• اخر الاخبار

    لقطات صغيرة لسِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ اللقطة الثَّانِية د. القس / سامي منير اسكندر





    لقطات صغيرة لسِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ


    إعداد


    د. القس / سامي منير اسكندر


    اللقطة الثَّانِية 

    Ø     مقدمة:
    سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ «Song of Solomon»
    الاختصار : نش = SO

    هو السِفْرُ الثاني والعشرون من أسفار نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، وخامس الأسفار الشعرية ويسمى أحياناً نشيد سُلَيْمَانَ (وهذا هو اسمه في النسخة الانكليزية من الكتاب المقدس) وهو مجموعة اناشيد واغان. والمتكلم فيها يختلف بين قطعة وأخرى.
    هو أحد الأسفار الشعرية في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، واسمه في العبرية «شير هشيريم» أي «ترنيمة الترانيم» بمعنى «أجمل الترانيم». وهو سِفْرُ شعري صغير (ثمانية أصحاحات). وتصف قصائده الجميلة الكثير من أبعاد الحب البشري، ولا يرتبط بالديانة صراحة إلا القليل منها.

    هو نَشِيدُ الأَنْشَادِ (اي أفضل الأناشيد)، أدخله الرابانيّون الى لائحة أسفار نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ القانونية، في مجمع «يمنية» الذي عُقِد في العام 90-100 ب.م، وقد قال فيه رابي عقيبة: إنّ: «الْعَالَمَ كلّه لا يضاهي اليوم الذي فيه أُعطي اسرائيل هذا النشيد، فالكتابات كلّها (أي العهد القديم أو نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ) مقدسة، أمّا النشيد فهو قدس الأقداس». ويعرف العارفون أنّ هذا السِفْرُ أخذ، في بداية القرن الخامس ب.م، مكانة هامّة في الطقوس اليهودية، فتلته الجماعات في اليوم الأول من عيد الفصح، وذلك لأنه يصوّر، بطريقة نبوية رائعة، أولى علاقات الحب بين الله (العَريسُ) وشعبه (عروسه).

    نَشِيدُ الأَنْشَادِ يعني أجمل وأسمى نشيد. يجعل القانون اليهودي هذا السِفْرُ بين الكتب التقوية ويعتبره إحدى اللفائف الخمس. إنه يُقرأ في عيد الفصح بينما يُقرأ سِفْرُ راعوت في عيد العنصرة والمراثي في تذكار دمار اورشليم والْجَامِعَةِ في عيد المظال واستير في عيد الفوريم (أو القرعة). أما التقليد اليوناني واللاتيني فقد جعل السِفْرُ بين الاسفار الحكمية.

    Ø     نَشِيدُ سُلَيْمَانَ
     سِفْرُ نشيد الأنشاد هُوَ السِفْرُ الأخير بينَ الأسفار الشعريَّة. لقد كتبَ سُلَيْمَانُ ألفاً وخمسة أناشيد. هذا النشيد هو الوحيد الذي وصلَ إلينا منها، ولكنَّهُ جوهرةٌ جميلةٌ نجدُها تُرصِّعُ خاتمة الأسفار الشعريَّة في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. نَشيدُ الحُبِّ هذا يُسَجِّلُ قِصَّةَ حُبٍّ وأحادِيثَ حُبٍّ بينَ حَبيبَين. وبسبب الأحاديث الحميمة المَوجُودَةِ فيهِ، مُنِعَ الشُّبَّانُ اليهود من قِراءةِ سِفْرُ نشيد سُلَيْمَانُ قبلَ أن يبلُغُوا الثلاثين من العُمر.

    Ø     غاية السِفْرُ: الحب
    المحبة، الالتزام، الجمال، المشكلات، قمة الحكمة، والتطلع لمجيء المسيح، والمحبة المتبادلة بين العَريسُ والعروس، وأنشودة العرس السماوي

    Ø     أهم الأماكن :
    إسرائيل

    Ø     مفتاح السِفْرُ :
    «3أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ»(سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ6: 3).

    Ø     مركزه عند اليهود :

    تسلمت الكنيسة المسيحية من يدي الكنيسة اليهودية هذا السِفْرُ ضمن أسفار نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، وقد احتل هذا السِفْرُ مركزًا خاصًا بين الأسفار لما يحمله من أسلوب رمزي يعلن عن الحب المتبادل بين الله وكنيسته، أو بين الله والنفس البشرية كعضو في الكنيسة.

    وقد ضمت النسخة العبرية لنَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ التي جمعها عزرا الكاتب في القرن الخامس قبل الميلاد هذا السِفْرُ، كما ترجم إلى اليونانية ضمن أسفار النسخة السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد، دون أي اعتراض أو شك من جهة معانيه الروحية.

    وفي أيام الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، حاول الحاخام شمعي استثناءه من الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بسبب رغبته في التفسير الحرفي الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بطريقة قاتلة، فأكدت مدرسة هليل اليهودية التقليدية قانونية السِفْرُ. وأكد مجمع Jamnias (95-100م) قانونيته.

    وفي عام 135م أكد الحاخام أكيبا أهميته العظمى، قائلاً: «الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كله مقدس، أما سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ فهو أقدس الأسفار، الْعَالَمَ كله لم يأتِ بأهم من ذلك اليوم الذي فيه أعطي هذا السِفْرُ».

    وجاء في الترجوم اليهودي «الأناشيد والمدائح التي نطق بها سُلَيْمَانُ النبي، ملك إسرائيل، بالروح القدس، أمام يهوه الرب الْعَالَمَ كله في ذلك رنمت عشرة أناشيد، أما هذا النشيد فهو أفضل الكل».

    وأكدت المدراش Midrash: «نَشِيدُ الأَنْشَادِ هو أسمى جميع الأناشيد، قدمت لله الذي سيحل بالروح القدس علينا. أنه النشيد الذي فيه يمتدحنا الله، ونحن نمتدحه!».
    إن كان سُلَيْمَانُ الحكيم قد كتب سِفْرُ الْجَامِعَةِ مدركا حقيقة الحياة الأرضية أنها «2بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ الْكُلُّ بَاطِلٌ» (سِفْرُ الْجَامِعَةِ1: 2). فأنه قد تلامس مع الحياة السماوية فوجدها «نَشِيدُ الأَنْشَادِ»، في سِفْرُ الْجَامِعَةِ يعلن الحكيم أنه لا شبع للنفس خلال كثرة المعرفة النظرية أما في سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ فتشبع النفس وتستريح تماما بالحب الإلهي ولا تكون بعد في عوز، في سِفْرُ الْجَامِعَةِ يتحدث عن كل ما هو تحت الشمس وإذا ليس فيه جديد أما في النشيد إذ تدخل النفس إلى أحضان الله تري كل شيء جديدا،

    سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ في الحقيقة هو سيمفونية رائعة تطرب بها النفس المنطلقة من عبودية هذا الْعَالَمَ متحررة من سلطان فرعون الحقيقي «الشَّيْطَانُ» متكئة علي صدر ربها تدخل أورشليم السمائية في حرية مجد أولاد الله، لهذا يتحدث هذا السِفْرُ عن سر الحب الأبدي والحياة مع العَريسُ السماوي، هو سيمفونية القلب المتحد مع مخلصه، هو نشيد فريد في نوعه وفي معانيه يترنم به من تقدس بدم الحمل داخلا بدالة الحب إلى قدس الأقداس ألسمائي بغير كلفة أو روتين أو رسميات حتى يستقر في حضن الأب، مرتفعًا فوق كل فكر مادي جسداني إلى الفكر الروحي الحق «3أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ»(سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ6: 3).

    كُلُّ هذا يجعَلُنا نتساءَلَ: ماذا يفعلُ سِفْرُ مثلُ هذا بينَ أسفارِ الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ القانُونيَّة المُوحاة؟ هُناكَ عدَّةُ أجوبةٍ:

    أوَّلُاً: هو أن سفراً مثل نشيد سُلَيْمَانُ موجودٌ في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ لأنَّهُ يُعلِّمُنا قُدسِيَّةَ المَضجَعِ الزَّوجِيّ. ففي سِفْرُ التكوين، نقرأ أنَّ اللهَ قالَ، «18وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ2: 18)، فخلقَ اللهُ المرأة. وعندَما خلقَ اللهُ الرجُلَ والمرأة، ذكراً وأُنثَى خلَقَهُما، وجمعَهُما في إتِّحادٍ جِنسي، ثمَّ نقرأُ الكلمات التي تقول، «31وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْماً سَادِساً»(سِفْرُ التَّكْوِينِ1: 31)، فعندَما خَلَقَ اللهُ الجِنس، أعلَنَ أنَّ الجِنسَ «حَسَنٌ جِدّاً».

    ثانياً: لَو لَم يَكُن هُناكَ معنىً أعمَق لَنشيدِ الحُبِّ هذا، فإنَّ الكلامَ عن قُدسِيَّةِ الجِنس هي هامَّةٌ بِشكلٍ كافٍ ليجعَلَ هذا السِفْرُ يحتَلُّ مركَزَهُ بينَ هذه الأسفارِ المُقدَّسة التي نَدعُوها «الكتاب المُقدَّس». منَ المُهِمِّ جِدَّاً للوالِدينَ أن يُعَلِّمُوا أولادَهُم أنَّ الجِنسَ حَسَنٌ جِدَّاً.

    وأمامَنا تَحَدٍّ كَبير أن نُعَلِّمَ أولادَنا أن يحتَفِظُوا بالجِنس للعَلاقَةِ الزَّوجِيَّةِ حصرِيَّاً، دُونَ أن نَجعَلَهُم يشعُرُونَ أنَّ الجِنسَ خَطيَّة. فإذا أقنَعنا أولادَنا أنَّ الجِنسَ شَرٌّ، قد نُعطِّلُ إنسجامَهُم معَ الجِنس في الحياةِ الزَّوجِيَّة. وقد نجعَلُهُم يدخُلُونَ الزواج بأفكارٍ تَقَويَّة تجاهَ الجِنس، ممَّا قد يُعطِّلُ حياتَهُم الجِنسيَّة في الزواج، ويمنَعُهم من إشباعِ حاجاتِ الشريك الزوجِي.

    ثالثًا: يُعَلِّمُنا نَشيدُ الحُبِّ هذا أنَّ اللهَ يُبارِكُ ويُوافِقُ على المضجَعِ الزَّوجِيّ والبرَكة الزَّوجِيَّة. فبينما تقرَأونَ نشيدَ الحُبِّ لِسُلَيْمَانَ، سوفَ ترَونَ تأكيداً على قصدِ اللهِ منَ التَّعبيرِ البَهيجِ عن علاقَةِ الجنس الحَميمة بينَ رَجُلٍ وإمرأَة في إطارِ الزَّواج.

    رابعاً: ولكن هُناكَ مُؤمِنُونَ أتقِياء رأَوا معنىً أعمَق في نشيدِ الحُبِّ هذا الذي لسُلَيْمَانَ. فلقد رأَوا توازِياً عميقاً بينَ علاقَةِ الحَبيبَين، وبينَ علاقَتِنا نحنُ معَ اللهِ ومعَ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، التي تُوصَفُ عادَةً بأنَّها تُشبِهُ العلاقَةَ الزَّوجِيَّة. إنَّهم يعتَقِدُونَ أنَّ نَشيدَ سُلَيْمَانَ قد وُضِعَ بينَ أسفارِ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ المُوحَى بها، كصُورَةٍ مجازِيَّةٍ عن محبِّة اللهِ يهوَة لشعبِهِ إسرائيل القَديم. وعندما تقرأُ الإِنْجِيل، تَكتَشِفُ أنَّ هذه الإستِعارَة المجازِيَّة عن علاقَةِ الحُبّ مُطَبَّقَةٌ أيضاً على الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ والكَنيسة. فالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هُوَ العَريسُ والكَنيسَةُ هي العَرُوس «1حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. 2وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. 3أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتاً، 4وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتاً فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. 5وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. 6فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! 7فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولَئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. 8فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. 9فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. 10وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ،وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. 11أَخِيراً جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضاً قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ،يَا سَيِّدُ،افْتَحْ لَنَا! 12فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. 13فَاسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى25: 1-13)؛

    و«2وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا...17وَقَاسَ سُورَهَا: مِئَةً وَأَرْبَعاً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعاً، ذِرَاعَ إِنْسَانٍ أَيِ الْمَلاَكُ»(سِفْرُ رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ21: 2و17).

    ربما يتسأل البعض: لماذا استخدم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ هذا الأسلوب الرمزي الغزلي في التعبير عن الحب المتبادل بين الله وكنيسته؟

    1. اعتاد الله أن يتحدث معنا خلال الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ بذات الأسلوب الذي نتعامل به في حياتنا البشرية، فهو لا يحدثنا فقط باللغات البشرية بل ويستخدم أيضًا تعبيراتنا، حتى لا يكون الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ غريبًا عنا.

    نذكر على سبيل المثال أن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ يتحدث عن الله بأنه حزن أو غضب أو ندم...مع أن الله كليّ الحب لن يحزن لأنه لا يتألم، ولا يغضب إذ هو محب، ولا يندم لأن المستقبل حاضر أمامه وليس شيء مخفي عنه. لكنه متى تحدث الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عن غضب الله إنما نود أن يعلن لنا أننا في سقطاتنا نلقي بأنفسنا تحت عدل الله، وما يعلنه الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ كغضب إلهي إنما هو ثمر طبيعي لخطايانا، نتيجة هروبنا من دائرة محبته.

    بنفس الطريقة يستخدم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ التعبيرات البشرية عندما يقول: «15عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ. 16وَجْهُ الرَّبِّ ضِدُّ عَامِلِي الشَّرِّ لِيَقْطَعَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور34: 15و16)، فهل يعني هذا أن لله عينان أو اذنان أو وجه! إنما هو يحدثنا عن رعاية الله لنا بأسلوبنا!

    هكذا أيضًا إذ يتحدث الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عن كرسي الله أو عرشه، فهل أقام الله له كرسيًا أو عرشًا محدودًا يجلس عليه؟ ألم تكتب هذه كلها لكي نتفهم ملكوت الله ومجده وبهاءه حسب لغتنا وتعبيراتنا البشرية؟!

    على نفس النمط يحدثنا الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ عن أعمق ما في حياتنا الروحية، ألا وهو اتحادنا بالله خلال الحب الروحي السري، فيستعير ألفاظنا البشرية في دلائل الحب بين العروسين، لا لنفهم علاقتنا به على مستوى الحب الجسداني، وإنما كرموز تحمل في أعماقنا أسرار الحب لا ينطق له.

    هذا الأمر ليس بغريب، فقد استخدمه كل الأمم حين تحدثوا عن العشق الإلهي والهيام في محبة الله...حينما تعلن النفس رغبتها في أن ترتمي في أحضان الله لتحيا به ومعه وحده، ليشبع كل أعماقها.

    2. هذا المفهوم للحب الإلهي كحب زوجي روحي يربط النفس بالله ليس غريبًا عن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، فقد استخدمه أنبياء نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ كما أستخدمه رجال الإِنْجِيل أيضًا، كما سنرى ذلك عند حديثنا عن «العرس السماوي».

    3. عبارات هذا السِفْرُ لا يمكن أن تنطق على الحب الجسداني، ولا تتفق مع القائلين أنه نشيد تغنى به سُلَيْمَانَ حين تزوج بابنة فرعون أو ما يشبه ذلك، نذكر على سبيل المثال:

    أ. «2لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ»(سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ1: 2). هكذا تُناجي العروس عريسها، وتطلب قبلات «فمه»... وتعلن له «حُبَّكَ» أطيب من الخمر. كيف يمكن لعروس أن تطلب من عريسها أن تستحوذ على قبلات فمه؟ يستحيل أن ينطبق هذا على الحب الجسداني، لكنه هو مناجاة الكنيسة للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ عريسها، فتطلب كل قبلات فمه، أي تدابيره الخلاصية، والتي تحققت خلال حبه العملي.

    ب. «3لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ لِذَلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى»(سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ1: 3)، إذ تُشيد العروس برائحة عريسها الطيبة المنعشة، وأن اسمه عطر كالدهن المسكوب، تعلن أن الْعَذَارَى قد أحببنه. هل يمكن لعروس أن تفرح لأن عريسها موضع حب عذارى غيرها؟ لكن العروس هنا هي الكنيسة التي تُريد أن كل المؤمنين - كالْعَذَارَى - يحبون عريسها.

    ج.«4اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ»(سِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ4: 1). كيف تغير ضمير المتكلم المفرد إلى المتكلمين الجمع في عبارة واحدة؟! هل المتكلم هنا مفرد أم جمع؟ أن كانوا جمعًا فكيف تلتقي الجماعة في حب الواحد جسدانيا؟! وأي عروس تطلب من عريسها أن يجتذبها فتجري ومعها كثيرات نحو حبه؟!


    من هذه الأمثلة وما على شاكلتها كما سنرى، يظهر هذا السِفْرُ قد كتب لا ليُعبر عن حب جسداني بين عريس وعروسه، بل حب إلهي يربط الله بكنيسته ومؤمنيه.


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: لقطات صغيرة لسِفْرُ نَشِيدُ الأَنْشَادِ اللقطة الثَّانِية د. القس / سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top