الفصل الثالث
من
هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ الله؟!
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
باحث ومحاضر فِي الدين المقارن
الفصل الثالث
مَا هية الله؟
رابعاً: الله غَيْرُ متغيُّر فِي وجوده:
يقول الإِنْجِيل: «6لأَنِّي أنَا
الرَّبُّ لاَ أَتْغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ
تَفْنَوْا»(سِفْرُ مَلاَخِي3: 6). و«17كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالَحِةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ
تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدٍ أَبِى الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ
دَوَرَانٍ»(رِّسَالَةُ يَعْقُوبُ
الرَّسُولِ1: 17).
1)
معنى أَنْ اللَّه لاَ يتغير إِنْ له دوام فِي ذاته، كذلك فِي صفاته،
فهُوَ غَيْرُ متغير بدون زيادة أَوْ نقصان. مِمَّا يدل عَلَى ذلك قول الإِنْجِيل: «6لأَنِّي أنَا
الرَّبُّ لاَ أَتْغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ
تَفْنَوْا»(سِفْرُ مَلاَخِي3: 6). يقترن
عدم تغير اللَّه بأًنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودَ وأًنَّهُ سَّرْمَدِيِّ، حَتَّى أَنْ نفس
الكلام الَّذِي يستعمله الإِنْجِيل لتثبيت عدم مَحْدُودَيته وتثبيت سَّرْمَدِيِّته
يبرهن أيضاً عدم تغيُّره. والمقصود بعدم تغير اللَّه أًنَّهُ منزه عَنْ كُلّ تَغْيِير
وكل إمكان تَغْيِير، لأًنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودَ ومستقل وواجب الوجود، ولا شَيْءٍ خارج
عنه يقدر أَنْ يؤثر فيه. كذلك لاَ شَيْءٍ داخله يميل إِلَى التَّغَيُّر. وهُوَ
غَيْرُ قابل للتَغْيِير فِي جوهره وفي صفاته، فلا يزيد ولا ينقص، ولا يكون علمه
فِي وقت مَا أكثر أَوْ أقل مِمَّا هُوَ فِي وقت آخر، ولا يكون أكثر قوة أَوْ حكمة أَوْ
قداسة أَوْ عدلاً أَوْ رحمة، ولا أقل مِمَّا هُوَ. وكذلك هُوَ غَيْرُ متغير فِي مقاصده
لأَنْ حكمته غَيْرُ مَحْدُودَةً، فهُوَ لاَ يخطئ فِي آرائه السابقة العلم حَتَّى يحتاج
أَنْ يصححها بعد ذلك. وبِمَا أَنْ قوته غَيْرُ مَحْدُودَةً لاَ يمكن أَنْ يمنعه
مانع عَنْ إتمام مقاصده.
2)
الأدلة عَلَى عدم تغير اللَّه
أ-
أدلة الإِنْجِيل تقول:
«17كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالَحِةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ
تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدٍ أَبِى الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ»(رِّسَالَةُ يَعْقُوبُ
الرَّسُولِ1: 17).
وقول الإِنْجِيل: «19ليس اللَّه إِنْسَانِاً فَيِكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانِ فَيَنْدَمَ.
هَلْ يَقُولَ وَلاَ يَفَعَل؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟»(سِفْرُ اَلْعَدَد23:
19). وقوله «6لأَنِّي أنَا
الرَّبُّ لاَ أَتْغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ
تَفْنَوْا»(سِفْرُ مَلاَخِي3: 6).
«11أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ.
أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور33: 11).
وقول نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ «21فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ أَفْكَارٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ مَشُورَةُ الرَّبِّ هِيَ تَثْبُتُ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ19: 21).
وقول الأَنْبِيَاء: «24قَدْ
حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «إِنَّهُ كَمَا
قَصَدْتُ يَصِيرُ وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ»(سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ14: 24). وأيضا يقول الأَنْبِيَاء: «9اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ لأَنِّي أَنَا اللَّهُ
وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. 10مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ
يُفْعَلْ قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ46: 9و10).
ب
- الأدلة العقلية
فهي أَنْ اللَّه مستقل بنفسه، فكَمَا أًنَّهُ غَيْرُ معلول بل هُوَ علَّة كُلّ المخلوقات،
لاَ يغيره أحد، بل هُوَ يغير الكل. وهُوَ غَيْرُ مَحْدُودَ فِي علمه وحكمته وبره
وصلاحه وقوته، لأَنْ غَيْرُ المَحْدُودَ لاَ يقبل الزيادة ولا النقصان، فهُوَ لاَ يقبل
التَّغَيُّر. وهُوَ غَيْرُ مَحْدُودَ زماناً ومكاناً، سَّرْمَدِيِّ، ولذلك لاَ يطرأ
التَغْيِير عَلَى جوهره.
3)
معنى آيات الإِنْجِيل الَّتِي تنسب شبه المشاعر الإِنْسَانِية
للَّه:
بالرغم أَنْ الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ يستخدم بعض التعبيرات
البشرية (Anthropomorphism)، مثل إِنَّهُ يركب عَلَى أجنحة الرياح،
وإِنَّهُ ينزل مِنْ السماء ويسير فِي الأَرْضُ. الَّتِي تعني التَّغَيُّر مثلا:
«6فَحَزِنَ
الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانِ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ6: 6). ففي كُلّ هذه التعبيرات يتنازل
اللَّه ليكلّم البشر بلغة تناسب عقولهم، فيستخدم الكناية والمجاز.
وهنا حين يتحدث الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ
عَلَى حزن وتأسف الله، يريد أَنْ يُشِيرُ إِلَى شفقة الله عَلَى حالة
البشر، وكراهيته لشرورهم الشنيعة. وفي قول نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ: «10فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ
رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ
اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ
يَصْنَعْهُ»(سِفْرُ يُونَانَ3:
10). فنَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ يُشِيرُ إِلَى مَا صار لأهَلْ نينوي، إذ
تابوا، وإِلَى معاملة الله لهم حسب رحمته الكثيرة. لأَنْ الواقع هُوَ أَنْ الله «19ليس اللَّه إِنْسَانِاً فَيِكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانِ فَيَنْدَمَ.
هَلْ يَقُولَ وَلاَ يَفَعَل؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟»(سِفْرُ اَلْعَدَد23:
19).
عدم
تغير اللَّه وأعماله مثل خلق العَالِمٌ وتجسّده فِي الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
لاَ يدل خَلْق العَالِمٌ عَلَى تغير فِي جوهر اللَّه أَوْ فِي مقاصـده، لأًنَّهُ قصد
منذ الأزل أَنْ يقوم بعمل الخلق، وفي الوقت المعين تمم قصده. وفي خلقه العَالِمٌ
لم يأخذ شيئاً مِنْ ذاته بل خلقه مِنْ لاَ شَيْءٍ، بمجرد أمره. والتجسد أيضاً
يوافق قصد اللَّه منذ الأزل. ولا شك أَنْ جوهر الابن الإلهي لم يتغير فِي الاتحاد
بالطبيعة الإِنْسَانِية، بل دخل فِي علاقة جديدة بجنسنا البشري. وكل تغير فِي الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي حياته عَلَى الأَرْضُ كان خاصاً بناسوته فقط (الطبيعة
البشرية).
ومَا
سبق أَنْ درسناه مِنْ عدم مَحْدُودَية اللَّه، وسَّرْمَدِيِّته (لا بَدَايَةُ له
ولا نِّهَايَةُ) وعدم تغيُّره يصدق عَلَى طبيعة اللَّه كَمَا يصدق عَلَى مقاصده
وصفاته، فهُوَ فِي ذاته وكل كمالاته بلا حد ولا تَغْيِير منذ الأزل وإِلَى الأبد.
لا يوجد فِي كُلّ الخليقة مثل الله، غَيْرُ متغير مِنْ
ذات طبيعته، حَتَّى يستحيل عَلَى الخليقة أَنْ تؤثر فيه بزيادة أَوْ نقصان، وأما
كُلّ الخليقة فهي قائمة بإرادته، وقابلة للتغير منه تعالى متي شاء، وأنى شاء.
4) نتعلم مِنْ عدم تغير الله إِنْ الله لابد أَنْ يتمم كُلّ مواعيده لشعبه، ويكمل
العمل الصالح الَّذِي ابتدأ به فِي قلوبهم، فنَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ يقول: «20تَصْنَعُ الأَمَانَةَ لِيَعْقُوبَ وَالْرَّأْفَةَ
لإِبْرَاهِيمَ، اللَّتَيْنِ حَلَفْتَ لإِبَائِنَا مُنْذَ أَيَّامِ الْقِدَمِ»(سِفْرُ مِيخَا7: 20). «6وَاثِقاً بِهذَا عَينِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ
فِيكُمْ عَمَلاً صَالحِاً يُكَمَّلَ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي1: 6). ويوقع بالأشرار كُلّ مَا أعلنه مِنْ متطلبات عدله: «46فَيَمْضِي هؤَلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ
وَالأَبْرَارُ إَلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»(إِنْجِيلُ مَتَّى25:
46).
0 التعليقات:
إرسال تعليق