• اخر الاخبار

    الفصل الخامس هل توجد في خليقة الله فكرة التعدد في الوحدانية؟ د. القس / سامي منير اسكندر



     مباحث للعقلاء والمفكرين


     المبحث الرابع



    هل يعقل أن


    الله ثلاثة ؟ 


     إعداد  
           
    د. القس / سامي منير اسكندر



    باحث ومحاضر في الدين المقارن

    الفصل الخامس


    هل توجد في خليقة الله فكرة التعدد في الوحدانية؟

    أول عدد كامل جامع، لا يمكن لأقل منه أن تتوفر فيه خصائص الوحدانية الجامعة المانعة. وهذا العـد، كما نعلم هو ثلاثة، ويتفق معنا الشيخ محيي بن العربي على ذلك إلى حد كبير، فقد قال: «أول الأعداد الفردية، هو الثلاثة لا الواحد، لأن الواحد ليس بعـدد بل هو أصل الأعداد»([1]).
    v   الاعتقاد العام
    أدرك القديس أوغسطينوس أنّ الله ترك آثاراً وعلامات ثلاثية في كل مكان حولنا. الأمثلة على ذلك تكثر. وهناك اعتقاد عام عندنا نحن البشر، بأن العدد (3) هو أول عدد كامل، بل نرى في خليقة الله من حولنا فكرة الثالوث في الوحدانية، فالطبيعة من حولنا تصرخ في أساسياتها بالثلاثيات. وهناك الكثير. لكنى اخترت الأشياء الأساسية التي بدونها لا تسير الحياة مثل المياه والمادة اللتين صنعا منهما الكون:
           1)    الحبل المثلث لا ينقطع.
           2)    وأيام العزاء هي «ثلاثة».
           3)    وفي قانون العقوبات يُعتبر المجرم عائدًا يستحق عقوبة الجناية بدلاً من عقوبة الجنحة إذا ارتكب مخالفة ثلاثة مرات([2]).
           4)    وفي الرياضيات، أول  شكل هو الذي له ثلاثة أضلاع.
           5)    في المقارنات ثلاثة: فوق، وتحت، وعلى ذات المستوى.
           6)    وأول حجم هو الذي له ثلاثة أبعاد (الطول والعرض والارتفاع).
           7)    وفي الطبيعة، كل نبات راقٍ مكون من ثلاثة أجزاء رئيسية.
           8)    وتتكون الشجرة من جذرها، فروعها أي ساقها، وثمارها.
           9)    تتألف الشمس من مادتها أي جسمها، وهجها أي ضوئها، وحرارتها.
         10)  نجد أيضا ثلاث ممالك: الحيوانية والنباتية والمعدنية.
         11)  ويتألف الزمن من ثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل.
         12)  وكل حيوان راقٍ مكون من ثلاثة أجزاء رئيسية.
         13)  وكل إنسان كامل مكون من ثلاثة أجزاء رئيسية: نفس، وروح، وجسد.
         14)  يتطلّب الفعل الإنساني للفهم العقل، مواضيع الفهم، والإدراك أي الفهم.
         15)  العائلة ثلاثة: الأب، والأم، والأولاد.
         16)  يتطلّب الحبّ مُحبّا، محبوبا، وعاطفة الحبّ التي تضم الثلاثة في واحد.
         17)  وتتميز المادة بخواصها الثلاثة: الصلب والسائل والغازي. 
         18)  الذرة مكونة من ثلاثة أجزاء (إلكترون- بروتون+ نيترون) .
         19)  الكون المحيط بنا يتكون من ثلاثة: السماء والأرض والبحر.
         20)  الألوان الرئيسية ثلاثة: أحمر، وأصفر، وأزرق.
         21)  قواعد اللغة العربية ثلاثة: ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب.
         22)  جوهر الأشياء ثلاثة: جماد، ونبات، وحيوان.
      23) وإذا كان لدينا إلمام بعلم تكوين الجنين (Embryology) لعرفنا أن الجنين يتكون من ثلاث طبقات، الطبقة الخارجية (Ectoderm) الإكتودرم، الطبقة الوسطى (Mesoderm) الميزودرم، الطبقة الداخية (Endoderm) الإندودرم.
      24) والعقل البشري واحد لكنه مثلث التركيب، فهو يتألف من الفهم، والشعور، والإرادةوالفهم هو القوة المفكرة، والشعور هو القوة المتأثرة، والإرادة هي القوة المقررة، والقوي الثلاث في العقل الواحد.
         25)  وفي اليهودية والمسيحية أول عدد كامل (3)، في الاختيار «اِذهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ فاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِداً مِنْهَا فَأَفعَلَهُ بِكَ»([3]).
      26) عند التعين «وَعَيَّنَ لَهُمُ المَلِكُ وَظِيفَةً كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنْ أَطَايـِبِ المَلِكِ وَمِنْ خَمْرِ مَشْرُوبِهِ لتَرْبِيَتِهِمْ ثَلاَثَ سِنِينَ وَعِندَ نِهَاَيتِهَا يَقِفُونَ أَمَامَ المَلِكِ»([4]).
      27) الصلاة اليومية «فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيَالُ بِإِمضَاءِ الكِتَاَبةِ ذَهَبَ إِلى بَيتِه وَكُوَاهُ مَفتُوحَةٌ فِي عُلِيَّتِهِ نَحوَ أَورُشَلِيمَ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي اليَوْمِ وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَل قَبلَ ذلِكَ»([5]).
         28)   الذبيحة « فَقَالَ لَهُ خُذْ لِي عِجْلَةً ثُلثِيَّةً وَعَنْزَةً ثُلثِيَّةً وَكَبْشاَ ثُلثِيّاً وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً»([6]).
      29) الصوم: «اذْهَبِ اجْمَعْ جَمِيعَ اليَهُودِ المَوْجُودِينَ فِي شُوشَنَ وَصُومُوا مِنْ جِهَتِي وَلاَ تَأكُلُوا وَلاَ تَشرَبُوا ثَلاَثَةً أَيَّامٍ لَيْلاً وَنَهَاراً وَأَنَا أَيْضاً وَجَوَاريَّ نَصُومُ كَذلِكَ»([7]).
         30)  العيد «ثَلاثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ»([8]).
      31) وفي المسيحية الانتظار على قطع التينة «فَقَالَ لِلكَرَّامِ هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِى أَطْلُبُ ثَمَراً فِي هذِهِ التّيِنَةِ، وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا. لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضاً؟»([9]).
      32)  مـدة موت المسيح« لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَياَلٍ هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنسَانِ فِي قَـلبِ الأَرْضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَياَلٍ»([10]).
         33)    وقال الله لبطرس: «وَكَانَ هذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ الإِنَاءُ أَيضاً إِلَى السَّمَاءِ»([11]).
         34)    وفي باقية الأديان يُعتبر العدد (3) هو أول عدد كامل، ففي الإسلام يذكر المصلي اسم الله ثلاثة مرات في كل ركعة.
         35)  ويقوم بالمضمضة ثلاثة مرات، والاستنشاق ثلاث مرات.
         36)  وغسيل الوجه ثلاثة مرات، وغسيل اليدين حتى المرفق ثلاثة مرات.
         37)  ومسح الرأس والأذنين ثلاثة مرات، وغسل الرجلين ثلاثة مرات.
         38)  والقسم لا يكون نافذاً إلا إذا كان بالله ثلاثة.
         39)  والطلاق لا يكون قانونياً (أو بائناً) إلا إذا كان الإشهار به ثلاثاً.
         40)  وتقضي السنّة بصوم ثلاثة أيام في شهر رجب، وثلاثة أخرى في شهر شعبان.
         41)  الماء عصب الحياة ثلاثة: 2 هيدروجين+1 أكسيجين.
    وطبعاً ليس الغرض من الاقتباسات المذكورة هو الاستدلال بها على أن أقانيم اللاهوت لابد أن يكونوا ثلاثة. كلا، لأن الله أسمي من أن يُقاس بالنسبة إلى أي شيء من الأشياء، بل الغـرض من هذه الاقتباسات هو الاستدلال بها على أنه لو أعلن لنا الوحي أن الأقانيم ثلاثة، لما جاز لعقولنا أن تعترض على الإطلاق، لأن هذه الحقيقة تكون متفقة مع الواقع المعروف لدينا.
    وأقدم توضيحاً قدمه الأستاذ كليف لويس البريطاني في كتابه »المسيحية وحسب« يقول: »أنت تعلم أنك تقدر أن تتحرك في ثلاثة اتجاهات، للشمال واليمين، للأمام والخلف، لأعلى ولأسفل، وكل اتجاه هو واحد من هذه الاتجاهات »الأبعاد الثلاثة« فإن كنت تستعمل بُعداً واحداً يمكنك أن ترسم خطاً مستقيماً، فإن استعملت بُعدين من الثلاثة يمكنك أن ترسم شكلاً هندسياً، مربعاً مثلاً. أما إن استعملت هذه الأبعاد الثلاثة فإنك تقدر أن تعمل شيئاً مجَّسماً: مكعباً مثلاً: والمكعب كما نعلم يتكون من ستة مربعات.
    v  هل رأيت الفكرة؟
    عالم البُعد الواحد هو عالم الخطوط المستقيمة، أما عالم البُعدَين فإنه يحوي الخطوط المستقيمة مع الأشكال الهندسية. ولكنك في عالم الأبعاد الثلاثة تحصُل على الخطوط المستقيمة مع الأشكال الهندسية والأشياء المُجسمة. وعندما تتقدم إلى مستويات أكثر واقعية وأكثر تعقيداً، فإنك لا تترك ما وجدته على المستويات البسيطة، فهو باقٍ معك، ولكنك ستحصل عليه متحداً بطرق مختلفة لم تكن تخطر على بالك عندما كنت تفكر على المستويات الأبسط.
    v  الفكر المسيحي عن الله
    يقوم على المبدأ نفسه، فالمستوى الإنساني بسيطٌ وفارغ..على المستوى الإنساني يكون الشخص الواحد ذا كيانٍ واحد، وكل شخصين مستقلين هما شخصان منفصلان - تماماً كما يحدث عندما تستخدم بُعدين لرسم شكلين هندسين (مربعين مثلاً) على ورقة بيضاء. أما على المستوى الإلهي تجد شخصيات ندعوها (أقانيم) لكنها متحدة بطرق جديدة، لا نستطيع نحن أن ندركها ولا حتى أن نتخيلها، لأننا لا نحيا على مستواها.
    على المستوى الإلهي تجد إلهاً واحداً، ذا ثلاثة أقانيم، ومع ذلك فإنه إلهٌ واحد، تماماً كما أن المكعب يتكون من ستة مربعات مع أنه مكعبٌ واحد. وبالطبع نحن نعجز عن إدراك كائن مثل هذا - وكأننا مخلوقون لندرك بُعديْن فقط، لا ثلاثة. وإذا بنا نعجز عن إدراك منظر المكعب. على أننا قادرون أن ندرك فكرة باهتة عنه. وعندما نصل إلى هذا الإدراك فإننا نحصل على فكرة إيجابية باهتة عن هذا الكائن »الفوق إنساني« وذلك لأول مرة في حياتنا. إنه كائن أكثر من شخص! وهذا شيء ما كان يمكن أن نُخمنه، ولكن ما أن نسمع عنه حتى نقول إننا كان يجب أن ندركه لأن وجوده وكيانه يتفق مع كل الحقائق التي كنا نعرفها من قبل. ولربما تسأل: »لا أقدر أن أتخيل شخصاً ذا ثلاثة أقانيم، فما جدوى هذا الحديث؟« وللإجابة: أقول بأنه لا جدوى فعلاً من الحديث عنه، فإن الأمر الأساسي هو أن تنجذب إليه. وهذا يمكن أن يحـدث في أي وقت: الآن لو أنك أردت!
    يركع شخص مسيحي عادي ليصلي، محاولاً أن يتصل بالله. ولكنه كمسيحي يعلمُ أن الذي أنشأ في داخله الرغبة لأن يصلي هو الله، فالله داخله! وهو يعلم أيضاً أن كل معلوماته عن الله جاءته عن طريق المسيح - الإنسان الذي هو إله، كما أنه يعلم أن المسيح واقفٌ إلى جواره، يساعده وهو يصلي، كما أنه يصلي لأجله (أي يشفع فيه). أنت ترى أنه يصلي لله، فهو هدف الصلاة وغايتها. والله داخله يدفعه للصلاة - فهو دافع الصلاة. والله أيضاً هو الطريق الذي يندفع فيه لتحقيق الهدف. وهكذا ترى أن كل حياة الله المثلث الأقانيم تعمل داخل الغرفة التي يُصلي فيها ذلك المسيحي البسيط، إنه يرتفع إلى مستوى الحياة الروحية، إذ أن الله يرفعه إلى ذات الله، بينما يبقى الإنسان هو الإنسان.
    لقد كان الناس يعرفون عن الله معرفة غامضة مُبهَمَة - ثم جاء إنسان (هو المسيح) يقول إنه الله، ولم يكن هذا الشخص مجنوناً يمكن ازاحته جانباً، بل كان قادراً أن يجعل جماعة تؤمن به، ولقد التقت به هذه الجماعة بعد موته، ثم كوَّنت هيئة صغيرة، كانت قادرة أن تشعر بوجوده في وسطها، يقودها ويمنحها القدرة على إنجاز ما كان يستحيل عليها أن تُنجزَه من قبل. وعندما درست هذه الجماعة حقيقة الإيمان الذي وصلت إليه، وضعت تعريفاً لله أنه «إله مثلث الأقانيم«.




    [1] فصوص الحكم ص130.
    [2] المادة49 من قانون العقوبات.
     [3]التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر صموئيل الثاني اَلأَصْحَاحُ 24 الآية 12.
    [4] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر دانيال اَلأَصْحَاحُ 1 الآية 5.
    [5] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر دانيال اَلأَصْحَاحُ 6 الآية 10.
    [6] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر التكوين اَلأَصْحَاحُ 15 الآية 9.
    [7] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر أَستير اَلأَصْحَاحُ 4 الآية 16.
    [8] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر الخروج اَلأَصْحَاحُ 23 الآية 14.
    [9] الإنجيل، إنجيل الرسول لوقا اَلأَصْحَاحُ 13 الآية 7.
    [10] الإنجيل، إنجيل الرسول متّى اَلأَصْحَاحُ 12 الآية 40.
    [11] الإنجيل، سفر الأعمال الرسل اَلأَصْحَاحُ 10 الآية 16.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الفصل الخامس هل توجد في خليقة الله فكرة التعدد في الوحدانية؟ د. القس / سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top