• اخر الاخبار

    الفصل الثامن ما هي لزوم هذه العقيدة (عقيدة الثالوث)؟ د. القس سامي منير اسكندر






    مباحث للعقلاء والمفكرين


    المبحث الرابع



    هل يعقل أن الله ثلاثة ؟ 



     إعداد


    د. القس / سامي منير اسكندر


    باحث ومحاضر في الدين المقارن 


    الفصل الثامن

    ما هي لزوم هذه العقيدة (عقيدة الثالوث)؟

    وقبل أن أختم حديثي هذا أود أن أقول إن الإيمان بعقيدة الله المثلث الأقانيم تحل بعض المشاكل اللاهوتية الفقهية، التي لا نجد لها حَلاً بغير هذه العقيدة التي أعلنها الله في كلمته المقدسة.
    نعلم أن الله يتصف بصفات منها السمع والبصر والكلام والعلم والإرادة والمحبة، كما نعلم أنه ذاتٌ عاقلةٌ له علاقة مع غيره من الكائنات من بشر وملائكة - وواضح أن صفات الله هذه لم تكن ذات يوم عاطلة عن العمل ثم صارت عاملة بعد خلق الملائكة والبشر، بل إنها كانت عاملة فيه بدون وجود مؤثر من خارج ذاته تعالى..لأنه لو كان الأمر غير ذلك لكان الله قد تعرض للتغير، إذ يكون غير عاملٍ ثم صار عاملاً. وهذا مستحيل!
    ولما كانت ممارسة هذه الصفات لا تكون إلا بين كائنين عاقلين أو أكثر، تكون وحدانية الله ليست وحدانية بسيطة، ولا وحدانية مطلقة، بل وحدانية من نوع آخر لا نظير لها في الوجود، لأن كل شيء في الوجود - حتى الذرة - مكون من أجزاء!
    وحدانية الله إذاً شاملة جامعة لكل ما هو لازم لوجود صفات الله بالفعل، بصرف النظر عن وجود الكائنات أو عدم وجودها، لأنه بذلك يكون تعالى منذ الأزل الذي لا بدء له عالماً ومعلوماً، وعاقلاً ومعقولاً، ومريداً ومراداً، وناظراً ومنظوراً، وسامعاً ومسموعاً، ومحباً ومحبوباً.. الخ، دون أن يكون هناك تركيبٌ في ذاته أو شريك معه، فهو متَغن بذاته عن كل شيء في الوجود.
    وبـما أن الله جـوهر قائم بذاته، وبما أن هذا الجوهر له تعين (أي وجود واقعي يتميز بمميزات) - إذاً يكون الله واحداً من جهة، وجامعاً أو شاملاً من جهة أخرى، دون أن يكون هناك أي تعارض أو تناقض في ذاته. فهو واحدٌ من جهة جوهره، وهو جامع من جهة التعيُّن، وجوده الواقعي المتميز بمميزات. وليس في هذا تفريقٌ بين جوهر الله وتعينه، فهو جوهر واضح ومعين لأن التعيُّن من مستلزمات كل موجود حقيقي.
    إن وحدانية الله وحدانية جامعة إذاً، وليس هذا غريباً، فالله عجيب في ذاته ولا يمكن فهم هذا إطلاقاً، فإن الله يسمو فوق العقل ولو أنه ليس ضد العقل، لأنه يجب أن نؤمن أن وحدانية الله هي وحدانية بسيطة أو مطلقة، أو أنها وحدانية جامعة مانعة.
    فإن قلنا أنها وحدانية بسيطة نفينا عنه الذات والصفات، مع أنه صاحب ذات وله صفات...وإن قلنا إنها وحدانية مُطلَقة افترضنا أن صفاته كانت بلا عمل في الأول، وهذا يعني أنه متغير ومتطور بدخوله في علاقة مع الكائنات التي خلقها، وهذا باطل.
    إذاً من المؤكد أن وحدانية الله هي وحدانية جامعة مانعة، أي أنها متميزة بتعيُنات لأن هذه التعينات هي الخصائص الأصلية الذاتية لوحدانية الله المتصف بكل صفات الكمال والذي كانت صفاته بالفعل، منذ الأزل الذي لا بداية له، وستبقى إلى الأبد الذي لا نهاية له وهذا يتوافق مع كماله التام واستغنائه عن كل شيء في الوجود وعدم تعرضه للتطور والتغير بأي شكل من الأشكال.
    وقد اصطلح رجال علم اللاهوت المسيحيون على تسمية الوجود الواقعي لله بأنها »أقانيم الله«. وأقانيم (مفردها أقنوم) كلمة سريانية يطلقونها على كل مـن يتميز عن سواه. والأقانيم مع تميُّز أحدهم عن الآخر في الأقنومية هم واحدٌ في الجوهر بكل خصائصه وصفاته ومميزاته، لأنهم ذات الله الواحد.
    إن كانت وحدانية الله وحدانية مطلقة فإننا نسأل: لماذا خلق الله العالم؟
    1- كيف استطاع الله الخالق أن ينتقل من حالة التنزه عما سواه، إلى قيامه بالخلق وصيرورته خالقاً؟ أليس ذلك »صيرورة«؟ إنه يعني التغيُر والتبدُّل؟
    2- لم يكن ممكناً أن تُظهر قدرة الله قبل الخلق، لأنها إنما ظهرت بالخَلْق. قبل الخلق كانت قدرته كامنة غير عاملة. فإذا قلنا إن عملية الخلق كانت لازمة لإظهار قوته، فقد نسبنا إليه تعالى النقص والاعتماد على الغير!
    3- إن الخلق في هذه الحالة هو بدء علاقة بين الخالق وخليقته. وهذه العلاقة هي بمثابة بدء حياة جديدة لكائن ما. وهذا يناقض التنزيه!
    4- إن العلاقات بين الله وخليقته تقتضي الأثر والانفعال المتبادل، فالكلام يقضي أن السامع يسمع صوت من يخاطبه - وهذا يناقض التنزيه! إذاً كيف يمكن للإله أن يخرج من حيز الفعل ويدخل حيز الانفعال.
    v  أما عقيدة التثليث فإنها تحل هذه المشاكل.
    1- لم يحدث لله »تغيّر« عندما خلق العالم، ولم ينتقل من حالة القُدرة الكامنة إلى حالة القدرة الخالقة. لكن الخلق صادر من محبته الكامنة فيه منذ الأزل، المحبة جوهر ذات الله، كانت عاملة فيه منذ الأزل فالآب يحب الابن من قبل الخلق كله! والابن يحب الآب، وكلاهما يحبان الروح القدس. إذاً عقيدة التثليث تحل هذه المعضلة ولا حل بسواها.
    2- الاعتقاد بإله مثلث الأقانيم يدُل على أن خلق العالم لم يكن بداية العلاقات بينه وبين غيره، فقد كانت علاقاته موجودةً منذ الأزل بكلمته وبروحه القدوس.
    3-  الاعـتقاد بالـثالوث يحل مشكلة الانفعال، لأنها تُعلم أن الله محبة، والمحبة أزلية بين الأقانيم الثلاثة، واستمرت بعد ذلك بين الله والبشر. هي محبة الله التي تستجيب الصلاة. »وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني«([1]) »اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم«([2]) وهذا هو تواصل الله مع البشر واستجابته لهم. وهو نفسه ما يُعلّمه الإنجيل من أن الله المُحب، الذي في السماوات، هو الذي يُشجعنا أن نتصل به ونطلب منه.
    إننا لا نستطيع أن نحل هذه المشكلة إلا بإيماننا بالتثليث المقدس. أيها الأحباء إننا نريد أن نتعرف على الله كصديق لنا، قال المسيح: »لا أسميكم عبيداً بل أحباء«. نريد أن نتعلم كيف نُحب الله فنفهمه فهم الاختبار ونعرفه معرفة الحب ونقول له ما قاله رسول المسيحية يوحنا: »نحن نُحبُّهُ لأنه هو أحبنا أولاً«([3]).



    [1] القرآن، سورة غافر الآية 60.
    [2] الإنجيل، إنجيل الرسول متّى اَلأَصْحَاحُ 7 الآية 7.
    [3] الإنجيل، رسالة الرسول يوحنا الأول اَلأَصْحَاحُ 4 الآية 19.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الفصل الثامن ما هي لزوم هذه العقيدة (عقيدة الثالوث)؟ د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top