هل هناك سلطان للْمَوْتُ على الإِنْسَانَ؟
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
بالرغم من كان شيء، يرى الإِنْسَانَ
الحي في الْمَوْتُ قوة معادية، وعلى الفور يعيره وجهاً ويصيره شخصية. فهو الراعي
الكئيب الذي يدخل الناس الى الْهَاوِيَةِ «15إِنَّمَا
اللهُ يَفْدِي نَفْسِي مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ
لأَنَّهُ يَأْخُذُنِي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور49: 15).
وهو الذي ينفذ إلى المنازل لكي
يحصد الأطفال «20بَلِ اسْمَعْنَ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ كَلِمَةَ الرَّبِّ
وَلْتَقْبَلْ آذَانُكُنَّ كَلِمَةَ فَمِهِ وَعَلِّمْنَ بَنَاتِكُنَّ الرِّثَايَةَ
وَالْمَرْأَةُ صَاحِبَتَهَا النَّدْبَ!»(سِفْرُ إِرْمِيَا9: 20).
لا شك أن الْمَوْتُ يلبس، في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ، هيئة الملاك المهلك، والمنفّذ للغضب الإلهي «23فَإِنَّ الرَّبَّ يَجْتَازُ لِيَضْرِبَ الْمِصْرِيِّينَ.
فَحِينَ يَرَى الدَّمَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ يَعْبُرُ
الرَّبُّ عَنِ الْبَابِ وَلاَ يَدَعُ الْمُهْلِكَ
يَدْخُلُ بُيُوتَكُمْ لِيَضْرِبَ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ12: 23)، «16وَبَسَطَ
الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا،
فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ وَقَالَ لِلْمَلاَكِ
الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ
الرَّبِّ عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الثَّانِي24: 16)، «35وَكَانَ
فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ
خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ
أَلْفاً. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحاً إِذَا هُمْ
جَمِيعاً جُثَثٌ مَيِّتَةٌ»(سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الثَّانِي19: 35)،
لا بل أنه يلبس أيضاً هيئة الكلمة الإلهية التي تهلك
خصوم الله. ولكن غالباً ما تتخذ هذه القوة، التي تزوَد بالضحايا الْهَاوِيَةِ التي
لا تشبع «20اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ لاَ يَشْبَعَانِ وَكَذَا عَيْنَا الإِنْسَانِ لاَ
تَشْبَعَانِ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ27: 20)، ملامح قوة سفلية نشتم
رائحتها الخبيثة في كل مرض وكل خطر يحدق بنا.
ولهذا يرى المريض نفسه مسبقاً «في عداد الْمَوْتُى» «4حُسِبْتُ
مِثْلَ الْمُنْحَدِرِينَ إِلَى الْجُبِّ.
صِرْتُ كَرَجُلٍ لاَ قُوَّةَ لَهُ. 5بَيْنَ الأَمْوَاتِ فِرَاشِي مِثْلُ الْقَتْلَى الْمُضْطَجِعِينَ
فِي الْقَبْرِ الَّذِينَ لاَ تَذْكُرُهُمْ بَعْدُ وَهُمْ مِنْ يَدِكَ
انْقَطَعُوا. 6وَضَعْتَنِي فِي الْجُبِّ الأَسْفَلِ فِي ظُلُمَاتٍ فِي أَعْمَاقٍ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور 88: 4-6).
إن الإِنْسَانَ المعرض للخطر
تحاصره مياه الْمَوْتُ وسيول الفجور وحبائل الهاوية «4اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ الْمَوْتِ وَسُيُولُ الْهَلاَكِ
أَفْزَعَتْنِي. 5حِبَالُ
الْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ الْمَوْتِ انْتَشَبَتْ بِي. 6فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ
فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور18: 4-6)، «15لاَ يَغْمُرَنِّي سَيْلُ الْمِيَاهِ وَلاَ يَبْتَلِعَنِّي
الْعُمْقُ وَلاَ تُطْبِقِ الْهَاوِيَةُ عَلَيَّ فَاهَا. 16اسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ لأَنَّ رَحْمَتَكَ صَالِحَةٌ.
كَكَثْرَةِ مَرَاحِمِكَ الْتَفِتْ إِلَيَّ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور69: 15-16)، «3اكْتَنَفَتْنِي
حِبَالُ الْمَوْتِ. أَصَابَتْنِي شَدَائِدُ الْهَاوِيَةِ. كَابَدْتُ ضِيقاً
وَحُزْناً»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور116:
3).
فليس الْمَوْتُ والْهَاوِيَةِ إذاً
من حقائق الحياة الأخرى فحسب، بل هيَ قوى" تعمل في الحياة الدنيا، والويل لمن
يقع بين مخالبها! فحياة الإِنْسَانَ ليست في نهاية الأمر سوى صراع ضد قوى الْمَوْتُ .
في «14فَإِذْ قَدْ
تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ
فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ،
أَيْ إِبْلِيسَ، 15وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ - خَوْفاً مِنَ
الْمَوْتِ - كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ2: 14و15). »الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ«. فهل سُلْطَانُ الْمَوْتِ، لله أم لإِبْلِيسَ؟«.
نقول للرب السُلْطَانُ في كل شيء، فهو الخالق، وهو الذي يُحصي أيامنا «10أَيَّامُ
سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ
سَنَةً وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعاً فَنَطِيرُ. 11مَنْ يَعْرِفُ
قُوَّةَ غَضِبَكَ وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ. 12إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى
قَلْبَ حِكْمَةٍ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ،
مَزْمُور90:
10-12)، وهو الذي وضع للناس أن يموتوا «27وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ
بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ9: 27).
لكن إِبْلِيسَ يميت روحياً كل الذين يتبعون أكاذيبه وضلالاته. غير أن
المسيح عندما ذاق الموت «9وَلَكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ،
يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ
الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ2: 9)، وقام منتصراً على القبر والْمَوْتِ «25الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ
لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ4: 25) أخذ مفاتيح الهاوية والموت «18وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى
أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ»(سِفْرُ رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ1: 18) فأبطل الموت وأنار الحياة
والخلود بواسطة الإنجيل «10وَإِنَّمَا
أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ
الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى
تِيمُوثَاوُسَ1: 10).
لم يكن هناك وسيلة أخرى لزعزعة سُلْطَانُ الْمَوْتُ
إلاَّ فقط بتجسد الابن الوحيد. الذي اقتنى لنفسه جسداً قابلاً للفساد (لِلْمَوْتِ)..
لكي يستطيع بكونه هو نفسه الْحَيَاةَ أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الْحَيَاةَ.
كيف كان يمكن للإنسان الذي تحت سُلْطَانُ الْمَوْتُ أن يستعيد الخلود، كان لابد أن
يدخل جسده الميت في شركة قوة الله المحيية. أما قوة الله المحيّية فهي اللوغوس (الْكَلِمَةُ)
وحيد الآب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق