• اخر الاخبار

    هل للْمَوْتُ حتمية؟ د. القس سامي منير اسكندر




    هل للْمَوْتُ حتمية؟


    إعداد 


    د. القس سامي منير اسكندر

    طالما توقظ خبرة الْمَوْتُ في الإِنْسَانَ مثل هذه الأصداء، فلا يمكن حصره في مجرد ظاهرة طبيعية، قد تستوعب الملاحظة الموضوعية كل مضمونها. ولا يمكن أن يكون الْمَوْتُ خالياً من المعنى. فهو يناقض بعنف رغبتنا في الْحَيَاةَ، ويثقل علينا كقصاص، ولهذا، وبطريقة غريزيّة، فإننا نرى فيه جزاء للخطيئة. من هذه البديهة المشتركة بين الديانات القديمة، يقيم نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ عقيدة ثابتة تبرز المعنى الديني لخبرة هل للْمَوْتُ حتمية؟

    تطلب العدالة هلاك الشرير «5نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ. 6النُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ. 7تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. 8لأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي الْفَخِّ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. 9يُمْسِكُ الْفَخُّ بِعَقِبِهِ وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ. 10حَبْلٌ مَطْمُورٌ لَهُ فِي الأَرْضِ وَمِصْيَدَتُهُ فِي السَّبِيلِ. 11تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. 12تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَالْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. 13يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ الْمَوْتِ. 14يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ عَنِ اعْتِمَادِهِ وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الأَهْوَالِ. 15يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ. 16مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ. 17ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ اسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَرِّ. 18يُدْفَعُ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ وَمِنَ الْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ. 19لاَ نَسْلَ وَلاَ ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ وَلاَ بَاقٍ فِي مَنَازِلِهِ. 20يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَيَقْشَعِرُّ الأَقْدَمُونَ. 21إِنَّمَا تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَّرِّ وَهَذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ اللهَ»(سِفْرُ أَيُّوبَ18: 5-21)،



    «27لأَنَّهُ هُوَذَا الْبُعَدَاءُ عَنْكَ يَبِيدُونَ. تُهْلِكُ كُلَّ مَنْ يَزْنِي عَنْكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور73: 27). 


    والنفس التي تخطئ يجب أن تموت «20أَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ وَلَدْتِهِمْ لِي وَذَبَحْتِهِمْ لَهَا طَعَاماً. أَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ زِنَاكِ»(سِفْرُ حِزْقِيَال18: 20).


    وفي الواقع، يضيء هذا المبدأ الأساسي لغز حتمية الْمَوْتُ على هذه الأرض: في الأصل، لم يصدر حكم الْمَوْتُ ضد البشر، إلا بعد خطيئة آدم، أبينا الأول «17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ2: 17)، «19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ3: 19)، لأن الله لم يصنع الْمَوْتُ، فلقد خلق الإِنْسَانَ، لعدم الفساد، والْمَوْتُ، كما نختبره لم يدخل العالم إلا بحسد إبليس. فيحمل إذاً سُلْطَانُه علينا قيمة الرمز: إنه يعلن واقع الخطيئة في الْحَيَاةَ الدنيا .


    هذا يقودنا إلى حتمية موت المسيح:


    أن حتمية الْمَوْتِ للفداء وسفك الدم: هو فكر أساسي في الإِنْجِيل، والبعض يقولون لماذا لا يغفر الله الخطية بناءً على طلب الإِنْسَانُ بدون آلام الصليب ومعاناته؟  

    أ ) حتي لا يتساوي الخير والشر:
    أن الله إذا غفر بدون قصاص كامل للخطية يكون كمن يتساوى عنده الخير والشر. وإذا كان الغفران هو علامة لرحمته فأين قداسته الكاملة كرافض للشر إن لم تأخذ الخطية قصاصاً عادلاً؟

    ب) لكي يدرك الإِنْسَانُ قيمة الغفران:
    نحن نفهم أن الله يقول أنا أغفر لكم. لكنى أغفر لمن يدرك قيمة الغفران أن ثمنه غالى جداً؛ ولمن يقبل نعمة الشفاء من الخطية بفعل التجديد والتطهير الذى يعمله الروح القدس.

    ج) لكي ينال الإِنْسَانُ الشفاء التام: ما الفائدة أن مريضاً يطلب من الطبيب أن يسامحه على مرضه دون أن يطلب منه الشفاء؟!! الأجدر بالمريض أن يطلب من الطبيب أن يشفيه بكل الأدوية الضرورية. وهكذا لا يكفى طلب المغفرة من الله بدون وجود سبب للمغفرة، بل يلزم طلب المغفرة على حساب دم الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وطلب الشفاء وقبول تعاطى الدواء الذى يمنحه الطبيب السماوى وهو تجديد الطبيعة بالميلاد الثاني وممارسة فرائط النعمة (دراسة كلمة الله والصلاة والشركة والشهادة).

    ويقول الإِنْجِيل عن شفاء مرض لذة الخطية التى دفع ثمنها الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «24الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى2: 24).

    ونَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ يقول: «5وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ53: 5و6). 

    الإِنْسَانُ يشعر أن ثمن خلاصه مدفوع، وأن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ اشتراه بدمه. فلم يعد ملكاً لنفسه. وأنه قد دُفن مع الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وصُلب معه فى المعمودية. فحينما تأتى الخطية وتقول له خذ نصيبك من المتعة، يقول لها أين هو نصيبى من لذة الخطية؟! هل الميت له نصيب فى ذلك؟!! لهذا يقول الإِنْجِيل: «11كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ الْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ6: 11). فالإِنْسَانُ يرى أن خطيته قد دُفع ثمنها لكى ينال الغفران.

    يأتيه الشيطان ويقول له إرتكب الخطية مرة أخرى. فيجيبه: كيف ذلك؟!! هذه الخطية ثمنها غالى.. الغفران مدفوع الثمن بالكامل. لأن «23لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ6: 23).

    فالموت الذى أستحقه أنا، الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مخلصى دفع ثمنه بالكامل. الإِنْسَانُ يخجل من نفسه كلما ينظر إلى الصليب ويشعر بالخزى، يحتقر نفسه.. يكره نفسه.. يكره النفس التى تطالب بالخطية وبلذتها.. يبكت نفسه ويقول فى مقابل هذه اللذة الرخيصة العابرة قد جُلد الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الذى أحبنى بالسياط وسمر بالمسامير. إذاً فكل لذة محرَّمة يقبلها الإنسان قد دفع ثمنها الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بالجلدات الحارقة فى جسده المبارك تلك التى احتملها فى صبر عجيب وهو برئ.

    للموضوع بقية في موضوع أخر عن موت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ والكفارة.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: هل للْمَوْتُ حتمية؟ د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top