هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ
الله؟!
إعداد
د. القس / سامي
منير اسكندر
باحث ومحاضر
فِي الدين المقارن
الفصل الثالث
مَا هية الله؟
ثانياً: الله غَيْرُ مَحْدُودَ
عدم مَحْدُودَيته
تعالى فِي وجوده وكمالاته- يقول الإِنْجِيل:
«7أَإِلَى عُمْقِ اللهِ
تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ
تَنْتَهِي؟»(سِفْرُ أَيُّوبَ11:
7).
«27لأَنَّهُ هَلْ يَسْكُنُ اللهُ حَقَّاً عَلَى الأَرْضِ؟ هُوَذَا السَّمَاوَاتُ
وَسَمَاءِ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالأَقَل
هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟»(سِفْرُ
اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ8: 27).
معنـاه أًنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودَ فِي ذاته
وفضائله. وعدم مَحْدُودَيته فِي ذاته يدل عَلَى وجوده فِي كُلّ مكان فِي وقت واحد دَائِماً،
ليس لأَنْ رُوحٌه صار أرواحاً عديدة لأًنَّهُ دَائِماً واحد، ولا لأَنْ رُوحٌه
متسع أَوْ متمدد فِي كُلّ مكان كالهُوَاء الممتد عَلَى وجه كُلّ الأرض، لأَنْ رُوحٌ
اللَّه ليس مركباً أَوْ مؤلفاً مِنْ أجزاء يمكن امتدادها. بل المعنى أَنْ كُلّ اللاهُوَت
فِي جوهره الواحد غَيْرُ قابل للانقسام، حاضر فِي كُلّ مكان فِي كُلّ وقت منذ
الأزل وإِلَى الأبد. وإِذَا اعترض أَنْ ذلك فوق العقل البشري، قلنا: نعم، وسببه أَنْ
العقل البشري المَحْدُودَ عاجز عَنْ إدراك اللَّه غَيْرُ المَحْدُودَ. أمَا عدم مَحْدُودَية
اللَّه فِي فضائله فيدل عَلَى أَنْ فضائله كَامِلة لاَ يعتريها النقص أبداً.
1) لله نوعان مِنْ الوجود
الأول
يُشِيرُ إِلَى علاقته بالمكان المطلق غَيْرُ المَحْدُودَ.
والثاني
يُشِيرُ لعلاقته بخلائقه العاقلة.
فالوجود فِي كُلّ مكان ينسب إليه بالنظر
لطبيعته الإلهية، والوجود مع كُلّ خلائقه يُنسب إليه باعتبار علاقته بالمخلوقات
العاقلة، لأًنَّهُ موجود مع كُلّ خلائقه فِي كُلّ زمان ومكان بجوهره التام لاَ بمجرد
صفاته فقط كعلمه وقوته، وإلا كان جوهره مَحْدُودَاً. فتعليم البعض أَنْ اللَّه
موجود بجوهره فِي السماء فقط، وفي بقية الأماكن بمجرد صفاته يناقض كمال اللاهُوَت
والتعليم الإلهي.
والعقل
السليم يحكم بعدم وجود المخلوق وبقائه مِنْ غَيْرُ حضور الخالق، كَمَا أعلن الإِنْجِيل: «27لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ
يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ
كُلّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعيداً. 28لأَنَّنَا
بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ، كَمَا
قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 27و28).
2) حضور اللَّه فِي كُلّ مكان
حضور المواد يعني أَنَّهَا تشمل مقداراً
مَحْدُودَاً مِنْ الفراغ، وحضور الأرواح المخلوقة يعني أَنَّهَا توجد فِي وقت
مفروض فِي محل معلوم ولا تكون فِي غيره ولا تشغله، كالمادة. وحضور اللَّه فِي كُلّ
مكان يعني حضوره العام فِي الكون حَتَّى لاَ يوجد مكان لاَ يكون فيه فِي كُلّ زمان
بجوهره غَيْرُ المتجزئ. ولا نعني بذلك أَنْ يمتد أَوْ يتسع ليملأ كُلّ مكان، بل إِنَّهُ
يملأ كُلّ مكان بدون تغيير فِي جوهره، لأَنْ قبول الامتداد يلزم عنه قبول التجزيء،
والقول إِنْ جزءاً مِنْ اللَّه فِي مكان وجزءاً آخر فِي مكان آخر باطلٌ لاَ يصح
فِي اللَّه الَّذِي يملأ الكون بوجوده.
اللَّه موجود فِي كُلّ مكان الدليل
العظيم لهَذَا هُوَ عبارات الإِنْجِيل الَّتِي تبين وجوده فِي كُلّ مكان، فهُوَ «23الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ
فِي الْكُلِّ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1: 23).
واللَّه يسأل «23أَلَعَلِّي إِلهٌ مِنْ قَرِيبٍ
يَقُولُ الرَّبُّ، وَلَسْتُ إِلهاً مِنْ بَعِيدٍ؟
24إِذَا اخْتَبَأَ
إِنْسَانِ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا
أَرَاهُ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلأُ
أَنَا السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ؟ يَقُولُ الرَّبُّ!»(سِفْرُ إِرْمِيَا23: 23و24).
ويقول المرنم
«8إِنْ صَعِدْتُ إِلَى
السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. 9إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ وَسَكَنْتُ
فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ 10فَهُنَاكَ
أَيْضاً تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ. 11فَقُلْتُ: «إِنَّمَا الظُّلْمَةُ تَغْشَانِي». 12فَاللَّيْلُ يُضِيءُ حَوْلِي!»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور139: 8-12)، «27لأَنَّهُ هَلْ يَسْكُنُ
اللَّهُ حَقّاً عَلَى الأَرْضِ؟ هُوَذَا
السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالأَقَلِّ
هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟»(سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ8: 27)، و«1هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «السَّمَاوَاتُ
كُرْسِيِّي وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ الْبَيْتُ الَّذِي
تَبْنُونَ لِي وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ66: 1).
ومَا يشهد به الإِنْجِيل مِنْ جهة وجود
اللَّه فِي كُلّ مكان يصـدقه العقل البشري أيضاً، وهُوَ نتيجة طبيعية لكمال صفات
اللَّه الذاتية الثبوتية.
3) حضور اللَّه الخاص وحضوره
العام
حضور اللَّه
الخاص حضوره جوهراً وعلماً، إمَا بإظهار ذاته إظهاراً خاصاً لأحد خلائقه العاقلة، أَوْ
بإجراء قوته فِي أعمال خاصة. وحضوره العام (أي أًنَّهُ فِي كُلّ مكان فِي وقتٍ
واحد وفي كُلّ الأوقات) هُوَ أَنْ الجوهر الإلهي موجود دَائِماً أبداً فِي كُلّ
مَا نسميه مكاناً. أما مِنْ جهة حضوره باعتبار إظهار ذاته إظهاراً خاصاً، أَوْ إجراء
قوته بعمل خاص، فذلك يختلف زماناً ومكاناً، لأًنَّهُ يُظهِر قوة عجيبة فِي زمانٍ
ومكانٍ لاَ يُظهرها فِي غيرهما. وهُوَ بهَذَا المعنى يحضر فِي كنيسته دون العَالِمٌ،
ويحضر فِي مكان معلوم لعقاب الشياطين والأشرار بأسلوب يختلف عَنْ حضوره فِي السماء
حيث يُظهر محبته ومجده. فإِنْ قيل إِنْ الإِنْجِيل يتكلم عَنْ اللَّه كأًنَّهُ حاضر
فِي أماكن دون غيرها مثل الهيكل، أَوْ قلب المؤمن، قلنا إِنْ هَذَا لاَ يناقض
وجوده فِي كُلّ مكان دَائِماً باعتبار جوهره، لأَنْ الإِنْجِيل يقصد حضوره الخاص
فِي أماكن مختلفة ليُجري قوته وعمله ومجده لاَ بمجرد جوهره.
على هَذَا المقياس يعلّمنا الإِنْجِيل أَنْ
الله حاضر مَعَ شعبه، وفي وسطهم: «20لأَنَّهُ
حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ
فِي وَسَطِهِمْ»(إِنْجِيلُ مَتَّى18: 20).
والمراد مِنْ ذلك أًنَّهُ –أي
الله - حاضر معهم فِي أمور العبادة الَّتِي وضعها، وفي قلوبهم، وبرُوحٌه القدوس. كَمَا
أَنْ الله حاضر فِي أماكن الأشرار والهالكين، لكي يدعوهم للتوبة والرجوع لله، أَوْ
للدينونه، مثل قول الرب يسوع عَنْ حضوره فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ للعَالِمٌ: «8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى
بِرِّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا16: 8).
ليس فقط لهذه الأمور، بل هُوَ حاضر هناك بقدرته وعدله، مبقياً وجود الهالكين ليسكب
علي خطاياهم جامات غضبه.
إلى اللقاء في مَا هية الله؟
ثالثاً: اللَّه سَّرْمَدِيِّ
0 التعليقات:
إرسال تعليق