هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ الله؟!
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
باحث ومحاضر فِي الدين المقارن
الفهرست
الصفحة
تقديم 5
مقدمة
الباحث 6
الفصل
الأول: مَا شَبَهِ الله؟ 9
الفصل الثاني:
لِمَاذَا يَجِبُ أَنْ يكون تفكيرنا عَنْ الله سليماً؟ 15
الفصل
الثالث : مَا هية الله؟ 23
الفصل الرابع :
هَلْ يمكن مَعْرِفَةِ
الله؟ 57
الفصل الخامس:
هَلْ
هناك فرق بين مَعْرِفَةِ الله والمَعْرِفَةِ عَنْ الله؟ 73
الفصل
السادس: هَلْ الْمَسِيحِ هُوَ الله؟! 105
الفصل
السابع: كيف تتأكد أَنْ الْمَسِيحِ هُوَ الله؟ 213
الفصل الثامن: شَّهَادَةِ
الإسلام للْمَسِيحِ 229
أخيراً: الخلاصة 253
ملحق
بالنبوات الَّتِي تحققت فِي الْمَسِيحِ: 259
المراجع 279
قالوا
عَنْ الله:
«إله جوهر
روحي عاقل، أزلي أبدي، حَقِيقِيَّ، صالح، طاهر، عادل، رحيم، له كامل الحرية، وله
قوة وحكمة مطلقتان غَيْرُ محدودتين».
ميلانكثون.
الله هُوَ «الشخصية
المطلقة».
القديس تومَا الأكويني
«الله هُوَ روح ذو شخصية، كامل الصلاح، خلق
فِي محبته المقدسة كُلّ الكائنات مِنْ العدم وهُوَ الَّذِي يحفظها وينظم وجودها»
البروفسور كلارك.
«الإِلَهُ فِي المفهُوَم الديني هُوَ كائن
غَيْرُ منظور، كائن حَقِيقِيَّ أو مفترض، يرتبط به فرد أو جماعة طواعية بروابط مِنْ
الاحترام والخدمة».
البروفسور أدامز براون
«كائن أو كائنات فوق إدراك الحواس» وتز فبرين...
«كائنات روحية» أ. ب. تيلور......
«قوة عادلة متمايزة عنا». متى أرنولد.
«الله هُوَ الوحدة الَّتِي يفترضها الإِنْسَانِ
بين النفس واللانفس، والَّتِي مِنْ خلالها تؤثر وتتأثر كُلّ منهمَا بالأخرى».
الدكتور كيرد.
«الله هُوَ السبب المجهُوَل للكون، والذي لاَ
يمكن إدراكه أيضًا، وهُوَ قوة غامضة معلنة لنا مِنْ خلال كُلّ الظواهر الكونية».
هربرت سبنسر.
تقديم
كَمَا تنتقل
النحلة بين الزهُوَر الجميلة فتنتج عسلاً أجمل، هكذا أعد القس سامي هَذَا الكتاب
فجمع أجمل مَا فِي مجموعة رائعة مِنْ المراجع الَّتِي تناولت شخصية الْمَسِيحِ.
وبعد رحلة طويلة بين هذه الكتب يٌعدّل لنا السؤال مِن: هَلْ يُعقل أَنْ الله هُوَ
الْمَسِيحِ؟ إِلَى: هَلْ يُعقل أَنْ الْمَسِيحِ هُوَ الله؟ وهُوَ يساعد القارىء
ليعرف مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ؟ أو مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ الْحَقِيقِيَّ دون الدخول
فِي متاهات لاهُوَتية، فهُوَ يقدمه فِي سهُوَلة ويُسر.
لعلَّ السؤال:
مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ بالنسبة للإِنْسَانِ؟ هُوَ مِنْ أهم الأسئلة الَّتِي تواجه
الإِنْسَانِ فِي حياته، بَلْ لعله الأهم عَلَى الإطلاق! فالتابع الْحَقِيقِيَّ للمسيح
هُوَ الَّذِي تفاعل مَعَ مبادرة الله بالمحبة لنا فأحبه، «19نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا
أَوَّلاً»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى4:
19). وفي محبة الله لنا يُرِيدُنا أَنْ نكون فِي علاقة بنوة روحية فهُوَ اروع
واقدر أب حنان ويعطي السلطان لمِنْ يَقبَلْ عمل الله فِي الْمَسِيحِ أَنْ يُصبح
ابناً روحياً لله «وَأَمَّا كُلّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً
أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 12).
بَلْ ويتأكد مِنْ غفران خطاياه،
والنتيجة الطبيعية أَنْ يصبح فِي سعادة حقيقية، إنه سلام الله الَّذِي يفوق كُلّ عقل
ذلك الَّذِي يغلب عقل وقلب الإِنْسَانِ الَّذِي يُسلم حياته لله. وهَذَا الكتاب
يوضح بالبراهين العقلية والنقلية: مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ؟
وإن كان يرجع إِلَى مراجع هامة فِي ذلك
فإن الأهم إنه يرجع إِلَى مرجع المراجع ألا وهُوَ الكتاب المقدس كلمة الله
المعصومة. فهُوَ يخاطب الإِنْسَانِ بغرض هدايته إِلَى الطريق الْحَقِيقِيَّ المؤدي
إِلَى الحياة الأبدية.
د. داود رياض
دكتور فِي علم اللاهُوَت المقارنة
مِنْ كلية فولر الأمريكية
مقدمة الباحث
هَذَا
الكتاب هُوَ الجزء الثاني مِنْ تِلْك السلسلة...أقدمه لك أيها القارئ العزيز
بموضوعاته الرئيسية الثمانية الكاملة؛ لإحياء وإظهار بئر المَعْرِفَةِ الروحية
الكتابية عَنْ شخص الْمَسِيحِ المبارك وعلاقته بالله، بعدمَا قام البعض مِنْ المعلمين
والشراح وأصحاب المنابر والأقلام بطمر أعظم بئر معرفي فِي الوجود...سواء عَنْ قصد
أو عَنْ جهل...وهكذا مات الكثيرون عطشا للمَعْرِفَةِ الحَقِيقِيَّة لشخص يسوع الْمَسِيحِ...بينمَا
هَذَا البئر ذو المياة الحية قريب للغاية منهم، وأمام ناظريهم.
مَا
يسعدني مَعَ مَا عانيته مِنْ جهد لجمع تِلْك الأفكار وتمحصيها وعرضها فِي قالب
بسيط الشكل عميق المعنى، إنمَا لكي ينهَلْ القارىء العربي مِنْ نبع المياه الحى
بكُلّ رويةٍ وهدوء، وحتماً سيتحققُ فِي حياته كلام الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «13كُلُّ مِنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ
يَعْطَشُ أَيْضاً. 14وَلَكِنْ مِنْ يَشْرَبُ
مِنْ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ بَلْ الْمَاءُ
الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ
أَبَدِيَّةٍ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا4: 13و14).
عزيزي
القارئ إنني سعيد للقاء معك داخل محطة البداية؛ لنسافر معنا عبر الكتاب الَّذِي بين
يديك فِي رحلة التعرف عَلَى مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ. ونجيب مِنْ خلال هذه الرحلة
عَنْ أهم شخصية مشتركة فِي كُلّ الأديان، فالْمَسِيحِ شخص مكرم فِي التوراة والإِنْجِيل
والقرآن. ويظن البعض أَنْ القرآن الكريم حينمَا يتحدث عَنْ الْمَسِيحِ بقوله: }لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ {(سورة النساء4:
17، 71)، إنه بذلك ضد الإِيمَانِ المسيحي. وأَنْا
أقول إن الإِيمَانِ المسيحي يتفق مَعَ هَذَا النص القرآني! وهَذَا البحث هُوَ
محاولة جادة موضوعية لمَعْرِفَةِ مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ؟
عزيزي
القاريء للجواب عَلَى كُلّ الأسئلة الَّتِي تدور حول هَذَا الشخص الفريد مِنْ نوعه، والذي حير الكثيرين مِنْ المفكرين
والباحثين وحَتَّى رجال الدين! فهيا لنبدأ الرحلة معاً، ومِنْ خلالها سوف نعبر
عَلَى ثماني محطات، وفي النهاية يوجد خلاصة ومَعَ ملحق لأهم أقوال نبوة أنبياء
التوراة مقارنة بأقوال الإِنْجِيل.
ومِنْ
فضلك تمهَلْ حتي نصل معاً إِلَى نهاية رحلة البحث، فتتعرف عَلَى الْمَسِيحِ، ولا
تتسرع فِي اتخاذ قرارك مِنْ هُوَ الْمَسِيحِ بالنسبة لك؟ فمِنْ سمات الشخص المفكر
العقلاني فحص مثل تِلْك الأمور الخطيرة بحيدةٍ متجرداً عَنْ الهُوَي.
في
الختام أود أَنْ أقدم الشكر لله أولاً، ولكل فريق العمل الَّذِي أعانني وشجعني لظهُوَر
هذه السلسلة المتوالية "مباحث للعقلاء والمفكرين" كفريق عمل
واحد، وأخص بالذكر الشيخ الدكتور/ مدحت أديب رفيق الخدمة الَّذِي شجعني لإخراج هذه
السلسلة للنور، والقس/ فرنسيس فهيم راعي الْكَنِيسَةِ الإِنْجِيلية بالإسعاف
والقس/ مرقس حسني معاونه، والدكتور/ داود رياض الَّذِي أكنِ له كُلّ الاحترام
والتقدير لأجل علمه الغزير ومراجعته لهَذَا الكتاب، مَعَ أحباء قاموا بمساعدتي
مساعدة فعالة وهم فريق العمل الدكتور/ ممدوح منصور والأخت فيبي فليمون لمراجعة
الصياغة الَّتِي تصلح للإِنْسَانِ البسيط العادي.
هَذَا
العمل ومَا يتبعه مِنْ أعمال مقبلة ليست إلا لمجد الْمَسِيحِ وامتداد ملكوته، لذلك
ليقبَلْ سيدي ورَّبِّي يسوع الْمَسِيحِ هَذَا العمل الَّذِي أشعر أَنْه محاولة حَقِيقِيَّة
مِنْ ذرة ترابية لإدراك شخصية الله خالق ورَّبِّ البشرية.
عزيزي
القارى لاَ يمكنك التعرف بعمق عَلَى شخص الْمَسِيحِ إلا بطلبك لروح الله أَنْ يفتح
عقلك وذهنك وقلبك؛ فتدرك حَقِيقِيَّة شخصية يسوع الْمَسِيحِ الَّذِي حير العقلاء
والمفكرين مِنْ مولده وإلى أَنْ يجيء مرة ثانية، وخاصة أَنْ كُلّ الأمم عَلَى اختلاف
معتقداتهم وإيمانهم ينتظرون مجيئه ثانية.
إهِداء
إلى
عواطف
زوجتي رفيقة الحياة والخدمة
وهايدي
ومنير ويوسف عطايا الله لى
وشركاء
الخدمة فِي سوهاج وأسيوط
والمنيا
وبني سويف والقاهرة والدلتا والأسكندرية
وأحباء
فِي كنيسة الْمَسِيحِ فِي الوطن العربي والعالم
الفصل الأول
مَا شَبَهِ الله؟
الإِلَهُ الَّذِي لاَ يحده إدراك: كتب تشارلز
وسلي Charles Wesley: يا رَّبِّ مَا أكبر
ورطتنا! إِنْ انسب شَيْءٍ لنا فِي حضرتك هُوَ أَنْ نلوذ بالصمت، وَلَكِنْ محبتك
تلهب قلوبنا وتدفعنا للكلام. فلو أَنْنا صمتنا لصرخت الحجارة، ولكننا إِذَا مَا نطقنا
فماذا نقول؟ علمنا يا رَّبِّ أَنْنا لاَ نعلم شيئاً، فأمور الله لاَ يعرفها أحد
إلا روح الله. فليسندنا الإِيمَانِ حيث يفشل العقل فنفتكر عندئذ لأَنْنا نؤمن،
وليس لكي نؤمن. باسم يسوع استجبنا. آمين.
هناك سؤال
واحد يختلج فِي صدر الطفل، والفيلسوف، والمتدين:
مَا شَبَهِ
الله؟
هَذَا الكتاب محاولة للإجابة عَنْ هَذَا
السؤال. ولكنني أسارع فأقول فِي البداية أَنْه لاَ يمكن الإجابة عَنْ هَذَا السؤال
إلا بالقول بأَنْ الله لاَ يشَبَهِه شئٌ، أَيُّ أَنْه لاَ يشَبَهِ أَيُّ شَيْءٍ أو
أَيُّ إِنْسَانِ عَلَى الإطلاق.
إِنْ
طريقتنا فِي التعليم هِيَ استعمالنا مَا نعلمه كجسر للعبور فوقه لنصل إِلَى مَا لاَ
نعلمه، وليس ممكنا للعقل أَنْ ينتقل بسرعة مفاجئة مِنْ المعروف إِلَى غَيْرُ المعروف.
وحَتَّى أكثر العقول قوة وجرأة غَيْرُ قادر عَلَى أَنْ يخلق شيئاً مِنْ لاَ شَيْءٍ
عَنْ طريق الخيال الفوري حَتَّى الكائنات العجيبة الَّتِي تسكن عالم الأساطير
والخرافات ليست مجرد نسج مِنْ الخيال، فقد نسجها الخيال عَنْ طريق استعمال
المخلوقات العادية الَّتِي تسكن الأرض والبحر والهُوَاء، وزيادة أشكالها عَنْ حدودها،
أو الخلط بين اثنتين أو أكثر منها حَتَّى يستحدث شيئاُ جديداً. ومهمَا كانت هذه
جميلة أو غريبة فمِنْ الممكن الرجوع إِلَى الأصل الَّذِي نشأت عنه. فهي مشابهة
لأشياء نعرفها.
ومحاولة
الأَنْبياء الذين استخدمهم الوحي التعبير عمَا لاَ يوصف ألقى عبئاً ثقيلاً عَلَى الفكر
واللغة فِي الكتاب المقدس. فالأشياء الَّتِي وصفها غالباً أمور تختص بعالم مَا فوق
الطبيعة، وَلَكِنْ العقول الَّتِي كُتبت هذه لأجلها هِيَ جزء مِنْ الطبيعة ولذلك
فقد اضطر الكُتاب إِلَى استخدام الكثير مِنْ كلمات (الشَبَهِ) لكي يوضح مَا أرادوه.
وعِنْدَمَا
يريد الرُّوحِ الْقُدُسِ أَنْ يعرفنا عَلَى شَيْءٍ خارج نطاق إدراكنا فإِنْه
يخبرنا أَنْ هَذَا الشيء يشَبَهِ شيئاً نعرفه فعلاً، ولكنه حريص دائماً فِي وصفه
حَتَّى لاَ نقع عبيداً للحرف. فمثلاً عِنْدَمَا رأى حِزْقِيَال النَّبِيِّ السموات
مفتوحة ورأى رؤى الله وجد نفسه ينظر إِلَى أشياء لاَ تستطيع الكلمات أَنْ تعبر
عنها. فمَا كان يبصره كان يختلف تماماً عمَا قد عرفه مِنْ قبَلْ ولذلك فقد لجأ
إِلَى لغة الشَبَهِ: «13أَمَّا شِبْهُ
الْحَيَوَانَاتِ فَمَنْظَرُهَا كَجَمْرِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ كَمَنْظَرِ مَصَابِيحَ
هِيَ سَالِكَةٌ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ. وَلِلنَّارِ لَمَعَانٌ وَمِنْ النَّارِ
كَانَ يَخْرُجُ بَرْقٌ»(سِفْرُ حِزْقِيَال1: 13).
وكُلَّمَا
اقترب مِنْ العرش المتقد كُلَّمَا أصبحت كلماته أقل تأكيداً وجزماً «26وَفَوْقَ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا
شِبْهُ عَرْشٍ كَمَنْظَرِ حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ وَعَلَى شِبْهِ
الْعَرْشِ شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانِ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ. 27وَرَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ النُّحَاسِ
اللامِعِ كَمَنْظَرِ نَارٍ دَاخِلَهُ مِنْ حَوْلِهِ مِنْ مَنْظَرِ حَقَوَيْهِ
إِلَى فَوْقُ وَمِنْ مَنْظَرِ حَقَوَيْهِ إِلَى تَحْتُ. رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ
نَارٍ وَلَهَا لَمَعَانٌ مِنْ حَوْلِهَا 28كَمَنْظَرِ
الْقَوْسِ الَّتِي السَّحَابِ يَوْمَ مَطَرٍ. هَكَذَا مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ مِنْ حَوْلِهِ.
هَذَا مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ»(سِفْرُ حِزْقِيَال1: 26-28).
ومَعَ
غرابة هذه اللغة إلا أَنَّهَا تعطي انطباعاً بأَنَّهَا تعبر عَنْ خيال، إلا أَنْ المرء يستطيع أَنْ يفهم بأَنْ المشهد
كله حَقِيقِيَّ تمامًا ولكنه غريب تمامًا عَنْ كُلّ مَا يعرفه سكان البسيطة. ولذلك
وجد النَّبِيِّ لزاماً عليه أَنْ يستعمل كلمات مثل (شَبَهِ)
و(منظر) وحرف التشبيه(كـ) و(منظر شَبَهِ)، وحَتَّى العرش قال عنه (شَبَهِ العرش)، والجالس عليه، مَعَ أَنْه كإِنْسَانِ،
إلا أَنْه يختلف عَنْ الإِنْسَانِ لدرجة أَنْه يوصف بأَنْه (شَبَهِ كمنظر إِنْسَانِ).
وعِنْدَمَا
يقرر الكتاب المقدس أَنْ الإِنْسَانِ جَبَلْ عَلَى
صُورَةِ الله فليس بوسعنا أَنْ نضيف إِلَى هذه
العبارة فكرة مِنْ رؤوسنا لتجعلها تعني «صُورَةِ
حقة لله». فلو إِنْنا فعلنا
ذلك لجعلنا الإِنْسَانِ صُورَةِ طبق الأصل مِنْ
الله، وينتهي الأمر بضياع صُورَةِ الله
بالمرة. وهَذَا معناه نقض الجدار الَّذِي لاَ نهاية لارتفاعه، والذي يفصل بين مَا هُوَ
الإِلَهُ ومَا هُوَ ليس الإِلَهُ. فإِذَا مَا فكرنا بأَنْ الخلائق تستوي مَعَ الخالق
فِي الجوهر فإِنْنا بذلك نسلب الله مِنْ معظم صفاته وننزل به إِلَى مستوى المخلوق.
فمثلاً نحن بذلك نسلبه مِنْ صفة اللانهاية، فلا يمكن أَنْ يوجد عنصران لاَ نهائيان
فِي الكون، وكذلك نسلبه مِنْ سيادته، فلا يمكن أَنْ يوجد كائنان حران كُلّ الحرية
فِي الكون، إذ لو وجدت إرادتان مطلقتا الحرية لاصطدمتا إِنْ عاجلاً أو آجلاً.
هاتان الصفتان عَلَى الأقل تستلزمان أَنْ يكون هناك واحد فقط تتبعان له.
وعِنْدَمَا
نحاول أَنْ نتخيل شَبَهِ الله فيَجِبُ علينا أَنْ نستعمل مَا ليس هُوَ الإِلَهُ
كوسيلة تستخدمها عقولنا، ولذلك فكل مَا نتصوره عَنْ الله، فليس الإِلَهُ مثله، لأَنْ
الصُورَةِ الَّتِي تخيلناها قد تكون مِمَّا خلقه
الله، ومَا خلقه الله ليس هُوَ الله. وإِذَا مَا صممنا عَلَى محاولة تصوره انتهينا
إِلَى صنم صنعته أفكارنا لاَ أيدينا، وصنم صنعته الأفكار هُوَ مكرهة للرَّبِّ
تماماً كصنم صنعته الأيدي.
قال
نيقولا اوف كوساNicholas of Cusa
:
«يا رَّبِّ إِنْ العقل يعلم أَنْه يجهلك، لأَنْه يعرف أَنْك لاَ تُدرك إلا إِذَا
أُدرك مَا لاَ يمكن إدراكه، ومشاهدة مَا لاَ يمكن رؤيته والتُوُصِّل إِلَى مَا لاَ
يمكن الوصول إليه». ثم استطرد يقول مخاطباً الله: «إِذَا
مَا عرض أحد فكرة لتَفَهمك فأَنْا أعرف أَنْ هذه الفكرة ليست فكرة عنك, فكل فكرة
تنتهي فِي جدار الفردوس...وهكذا إِذَا مَا قال أحد أَنْه تَفَهمك وأراد إبراز
وسيلة بها نتفهمك، فإِنْ ذلك الإِنْسَانِ لاَ يزال بعيداً عنك لأَنْك المطْلق فوق
كُلّ الأفكار الَّتِي يمكن للإِنْسَانِ أَنْ يصوغها».
وإِذَا
تُركنا وشأَنْنا فإننا نميل فوراً إِلَى تصوير الله بصُورَةِ
أقل حَتَّى تستطيع الألفاظ أَنْ تعبر عنه، كَمَا أَنْ نضع الله فِي صُورَةِ بحيث يمكننا أَنْ نستعمله عند الحاجة،
فنحن نريد إلهاً نستطيع أَنْ نُسيره بطريقة ما، ونحن نفتقر إِلَى الشعور
بالطمأنينة الَّتِي تأتي عَنْ طريق مَعْرِفَةِ مَا هية الله، وهُوَ بلا شك مزيج مِنْ
كُلّ الصور الدينية الَّتِي شاهدناها أو سمعنا عنها، وكل الأفكار السامية الَّتِي صورته.
فإِذَا
مَا بدا هَذَا كله غريبًا عَلَى الأذن العصرية فمَا ذلك إلا لأَنْنا أخذنا الله
قضية مسلمة خلال الأزمنة المعاصرة. فإله الْمَسِيحِية المعاصرة لاَ يختلف إلا قليلاً
عَنْ آلهة الإغريق والرومان، هَذَا إِذَا لم يكن فعلاً أقل منها لأَنْه ضعيف لاَ حول
له ولا قوة، بينمَا تِلْك الآلهة كانت ذات قوة حسب مَا يعتقد فيها عابدوها.
فإِذَا
مَا كان الله غَيْرُ متفق مَعَ مَا نظنه عنه فكيف إذن نفتكر فيه، وإِذَا الله حقاً
لاَ يمكن إدراكه، ولا يمكن أَنْ يُدنَى منه، كَمَا يقر بذلك فِي قانون الإِيمَانِ،
فكيف نشبع نحن الْمَسِيحِيين رغبتنا فِي معرفته؟ إِنْ قول الإِنْجِيل «تَعَرَّفْ
بِهِ واسْلَمْ» لاَ يزال سارياً عَلَى مر العصور
والأزمان، وَلَكِنْ كيف نعرف مِنْ يفوق كُلّ إدراك
العقل والقلب؟ وكيف نُطالَب بأَنْ نَعرف
مَا لاَ يُعرف؟
لقد
سأل صوفر النعماني قائلاً: «7أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ
الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنْ السَّمَاوَاتِ
فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنْ الْهَاوِيَةِ فَمَاذَا تَدْرِي؟»(سِفْرُ أَيُّوبَ11: 7).
وقال الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مِنْ هُوَ
الابْنُ إِلا الآبُ وَلا مِنْ هُوَ الآبُ إِلا الابْنُ وَمِنْ أَرَادَ الابْنُ
أَنْ يُعْلِنَ لَهُ»(إِنْجِيلُ لُوقَا10: 22).
وبشارة الإِنْجِيل تعلن عجز العقل البشري أمام عظمة الله، كَمَا يعلمنا الرسول بولس
فِي الرسالة الأولى إِلَى أهَلْ كورنثوس أَنْ الله لاَ يمكن معرفته إلا إِذَا أعلنه الرُّوحِ الْقُدُسِ لقلب الباحث عنه.
إِنْ
الرغبة فِي مَعْرِفَةِ مِنْ يترفع ويعلو عَنْ كُلّ مَعْرِفَةِ، وفي إدراك مِنْ لاَ
يمكن إدراكه، وفي لمس مِنْ لاَ يدنى منه، فمصدر هذه الرغبة أَنْ الله خلق الإِنْسَانِ
عَلَى صورته، ومَعَ أن الإِنْسَانِ عصي وخالف طبيعته والنفس قد تنجست وأحاطت الخطية
بها مِنْ كُلّ جانب، إلا أَنْ الإِنْسَانِ يحن إِلَى أصله الَّذِي جاء منه ويشتاق
ويتوق إليه, إِذَا فكيف السبيل إِلَى ذلك؟
إِنْ
جواب الكتاب المقدس عَنْ هَذَا السؤال هُوَ بكُلّ بساطة «بيسوع الْمَسِيحِ ربنا».
فِي الْمَسِيحِ وبالْمَسِيحِ يعلن الله نفسه الإعلان الكامل، ولو أنه لاَ يعلن
نفسه للعقل بَلْ للإيمان والمحبة. فالإِيمَانِ عضو مِنْ أعضاء المَعْرِفَةِ
والمحبة عضو مِنْ أعضاء الاختبار. فبالتجسد جاءنا الله فِي الْمَسِيحِ وبالفداء
صالحنا لنفسه، وبالإِيمَانِ والمحبة ندخل ونتمسك به.
قال
ريتشارد رول Richard Rolle ذلك المرنم
الَّذِي أسرته محبة الْمَسِيحِ: «حقاً إِنْ الله عظيم عظمة لاَ نهاية لَهَا...أكثر
مِمَّا نستطيع نحن أَنْ نفكر..عظمة لاَ يمكن أَنْ تدركها الخلائق، ولا يمكن لنا أَنْ
نعيها. ومَعَ ذلك فعِنْدَمَا يبدأ القلب يلتهب شوقاً لمَعْرِفَةِ الله هنا فِي هذه
الحياة فعندئذ يعطَى القلب قدرة عَلَى استيعاب النور غَيْرُ المخلوق، فتدفعه مواهب
الرُّوحِ الْقُدُسِ وتساعده عَلَى تذوق أفراح السماء، فيعلو عَلَى الأمور المنظورة
ويرقى إِلَى حلاوة الحياة الأبدية...في هَذَا حقاً هِيَ المحبة الكاملة، عِنْدَمَا
ترقى كُلّ أفكار العقل ونبضات القلب الخفية إِلَى محبة الله».
إِنْ
تعرف النفس عَلَى الله هُوَ اختبار شخصي قلبي وهذه المَعْرِفَةِ الاختبارية تنشئ داخل الإِنْسَانِ تناقض مَعَ إدراك الإِنْسَانِ
لله بالعقل فيحسن الشاعر تعبيره عَنْ ذلك بقوله فردريك و. فايبر Frederick
W. Faber : ظلام للعقل ولكنه نور الشمس للقلب.
ويشرح
مؤلف الكتيب الَّذِي عنوانه «سحابة عدم المَعْرِفَةِ»
The Cloud of Unknowing هَذَا الموضوع فِي كتابه فيقول: «إِنْ الباحث عَنْ الله
يجد إذ يقترب إليه أَنْه يسكن فِي خفاء تحجبه عنه سحابة مِنْ عدم المَعْرِفَةِ الَّتِي
الإِنْسَانِ، وَلَكِنْ الباحث مَعَ ذلك لاَ ييأس بَلْ يَجِبُ أَنْ يثابر بعزم لاَ يلين
ليتعرف عَلَى الله. فهذه السحابة تقف بين الباحث وإلهه حَتَّى لاَ يراه بجلاء
ووضوح نتيجة النور العقلي ولا يحس به فِي العواطف والشعور. وَلَكِنْ برحمة الله
يندفع الإِيمَانِ إِلَى حضرة الله إِذَا مَا آمِنْ الباحث بالكلمة المقدسة وثابر إِلَى
عزمه».
ولقد
ذكر الشيء عينه القديس الأسباني مايكل دي مولينوس Michael
de Molinos فقال فِي كتابه «المرشد الروحي»:
إِنْ الله يمسك بيد النفس ويقودها إِلَى الإِيمَانِ النقي ثم يجعل الذهن يتخلى
عَنْ كُلّ الاعتبارات والتحاجج ويقوده إِلَى الأمام...وهكذا يجعله يسمو بمَعْرِفَةِ
الإِيمَانِ البسيطة الخفية إِلَى عريسه محمولاً عَلَى أجنحة المحبة».
وبسبب
لهذه التعاليم وأمثالها حكمت محاكم التفتيش عَلَى مولينوس بالهرطقة وحكمت عليه
بالسجن مدى الحياة، ولم يلبث أَنْ مات فِي السجن، وَلَكِنْ الحق الَّذِي علم به لن
يموت. لقد قال فِي معرض الحديث عَنْ النفس الْمَسِيحِية المؤمنة «دعها
تعتقد أَنْ العالم كله وكذلك أرقى أفكار العقول المفكرة لاَ يمكن أَنْ تمدها بأي
علم، وأَنْ صلاح حبيبها وجماله يفوقان إِلَى مالا نهاية كُلّ مَعْرِفَةِ تِلْك العقول
وكل العالم، لأَنَّهَا توقن أَنْ كُلّ الخلائق عاجزة عَنْ إعلامها وقيادتها إِلَى مَعْرِفَةِ
الله...ولذلك عليها أَنْ تتقدم فِي محبتها ناسية وراءها كُلّ ذهنها. دعها تحب الله
كَمَا هُوَ فِي ذاته، وليس كَمَا يرسمه لَهَا خيالها ويصوره».
مَا شَبَهِ الله؟
إِنْنا
إِذَا قصدنا مِنْ هَذَا السؤال: كيف يكون الله فِي
ذاته؟ فليس مِنْ جواب عنه. ولكننا إِذَا
قصدنا «ماذا أعلن الله عَنْ ذاته مِمَّا
يستطيع العقل بوقار أَنْ يدركه؟»
فهناك كَمَا أعتقد جواب مقنعٍ شافٍ. فبينمَا اسم الله سر خفيً وطبيعته الجوهرية
غَيْرُ مدركة، فقد تنازل فِي محبته وأعلن بعض الأشياء الحَقِيقِيَّة عَنْ ذاته
تعالى. هذه مَا نسميها صفاته.
إلى اللقاء في الفصل
القادم لنجيب على السؤال :
لِمَاذَا يَجِبُ أَنْ
يكون تفكيرنا عَنْ الله سليماً؟
للمزيد:
للرد على السؤال من يشبه الله؟ اسمع
مع ملاحظة تغير ت: 01112385575 - 01012003985
بمن نشبه الله ل د. القس سامي اسكندر
Email: Pastor_samy@yahoo.com
http://youtu.be/bj4BMpN0wFA
0 التعليقات:
إرسال تعليق