1)
جِدْعُونُ من قُضَاة شعب الرب
إعداد
د.القس سامي منير اسكندر
الاسم مشتق من الكلمة العبرية
جدع أي قطع، ومعناه قاطع او حاطب .
1) أسرته ومولده:
هو الابن الاصغر ليوآش من عشيرة
أبيعزر من سبط منسى، وكان بيته في عفرة من عائلة مغمورة، وقد أصبح أعظم قائد ظهر
في سبط منسى، والقاضي الخامس لإِسْرَائِيلَ. ووردت قصة حياته في (سِفْرُ اَلْقُضَاة 6-8)، ويسمى
أيضاً «يَرُبَّعْلَ» لأن أباه قال ليقاتله البعل «32فَدَعَاهُ
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلاً: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ
قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 32)، كما يسمى يَرُبُّوشَثَ كلمة عبرية تعني ليخاصم
العار «21مَنْ قَتَلَ
أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ
عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ السُّورِ؟ فَقُلْ:
قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضاً»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الثَّانِي11: 21).
وكان يوآش ابوه يعبد البعل،
وكان ذلك شائعا في كل عشيرته، الأمر الذي حسبه جِدْعُونُ عارا، إذ تأمل ملياًفي أسباب إنكسار إِسْرَائِيلَ
والآلام التي حلت بعشيرته على يد الْمِدْيَانِيِّينَ.
2) حرب
المدينانيين :
بدأ الْمِدْيَانِيُّونَ
بقيادة أميريهم زبح وصلمناع، ومعهم القبائل البدوية الأخري من الصحراء الشرقية، في
الزحف على أرض إِسْرَائِيلَ في وسط فلسطين. وكان دخولهم في باديء الأمر لسلب الحصاد
ونهب المحاصيل، لكنهم فيما بعد اغتصبوا الأراضي وأوقعوا بهم المظالم والخسائر وبخاصة
بالنسبة لمنسى وأفرايم. وكثرت الغارات واغتصاب الأراضي ومحاصيلها حتى أضحت لقمة
العيش مشكلة خطيرة «4وَيَنْزِلُونَ
عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَّزَةَ، وَلاَ
يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَماً وَلاَ بَقَراً وَلاَ
حَمِيراً»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 4). وقد جعلت ضخامة اعداد هذه القبائل القادمة من
الصحراء، وقسوتهم في النهب، مهمة الدفاع ضدهم صعبة. ولما كانت تنقص الإِسْرَائِيلَيين روح الوحدة القومية، اضطروا للفرار إلي المغاير والكهوف
وشقوق الصخور طلبا للامان.
وبعد سبع سنوات من هذه
الغزوات والمعاناة، ظهر جِدْعُونُ على مسرح الأحداث.
3) دعوة جِدْعُونُ :
ربما برز جِدْعُونُ - من قبل -
في مقاومة الْمِدْيَانِيِّينَ «12فَظَهَرَ
لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ!»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 12)، إلا أنه تلقي الآن التكليف الإلهي، ليتولى مركز القيادة. فبينما كان
يخبط حنطته في مكان خفي لينجو من جشع الْمِدْيَانِيِّينَ، فوجيء بزيارة الرب له في
هيئة ملاك. ومهما كان الرأي في هذا المشهد ووقائعه المعجزية، فلا شك إطلاقا في أن
دعوة جِدْعُونُ كانت من الله، وأن الصوت
الذي كلمه هو صوت الله. فلا حزنه على موت أخوته في تابور «8وَصَعِدَ
مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ وَكَلَّمَهُمْ هَكَذَا. فَأَجَابَهُ أَهْلُ
فَنُوئِيلَ كَمَا أَجَابَ أَهْلُ سُكُّوتَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 8)، ولا النعرة الوطنية المتقدة في داخله، يصلحان مبررا لتوليه القيادة.
كما أن ذلك لم يتم بناء على طلب الشعب، ومن الواضح أنه لم يفكر قط في نفسه أن يكون
مخلصا لبلاده. فالدعوة لم تأته مفاجئة فحسب، بل جاءته وهو عديم الثقة في نفسه وفي
قومه «13فَقَالَ
لَهُ جِدْعُونُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي, إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا
فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هَذِهِ, وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي
أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ
مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ». 14فَالْتَفَتَ
إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُّوَتِكَ هَذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ
مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟» 15فَقَالَ
لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي, بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي
هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى, وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 13-15). كأنه لم يكن ميالاً لهذا العمل، ولم يقتنع بتولي القيادة إلا لأن
الأمر صدر له من الله. وهذا ما يؤكد دقة الحقائق الأساسية في القصة. وقد استجاب
الملاك إلي طلبة جِدْعُونُ، فعندما قدم
اللحم والفطير ومسهما ملاك الرب بطرف العكاز، صعدت نار من الصخرة واكلتهما، فادرك جِدْعُونُ
أن الله هو الذي كان يكلمه، فنبي مذبحا للرب في ذات المكان ودعاه يهوه شلوم .
4) دعوته
الأولى :
إن دعوة جِدْعُونُ ومهمته
الأولى مترابطتان، فقد أمره الرب أن يهدم مذبح البعل الذي أقامه أبوه في عفرة، وأن
يبني مذبحا للرب في نفس المكان، وأن يأخذ ثور البقر الذي لأبيه ويصعده عليه محرقة،
وكانت هذه بداية خدمته، وهي ذات دلالة عميقة على دقة القصة، فهي تسير على نفس خطة
الله في دعوته للأنبياء والمصلحين، بأن يبدأوا العمل من البيت.
وأخذ جِدْعُونُ عشرة رجال تحت
جنح الظلام، وفعل كما امره الرب. وفي الصباح انكشف الأمر، فآثار غضب اهل عفرة، وطلبوا
من يوآش أن يسلم أبنه للموت: فكانت اجابة يوآش ساخرة، لكنها دفعت الموت عن جِدْعُونُ:
انتم تقاتلون للبعل ام انتم تخلصونه؟ أن كان إلها فليقاتل لنفسه «30فَقَالَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ لِنَقْتُلَهُ, لأَنَّهُ هَدَمَ
مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ». 31فَقَالَ
يُوآشُ لِجَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ: «أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ لِلْبَعْلِ,
أَمْ أَنْتُمْ تُخَلِّصُونَهُ؟ مَنْ يُقَاتِلْ لَهُ يُقْتَلْ فِي هَذَا
الصَّبَاحِ. إِنْ كَانَ إِلَهاً فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ
هُدِمَ». 32فَدَعَاهُ
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلاً: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ
قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 30-32). ومن هنا اكتسب جِدْعُونُ اسم يربعل أي ليقاتله
البعل.
ومن العسير تحديد الزمن الذي
مضى على هذا المشهد الذي تم في بيته، حتى قام بحملته على الْمِدْيَانِيِّينَ. ولعل
ذلك استغرق من جِدْعُونُ بضعة شهور حتى يستجمع شتات رجال عشيرته. والحقيقة أن
الأحداث التالية لتلك القصة يبدو فيها نوع من الازدواج - كما يرى البعض - مع
اختلافات ظاهرية لكنها ليست جوهرية. وبدون إغفال هذا الأمر، يمكننا أن نحصل على
قصة مترابطة عما حدث فعلا.
5) جيش جِدْعُونُ
:
عندما كان الغزاة المتحالفون
في معسكرهم فى سهل يزرعيل، قام جِدْعُونُ بتعبئة الابيعزريين، وأرسل الرسل إلي
سائر أسباط إِسْرَائِيلَ، وأقام معسكره على مقربة من الْمِدْيَانِيِّينَ. ويصعب علينا
تحديد موقع المعسكرات المختلفة التي حشد فيها جِدْعُونُ قواته، وكذلك أسلوب دعوته
للأسباط، لما يبدو من لبس وغموض بين ما جاء في الإصحَاحُ السَّادِسُ «35وَأَرْسَلَ
رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضاً وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ
رُسُلاً إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 35)، وما جاء في الإصحَاحُ السَّابعُ «23فَاجْتَمَعَ
رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى
وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة7: 23).
على أي حال، كان هناك معسكر أولي للتعبئة، وفي
أثناء اقامته فيه، أمتحن جِدْعُونُ دعوته بجَّزَةِ الصوف الجافة والندية «37فَهَا
إِنِّي وَاضِعٌ جَّزَةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ. فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى
الْجَّزَةِ وَحْدَهَا، وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا, عَلِمْتُ أَنَّكَ
تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 38وَكَانَ
كَذَلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَّزَةَ وَعَصَرَ طَلاًّ مِنَ
الْجَّزَةِ, مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. 39فَقَالَ
جِدْعُونُ لِلَّهِ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هَذِهِ الْمَرَّةَ
فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَّزَةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ
فِي الْجَّزَةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ». 40فَفَعَلَ
اللَّهُ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَّزَةِ
وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة6: 37-40). وعندما اقتنع بأن الله يريد أن يخلص إِسْرَائِيلَ بقيادته، تحرك
بمعسكره إلي الطرف الجنوبي الشرقي لسهل يزرعيل بالقرب من عين حرود. ومن موقعه
المتميز هنا أمكنه أن يرى خيام الْمِدْيَانِيِّينَ. وما من اختبار من الأختبارين،
كان أمراًغير طبيعي، بل كان أمراً مألوفاً. وبناء على أمر الرب، أعفي جِدْعُونُ كل
من كان خائفا ومرتعدا من الاشتراك في الحرب، فبقى معه عشرة آلالف رجل، ثم نقص هذا
العدد إلي ثلثمائة عن طريق النزول بهم إلي الماء. اذ كان عدد الذين ولغوا بيدهم
إلي فمهم ثلاثة مئة رجل «6وَكَانَ
عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُلٍ.
وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعاً فَجَثُوا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة7: 6). وكان هذا دليلا على الرغبة الجادة والشجاعة في خوض المعركة.
6) هزيمة الْمِدْيَانِيِّينَ وهربهم :
وبعد أن نقص عدد جيشه إلي
ثلثمائة رجل، واستوثق من أن الرب سيسلم الْمِدْيَانِيِّينَ له ولجماعته الصغيرة،
نزل جِدْعُونُ ليلاًمع خادمه إلي أطراف مخيمات العدو حيث سمع حلما وتفسيره، مما
شدده جداًو دعاه إلي أن يضرب ضربة فورية «9وَكَانَ فِي
تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ,
لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ. 10وَإِنْ
كُنْتَ خَائِفاً مِنَ النُّزُولِ، فَانْزِلْ أَنْتَ وَفُورَةُ غُلاَمُكَ إِلَى
الْمَحَلَّةِ، 11وَتَسْمَعُ
مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ, وَبَعْدُ تَتَشَدَّدُ يَدَاكَ وَتَنْزِلُ إِلَى
الْمَحَلَّةِ». فَنَزَلَ هُوَ وَفُورَةُ غُلاَمُهُ إِلَى آخِرِ الْمُتَجَهِّزِينَ
الَّذِينَ فِي الْمَحَلَّةِ. 12وَكَانَ
الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَكُلُّ بَنِي الْمَشْرِقِ حَالِّينَ فِي
الْوَادِي كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ, وَجِمَالُهُمْ لاَ عَدَدَ لَهَا
كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. 13وَجَاءَ
جِدْعُونُ فَإِذَا رَجُلٌ يُخَبِّرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: «هُوَذَا قَدْ
حَلُمْتُ حُلْماً, وَإِذَا رَغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ فِي مَحَلَّةِ
الْمِدْيَانِيِّينَ وَجَاءَ إِلَى الْخَيْمَةِ وَضَرَبَهَا فَسَقَطَتْ,
وَقَلَبَهَا إِلَى فَوْقٍ فَسَقَطَتِ الْخَيْمَةُ». 14فَأَجَابَ
صَاحِبُهُ: «لَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ
إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللَّهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ
الْجَيْشِ». 15وَكَانَ
لَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ خَبَرَ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرَهُ أَنَّهُ سَجَدَ وَرَجَعَ
إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ
إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّينَ». 16وَقَسَمَ
الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ, وَجَعَلَ أَبْوَاقاً فِي
أَيْدِيهِمْ كُلِّهِمْ, وَجِرَاراً فَارِغَةً وَمَصَابِيحَ فِي وَسَطِ الْجِرَارِ.
17وَقَالَ
لَهُمُ: «انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذَلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ
الْمَحَلَّةِ, فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هَكَذَا تَفْعَلُونَ. 18وَمَتَى
ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضاً
بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ, وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». 19فَجَاءَ
جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي
أَّوَلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ,
فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. 20فَضَرَبَتِ
الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ, وَأَمْسَكُوا
الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى
لِيَضْرِبُوا بِهَا, وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». 21وَوَقَفُوا
كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ
وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. 22وَضَرَبَ
الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ, وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ
بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ إِلَى
صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ إِلَى طَبَّاةَ. 23فَاجْتَمَعَ
رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى
وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة7: 9-23).
وقد قسم جِدْعُونُ رجاله إلي
ثلاث فرق متساوية، وجعل أبواقاً في أيديهم كلهم وجرارا فارغة ومصابيح مخباة في
الجرار.كما أمرهم بالهتاف: سيف الرب ولجِدْعُونُ، وأن يهاجموا الْمِدْيَانِيِّينَ
من ثلاث جهات.
ونجحت هذه الخطة الحربية، في
إخفاء عددهم، وفي إرهاب العدو، ففر الْمِدْيَانِيُّونَ ومن معهم على غير نظام نحو
الأردن «18وَمَتَى
ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضاً
بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ، وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة7: 18). وكانت الهزيمة نكراء، ومما زاد في عظمة انتصار جِدْعُونُ، هو انه في
الظلام، رفع جنود العدو كل واحد سيفه على الأخر.
ومع زعم وجود روايتين بهما
بعض الاختلافات في تفاصيل الهجوم وتطور القتال، فإن الخطوط الرئيسية للأحداث واضحة
«24فَأَرْسَلَ
جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ
الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ
وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ
إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة7: 24)، «3لِيَدِكُمْ
دَفَعَ اللَّهُ أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَاباً وَذِئْباً. وَمَاذَا
قَدِرْتُ أَنْ أَعْمَلَ نَظِيرَكُمْ؟». حِينَئِذٍ ارْتَخَتْ رُوحُهُمْ عَنْهُ
عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلاَمِ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 3)، مع «4وَجَاءَ
جِدْعُونُ إِلَى الأُرْدُنِّ وَعَبَرَ هُوَ وَالثَّلاَثُ مِئَةِ الرَّجُلِ
الَّذِينَ مَعَهُ مُعْيِينَ وَمُطَارِدِينَ. 5فَقَالَ
لأَهْلِ سُكُّوتَ: «أَعْطُوا أَرْغِفَةَ خُبْزٍ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ مَعِي
لأَنَّهُمْ مُعْيُونَ, وَأَنَا سَاعٍ وَرَاءَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ مَلِكَيْ
مِدْيَانَ». 6فَقَالَ
رُؤَسَاءُ سُكُّوتَ: «هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ الآنَ حَتَّى
نُعْطِيَ جُنْدَكَ خُبْزاً؟» 7فَقَالَ
جِدْعُونُ: «لِذَلِكَ عِنْدَمَا يَدْفَعُ الرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي
أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ». 8وَصَعِدَ
مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ وَكَلَّمَهُمْ هَكَذَا. فَأَجَابَهُ أَهْلُ
فَنُوئِيلَ كَمَا أَجَابَ أَهْلُ سُكُّوتَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 4-8).
وقد عبر جزء من فلول العدو
الهاربة، نهر الأردن عند سكوت بقيادة زبح وصلمناع، أما القسم الأعظم فقد سار مع
النهر جنوبا إلي مخاضة بيت بارة.
7) مقتل غراب وذئب:
أرسل جِدْعُونُ الرسل إلي
رجال أفرايم «24فَأَرْسَلَ
جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ
الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ
وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ
إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة7: 24) - والأرجح أن هذا حدث قبل الهجوم الأول - يطلب منهم اعتراض طريق الْمِدْيَانِيِّينَ
إذا حاولوا الهرب عبر المخاضات في منطقتهم، فاستجابوا له، وهزموا العدو عند بيت
بارة، وذبحوا اميري الْمِدْيَانِيِّينَ غرابا وذئبا، ودليلا على شجاعتهم وانتصارهم،
جاءوا برأسي الأميرين إلي جِدْعُونُ متهمين أياه بأنه استهان بهم وبشجاعتهم، فلم
يدعهم من البداية للقتال. لكن جِدْعُونُ كان دبلوماسيا متمرسا تماما كما كان قائدا
حربيا محنكا، واستطاع أن يسترضيهم بأن قال لهم إنهم فعلوا أعظم جدا مما فعل هو «1وَقَالَ
لَهُ رِجَالُ أَفْرَايِمَ: «مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلْتَ بِنَا، إِذْ لَمْ
تَدْعُنَا عِنْدَ ذِهَابِكَ لِمُحَارَبَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ؟» وَخَاصَمُوهُ
بِشِدَّةٍ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 1).
وطارد جِدْعُونُ زَبَحَ
وَصَلْمُنَّاعَ في الجهة الشرقية من النهر، وكان أهل تلك الجهة ما زالوا خائفين
جدا من الْمِدْيَانِيِّينَ وقوبل في فنوئيل بنفس الرفض. وقد توعد جِدْعُونُ أَهْلِ
سُكُّوتَ وفنوئيل بان يجازيهم على موقفهم منه، حالما ينتهي من المهمة التي أمامه.
ثم اندفع برجاله، وهم جياع لكنهم شجعان، واكتسح الْمِدْيَانِيِّينَ وهزمهم وأمسك
بزبح وصلمناع. وعند عودته عاقب سكوت وفنوئيل بما توعدهم به: «7فَقَالَ
جِدْعُونُ: «لِذَلِكَ عِنْدَمَا يَدْفَعُ الرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي
أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ»...9فَقَالَ
أَيْضاً لأَهْلِ فَنُوئِيلَ: «عِنْدَ رُجُوعِي بِسَلاَمٍ أَهْدِمُ هَذَا
الْبُرْجَ»...13وَرَجَعَ
جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ مِنَ الْحَرْبِ مِنْ عِنْدِ عَقَبَةِ حَارَسَ. 14وَأَمْسَكَ
غُلاَماً مِنْ أَهْلِ سُكُّوتَ وَسَأَلَهُ، فَكَتَبَ لَهُ رُؤَسَاءَ سُكُّوتَ
وَشُيُوخَهَا، سَبْعَةً وَسَبْعِينَ رَجُلاً. 15وَدَخَلَ
إِلَى أَهْلِ سُكُّوتَ وَقَالَ: «هُوَذَا زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ اللَّذَانِ
عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا قَائِلِينَ: هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ
الآنَ حَتَّى نُعْطِي رِجَالَكَ الْمُعْيِينَ خُبْزاً؟» 16وَأَخَذَ
شُيُوخَ الْمَدِينَةِ وَأَشْوَاكَ الْبَرِّيَّةِ وَالنَّوَارِجَ وَعَلَّمَ بِهَا
أَهْلَ سُكُّوتَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 7و9 و13-16).
8) مقتل زَبَحُ
وَصَلْمُنَّاعُ:
وهكذا تحطمت قوة الْمِدْيَانِيِّينَ
وجحافلهم البدوية، واستمتع إِسْرَائِيلَ بالسلام لمدة أربعين سنة. وكان لا بد أن
يلاقي ملكا مديان زبح وصلمناع مصيرهما كمحاربين منهزمين. وحيث أنهما كانا قائدي
الجيوش في تابور التي قتلت أخوة جِدْعُونُ، لذلك امر جِدْعُونُ ابنه الصغير يثر أن
يقتلهما كما لو كانا غير أهل للقتل بيد محارب «20وَقَالَ
لِيَثَرَ بِكْرِهِ: «قُمِ اقْتُلْهُمَا». فَلَمْ يَخْتَرِطِ الْغُلاَمُ سَيْفَهُ,
لأَنَّهُ خَافَ, بِمَا أَنَّهُ فَتىً بَعْدُ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 20). إلا أن الفتى هاب الموقف، فقام جِدْعُونُ وقتلهما بنفسه «21فَقَالَ
زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ: «قُمْ أَنْتَ وَقَعْ عَلَيْنَا, لأَنَّهُ مِثْلُ الرَّجُلِ
بَطْشُهُ». فَقَامَ جِدْعُونُ وَقَتَلَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ, وَأَخَذَ
الأَهِلَّةَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمَا»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 21).
9) أفود جِدْعُونُ:
طلب الشعب من جِدْعُونُ أن
يملك عليهم لكنه رفض، ربما رغبة منه في الاحتفاظ بالحكم الثيوقراطي، لكنه طلب منهم
أن يعطوه أقراط غنيمتهم «24ثُمَّ قَالَ
لَهُمْ جِدْعُونُ: «أَطْلُبُ مِنْكُمْ طِلْبَةً: أَنْ تُعْطُونِي كُلُّ وَاحِدٍ
أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ». لأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ أَقْرَاطُ ذَهَبٍ لأَنَّهُمْ
إِسْمَاعِيلِيُّونَ. 25فَقَالُوا:
«إِنَّنَا نُعْطِي». وَفَرَشُوا رِدَاءً وَطَرَحُوا عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ
أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ. 26وَكَانَ
وَزْنُ أَقْرَاطِ الذَّهَبِ الَّتِي طَلَبَ أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ شَاقِلٍ
ذَهَباً, مَا عَدَا الأَهِلَّةَ وَالْحَلَقَ وَأَثْوَابَ الأُرْجُوانِ الَّتِي
عَلَى مُلُوكِ مِدْيَانَ, وَمَا عَدَا الْقَلاَئِدَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ
جِمَالِهِمْ. 27فَصَنَعَ
جِدْعُونُ مِنْهَا أَفُوداً وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَتِهِ فِي عَفْرَةَ. وَزَنَى
كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَرَاءَهُ هُنَاكَ, فَكَانَ ذَلِكَ لِجِدْعُونَ وَبَيْتِهِ
فَخّاً»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 24-27)، وصنع بها أفودا ووضعه في مدينته في عفرة.
ويعتقد البعض أنه بهذا اسهم جِدْعُونُ
في وضع أساس عبادة الأوثان - فيما بعد - في إِسْرَائِيلَ. وتنتهي قصة جِدْعُونُ
عند ذلك «28وَذَلَّ
مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ.
وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 28).
10) موت جِدْعُونُ
:
تصف الأعداد الباقية أسرة جِدْعُونُ
من نساء وأولاد ثم وفاته والأحداث التي أعقبت وفاته «29وَذَهَبَ
يَرُبَّعْلُ بْنُ يُوآشَ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ. 30وَكَانَ
لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَداً خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ, لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ
نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ. 31وَسُرِّيَّتُهُ
الَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضاً ابْناً فَسَمَّاهُ أَبِيمَالِكَ. 32وَمَاتَ
جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ, وَدُفِنَ فِي قَبْرِ يُوآشَ أَبِيهِ
فِي عَفْرَةِ أَبِيعَزَرَ. 33وَكَانَ
بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا وَزَنُوا وَرَاءَ
الْبَعْلِيمِ, وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعَلَ بَرِيثَ إِلَهاً. 34وَلَمْ
يَذْكُرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ إِلَهَهُمُ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ
جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ. 35وَلَمْ
يَعْمَلُوا مَعْرُوفاً مَعَ بَيْتِ يَرُبَّعْلَ (جِدْعُونَ) نَظِيرَ كُلِّ
الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَ مَعَ إِسْرَائِيلَ»(سِفْرُ اَلْقُضَاة8: 29-35).
0 التعليقات:
إرسال تعليق