1)
أسئلة عن الخليقة
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
عن كتاب علم اللاهوت النظامي (بتصرف وتبسيط)
عن كتاب علم اللاهوت النظامي (بتصرف وتبسيط)
تأليف: القس جيمس أَنِس
اسم المُرَاجِع والمنقِّح: الدكتور القس منيس عبد النور
راعي الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة. القاهرة
السؤال الثَّالِثُ
أذكر الأدلة عَلَى «الخَلَقَ
مَنْ لا شيء»؟
1)
نص الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عَلَى
هذا التعليم، فتقول فاتحة التوراة «1فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ1: 1). والكلمة العبرانية المترجمة «الْبَدْءِ»: ([1])
רֵאשִׁית
، rê'shı̂yth ، ray-sheeth'
هي
فِي الأصل بدون «أل» التعريف، وهي تدل عَلَى زمنٍ قبل الوقت الَّذِي شرع الله فيه فِي
إيجاد المواد. وليس فِي الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أقل تلميح إِلَى
وجود شيء مَنْ المخلوقات قبل ذلك الوقت المُعبَّر عنه بالْبَدْءِ. ويؤيد تفسيرنا
أن كلمة «الْبَدْءِ» هنا تدل عَلَى زمنٍ معلوم قبل إيجاد الكائنات قول الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ «5وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ
الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا17: 5)، وقول الإِنْجِيل: «4كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ،
لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1: 4)، وقول الحكيم في نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ: «23مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ مُنْذُ الْبَدْءِ مُنْذُ
أَوَائِلِ الأَرْضِ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ8: 23)،
وقول الإِنْجِيل: «1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ،
وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا1:
1).
فيتضح
مَنْ ذلك أن كلمة «الْبَدْءِ» تُستعمل هنا
لتدل عَلَى زمن فِي الأزل قبل إيجاد شيء مَنْ المخلوقات، وهُوَ بمعنى قول المرنم
في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ: «25مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ
عَمَلُ يَدَيْكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور102:
25). والكلمة المترجمة «خَلَقَ» تدل عَلَى الإيجاد مَنْ العدم بكلمة الله القدير.
ونجد
فِي العهد القديم ثلاثة أفعال عبرية تصف إيجاد الكون وتنظيمه وهي «بَرَا» وتُرجمت إِلَى العربية «خَلَقَ»
و«يَتْسَر» وتُرجمت «جبَلَ»
و«عَسَا» وتُرجمت تارة «عمل»
وأخرى «صنع».
وقد
جاء الفعل برأ فِي الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عَلَى وزني الفعلين
العبريين: «قال» و«نِفْعَل» («قال» للمعلوم كفعل، و«نِفْعل» للمجهول كفُعِل) نحو
48 مرة للدلالة عَلَى عمل الله، ولم يُستعمل مطلقاً عَلَى أحد هذين الوزنين
للدلالة عَلَى عمل الإنسان. وأمَا وزن «فعَّل» منه فهُوَ كمَا فِي العربية للتكثير
والمبالغة، وقد جاء فِي الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بمعنى «قطع» أو «صوَّر»
خمس مرات منسوباً إِلَى البشر «15فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: «إِنْ كُنْتَ شَعْباً عَظِيماً,
فَاصْعَدْ إِلَى الْوَعْرِ وَاقْطَعْ لِنَفْسِكَ هُنَاكَ فِي أَرْضِ
الْفِرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ, إِذَا ضَاقَ عَلَيْكَ جَبَلُ أَفْرَايِمَ...18بَلْ يَكُونُ لَكَ الْجَبَلُ لأَنَّهُ وَعْرٌ,
فَتَقْطَعُهُ وَتَكُونُ لَكَ مَخَارِجُهُ. فَتَطْرُدُ الْكَنْعَانِيِّينَ لأَنَّ
لَهُمْ مَرْكَبَاتِ حَدِيدٍ لأَنَّهُمْ أَشِدَّاءُ»(سِفْرُ
يَشُوع17: 15و18)، و«19وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ عَيِّنْ لِنَفْسِكَ
طَرِيقَيْنِ لِمَجِيءِ سَيْفِ مَلِكِ بَابِلَ. مِنْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ تَخْرُجُ
الاِثْنَتَانِ. وَاصْنَعْ صُوَّةً عَلَى رَأْسِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ»(سِفْرُ
حِزْقِيَال21: 19)، و«14وَزَادَتْ زِنَاهَا. وَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى رِجَالٍ
مُصَوَّرِينَ عَلَى الْحَائِطِ, صُوَرُ الْكِلْدَانِيِّينَ مُصَوَّرَةً
بِمُغْرَةٍ,»(سِفْرُ حِزْقِيَال23: 14).
ويتضح
ممَا تقدم أن كتَبَة التوراة خصَّصوا الوزن المعلوم مَنْ هذا الفعل للعمل الإلهي
دلالةً عَلَى الخَلَقَ المطلق مَنْ لا شيء، أو الخَلَقَ بمعنى إبداع شيء جديد مَنْ
مواد موجودة. وكلاهمَا دائماً يفيدان إيجاد شيء بقوة الله مباشرةً بدون سبب طبيعي.
أمَا قوله: «1فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ1: 1)، فيدل عَلَى أن الخَلَقَ مَنْ العدم هُوَ بقوة الله، أي
إيجاد المواد الأصلية مَنْ لا شيء، لأنه لم يذكر مادة صنع الله منها السماوات
والأرض، وهذا مَا نستنتجه مَنْ كلمة «الْبَدْءِ».
ولا يمكن أن يكون المقصود بذلك نظام الأرض عَلَى هيئتها الحاضرة، لأن آية 2 تقول
إنها بقيت مدة بعد إيجادها خربة وخالية، ولورود خبر تنظيمها فِي بقية الأصحاح.
فواضح
أن «1فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ1: 1)، يدل عَلَى الخَلَقَ مَنْ العدم، وهُوَ مَا تقوله آيات
أخرى كثيرة، وهذا ينفِي القول بأزلية المواد وألوهية الكون.
2)
تدل بعض آيات الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عَلَى هذا التعليم، ومنها
القول :«3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ،
لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقاً»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ2: 3). وهُوَ يدل عَلَى أن العمل الَّذِي استراح منه هُوَ الخَلَقَ
أي الإيجاد مَنْ العدم، ويؤيد ذلك نسبة الخَلَقَ إليه فقط. «3بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ
بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ»(الرِّسَالَةُ
إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ11: 3)، «16فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ
سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي1: 16)، «6بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ
وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور33: 6)، «5لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور148: 5).
ولم
يرد فِي هذه الآيات وأمثالها ذكر وجود مواد قبل الخَلَقَ صنع الله منها الموجودات،
بل بالعكس أُشير إِلَى أنها وجدت بكلمة الرب أو أمره أو قوته، وأنه قال «ليكن كذا»
فكان. وممَا يثبت ذلك تمييز الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بين أزلية الْخَالِق
وحداثة المخلوق، فقال المرنم في نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ: «2مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الْجِبَالُ أَوْ أَبْدَأْتَ
الأَرْضَ وَالْمَسْكُونَةَ مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور90: 2).
وقال «الحكمة»
في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ: «23مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ مُنْذُ الْبَدْءِ مُنْذُ
أَوَائِلِ الأَرْضِ. 24إِذْ لَمْ
يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ. 25مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ
التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ. 26إِذْ لَمْ
يَكُنْ قَدْ صَنَعَ الأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ الْبَرَارِيَّ وَلاَ أَوَّلَ أَعْفَارِ
الْمَسْكُونَةِ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ8:
23-26).
وقال
الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «24أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ
أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي
الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ. 4أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي
أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ.5وَالآنَ
مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي
عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 24و4و5).
3)
شهادة الشعور ولسان حال الطبيعة المادية، فكلنا يشعر بوجوده واستقلاله عن غيره
وعدم أزليته، وبالنتيجة أنه مخلوق نفساً وجسداً، وله بداية. فإذا سلّمنا بخَلَقَ
النفس مَنْ لا شيء سهُل علينا التسليم بإمكان إيجاد المواد مَنْ لا شيء. وإذا
تبرهن مَنْ الشعور ومَنْ شهادة الطبيعة ومَنْ تعليم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ الصريح وجود علة أصلية قادرة عاقلة واجبة الوجود حكيمة مختارة، وجب
أن ننسب إليها إبداء الكون. ولا شك أن ذلك يسهّل فهم حقائق الخليقة ويعلّل حوادث
الكون وغرائبه تعليلاً وافياً، فلا تبقى حاجة بعدُ إِلَى تكثير الافتراضات
والتخمينات لاكتشاف أصلٍ آخر للخليقة.
ويشهد
لسان حال الطبيعة المادية بوجود خالق للمخلوقات، ليس فقط بواسطة مَا يُرى مَنْ علامات
القصد فِي نظامها، بل بواسطة مَا يُرى مَنْ ذلك فِي طبيعة المواد الأصلية التي
تكوّنت منها، لأن وجودها فِي تلك تستلزم وجودها فِي هذه. وإذا بحثنا فِي المواد
الأساسية الأصلية رأينا فيها أدلة قاطعة عَلَى أنها صُنعت لهدفٍ، لمَا بينها مَنْ العلاقة
والمشابهة والموافقة. وإذا سلّمنا بذلك كان لا بد مَنْ التسليم بوجود أصل عقلي
لتعليل تلك العلاقات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق