1
هل
يُعقل أَنْ
أجرة
الْخَطِيَّةَ مَوْتِ؟
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
باحث ومحاضر فِي
الدين المقارن
الفصل
السابع
ما هِيَ نتائج
الْخَطِيَّةَ وآثارها؟
نتائج الْخَطِيَّةَ وآثارها:
فللخَطِيَّةَ
- طبقاً للإنجيل- تأثير مباشَّرِّ حسب القوانين الراسخة للخليقة، كما أَنَّهَا
تجلب عقاب اللَّهِ علي البشَّرِّ. وبحسب القانون السيكولوجي، تمتد الْخَطِيَّةَ إِلَى
كل النفس فِي حرمان الإِنْسَانٌ مِنْ أسمي إمكاناته، وفِي إظلام العقل وإلهاب
العواطف، وتقسية الإرادة ضد اللَّهِ وضد كل صلاح
«لأَنَّهُمْ
لَمَّا عَرَفُوا اللَّهِ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ
حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبِهُمُ الْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ. وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللَّهِ الَّذِي
لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانٌ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ
وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ. لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللَّهِ أَيْضاً فِي
شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ
ذَوَاتِهِمِ. الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللَّهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا
وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ.
آمِينَ. لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللَّهِ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ لأَنَّ
إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاِسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ
الطَّبِيعَةِ. وَكَذَلِكَ الذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ
اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُوراً
بِذُكُورٍ وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. وَكَمَا
لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللَّهِ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللَّهِ
إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ. مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ
إِثْمٍ وَزِناً وَشَّرِّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً
وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً. نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ مُبْغِضِينَ لِلَّهِ
ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ مُبْتَدِعِينَ شَّرِّوراً غَيْرَ طَائِعِينَ
لِلْوَالِدَيْنِ. بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىًوَلاَ
رَحْمَةٍ. الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللَّهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتِ لاَ
يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ
يَعْمَلُونَ!»([1])،
«وَأَعْمَالُ
الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ: الَّتِي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ.
عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ
شِقَاقٌ بِدْعَةٌ. حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الَّتِي
أَسْبِقُ فَأَقَوْلُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضاً: إِنَّ الَّذِينَ
يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللَّهِ»([2]).
وبحسب قانون الوراثة الْخَطِيَّةَ تنقل
النزعة الشَّرِّيرة والإثم إِلَى نسل الخاطئ «هَئَنَذَا
بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةَ حَبِلَتْ بِي أُمِّي»([3])،
«الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضاً جَمِيعاً تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ
فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ،
وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضاً»([4]).
وَهَكَذَا شملت الْخَطِيَّةَ الأَوَّلُي كل الجنس البشَّرِّي، كما تميل الْخَطِيَّةَ
بطبيعتها إِلَى التكاثر الذَاتِي الكثيف والشامل، وتجلب علي الخاطئ عقاب اللَّهِ المباشَّرِّ فِي هَذَا
الزمان «لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ
تَنْزِعْهُ مِنِّي»([5])،
«وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللَّهِ فِي
مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللَّهِ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ
يَلِيقُ...لأَنَّ
أُجْرَةَ الْخَطِيَّةَ هِيَ مَوْتِ»([6]) وفِي
الزمان الآتي «وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ
التَّحَزُّبِ وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ
لِلإِثْمِ فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ. شِدَّةٌ وَضِيقٌ عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٌ
يَفْعَلُ الشَّرِّ»([7]).
وعلي
هَذِهِ الْحَقَّائق تقوم النظم اللاهوتية المختلفة، بمفاهيمها المتبأَيْنَة عَنْ الْخَطِيَّةَ،
وعَنْ توارث الْخَطِيَّةَ الأَوَّلُي، وعَنْ الدينونة الأخيرة عقابا أَوْ ثوابا.
الْخَطِيَّةَ والحرية:
يرتبط
موضوع الْخَطِيَّةَ ونتائجها بالضرورة بقضية الْخَطِيَّةَ والحرية. ولَيْسَ ثمة
صعوبة مِنْ وجهة نظر الإِنْجِيلِ فِي حالة آدَمَ وحَوَّاءَ، فقد كانا خاليين مِنْ الميل
للخَطِيَّةَ، ولهما حرية الاختيار. ويقَوْلُ الإِنْجِيلِ: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٌ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةَ
إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةَ الْمَوْتِ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتِ إِلَى
جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ»([8])،
وإن الإِنْسَانٌ الطَّبِيعِيَّ لا يمكنه أن يحفظ النَّامُوسِ «فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللَّهِ»([9])،
كما يؤكد أن الجميع «بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ
الْغَضَبِ»([10])،
وأَنَّهَ لا يمكننا أن «نتمم النَّامُوسِ» إلا بالروح ووجودنا «فِي الْمَسِيحِ».
ويجزم
الإِنْجِيلِ بأن الْخَطِيَّةَ هِيَ مقاومة اللَّهِ ورفض السُّلُوكَ فِي النور «لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللَّهِ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ
كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبِهُمُ الْغَبِيُّ...وَكَمَا
لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللَّهِ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللَّهِ
إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ...الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا
حُكْمَ اللَّهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتِ
لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ»([11])،
حتى عندما يؤكد عجز النَّامُوسِ كطريق للخلاص «لأَنَّهُ
بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ»([12])
وأَنَّهَ مصدر للتعدي: «وَأَمَّا النَّامُوسُ
فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةَ»([13]).
ونجد
أن الرَّبَّ يسوع نفسه يؤكد أن الْخَطِيَّةَ هِيَ اختيار حر واعٍ «وَبَعْدَ أَيَّامِ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٌ جَمَعَ الاِبْنُ الأَصْغَرُ
كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ
بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ»([14])،
«لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةَ
وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ...قَالَ
لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةَ.
وَلَكِنِ الآنَ تَقَوْلُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ...»([15]).
وإِلَى
جانب هَذِهِ الْحَقَّيقة عَنْ النزعة الموروثة للشَّرِّ فِي الإِنْسَانٌ، والْخَطِيَّةَ
المحسوبة عليه، يجب إضافة الْحَقَّيقة التي يبني عليها التعليم اللاهوتي عَنْ
النعمة الشاملة، وهِيَ أن اللَّهِ بروحه يكبح جماح الْخَطِيَّةَ المدمرة فِي الفرد
وفِي المجتمع، فلكل إِنْسَانٌ ضَمِيرٍ وإحساس بالنَّامُوسِ الإلهي، وباللَّهِ
وبالفضائل الأخلاقية([16]).
وتقدم
هَذِهِ الْحَقَّائق مجتمعة تعليم الإِنْجِيلِ عَنْ الإِنْسَانٌ الطَّبِيعِيَّ
كمولود بطبيعة فاسدة خاطئة بذَاتِها، وكمولود بالإثم مذنباً، إلا أن الروح لم
يتركه قط بدون نور، فكل شخص يبلغ سن التمييز يصبح حراً، بمعنى أَنَّهَ يملك قراره،
فهُوَ حر فِي أَنَّ يَخْتَارُ الشَّرِّ طريقاً له أَوْ لا يَخْتَارُه.
[1]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 1 الآيَاتُ 21-32.
[2]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ الإصحَاحُ 5 الآيَاتُ 19-21.
[3]التَّوْرَاةِ، الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي
الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، اَلْمَزْمُورُ51 الآيَةَ 5.
[4]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ الإصحَاحُ 2 الآيَةَ 3.
[5]التَّوْرَاةِ، الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي
الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، اَلْمَزْمُورُ 51 الآيَةَ 11.
[6]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 1 الآيَةَ 28، الإصحَاحُ 6 الآيَةَ 23.
[7]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 2 الآيَاتُ 8 و9.
[8]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 5 الآيَةَ 12.
[9]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 8 الآيَةَ 8.
[10]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ الإصحَاحُ 2 الآيَةَ 3.
[11]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 1 الآيَاتُ 21و28و32.
[12]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 3 الآيَةَ 20.
[13]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 5 الآيَةَ 20.
[14]الإِنْجِيلِ،
إِنْجِيلِ لُوقَا الإصحَاحُ 15 الآيَةَ 13.
[15]الإِنْجِيلِ،
إِنْجِيلُ يُوحَنَّا الإصحَاحُ 15 الآيَةَ 22، الإصحَاحُ 9 الآيَةَ 41.
[16]قارن سِفْرُ التَّكْوِينِ6: 3، الإِنْجِيلِ، إِنْجِيلُ يُوحَنَّا
الإصحَاحُ 1 الآيَةَ 9، سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ الإصحَاحُ 7 الآيَةَ 51، الإصحَاحُ 14 الآيَةَ 17، الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ الإصحَاحُ 1 الآيَاتُ 14و15.
0 التعليقات:
إرسال تعليق