مباحث للعقلاء والمفكرين
المبحث الرابع
هل يعقل أن
الله ثلاثة ؟
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
باحث ومحاضر في الدين المقارن
الفصل
الرابع
هل
التوارة تعلم عن وحدانية الله؟
عقيدة وحدانية الله مؤكدة عبر
التوارة (العهد القديم)، والتنبير عليها يتضح في:
أ- النبي موسى
يقول:
1-
«أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ..لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى
أَمَامِي» ([1]).
2- «إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ. ليْسَ آخَرَ
سِوَاهُ»([2]).
3- «فَاعْلمِ اليَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ فِي
السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. ليْسَ سِوَاهُ» ([3]).
4- «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ
إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» ([4])؛
5- «اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ
وَليْسَ إِلهٌ مَعِي» ([5])؛
ب -
أنبياء إسرائيل يقولون:
6- «لِذَلِكَ قَدْ عَظُمْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ
وَلَيْسَ إِلَهٌ غَيْرَكَ حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا» ([6]).
7- «وَصَلَّى حَزَقِيَّا...وَقَالَ: أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ،
الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ، أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ» ([7]).
8- « يَا رَبُّ لَيْسَ مِثْلُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ حَسَبَ كُلِّ مَا
سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا!» ([8]).
9- «أَنْتَ هُوَ الـرَّبُّ وَحْدَكَ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ
السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ
جُنْدِهَا وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا
عَلَيْهَا وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا.
وَجُنْدُ السَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ» ([9]).
ج- النبي داود يقول:
10- «وَيَعْلَمُوا أَنَّكَ اسْمُكَ يَهْوَهُ وَحْدَكَ الْعَلِيُّ عَلَى كُلِّ
الأَرْضِ» ([10]).
11- «أَنْتَ \للهُ وَحْدَكَ» ([11])؛
د-
والنبي إشعياء يقول:
12- «هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ
إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ رَبُّ الْجُنُودِ: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ
وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي» ([12])؛
13- «لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ
وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ
صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا» ([13]).
14- «هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الْبَطْنِ: «أَنَا
الرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي. بَاسِطٌ الأَرْضَ.
مَنْ مَعِي؟» ([14]).
15- "أَلَيْسَ
أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سوَايَ"([15]).
16- «أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ.
لاَ إِلَهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. لِيَعْلَمُوا مِنْ
مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ
وَلَيْسَ آخَرُ» ([16]).
17- «لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ»([17]).
18- «أَخْبِرُوا. قَدِّمُوا. وَلْيَتَشَاوَرُوا مَعاً. مَنْ أَعْلَمَ بِهَذِهِ مُنْذُ الْقَدِيمِ أَخْبَرَ بِهَا مُنْذُ زَمَانٍ؟ أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ
بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ»([18]).
19- «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا
جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ لأَنِّي أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرَ»([19]).
20- «قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي
لاَ يَكُونُ. أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ» ([20]).
21- «اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ لأَنِّي أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ
آخَرُ. الإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي»([21]).
هـ-أما النبي ملاخي
يقول:
22- «أَلَيْسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟»([22]).
وعموماً يمكن إيجازها تعاليم التوارة فيما يلي:
1- في العهد القديم عندما نتحدث عن
وحدانية الله فهذا لا يعني الوحدة الحسابية، لكنها وحدة أوسع وأشمل من ذلك بكثير.
2- والعهد القديم يجمع بين حقيقتين
ويوفّق بينهما، فالله مرتفع سامٍ، وفي الوقت نفسه يعمل بين البشر بطرق وتعبيرات
متباينة.
3- وتعبيرات العهد القديم عن الله يمكن
أن نضعها في ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى..تُصَّوِر وكأن له أجزاء كالجسم البشري،
فنرى امتداد شخصية الله من خلال.. يده..عينه..زراع الرب.
والمجموعة الثانية...تقدم لنا الله وهو يتصرف وكأنه يمارس
عملاً من أعمال البشر فهو يتكلم ويعمل ويفكر، لذلك فكلمة الله وروح الله وحكمة
الله هي امتداد لشخصيته بين البشر. والمجموعتان الأولى والثانية هما تعبيرنا
البشري وهو ما يُطلق عليه Anthropomorphism أو التعبير البشري لوصف الله بطريقة بشرية.
والمجموعة الثالثة...فتقدم امتداد شخصية الله خلال عمله في
الأنبياء والرُسل والملائكة وأخيراً في ابنه في مستهل العهد الجديد، وهذا ما دفع
كاتب رسالة العبرانيين (يهودي الأصل) إلى أن يفتتح رسالته هكذا «اَللَّهُ،
بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ
كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي
جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ.
الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ
الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً
لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، صَائِراً أَعْظَمَ
مِنَ الْمَلائِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْماً أَفْضَلَ مِنْهُمْ»([23])،
وهو هنا يوضح قمة إعلان الله في المسيح ويوضح أن المسيح هو الله «وأما عن الابن
كرسيك يا الله إلى دهر الدهور»([24]).
4- إن وحدة الله كما نجدها في العهد
القديم تُظهره واحداً في تعدد، ويمكن تشبيه هذه الفكرة بالوحدة العضوية التي نجدها
في جسم الإنسان البشري أو الوحدة النفسية التي تجدها في شخص يفكر ويعمل (الجسد
والنفس والروح).
5- ونلاحظ أن المفهوم عن الله في
وحدانيته بهذه الصورة إنما يترتب على الحاجة لتفسير وتوضيح كيف أن الله الذي
أفكاره ليست أفكارنا وطرقه ليست طرقنا أمكنه ويمكنه أن يُعلن نفسه للبشر، فإعلان
الله عن ذاته يتطلب أن تكون وحدانيته أكثر من الوحدة الحسابية وهذا ما دعي
المفكرين فيما بعد لتسميتها الوحدانية الجامعة وليس المركبة.
معني
وحدانية اللَّه في الإنجيل، تظهر وحدانية اللَّه بوضوح من:
(أ) تعليم الإنجيل في طبيعته وصفاته،
لأن الكون لا يسع آخر نظيره، ولا لزوم لغيره، فهو غير محدود في القدرة والحكمة
وسائر صفاته.
(ب) من الأدلة الكثيرة على أن الكون
تكوّن بفعل عقل واحد وقصد واحد، وهو أعظم وأوضح تعاليم الوحي. وكان حفظ تعليم الوحدانية
بين البشر من أهم مقاصد اللَّه في دعوة إبراهيم، وسنّ شريعة موسى، وجعل اليهود
شعبه الخاص. وهذا عينه هو قصد العهد الجديد.
أما المقصود بوحدانية اللَّه فهو أنه لا
إله غيره، أي هو الوحيد في مقامه. وهذه الوحدانية لا تمنع أنه في ثلاثة أقانيم هم
واحدٌ في الجوهر. ولا هي وحدة مادية، بل المقصود بها الدلالة على أنه لا يوجد له
نظير في الألوهية مطلقاً، وأن له جوهراً واحداً غير مقسوم إلى آلهة كثيرة.
وهل في تلك الوحدانية ما يمنع أن اللَّه
واحد في ثلاثة أقانيم؟
وذلك لا يمنع أنه في ثلاثة أقانيم. على
أننا لا نعني أنه ثلاثة بنفس معنى القول إنه واحد، بل إنه ثلاثة بمعنى، وواحد
بمعنى آخر، أي ثلاثة في الأقنومية وواحد في الجوهر. وهو الإله الوحيد في الكون.
وإذا قيل ليس في الكون كائن آخر هو واحد وثلاثة معاً بهذا المعنى، أجبنا إن هذا
صحيح. ولما كان اللَّه فريداً في الكون في طبيعته وصفاته، كان ممكناً أن يتميز عن
كل ما سواه في كيفية وجوده، كما يمتاز في صفاته السامية.
شهادة القرآن بأن المسيحيين موحدون:
الواقع
الغريب أن القرآن نفسه يشهد بأن المسيحيين موحدون بالله وغير مشركين بالله وأنهم
ليسوا كفرة ويتضح ذلك مما يلي:
«وَلا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي
أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ»([25]). وبهذا
يشهد القرآن أننا نحن
المسيحيين أهل كتاب ونعبد الله الواحد؟«مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ
يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ
آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ»([26])
وفي هذا إيضاح جلى بأن أهل الكتاب (المسيحيين) يومنون بالله الواحد، ويتلون كتابه
بين أيديهم في أيام النبي العربي محمد، ويسجدون لله الواحد أثناء
تأدية العبادة له.
«لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا
نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ
لا يَسْتَكْبِرُونَ»([27]) ويتضح
من هذا أن النصاري ليسوا مشركين بالله فالمشركون واليهود هم أشد الناس عدواة
للمسلمين، أما النصارى فهم أقرب الناس مودة للمسلمين.
«إِذْ قَالَ اللَّهُ
يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([28]) يتضح لك من هذا أيضًا أن الذين تبعوا
المسيح (وهم المسيحيين) ليسوا كفرة بل أن الله يمـيزهم عـن الكـفرة ورفعهم فوقهم. فمن كل ما تقدم تأكد لك شهادة
القرآن للمسيحيين بأنهم يعبدون الله الواحد ولا يشركون به.