ كُنْ
مُعِيناً لِي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور30: 10)، «12هَلْ تُعْرَفُ فِي الظُّلْمَةِ عَجَائِبُكَ
وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ النِّسْيَانِ؟ 13أَمَّا أَنَا فَإِلَيْكَ يَا رَبُّ صَرَخْتُ وَفِي الْغَدَاةِ صَلاَتِي تَتَقَدَّمُكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور88: 12-13)، «7لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي وَلاَ تَنْطِقُ
بِحَنَاجِرِهَا»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور115: 7)، «18لأَنَّ الْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. الْمَوْتُ لاَ
يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو الْهَابِطُونَ إِلَى الْجُبِّ أَمَانَتَكَ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ38: 18).
فان الله نفسه لا يعود يذكر الْمَوْتُى «6وَضَعْتَنِي
فِي الْجُبِّ الأَسْفَلِ فِي ظُلُمَاتٍ فِي
أَعْمَاقٍ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور88: 6).
وهم بعد عبورهم أبواب الْمَوْتِ «17هَلِ
انْكَشَفَتْ لَكَ أَبْوَابُ الْمَوْتِ أَوْ
عَايَنْتَ أَبْوَابَ ظِلِّ الْمَوْتِ؟»(سِفْرُ أَيُّوبَ38: 17)،
لا يمكنهم العودة منه البتة «21قَبْلَ
أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ
ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ 22أَرْضِ
ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ وَإِشْرَاقُهَا
كَالدُّجَى»(سِفْرُ أَيُّوبَ10: 21-22).
ذلك هو التطلّع الكئيب الذي ينتظر الإِنْسَانَ،
ساعة «29وَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا
أَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِي. ادْفِنُونِي عِنْدَ
آبَائِي فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي فِي
حَقْلِ عِفْرُونَ الْحِثِّيِّ »(سِفْرُ التَّكْوِينِ49: 29). وهذه الصورة لا تقدم إلا شكلاً ملموساً لانطباعات
تلقائية عامة عند جميع البشر، وما زال يتمسك بها كثير من معاصرينا. إذ ظل نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ في هذا الصدد على هذا المستوى من المعتقد،
حتى وقت متأخر، وهو دليل على أنه، خلاف العقيدة المصرية والفلسفة اليونانية
الروحانية، يرفض أن يقلل من قيمة الحياة الدنيا وأن يتجه بآماله نحو خلود خيالي.
لقد انتظر حتى يضيء الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بوسائله الخاصة سر ما
بعد الْمَوْتُ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق