إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
لا تشير البركة،
غالباً،
إلا إلى أكثر صيغ الدين سطحيةً، وإلى عبارات من التمتمة،
وممارسات خالية من المعنى،
يزداد تمسك المرء بها بقدر ما يقل إيمانه. ومن هنا كان عدم
الاكتراث فعلاً لكلمات البركة، بل وللحقيقة التي يمكن أن تعنيها هذه الكلمات. ومع
ذلك، فإن آخر حركة مرئية للمسيح على الأرض، وهي رفع يديه مودعاً بركته لكنيسته«50وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ
يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. 51وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ،
انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 50-51).
يستخدم أصل واحد
في اللغة العبرية وهو الكلمة العبرية: برك. وتمتّ هذه الكلمة إلى الركبة وإلى السجود،
ولعله أيضاً إلى القوة الحيوية للأعضاء الجنسية للدلالة على كل صور البركة، بكل
مستوياتها. فثمة كلمات ثلاث بالعبرية تعبّر عن البركة باعتبارها في الوقت نفسه شيئاً
معطى، وعطاء الشيء، وأسلوب تقديم هذه العطية: الاسم «براكاه» والفعل «باريك»، والصفة «باروك».
البركة تنطوي هذه الكلمة، حتى في أكثر معانيها
الدنيوية والمادية، أي في معنى «هدية»، على نوع دقيق
بالغ الوضوح من اللقاء بين إنسان وآخر.
فالهدايا
المقدمة من أبيجايل لداود «14فَأَخْبَرَ أَبِيجَايِلَ امْرَأَةَ نَابَالَ غُلاَمٌ
مِنَ الْغِلْمَانِ: «هُوَذَا دَاوُدُ أَرْسَلَ رُسُلاً مِنَ الْبَرِّيَّةِ لِيُبَارِكُوا سَيِّدَنَا فَثَارَ عَلَيْهِمْ. 15وَالرِّجَالُ مُحْسِنُونَ إِلَيْنَا جِدّاً,
فَلَمْ نُؤْذَ وَلاَ فُقِدَ مِنَّا شَيْءٌ كُلَّ أَيَّامِ تَرَدُّدِنَا مَعَهُمْ
وَنَحْنُ فِي الْحَقْلِ. 16كَانُوا
سُوراً لَنَا لَيْلاً وَنَهَاراً كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا مَعَهُمْ
نَرْعَى الْغَنَمَ. 17وَالآنَ اعْلَمِي
وَانْظُرِي مَاذَا تَعْمَلِينَ, لأَنَّ الشَّرَّ قَدْ أُعِدَّ عَلَى سَيِّدِنَا
وَعَلَى بَيْتِهِ, وَهُوَ ابْنُ لَئِيمٍ لاَ يُمْكِنُ الْكَلاَمُ مَعَهُ». 18فَبَادَرَتْ أَبِيجَايِلُ وَأَخَذَتْ مِئَتَيْ
رَغِيفِ خُبْزٍ وَزِقَّيْ خَمْرٍ وَخَمْسَةَ خِرْفَانٍ مُهَيَّأَةً وَخَمْسَ
كَيْلاَتٍ مِنَ الْفَرِيكِ وَمِئَتَيْ عُنْقُودٍ مِنَ الزَّبِيبِ وَمِئَتَيْ
قُرْصٍ مِنَ التِّينِ وَوَضَعَتْهَا عَلَى الْحَمِيرِ 19وَقَالَتْ لِغِلْمَانِهَا: «اعْبُرُوا
قُدَّامِي. هَئَنَذَا جَائِيَةٌ وَرَاءَكُمْ». وَلَمْ تُخْبِرْ رَجُلَهَا
نَابَالَ. 20وَفِيمَا هِيَ رَاكِبَةٌ
عَلَى الْحِمَارِ وَنَازِلَةٌ فِي سُتْرَةِ الْجَبَلِ إِذَا بِدَاوُدَ وَرِجَالِهُ
مُنْحَدِرُونَ لاِسْتِقْبَالِهَا, فَصَادَفَتْهُمْ. 21وَقَالَ
دَاوُدُ: «إِنَّمَا بَاطِلاً حَفِظْتُ كُلَّ مَا لِهَذَا فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ
يُفْقَدْ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ شَيْءٌ, فَكَافَأَنِي شَرّاً بَدَلَ خَيْرٍ. 22هَكَذَا يَصْنَعُ اللَّهُ لأَعْدَاءِ دَاوُدَ
وَهَكَذَا يَزِيدُ إِنْ أَبْقَيْتُ ذَكَراً مِنْ كُلِّ مَا لَهُ إِلَى ضُوءِ
الصَّبَاحِ». 23وَلَمَّا رَأَتْ
أَبِيجَايِلُ دَاوُدَ أَسْرَعَتْ وَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ, وَسَقَطَتْ أَمَامَ
دَاوُدَ عَلَى وَجْهِهَا وَسَجَدَتْ إِلَى الأَرْضِ, 24وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَتْ: «عَلَيَّ أَنَا يَا
سَيِّدِي هَذَا الذَّنْبُ, وَدَعْ أَمَتَكَ تَتَكَلَّمُ فِي أُذُنَيْكَ وَاسْمَعْ
كَلاَمَ أَمَتِكَ. 25لاَ يَضَعَنَّ
سَيِّدِي قَلْبَهُ عَلَى الرَّجُلِ اللَّئِيمِ هَذَا, عَلَى نَابَالَ, لأَنَّ
كَاسْمِهِ هَكَذَا هُوَ. نَابَالُ اسْمُهُ وَالْحَمَاقَةُ عِنْدَهُ. وَأَنَا
أَمَتَكَ لَمْ أَرَ غِلْمَانَ سَيِّدِي الَّذِينَ أَرْسَلْتَهُمْ. 26وَالآنَ يَا سَيِّدِي حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ
وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ إِنَّ الرَّبَّ قَدْ مَنَعَكَ عَنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ
وَانْتِقَامِ يَدِكَ لِنَفْسِكَ. وَالآنَ فَلْيَكُنْ كَنَابَالَ أَعْدَاؤُكَ
وَالَّذِينَ يَطْلُبُونَ الشَّرَّ لِسَيِّدِي. 27وَالآنَ
هَذِهِ الْبَرَكَةُ الَّتِي أَتَتْ بِهَا جَارِيَتُكَ
إِلَى سَيِّدِي فَلْتُعْطَ لِلْغِلْمَانِ السَّائِرِينَ وَرَاءَ سَيِّدِي»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ
الأَوَّلُ25: 14-27)،
ومن داود
لرجال يهوذا «26وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ إِلَى صِقْلَغَ أَرْسَلَ مِنَ
الْغَنِيمَةِ إِلَى شُيُوخِ يَهُوذَا إِلَى أَصْحَابِهِ قَائِلاً: «هَذِهِ لَكُمْ بَرَكَةٌ مِنْ غَنِيمَةِ أَعْدَاءِ الرَّبِّ».
27إِلَى الَّذِينَ فِي بَيْتِ إِيلٍ,
وَالَّذِينَ فِي رَامُوتَ الْجَنُوبِ, وَالَّذِينَ فِي يَتِّيرَ, 28وَإِلَى الَّذِينَ فِي عَرُوعِيرَ, وَالَّذِينَ
فِي سِفْمُوثَ, وَالَّذِينَ فِي أَشْتِمُوعَ, 29وَإِلَى
الَّذِينَ فِي رَاخَالَ وَالَّذِينَ فِي مُدُنِ الْيَرْحَمْئِيلِيِّينَ
وَالَّذِينَ فِي مُدُنِ الْقِينِيِّينَ 30وَإِلَى
الَّذِينَ فِي حُرْمَةَ وَالَّذِينَ فِي كُورَ عَاشَانَ وَالَّذِينَ فِي عَتَاكَ 31وَإِلَى الَّذِينَ فِي حَبْرُونَ وَإِلَى
جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ
الأَوَّلُ30: 26-31)،
ومن نعمان بعد
شفائه إلى أليشع «15فَرَجَعَ إِلَى رَجُلِ اللَّهِ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ
وَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ: «هُوَذَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَهٌ
فِي كُلِّ الأَرْضِ إِلاَّ فِي إِسْرَائِيلَ. وَالآنَ فَخُذْ بَرَكَةً مِنْ عَبْدِكَ»(سِفْرُ
اَلْمُلُوكِ الثَّانِي5: 15)،
ومن يعقوب
لعيسو «11خُذْ بَرَكَتِي
الَّتِي أُتِيَ بِهَا إِلَيْكَ لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ وَلِي كُلُّ
شَيْءٍ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَأَخَذَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ33: 11)، تهدف جميعها إلى ترسيخ وحدة أو مصالحة. ولكنّ
أكثر مناسباتِ استخدامِ الكلمة تواتراً، إلى حد كبير، واردة في إطار ديني. فحين
تُختار كلمة بركة للدلالة حتى على نواحي الفن الأكثر مادية، فإنما ذاك يكون
لإسنادها إلى الله وإلى سخائه «6بَرَكَاتٌ عَلَى رَأْسِ الصِّدِّيقِ أَمَّا فَمُ الأَشْرَارِ
فَيَغْشَاهُ ظُلْمٌ...22بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي وَلاَ يَزِيدُ
الرَّبُّ مَعَهَا تَعَباً»(سِفْرُ
الأَمْثَالُ10: 6و22)، أو أيضاً إلى تقدير رجال
الخير«11بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ وَبِفَمِ
الأَشْرَارِ تُهْدَمُ»(سِفْرُ
الأَمْثَالُ11: 11)، «20اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ
الْبَرَكَاتِ وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لاَ يُبْرَأُ»(سِفْرُ
الأَمْثَالُ28: 20).
وتوحي البركة
بصورة الرفاهية السوية، ولكن بصورة السخاء أيضاً نحو البائسين«26مُحْتَكِرُ الْحِنْطَةِ يَلْعَنُهُ الشَّعْبُ وَالْبَرَكَةُ عَلَى رَأْسِ الْبَائِعِ»(سِفْرُ
الأَمْثَالُ11: 26)، ودوماً تذكّر بصورة
عطف الله. هذه الوفرة، وهذا الهناء هما ما يسميه العبرانيون السلام، وغالباً ما
تتّحد الكلمتان معاً، إلا أنه إذا كانت كلتاهما تبرزان الاكتمال عينه في
الغنى، فإن غنى البركة الجوهري هو غنى الحَيَاةَ، والخصوبة. إن البركة تُزهِر كجنة
عدن. ورمزها المفضل هو الماء «25مِنْ إِلَهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ وَمِنَ
الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي يُبَارِكُكَ
تَأْتِي بَرَكَاتُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَبَرَكَاتُ الْغَمْرِ الرَّابِضِ تَحْتُ. بَرَكَاتُ الثَّدْيَيْنِ وَالرَّحِمِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ49: 25)،
والماء نفسه
بركة أساسية لا غنى عنها «34وَتُفْلَحُ الأَرْضُ الْخَرِبَةُ عِوَضاً عَنْ كَوْنِهَا
خَرِبَةً أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ عَابِرٍ»(سِفْرُ حِزْقِيَال36: 34)، «10هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ
فِي بَيْتِي طَعَامٌ وَجَرِّبُونِي بِهَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِنْ كُنْتُ
لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوى السَّمَاوَاتِ وَأُفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ
تُوسَعَ»(سِفْرُ مَلاَخِي3: 10). وكما يوحي
الماء في الوقت ذاته بالحَيَاةِ التي يغذيها على الأرض، أنه يوحي أيضاً، نظراً إلى
مصدره السماوي، بسخاء الله، وبمجّانية عطاياه، وبقدرته المحيية. وتجمع نبوة يعقوب
بشأن يوسف كل هذه الصور: الحَيَاةُ الخصبة، والماء، والسماء: «25بَرَكَاتُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَبَرَكَاتُ الْغَمْرِ الرَّابِضِ تَحْتُ. بَرَكَاتُ الثَّدْيَيْنِ وَالرَّحِمِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ49: 25). إن هذه الحساسية إزاء
سخاء الله في عطايا الطبيعة، تُعِدُّ إِسْرَائِيلُ لاقتبال مآثر
نعمته.
يتضمن الفعل تشكيلة من
الاستعمالات بالغة التنوع، ابتداء من التحية العابرة الموجهة إلى المجهول عابر
الطريق«29فَقَالَ لِجِيحَزِي: «أُشْدُدْ حَقَوَيْكَ وَخُذْ
عُكَّازِي بِيَدِكَ وَانْطَلِقْ، وَإِذَا صَادَفْتَ أَحَداً فَلاَ تُبَارِكْهُ، وَإِنْ بَارَكَكَ
أَحَدٌ فَلاَ تُجِبْهُ. وَضَعْ عُكَّازِي عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ»(سِفْرُ
اَلْمُلُوكِ الثَّانِي4: 29)، والصيغ المعتادة
للمجاملة«7ثُمَّ أَدْخَلَ يُوسُفُ يَعْقُوبَ أَبَاهُ وَأَوْقَفَهُ أَمَامَ
فِرْعَوْنَ. وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ...10وَبَارَكَ يَعْقُوبُ
فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ47: 7و10)، «10وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى مِنْ إِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ
إِذَا صَمُوئِيلُ مُقْبِلٌ, فَخَرَجَ شَاوُلُ لِلِقَائِهِ لِيُبَارِكَهُ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ
الأَوَّلُ13: 10)، إلى أسمى هبات الإنعام
الإلهي. وفي أغلب الأحيان، فإن الذي يبارك هو الله، وتبث
بركته الحياة دوماً «11كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ وَآثَارُكَ تَقْطُرُ دَسَماً»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور65: 11)، «35وَالرَّبُّ قَدْ بَارَكَ
مَوْلاَيَ جِدّاً فَصَارَ عَظِيماً وَأَعْطَاهُ غَنَماً وَبَقَراً وَفِضَّةً
وَذَهَباً وَعَبِيداً وَإِمَاءً وَجِمَالاً وَحَمِيراً»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ24: 35)، «10أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ
وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ
أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ!»(سِفْرُ أَيُّوبَ1: 10).
لذلك فإن الكائنات
الحية وحدها هي المؤهلة لاقتبالها، أما الأشياء الجامدة فإنها تُكرَّس لخدمة الله
وتُقدّس بحضوره، ولكنها لا تُبارَك. والآب هو، بعد الله، مصدر الحياة، ولديه القدرة
على أن يبارك. وبركته فعّالة، أكثر من أية بركة أخرى، ولا بدَّ أن إرميا كان قد
بلغ منتهى التَعَب حين تجاسر ولعن الإنسان الذي بشّر أباه بأن
ابناً ولد له «15مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي بَشَّرَ أَبِي قَائِلاً: «قَدْ
وُلِدَ لَكَ ابْنٌ» مُفَرِّحاً إِيَّاهُ فَرَحاً»(سِفْرُ إِرْمِيَا20: 15)، «3لَيْتَهُ هَلَكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ
وَاللَّيْلُ الَّذِي قَالَ قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ!»(سِفْرُ أَيُّوبَ3: 3).
ويحدثُ غالباً،
في مفارقة فريدة، أن يبارك الضعيفُ القويّ«13بَرَكَةُ الْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ وَجَعَلْتُ قَلْبَ
الأَرْمَلَةِ يُسَرُّ»(سِفْرُ أَيُّوبَ29: 13)، «13يُشْفِقُ عَلَى الْمِسْكِينِ وَالْبَائِسِ وَيُخَلِّصُ
أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ. 14مِنَ
الظُّلْمِ وَالْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ. 15وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا.
وَيُصَلِّي لأَجْلِهِ دَائِماً. الْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ.
16تَكُونُ حُفْنَةُ بُرٍّ فِي الأَرْضِ
فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ. تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا وَيُزْهِرُونَ
مِنَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ الأَرْضِ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور72: 13-16)،
وأن يتجاسر
الإنسان فيبارك الله. ذلك أنه إذا لم يكن لدى الفقير«شيء يعطيه
للغني»، وإذا لم يكن لدى الإنسان شيء يعطيه لله، فإن البركة
تقيم بين الكائنات
تياراً حيوياً ومتبادلاً يسمح للأصغر بأن يبصر كرم القوي
يفيض عليه. فليس مخالفاً للعقل أن نبارك الله، وهو «المتعالي
بركةً»«5وَقَالَ اللاَّوِيُّونَ يَشُوعُ وَقَدْمِيئِيلُ وَبَانِي
وَحَشَبْنِيَا وَشَرَبْيَا وَهُودِيَّا وَشَبَنْيَا وَفَتَحْيَا: «قُومُوا بَارِكُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ مِنَ الأَزَلِ إِلَى
الأَبَدِ وَلْيَتَبَارَكِ اسْمُ جَلاَلِكَ
الْمُتَعَالِي عَلَى كُلِّ بَرَكَةٍ وَتَسْبِيحٍ»(سِفْرُ نَحَمْيَا9: 5)، فالأمر
يتمثّل ببساطة في اعتراف بكرمه وتقديم الشكر له، وهذا هو الواجب الأول «21لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ
أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ
الْغَبِيُّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
رُومِيَةَ1: 21).
وهو اسمُ المفعول: يُعتَبَر الأكثر قوة بين ألفاظ البركة جميعاً. إنه يكوِّن مركز الصيغة النموذجية للبركة اليهودية: «مُبَارَكٌ فلان...!». هذه الصيغة وهي ليست مجرد إثبات، ولا تمنياً محضاً، بل تنطوي على الحماسة أكثر مما تنطوي عليه السعادة وتنطلق كصيحة أمام شخصية أعلن الله تواً بها قدرته وسخاءه، واختارها «من بين الجميع»:
يَاعِيلُ: «24تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ
الْقِينِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة5: 24)،
إِسْرَائِيلُ: «14مُبَارَكاً تَكُونُ فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. لا يَكُونُ عَقِيمٌ
وَلا عَاقِرٌ فِيكَ وَلا فِي بَهَائِمِكَ»(سِفْرُ
اَلَتَّثْنِيَة7: 14)،
مَرْيَمُ: «فِي النِّسَاءِ»: «42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ
أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ
ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 42).
انه إعجاب أمام
ما يستطيع الله أن يصنعه في مختاره. إن الشخص المُبَارَكٌ هو في
العالم بمثابة وحي من الله، فهو إليه ينتمي بصفة خاصة، إنه «مُبَارَكٌ من يهوه»،
كما أن بعض الأشخاص هم «قديسو يهوه» ولكن، في حين أن القداسة التي تكرّس لله، تفصل
عن العالم الدنيوي، فإن البركة تجعل من الشخص الذي يعيّنه الله نقطة تجمّع
ومصدر إشعاع. فالقديس والمبارَك ينتميان كلاهما إلى الله، ولكنّ القديس يُعلن
بالأحرى عظمة الله التي لا تُدرَك، بينما يعلن المبارك سخاءه الذي لا ينفذ. وكما أن
الصيحة: «مُبَارَكٌ فلان...!«» تنطلق تلقائية، فإن الصيغة المقابلة: «مُبَارَكٌ
الله!» تنطلق أيضاً مثلها عن الدهشة التي يختبرها الإنسان أمام مبادرةً يكشف
فيها الله عن قدرته. وهي لا تبرز عظمة المبادرة بقدر ما تبرز ملاءمتها العجيبة، وصفتها
كعلامة.
ولنقلها مرةً
أخرى: إن البركة هي استجابة الإنسان لإعلان الله
مَلْكِي
صَادِقُ: «20وَمُبَارَكٌ اللهُ
الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ». فَأَعْطَاهُ عُشْراً
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ14: 20)،
أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ: «27وَقَالَ: «مُبَارَكٌ
الرَّبُّ إِلَهُ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ الَّذِي لَمْ يَمْنَعْ لُطْفَهُ
وَحَقَّهُ عَنْ سَيِّدِي. إِذْ كُنْتُ أَنَا فِي الطَّرِيقِ هَدَانِي الرَّبُّ
إِلَى بَيْتِ إِخْوَةِ سَيِّدِي»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ24: 27)،
يَثْرُونُ: «10وَقَالَ يَثْرُونُ: «مُبَارَكٌ
الرَّبُّ الَّذِي أَنْقَذَكُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ
فِرْعَوْنَ. الَّذِي أَنْقَذَ الشَّعْبَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ»(سِفْرُ
اَلْخُرُوجُ18: 10)،
بوعز إلى راعوث «14فَقَالَتِ النِّسَاءُ لِنُعْمِي: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُعْدِمْكِ
وَلِيّاً الْيَوْمَ لِكَيْ يُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ»(سِفْرُ رَاعُوث4: 14).
وأخيراً فإن
الصيحتين: «مُبَارَكٌ فلان...!» و«مُبَارَكٌ
الله»! تترابطان وتتجاوبان في أكثر من
مناسبة: «19وَبَارَكَهُ
وَقَالَ: «مُبَارَكٌ أَبْرَامُ
مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ! 20وَمُبَارَكٌ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ
فِي يَدِكَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ14: 19-20)، «32فَقَالَ دَاوُدُ لأَبِيجَايِلَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي
أَرْسَلَكِ هَذَا الْيَوْمَ لاِسْتِقْبَالِي, 33وَمُبَارَكٌ عَقْلُكِ وَمُبَارَكَةٌ
أَنْتِ لأَنَّكِ مَنَعْتِنِي الْيَوْمَ مِنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ
وَانْتِقَامِ يَدِي لِنَفْسِي»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ
الأَوَّلُ25: 32- 33). وفي هذا التناغم الكامل، تظهر الطبيعة الحقيقية
للبركة.
إنها انفجار كله
إعجاب أمام مَنْ اختاره الله، ولكنها لا تقتصر على الإنسان المختار، بل
تتصاعد حتى الله الذي أعلن ذاته في هذه العلامة. إن الله هو المُبَارَكٌ بالذات، وهو
يحوز ملء كل بركة. فإذا بورك، فلا محلّ للظن بأن شيئاً ما من أي نوع يضاف إلى
غناه، وإنما معناه هو اقتراب الإنسان لحمية ذلك الإعلان الإلهي، مع دعوة الكون لحمده. إن
البركة هي دائماً اعتراف علني بالقدرة الإلهية وشكر على سخائها.
إن تاريخ إِسْرَائِيلُ
كله هو تاريخ البركة التي وُعِد بها إبرهيم«3وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ12: 3)، والممنوحة للعالم في
يسوع «الثمرة المباركة» «لبطن مَرْيَمُ المُبَارَكٌ»«42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ
أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 42). على أن
الاهتمام الموجه في
كتابات التوراة إلى البركة، يشتمل على العديد من
الفروقات البسيطة، بحيث تتضمن البركة معانيَ شتى.
1) حتى ابراهيم:
بعد أن بارك الخالق في البداية«28وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ
لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا
وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ
حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ1: 28)، الرجل والمرأة، إذا
بهما يثيران بخطيئتهما لعنة الله. ومع ذلك، فإنه إذا كانت الحيّة: «14فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ
فَعَلْتِ هَذَا مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ
الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ
تَسْعِينَ وَتُرَاباً تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3: 14)، والأرض «17وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ
امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ
تَأْكُلْ مِنْهَا مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ.
بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ3: 17)، قد
لُعِنَتَا،
فإن الرجل والمرأة لم يُلعَنا. فبعملهما، وبمعاناتها، بل
غالباً بثمن مشقّات الألم ستواصل الحياة مسيرتها«16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ
حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ
وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».17وَقَالَ
لِآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ
الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ
بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ وَتَأْكُلُ
عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ
تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا.
لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3: 16-19).
وبعد الطوفان،
تُمنح الإنسانية قدرة وخصوبة بواسطة بركة جديدة «1وَبَارَكَ اللهُ
نُوحاً وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ» (سِفْرُ
التَّكْوِينِ9: 1). على أن الخطية لا تكف
عن تفتيت الإنسانية وتحطيمها: ففي مقابل بركة الله إلى سام، هناك لعنة كنعان«26وَقَالَ: «مُبَارَكٌ
الرَّبُّ إِلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ9: 26).
2) بركة الآباء: وعلى العكس من
ذلك، فإن بركة إبراهيم هي من طراز جديد. فليس من شك في أنه سيكون لإبراهيم أعداء
في عالم ما زال منقسماً، وسيظهر الله له أمانته بأن يلعن أي شخص (بصيغة المفرد)
يلعنه. ولكن هذه
الحالة ينبغي أن تظلّ استثنائية، وقصد الله أن يتجه إلى
مباركة ابراهيم «3وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ12: 3). وكل ما يرويه كتاب
التكوين هو تاريخ هذه البركة.
إن البركات الصادرة
من الآباء هي ذات طابع أكثر قدماً، وتظهرهم على أنهم يمطرون على أبنائهم، بصفة عامة، ساعة
رحيلهم من الدنيا، قوى الخصوبة والحياة، «28فَلْيُعْطِكَ اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ
الأَرْضِ وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ27: 28)، وفيض اللبن و«دم العنب»«11رَابِطاً بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ
أَتَانِهِ. غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ وَبِدَمِ
الْعِنَبِ ثَوْبَهُ. 12مُسْوَدُّ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ وَمُبْيَضُّ الأَسْنَانِ مِنَ اللَّبَنِ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ49: 11و12)،
والقوة لسحق
مقاوميهم «29لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ.
كُنْ سَيِّداً لإِخْوَتِكَ وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ. لِيَكُنْ لاَعِنُوكَ
مَلْعُونِينَ وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ27: 29)، «7مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ
قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ. 8يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى
قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. 9يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا
ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ49: 7-9)،
وأرضاً يقيمون
فيها «28فَلْيُعْطِكَ اللهُ مِنْ
نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ الأَرْضِ
وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ27: 28)، «39فَأَجَابَ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: «هُوَذَا
بِلاَ دَسَمِ الأَرْضِ يَكُونُ مَسْكَنُكَ وَبِلاَ نَدَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ27: 39)، «9يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي.
جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ49: 9)، وتخليد اسمهم «16الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ. وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا
اسْمِي وَاسْمُ أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ. وَلْيَكْثُرَا كَثِيراً فِي
الأَرْضِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ48: 16)، «8وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ابْنَيْ يُوسُفَ فَقَالَ: «مَنْ
هَذَانِ؟»(سِفْرُ التَّكْوِينِ49: 8).
وبالأجمال، هو حلم البركة، كما يتوق
إليها تلقائيا بنو البشر، وهم على استعداد لإكتسابها بجميع الوسائل، بما فيها
العنف والخديعة «18فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَقَالَ:
«هَئَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ابْنِي؟» 19فَقَالَ يَعْقُوبُ لأَبِيهِ: «أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ.
قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ اجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِتُبَارِكَنِي نَفْسُكَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ27: 18-19).
ويقيم سِفْرُ
التَّكْوِينِ فوق هذه الكلمات المعادة وتلك الروايات الشعبية، الوعود
والبركات التي نطق بها الله نفسه، لا ليتنصل منها، ولكن كي يضعها في مكانها
المناسب داخل إطار عمل الله.
وثمة في بركات الله. إشارةً إلى
اسم قوي «2فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ12: 2)، وذرية بلا عدد«5ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَى
السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ
تَعُدَّهَا». وَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَكُونُ
نَسْلُكَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ15: 5)،
وأرض للإقامة فيها «14وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ
عَنْهُ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ
شِمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً 15لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ
الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ. 16وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ
كَتُرَابِ الأَرْضِ حَتَّى إِذَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّ تُرَابَ الأَرْضِ
فَنَسْلُكَ أَيْضاً يُعَدُّ. 17قُمِ امْشِ فِي الأَرْضِ طُولَهَا وَعَرْضَهَا لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ13: 14-17).
ولكن هنا يتولى
الله بذاته زمام مستقبل خاصته، فيغير اسمهم«5فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ
اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ...15وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ
تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ17: 5و15)،
ويجعلهم يجتازون
التجربة«1وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا
إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ22: 1)، والإيمان«6فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرّاً»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ15: 6)، ومنذئذ يحدد لهم وصيتة «1وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ
وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ12: 1)، «10هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ17: 10). أنه يقصد فعلاً إشباع
رغبة الإنسان، ولكن بشرط أن يكون ذلك داخل الإيمان.
هذه الرابطة بين
البركة والوصية هي أصل العهد ذاته: فالشريعة هي الوسيلة لتوفير الحياة لشعب «مقدس لله» وبالتالي «مُبَارَكٌ من
الله». وهذا ما تعبّر عنه كتب العهد. فالعبادة هي الطريقة
المفضلة لضمان توفّر البركة الإلهية، وتكون الوسيلة لتجديد القوة
الحيوية للإنسان وللعالم الذي يعيش فيه. لا تكون العبادة صحيحة إلا في إطار العهد
والأمانة للشريعة. وإن بركات العهد «25وَتَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ وَأُزِيلُ الْمَرَضَ
مِنْ بَيْنِكُمْ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ23: 25)،
والإنذارات
لجماعة شكيم أيام يَشُوع «19فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: «لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ
تَعْبُدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ إِلَهٌ قُدُّوسٌ وَإِلَهٌ غَيُورٌ هُوَ. لاَ
يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَخَطَايَاكُمْ»(سِفْرُ يَشُوع24: 19)،
والبركات
العظمى «1وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعاً
لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَل بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ التِي
أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِياً عَلى
جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ 2وَتَأْتِي
عَليْكَ جَمِيعُ هَذِهِ البَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ.
3مُبَارَكاً
تَكُونُ فِي المَدِينَةِ وَمُبَارَكاً تَكُونُ
فِي الحَقْلِ. 4وَمُبَارَكَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ وَثَمَرَةُ
بَهَائِمِكَ نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ
غَنَمِكَ. 5مُبَارَكَةً تَكُونُ سَلتُكَ وَمِعْجَنُكَ. 6مُبَارَكاً تَكُونُ
فِي دُخُولِكَ وَمُبَارَكاً تَكُونُ فِي
خُرُوجِكَ. 7يَجْعَلُ الرَّبُّ أَعْدَاءَكَ القَائِمِينَ عَليْكَ
مُنْهَزِمِينَ أَمَامَكَ. فِي طَرِيقٍ
وَاحِدَةٍ يَخْرُجُونَ عَليْكَ وَفِي سَبْعِ
طُرُقٍ يَهْرُبُونَ أَمَامَكَ. 8يَأْمُرُ لكَ الرَّبُّ بِالبَرَكَةِ فِي خَزَائِنِكَ
وَفِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِليْهِ يَدُكَ وَيُبَارِكُكَ فِي الأَرْضِ التِي
يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 9يُقِيمُكَ
الرَّبُّ لِنَفْسِهِ شَعْباً مُقَدَّساً كَمَا حَلفَ لكَ إِذَا حَفِظْتَ وَصَايَا
الرَّبِّ إِلهِكَ وَسَلكْتَ فِي طُرُقِهِ. 10فَيَرَى جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ أَنَّ اسْمَ الرَّبِّ قَدْ سُمِّيَ عَليْكَ وَيَخَافُونَ مِنْكَ.
11وَيَزِيدُكَ
الرَّبُّ خَيْراً فِي ثَمَرَةِ بَطْنِكَ
وَثَمَرَةِ بَهَائِمِكَ وَثَمَرَةِ أَرْضِكَ عَلى الأَرْضِ التِي حَلفَ الرَّبُّ
لآِبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَكَ. 12يَفْتَحُ لكَ الرَّبُّ كَنْزَهُ الصَّالِحَ السَّمَاءَ لِيُعْطِيَ
مَطَرَ أَرْضِكَ فِي حِينِهِ وَليُبَارِكَ كُل عَمَلِ
يَدِكَ فَتُقْرِضُ أُمَماً كَثِيرَةً وَأَنْتَ لا تَقْتَرِضُ. 13وَيَجْعَلُكَ
الرَّبُّ رَأْساً لا ذَنَباً وَتَكُونُ فِي
الاِرْتِفَاعِ فَقَطْ وَلا تَكُونُ فِي الاِنْحِطَاطِ إِذَا سَمِعْتَ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكَ التِي
أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ لِتَحْفَظَ وَتَعْمَل 14وَلا تَزِيغَ عَنْ جَمِيعِ
الكَلِمَاتِ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً
لِتَذْهَبَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدَهَا»(سِفْرُ
اَلَتَّثْنِيَة28: 1-14)، هذه جميعها تفترض
أساساً ميثاق عهد يعلن مطالب إرادة الله، ثم انضمام الشعب إليها، وأخيراً طريق
العبادة الذي يثبّث العهد ويسبغ عليه قيماً مقدسة.
Ø مُبَارَكٌون في المسيح
الله الآب، «32اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ، علي ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟؟»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ8: 32)، «7حَتَّى إِنَّكُمْ لَسْتُمْ نَاقِصِينَ فِي مَوْهِبَةٍ مَا
وَأَنْتُمْ مُتَوَقِّعُونَ اسْتِعْلاَنَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ1: 7)،
وأصبحنا «مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤْمِنِ»«9إِذاً الَّذِينَ هُمْ مِنَ الإِيمَانِ يَتَبَارَكُونَ
مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤْمِنِ...14لِتَصِيرَ بَرَكَةُ
إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ
مَوْعِدَ الرُّوحِ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ3: 9و14)، مُبَارَكٌين:
«3مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي
السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1: 3).
وفيه نقدم
الحمد للآب على عطاياه «8أَوَّلاً أَشْكُرُ إِلَهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ
جِهَةِ جَمِيعِكُمْ أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ1: 8)،
«20شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِلَّهِ وَالآبِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ5: 20)، «17وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ اوْ فِعْلٍ، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ
اللهَ وَالآبَ بِهِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي3: 17).
إن حركتَيْ
البركة: هي النعمة التي تنزل، والشكر الذي يتصاعد. هما في يسوع المسيح.
وجميع المختارين
المتجمّعين تجاه العرس وتجاه الحمل ليرنموا لنصرتهم
النهائية، يصيحون بصوت جهير لله: «12آمِينَ! الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ
وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلَهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ!»(سِفْرُ رُؤْيَا
يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ7: 12).
1) مُبَارَكٌ
الآتي :
أن ترنيمة الجمع
وقت دخوله أورشليم: «9وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ
تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِليِنَ: «أُوصَنَّا
لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!»(إِنْجِيلُ مَتَّى21: 9)، وليس ثمة
شخص توفرت فيه مثل يسوع صورة المُبَارَكٌ، الذي يعلن الله فيه بعلامات باهرة،
قدرته وصلاحه (سفر أعمال10: 38). إن مجيئه في العالم يثير موجة من البركات:
لدى أليصابات«42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ
أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 42)، ولدى
زكريا«68مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ،»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 68)، ولدى سِمْعَانُ الشيخ «28أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ»(إِنْجِيلُ لُوقَا2: 28)، ولدى مَرْيَمُ
نفسها دون التصريح بلفظ بركة «46فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، 47وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 46-47)، فالرب
يسوع مركز تلك البركات: أليصابات ترنم: «مُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!» «42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ
أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 42). ولكن بعد
ذلك، لم يبارك أحد المسيح نفسه مباشرة. فإن باركنا أحداً نكون بشكل ما متحدين به.
وفي سِفْرُ
رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ، حينما يأتي الحمل الذبيح ليتولى سلطانه على
العالم بتسلّمه السفر الذي فيه مصائر الكون مختومةً، تهتف له السماء كلها:
«12قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَوفُ
الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ
وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ». 13وَكُلُّ
خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى
الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى
الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ
إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ»(سِفْرُ رُؤْيَا
يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ5: 12و13)، ويكون للبركة هنا
نفس اتساع المجال الذي لمجد الله.
نطق يسوع ببركة،
قبل أن يكسر الخبز «19فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْعُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ
الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ
وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى14: 19)، وقبل أن
يوزع الخبز الذي يشير لجسده«26وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ
وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي»(إِنْجِيلُ مَتَّى26: 26)،
وقبل أن يكسر الخبز
مع تلميذي عمواس «30فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ
وَنَاوَلَهُمَا،»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 30).
ونحن أيضاً «16كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ
الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ10: 16).
فالواقع أن
العبارات الواردة بشأن العشاء الرباني توثق الرابطة بين البركة التي هي اقتراب
المسيح ورفع
الشكر، وفي هذه الرابطة تمثل قمة البركة التي في قيام
المسيح بذاته بتقديم العشاء الرباني لشعبه، بينما يعبر الشكر عن مضمون
الإشارات والكلمات. التي للرب إتمامها في حياته، هو الوحيد الذي يوفر لنا التمتع
به، لأنه سر وفريضة العهد
الجديد «20وَكَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَ الْعَشَاءِ
قَائِلاً: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ
عَنْكُمْ»(إِنْجِيلُ لُوقَا22: 20). وتجد
البركة فيه تمامها الكامل، إنه العطية الكاملة من الآب إلى أبنائه، أي كل نعمته،
كما هو العطية
الكاملة من الابن إذ يقدم حياته للآب، وكل شكرنا نرفعه
متحداً بشكره، سر الحياة ووحدة الشركة.
3) بركة الرُّوحِ
الْقُدُسِ:
إن كانت عطية
العشاء الرباني تتضمن كل بركات الله في المسيح، وإن كان عمل المسيح الأخير هو
البركة التي يستودعها لكنيسته «51وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ
وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 51)، وتلك التي
يحركنا بها «53وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ.
آمِينَ»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 53)، فإن الإِنْجِيل،
مع ذلك، لا يقول في أي موضع أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو بركة الآب. ذلك لأن
مفهوم البركة هو الأقتراب الإلهي لنا، فالحياة
التي
يتم قبولها في المسيح. وهي في البركة الرئيسة، بواسطة
بركة عطية الرُّوحِ الْقُدُسِ. أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
مُعطًى لنا عن طريق اقتراب الرُّوحِ الْقُدُسِ لنا، لذلك الروح يُعطَى لنا ليكون فينا مصدر
البركات والعطايا التي ننالها من الله. إن المسيح لنا، هذا حقيقي، ولكنّ
الحقيقة بنوع أخص أننا نحن للمسيح «23وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ وَالْمَسِيحُ لِلَّهِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ3: 23)، «7أَتَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ حَسَبَ الْحَضْرَةِ؟ إِنْ
وَثِقَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لِلْمَسِيحِ، فَلْيَحْسِبْ هَذَا أَيْضاً مِنْ
نَفْسِهِ: أَنَّهُ كَمَا هُوَ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمَسِيحِ!»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ10: 7).
وعن عبارات
بركات الرُّوحِ الْقُدُسِ: إنه يُعطَى لنا «11فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا
مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ
فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذَلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ
لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ»(إِنْجِيلُ
مَرْقُسَ13: 11)، «34لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكلاَمِ
اللَّهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي اللَّهُ الرُّوحَ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا3: 34)، «32وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهَذِهِ الأُمُورِ وَالرُّوحُ
الْقُدُسُ أَيْضاً الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ
الرُّسُلِ5: 32)، «5وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ
انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ5: 5)،
وإننا نناله «39قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ
أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا7: 39)، «8لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ
الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ
الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ
الرُّسُلِ1: 8)، «15إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً
لِلْخَوْفِ بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا
الآبُ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
رُومِيَةَ8: 15)، وإنه حالّ فينا«9وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي
الرُّوحِ إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِناً فِيكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ
لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ8: 9)، «1وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي
سَارْدِسَ: «هَذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ
الْكَوَاكِبُ. أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْماً أَنَّكَ حَيٌّ
وَأَنْتَ مَيِّتٌ»(سِفْرُ رُؤْيَا
يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ3: 1)،
لدرجة أنه يرد
الحديث
تلقائياً عن «عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» «38فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ
الرُّسُلِ2: 38)، «45فَانْدَهَشَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ
الْخِتَانِ كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ
قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضاً»(سِفْرُ أَعْمَالُ
الرُّسُلِ10: 45)، «7وَسَمِعْتُ صَوْتاً قَائِلاً لِي: قُمْ يَا بُطْرُسُ
اذْبَحْ وَكُلْ»(سِفْرُ أَعْمَالُ
الرُّسُلِ11: 7).
إن بركة الله، بالمعنى
الكامل للكلمة، هي روحه القدوس. هذا، وإن هذه الهبة الإلهية، التي هي اقتراب الله نفسه، تحمل كل
سمات البركة. فمواضيع البركة العظمى هي: كلمة الله التي تحيى. والولادة والتجديد، والحياة
الأبدية، والملء والسلام، والفرح وشركة وحدة القلوب، هذه كلها هي أيضاً ثمار الرُّوحِ
الْقُدُسِ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق