1
هل
يُعقل أَنْ
أجرة
الْخَطِيَّةَ مَوْتِ؟
إعداد
د. القس / سامي م. اسكندر
باحث ومحاضر فِي
الدين المقارن
الفصل الرابع
ما هِيَ
صُورَةِ اللهِ فِي الإِنْسَانٌ؟
كَيْفَ
خلق اللَّهِ الإِنْسَانٌ؟
فِي
سِفْرُ التَّكْوِينِ يقَوْلُ الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ «وَقَالَ
اللَّهِ : نَعْمَلُ الإِنْسَانٌ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ
عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى
كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ.
فَخَلَقَ اللَّهِ الإِنْسَانٌ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ.
ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ»([1]).
الصورة هنا تعنى الظل - الشبه أَوْ المثال، وهى عكس كَلِمَةٍ أيقون
أَوْ الأيقونة. وصُورَةِ اللهِ تتضح فِي الْعَهْدُ الْجَدِيدِ فِي القَوْلُ:
«وَتَلْبَسُوا
الإِنْسَانٌ الْجَدِيدِ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللَّهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقَّ»([2]).
وكذَلِكَ «وَلَبِسْتُمُ
الْجَدِيدِ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةَ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ»([3]).
هَذِهِ الصورة تتكون من:
البر ، قداسة الْحَقَّ، المَعْرِفَةَ.
1-
البر
أ- شَّرِّعي عملي: وهُوَ الطَاعَةَ، الصدق.
ب- قضائي قانوني: وهُوَ التبرير مِنْ المعصية والْخَطِيَّةَ.
وصُورَةِ اللهِ فِي آدَمَ وحَوَّاءَ قبل السُّقُوطِ فِي الْخَطِيَّةَ
بهَذَا المعني أنهم كانوا أبرار، طائعين لله، صادقين، بلا معصية أَوْ خَطِيَّةَ لذَلِكَ
أعطهم اللَّهِ أن يكونوا خليفة له، أَيْ ملوكاً، أسياداً متسلطين عَلَى الخليقة «نَعْمَلُ
الإِنْسَانٌ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ
الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ
وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»([4]).
2-
قداسة
الْحَقَّ
قدَّس – يُقّدِّس: قدَّس الشيء أى خصصه وأفرزه لغرض معين وخاص، أَوْ بمعنى
أخر فصله وأبعده عَنْ كل دنس أَوْ نجاس.
القداسة تعني الحياة الكاملة والخلو مِنْ كل خَطِيَّةَ، كما تعنى الانفصال
عَنْ كل شَّرِّ ونجاسة، الانفصال عَنْ الشَّرِّ مِنْ ناحية، والعيشة المكرسة لله ولكل
مَا يتفق مع مشيئته ورضاه.
وصُورَةِ اللهِ فِي آدَمَ وحَوَّاءَ قبل السُّقُوطِ فِي الْخَطِيَّةَ
أنهم كانوا مقدسين، كاملين ومفرزين لله ومخصصين له، فآدَمَ وحَوَّاءَ كانوا مقدسين
بلاخَطِيَّةَ لذَلِكَ عينهم اللَّهِ ككهنة له، والكاهن هُوَ الشخص المعين للقيام
بالخدمة الدينية والعمل كوسيطٍ بين النَّاسُ واللَّهِ.
وكَلِمَةٍ «كاهن» فِي العبرية هِيَ «كَهَنَ» كما فِي العرَّبَّية وإن كَانَ لا يُعرف مصدرها عَلَى وجه اليقين،
إلا أن الأرجح أَنَّهَا مشتقة مِنْ كَلِمَةٍ «كُن» بمعنى «يقف» إشارة إِلَى «وقوف» الكاهن أمام اللَّهِ
خآدَمَاً له أَوْ ممثلاً للشعب أمام اللَّهِ والعكس، فهكذا يوصف الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ خدمة الكاهن «أَقَلِيلٌ عَليْكُمْ أَنَّ إِلهَ إِسْرَائِيل أَفْرَزَكُمْ مِنْ جَمَاعَةِ
إِسْرَائِيل لِيُقَرَّبَّكُمْ إِليْهِ لِكَيْ تَعْمَلُوا خِدْمَةَ مَسْكَنِ الرَّبَّ
وَتَقِفُوا قُدَّامَ الجَمَاعَةِ لِخِدْمَتِهَا؟»([5])، «فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَفْرَزَ الرَّبَّ سِبْطَ لاوِي لِيَحْمِلُوا تَابُوتَ
عَهْدِ الرَّبَّ وَلِيَقِفُوا أَمَامَ الرَّبَّ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا
بِاسْمِهِ إِلَى هَذَا اليَوْمِ...لِلكَاهِنِ الوَاقِفِ هُنَاكَ لِيَخْدِمَ الرَّبَّ إِلهَكَ...لأَنَّ الرَّبَّ
إِلهَكَ قَدِ اخْتَارَهُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِكَ لِيَقِفَ وَيَخْدِمَ بِاسْمِ الرَّبَّ
هُوَ وَبَنُوهُ كُل الأَيَّامِ»([6]).
هكذا كَانَ آدَمَ وحَوَّاءَ كهنة يقفون أمام اللَّهِ مقدسين، كاملين،
مفرزين ومخصصين له. منفصلين عَنْ كل شَّرِّ ونجاسة، لذَلِكَ َنَادَى الرَّبَّ
الإِلَهُ آدَمَ : «أَيْنَ أَنْتَ؟»([7]) أى لِمَاذَا لاتقف أمامي كما أعطيتك أن تكون كوسيط وكاهن أمامي؟ لِمَاذَا
لاتقدر أن تقف أمامي كما كنت مِنْ قبل؟
3-
المَعْرِفَةَ
هِيَ الإدراك الْكَامِلَ لفكر اللَّهِ مع الاستعداد لإعلانه للخليقة،
وهَذِهِ المَعْرِفَةَ تنقسم إِلَى نوعين:
1- مَعْرِفَةَ كاملة ذَاتِية أصلية غير محدودة وهَذِهِ لله فقط.
2- مَعْرِفَةَ كاملة مكتسبة محدودة تنمو باستخدام الحواس لتحصليها فِي
درجات منها:
أ-
المَعْرِفَةَ
النظرية: عَنْ طريق حاسة السمع والبصر.
ب- المَعْرِفَةَ العملية: عَنْ طريق حاسة التذوق واللمس.
وهَذِهِ المَعْرِفَةَ النظرية قَدْ أعطاها اللَّهِ لآدَمَ وحَوَّاءَ،
والمَعْرِفَةَ العملية بدءات تظهر فِي أكثر مِنْ موقف حدث لآدَمَ قبل السُّقُوطِ،
ومنها:
1- مَعْرِفَةَ تسمية الخليقة:
«وَجَبَلَ
الرَّبَّ الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ
طُيُورِ السَّمَاءِ فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا وَكُلُّ
مَا دَعَا بِهِ آدَمَ ذَاتِ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا فَدَعَا آدَمَ
بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ
الْبَرِّيَّةِ»([8]).
2- مَعْرِفَةَ احتياجاته :
«وَأَمَّا
لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِيناً نَظِيرَهُ»([9]).
3-
مَعْرِفَةَ
تسمية زوجته بإسمها :
« فَأَوْقَعَ الرَّبَّ الإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ
فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْماً. وَبَنَى الرَّبَّ
الإِلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ.
فَقَالَ آدَمَ: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ
تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ»([10]).
لقد كَانَ لحَوَّاءَ المَعْرِفَةَ النظرية للخير والشَّرِّ، وهَذَا
ظاهر مِنْ الحوار الَّذِي دار بينها وبين الْحَيَّةُ
الْقَدِيمِة «وَكَانَتِ الْحَيَّةُ
أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبَّ الإِلَهُ
فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقّاً قَالَ اللَّهِ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟». فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ
لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ. وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةَ
الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللَّهِ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ
تَمَسَّاهُ لِئَلا تَمَوْتِا»([11]).
فلو كانت حَوَّاءَ لا تعرف الْخَيْرِ
مِنْ الشَّرِّ مَا استطاعت تصحيح قَوْلُ الْحَيَّةُ، لأَنَّها لا تملك قدرة
التمييز ولكنها قَدْ أمتلكت المَعْرِفَةَ النظرية ومَعْرِفَةَ التميز بين الْخَيْرِ
والشَّرِّ بين وصايا اللَّهِ وكلام الْحَيَّةُ بل وكَانَ لهما القدرة عَلَى إدراك مشيئة
اللَّهِ وفكره، لذَلِكَ عينهم اللَّهِ أنبياء كما عينهم ملوكاً وأسياداً عَلَى
الخليقة لأَنَّهم أبرار مطيعين ومفرزين مقدسين، فكَانَ آدَمَ وحَوَّاءَ كأنبياء
وكهنة لله.
v ما أسعد آدَمَ وهُوَ
يسير إِلَى جوار الرَّبَّ الإله فِي الجنة وإِلَى جواره حَوَّاءَ التي صنعها الرَّبَّ ليكمل بها سعادة آدَمَ وحَوَّاءَ. وبالإضافة إِلَى
كل ذَلِكَ، فقد أعطاهما السلطان والسيادة عَلَى كل الخليقة. ولقد تجلى هَذَا
السلطان عَلَى كل المخلوقات عَنْدما أحضر اللَّهِ إليه كل الحيوانات وكل الطيور
ليدعوها بأسمائها، كما أعطاه اللَّهِ أَيْضاً وصية واحدة، محظوراً واحداً، امْتِحَانَاً
له، ليثبت بها تقديره لفضله عليه واعترافه بنعمته.
فما الَّذِي حدث؟
هَذَا مَا سنعرفه فِي الفصل القآدَمَ كَيْفَ دخلت الْخَطِيَّةَ الْعَالَمِ؟
[1]التَّوْرَاةِ، الْعَهْدُ
الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ 1 الآيَاتُ 26و27.
[3]الإِنْجِيلِ،
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي الإصحَاحُ 3 الآيَةَ 10.
[4]التَّوْرَاةِ،
الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ
1الآيَاتُ 27و28.
[5]التَّوْرَاةِ،
الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ اَلْعَدَد الإصحَاحُ
16الآيَةَ 9.
[6]التَّوْرَاةِ، الْعَهْدُ
الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ اَلتَّثْنِيَة الإصحَاحُ 10 الآيَةَ
8، والإصحَاحُ 17 الآيَةَ 12، والإصحَاحُ18 الآيَةَ 5.
[7]التَّوْرَاةِ،
الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ
3 الآيَةَ 9.
[8]التَّوْرَاةِ،
الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ
2 الآيَاتُ
19و20الجزء الأول.
[9]التَّوْرَاةِ،
الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ
2 الآيَةَ 20 الجزء الثاني.
[10]التَّوْرَاةِ، الْعَهْدُ
الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ 2
الآيَاتُ 21-23.
[11]التَّوْرَاةِ،
الْعَهْدُ الْقَدِيمِ فِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ، سِفْرُ التَّكْوِينِ الإصحَاحُ
3 الآيَاتُ 1-3.
0 التعليقات:
إرسال تعليق