• اخر الاخبار

    الفصل الثاني ما هي نوع وحدانية الله؟ هل هي مجردة مطلقة أم جامعة مانعة؟ د. القس / سامي منير اسكندر





      مباحث للعقلاء والمفكرين

           المبحث الرابع



    هل يعقل أن 

    الله ثلاثة ؟




               إعداد

         د. القس / سامي  منير اسكندر

    باحث ومحاضر في الدين المقارن

    الفصل الثاني

    ما هي نوع وحدانية الله؟

    هل هي مجردة مطلقة أم جامعة مانعة؟

    وحدانية الله ليست مجردة أو مطلقة، بل أنها وحدانية كثرة، أو التعبير الأفضل وحدانية جامعة.
    v  أدلة نقلية على وحدانية الله
    فإن معظم الفلاسفة كانوا قد أدركوا أن وحدانية الله جامعة مانعة. وإليك الاقتباسات التالية خير شاهد على ذلك:
    1.) فلاسفة اليونان:
    قال أفلاطون([1]):«الله واحد لا شريك له، وإلا لَحدَّ الشريك من سلطته، التي لا يثبت له الكمال إلا إذا كانت لا حد لها...الله جميل حكيم خيَّر، جامع لكل المحامد».
    وقد قال أفلوطين([2]) لإثبات دلالة هذه العبارة، على أن وحدانية الله هي وحدانية جامعة، بالقول: «إله أفلاطون ليس وحدة مطلقة، لأنه مؤلف من الانسجام والجمال والحقيقة، وإن كان الكل واحداً»
    وقال أرسطو([3]): «الله هو الكل،الله عقل وعاقل ومعقول». وقال أيضاً: "مما يدل على وحدانية الله، انتظام العالم وتناسق حركاته».
    أكسينوفان([4]):  قال: "لا يوجد إلا إله واحد" وقال أيضا: "لو كان لله شريك لما استطاع أن يفعل كل ما يريد"([5]).
    مليسوس([6]): قال:"اللامتناهي واحد فقط، إذ يمتنع أن يكون هناك شيء خارج اللامتناهي".
    2.) فلاسفة اليهود:
    قال فيلون([7]): «الله يتصل بالناس بواسطة كلمته، فيساعدهم ويثيبهم ويعاقبهم». وقال: «الله واحد لا شريك له». قد علق أفلوطين بالقول: «إله فيلون ليس وحدة مطلقة، لأنه متصل ببني الإنسان، يساعدهم ويكافئهم»
    وسيمون بن يوشي قال بصراحة: «إن كلمة الله (أو إلوهيم) تدل على أنه جامع». وموسى بن ميمون: قال:"الله واجب الوجود بالبرهان، وهو واحد لا شريك له".
    3.)  فلاسفة المسيحيين:
    قال نقولا دي كوسا([8]): «الله الموجود الأعظم اللامتناهي، حاوٍ لكل وجود، فهو الأشياء جميعاً في حال الوحدة والانطواء».
    وقال مالبرانش([9]): «نرى في الله المعاني الجزئية والكلية والمبادئ الضرورية».
     وقال بوهمي: «لابد أن يكون الله منطويًا على كثرة هي الينبوع الخفي للحياة الكلية، إذ كيف يمكن تفسير الكثرة (الموجودة في العالم) بالوحدة المطلقة، وليس في الوحدة المطلقة شي تريده، مادامت وحدة مطلقة».
    قال وورد: «لا يمكن جعل المطلق نقط الابتداء، ولذلك فالأفضل فرض وجود إله جامع».
    قال سانتيلا بصراحة تامة: «إن وحدانية الله ليست وحدانية مطلقة، فقال: «كيف يتصور صدور الكثرة باختلاف أنواعها من الأحدية البسيطة المتعالية عن كل كثرة! إن الأمر لا يخلو أن يكون أحد حالين: إما أن يُقال إن الكثرة كانت مكنونة في ذات الأول المحض، كما قال بعض الصوفيين إنها كالشجرة في النواة، وإما أن يُقال إن الكثرة لم يكن لها أثر ولا رسم في ذات الله، وكيف يتصور حينئذ أن تكون علة الكثرة».
    فكتور كوزان([10]) قال: «لما كان الله غير متناه، كان هو الموجود الأوحد»([11]).
    توما الأكويني([12]): قال: «لو كان هناك إلهان لوجب أن يتمايزا فيما بينهما، فيصدق على الواحد شيء لا يصدق على الآخر، وكان أحدهما تبعا لذلك عادماً كمالاً، فلا يكون إلهاً»([13]).
    ترتليان([14]) قال: «إذا لم يكن الله واحداً لا يكون هو الله، لأن الله لا يكون إلاّ فريداً في العظمة. ولا يكون فريداً في العظمة إلا من لا مساوٍ له، ومن لا مساوٍ له لا يكون إلا واحدا منفرداً».
    4.) فلاسفة المسلمين:
    غالبية فلاسفة المسلمين يعتقدون أن وحدانية لله جامعة أو جامعة مانعة، إنما كانوا يدعونها «الوحدانية المطلقة» كما يتضح مما يلي:
    قـال ابن سينا([15]):«للكون إله واحد هو على كل شيء من عداه وما عداه من موجودات علوية وسفلية». وأضاف قائلاً: «الله علم وعالم ومعلوم، وعقـل عاقل معقول، وعشق وعاشق ومعشوق» (وأليس هذا الوصف وحده، يدل على أن وحدانية الله هي جامعة مانعة؟).
    قـال الفارابي([16]):«الله واحد واجب الوجود (أي ليس معلولا بعلة)». وأضاف قائلاً «لحظت الأحدية نفسها فكانت قدرة، فلحظت القدرة فلزم العلم الثاني المشتمل على الكثرة. وهناك أفق عالم الربوبية يليه عالم الأمر، يجري به القلم على اللوح فتتكثر الوحدة».
    ونحن نتساءل: كيف تلحظ الذات ذاتها وتتجلى لها، ولا تكون لها علاقة بينها وبين نفسها! وكيف تكون لها علاقة بينها وبين نفسها، ولا تكون وحدانيتها وحدانية جامعة!
    مـلاحظه القـلم في نظر الفارابي، هو ملك روحاني. وفي نظر ابن سينا هو العقول التي تدير الأفلاك. وفي نظر الشيخ الإمام إبراهيم البيجوري([17])، هو جسم نوراني خلقه الله، وأمره بكتابة ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال أيضاً: «الوحدانية الشاملة هي وحدانية الذات، ووحدانية الصفات، ووحدانية الأفعال».
    وقال الإمام الغزالي([18]): «من ذهب إلى أن الله لا يعقل نفسه، إنما خاف من لزم الكثرة»([19]). فعقل لله لنفسه يدل على تميزه بكثرة، أو بتعبير آخر على أن وحدانيته هي وحدانية جامعة.
    ابن مسكوية([20]) قال: «الصانع واحد واجب الوجود»([21]).
    وأخيراً قـال الأستاذ سلامة الشافعي: «ولا تظن أن معـني كـونه تعالى واحـداً، هو كمعني قولك إن زيداً شخص واحد لا اثنان، فإن هذه الوحدة  يوصف بها كـل ما هو موجود من الذوات، والمعاني المتمايزة يعـرفها كل أحد لكل أحد ولا ينازع فيها عاقل، والإيماء بها في الخالق عز وجل، لا يخلص من شرك ولا ينجو من كفر. وإنما معني الوحدانية في الله، هو أنه واحد في وجوب الوجود وفي سائر الكمالات اللائقة به»([22]). أي أن وحدانيته تعالى هي الوحدانية الجوهرية، ليس الوحدانية الشكلية، أو كما نقول نحن: هي الوحدانية في اللاهوت وليس في التعين. ولعل الأستاذ الشافعي قد تجنب البحث في تعين الله أو وحدانية الشكلية، لأنه رأى أنها تفوق العقل والإدراك وحقاً إنها كذلك!
    تعليقنا: ويبدو لنا أن السبب الذي دعا معظم الفلاسفة المسلمين إلى الجزم بأن وحدانية الله هي وحدانية كثرة، أو بتعبير آخر وحدانية جامعة، يرجع إلى أن الإسلام يسند إلى الله صفات وأسماء كثيرة، هي: «أسماء الله الحسنى». ومن بين هذه الأسماء «الجامع». وكلمة الجامع، إذا نظرنا إليها في ذاتها، وجدنا أنها لا تدل فقط على أن الله جامع للناس، بل أيضا على أنه شامل لكل ما هو لازم لكماله واستغنائه بذاته عن كل  ما في الوجود.

    وما الأسباب التي تقودنا إلى الإيمان بأن وحدانية الله وحدانية جامعة؟

    لا تكون الذات الإلهية كاملة إلا إذا كانت جامعة لكل الخصائص اللازمة لوجودها، واستغـنائها بذاتها عن كل شيء في الوجود. لا يمكن أن يكون العالم قد صدر من إله مجرد أو مطلق، لأن مثل هذا الإله لا يصدر عنه شيء بالإرادة([23]). وإن صدر عنه شيء كان ذلك بالضرورة. وفي هذه الحالة يتعرض للتفكك، والله لا يتفكك لأنه لا تركيب فيه. يدل التنوّع أو التعدّد الموجود في العالم على أن لله ليس إلها مجرداً أو مطلقاً، بل أنه إله جامع أو شامل لكل ما يمكن أن تتصوره أو لا تتصوره من إدراكات ومعان.
    v  توضيح التوافق في الوحدانية الجامعة المانعة
    يتضح مما سبق من الأدلة العقلية والنقلية، أن وحدانية الله هي وحدانية جامعة مانعة أو شاملة مانعة، ومع ذلك للإيضاح نذكر مثلاً: إذا وصف الإنسان مثلاً بأنه واحد وثلاثة، فإن هذا الوصف يبدو لأول وهلة متعارضاً، لأنه لا يمكن أن يكون شخص بعـينه واحداً وثلاثة. لكن إذا تبيّن لنا أنه يقصد بهذا الوصف أن الإنسان واحد من جهة المظهر وثلاثة من جهة الكيان، فإن الشك في صحة هـذا الوصف يـزول، لأننا نعلم أن الإنسان واحد في مظهره، وفي الوقت نفسه هو كيانياً مكّون من ثلاثة عناصر، هي: الجسد والنفس والروح.
    على هذا القياس مع مراعاة الفارق الذي لابد منه بين الوحدانية الإلهية والوحدانية البشرية (فوحدانية الإنسان مركبة، أما وحدانية الله فغير مركبة. هذا علاوة على أن الله هو الخالق والإنسان هو المخلوق). نقول: إن الله واحداً من جهة الجوهر([24]) لأنه إن لم يكن واحداً من هذه الجهة، كان مركباً وقابلاً للتجزئة، وهو ليس مركباً أو قابلاً للتجزئة. ويكون جامعاً من جهة التعيّن [أو الظاهرية بحسب ابن العربي([25])، الـقول بالظهر والباطن ليس من تأليف ابن العربي بل أقتبسه من القرآن «هو الأول والآخر والظاهر والبطن»([26]).
    لأن أتصاف الله بصفات واختصاصه بعلاقات بينه وبين ذاته منذ الأزل، يدل بوضوح أنه جامع من هذه الجهة. ويتفق معنا على ذلك ابن العربي بقوله: «لا كثرة في الهوية ذات الحق، وكل كثرة واختلاط (أو علاقات)، فهو بعد ذاته وظاهريته».
    مما سبق يتضح لنا ما يأتي:
    بما أنه لا يراد بوحدانية الله الجامعة أنه واحد في تعيّنه وجامع أيضا في تعينه، بل يُراد بها واحد في جوهره وجامع في تعينه، إذا ليس هناك أي تناقض في القول وحدانيته هي وحدانية جامعة. يتفق معنا صاحب المواقف: «لا يجوز اجتماع الوحدة مع الكثرة في شيء واحد من جهة واحدة»([27]). ومع ذلك يجوز اجتماعها معاً في شيء واحد من جهتين.
    بما أنه لا يُراد بوحدانية الله الجامعة أنه جامع في جوهره وواحد في تعينه، بل العكس يُراد بها أنه واحد في جوهره وجامع في تعينه، إذاً لا سبيل للظن بأنها تدل على وجود أي تركيب في ذاته.
    وبما أنه لا يُراد بجامعية تعينه، ذاته وغيرها من الذوات، بل يُراد بها ذاته وحدها، إذاً لا سبيل للظن بأن هذه الوحدانية تدل عن وجود أي شريك له. وبذلك فإن وحدانية الله الجامعة لا تتعارض مع عدم وجود تركيب فيه، أو مع تفرده بالأزلية، بل تتوافق مع هاتين الحقيقتين كل التوافق.



    [1] أفلاطون(باليونانية: Πλάτων Plátōn) (عاش بين 427 ق.م - 347 ق.م) فيلسوف يوناني قديم، وأحد أعظم الفلاسفة الغرب.
    [2] أفلوطين  Plotinus زاهد وصوفي وفيلسوف اغريقي ولد في مصر عام 204 م. يعتبر مؤسس الافلاطونية الحديثة.
    [3] أرسطو (384-322 قبل الميلاد) فيلسوف يوناني.
    [4] الفيلسوف أكسينوفان 570-480ق.م كان يمتلك وعياً تاريخياً حينما انتقد هوميروس وهزيود لأنهما نسبا إلى الآلهة ما كان من شأن البشر، وأكد أن الناس هم الذين يصنعون  آلهتهم فيصورهم كلاًّ حسب حاله،
    [5] رسل، تاريخ الفلسفة الغربية، الكتاب الأول، الفلسفة القديمة، ترجمة زكي نجيب محمود، القاهرة ط2، 1967 ص87.
    [6] پارمنيدس. زنون. مليسوس، الكاتب: ويليام‌ كيت‌ چيمرز گاتري، ترجمة: مهدي‌ قوام.
    [7] يعدُّ فيلون أشهر ممثِّلٍ للفكر اليهودى، امتدَّ عمره ثمانين عاماً - من سنة 40 قبل الميلاد، إلى سنة 40 بعد الميلاد - وقد عاش فى الإسكندرية.
    [8] نقولا دي- كوسا (1401م-1464م) أديب كما يهواه الإنسانيون ورياضي وفيلسوف وصوفي ولد بمدينة كوسا من أعمال ألمانيا.
    [9] مالبرانش الأوراتوري (نسبة إلى سلك الرهبنة الأوراتوري) وتلميذ ديكارت، أراد في كتاب "بحث في الأخلاق" عام 1684 إكمال اخلاقية ديكارت.
    [10] فكتور كوزان (1792-1867) كان في فرنسا.
    [11] نشأة الفكر الفلسفي عند اليونان، سامي النشار، دار نشر الثقافة في الإسكندرية، 1964.
    [12] القديس توما الأكويني فيلسوف ولاهوتي إيطالي كاثوليكي شهير، ولد في روكاسكا قرب أكوين عام 1225، وتوفي في 1274. هو أحد علماء الكنيسة الثلاثة والثلاثين، اعتبرته الكنيسة عالمها الأعظم، وظلت فلسفته المدخل الفلسفي الأساسي لمقاربة فكر الكنيسة الكاثوليكية. وهو حامي الجامعات والكليات والمدارس الكاثوليكية.
    [13] توما الأكويني. موسوعة الفلسفة- الجزء الأول. المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
    [14] اسمه الكامل كوِنتوس سبتيموس فلورنس ترتلّيانوس وُلد في عائلة وثنيّة، سنة 156م، وفي مدينة قرطاجة (تونس).
    [15] ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية (أفشنة) الفارسية قرب بخارى (في أوزبكستان حاليا) سنة 370هـ (980م) وتوفي في همذان سنة 427هـ (1037م).
    [16] أبو نصر محمد الفارابي (ولد عام 260 هـ/874 م في فاراب وهي مدينة في بلاد ما وراء النهر وهي جزء مما يعرف اليوم بتركستان وتوفي عام 339 هـ/950 م) فيلسوف.
    [17] حاشية الشيخ إبراهيم البيجوري على شرح الغزي، تأليف: إبراهيم بن محمد البيجوري، ترجمة، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، الناشر:  دار الكتب العلمية تاريخ النشر يناير1999.
    [18] الغزالي هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الشافعي الطوسي ولد في مدينة طوس في خراسان في حدود عام 450هـ. عالم وفقيه ومتصوِّف إسلامي، أحد أهم أعلام عصره وأحد أشهر علماء الدين في التاريخ الإسلامي.
    [19] "بشرح إحياء علوم الدين" شرح العلامة الزبيدي الملقب بمرتضى في عشرة مجلدات، المطبعة الميمنية بمصر، عام 1331هجرية.
    [20] أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب المعروف بمسكويه أكثر من أربعين كتاباً. أبرزها كتابه الهام "تجارب الأمم" المطبوع في طهران بتحقيق وتقديم أبي القاسم إمامي. وقد عاش مسكويه قرناً كاملاً (320-421هـ).
    [21] مسكويه، تجارب الأمم، تحقيق أبي القاسم امامي، طهران 2001.
    [22] كتاب "الله" لعوض سمعان.
    [23] لأن وجود الإرادة يتعارض مع ما للوحدانية المجردة أو المطلقة من خصائص.
    [24] والهوية والباطنية بحسب قول ابن العربي«فصوص الحكم».
    [25] «فصوص الحكم»، لمحيي الدين ابن عربي، المحقق: الدكتور عاصم كيالي، الناشر: دار الكتب العلمية، طبعة 2003م.
    [26] القرآن، سورة الحديد57 الآية 3.
    [27] "المواقف" لمحمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري المتصوف العراقي، الناشر: دار الكتب العلمية، تاريخ النشر: 1997م، (ص342).


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الفصل الثاني ما هي نوع وحدانية الله؟ هل هي مجردة مطلقة أم جامعة مانعة؟ د. القس / سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top