• اخر الاخبار

    الفصل الثالث مَا هية الله؟ ثاني عشر اللَّه ذو سلطان د. القس / سامي منير اسكندر



    الفصل الثالث

    من

    هَلْ يُعْقلُ أَنْ

    الْمَسِيحِ هُوَ الله؟!

    إعداد

    د. القس / سامي منير اسكندر

    باحث ومحاضر فِي الدين المقارن

     

    الفصل الثالث

    مَا هية الله؟

    ثاني عشر: اللَّه ذو سلطان

    1) المقصود بسلطان اللَّه ليس مِنْ صفاته الطبيعية كالحكمة والقدرة ونحوهما، بل هُوَ ناشئٌ عَنْ كمال صفاته وسمو شأنه، ولأًنَّهُ خالق الكون بأسره وحافظه.

    ويقول كاتب اَلْمَزَامِيرُ

    «3إِنَّ إِلَهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور115: 3).

    «1لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور24: 1).

    ويقول الأَنْبِيَاءِ: «11لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلالُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ, لأَنَّ لَكَ كُلّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ, وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْساً عَلَى الْجَمِيعِ»(سِفْرُ أَخْبَارِ الأَيَّامِ الأَوَّلُ29: 11).

    «9وَيْلٌ لِمِنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ. خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ الأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟»«»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ45: 9).

    «11حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1: 11).

    «36لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمين»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ11: 36). 

    2) ونتعَلْم مِنْ آيات الكتاب الَّتِي أوردناها ومَا يشابهها أَنْ سلطان اللَّه:

         1)    يشمل كُلّ خلائقه مِنْ أعلاها إِلَى أدناها.  
       
         2)    إِنَّهُ غَيْرُ متغير.

         3)    إِنَّهُ مطلق غَيْرُ مقيّد، فهُوَ ينفّذ إرادته فِي جند السماء وسكان الأَرْضُ.

    3) يجري اللَّه سلطانه:

    1) فِي وضع القوانين الطبيعية والأخلاقية الَّتِي تلتزم بها خلائقه.

    2) فِي إعطائه لكل رتبة مِنْ خلائقه طبيعتها وقُواها ووظيفتها.

    3) فِي تعيينه لكل واحد مسكنه ونصيبه. فإِنْ اللَّه وضع حدود مساكننا وآجالنا وأحوالنا، فعيَّن ميلاد كُلّ شخص وأجله ومسكنه وأحواله. والأمم كالأشخاص فِي يده، يقسم لهم ميراثهم وسطوتهم ودوامهم.

    4) فِي تقسيم خيراته، فيعطي البعض غنى وشرفاً وصحةً، ويترك الآخرين فِي الفقر والذل، ويرسل مَعْرِفَةِ الإِنْجِيل إِلَى البعض ويترك غيرهم فِي الجهل، ليس لهم سوى الطبيعة وشَّهَادَةِ الضمير. ويرشد البعض إِلَى الخلاص بالإِيمَانِ، ويترك غيرهم يرفضون إرشاده ويُصرّون عَلَى الخطية. وإِنْ قيل: لِمَ فعل ذلك؟ يكون الجواب الوحيد هُوَ قول الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «26نعم أيها الآب، لأَنْ هكذا صارت المسرة أمامك»(إِنْجِيلُ مَتَّى11: 26).

    وسلطان اللَّه هَذَا ذو حكمة وقداسة ومحبة، وهُوَ عام مُطلق غَيْرُ مقيَّد بشَيْءٍ خارج عَنْ ذاته. ولكنه يمارسه عَلَى الدوام بموجب صفاته الثابتة. وهُوَ محل ثقة كُلّ شعبه ومتَّكلهم، فيفرحون بأًنَّهُ مالك وضابط الكل، وأَنْ مجرى الأمور فِي يده، فلا يحدث شَيْءٍ عَلَى سبيل الاضطرار أَوْ الصدفة فِي حكمه. وهُوَ متسلط عَلَى قوة البشر وعلى خبث الشيطان.

    4) أُسس سلطان اللَّه المطلق:

    1) فضله غَيْرُ المَحْدُودَ عَلَى كُلّ خلائقه، فهُوَ ذو الكمال التام.

    2) هُوَ موجد كُلّ الخلائق مِنْ العدم، وحافظ الكل بوقته لأجل مجد اسمه حسب مسرته «36لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ11: 36).

    3) هُوَ مصدر البركات والنعم ومتَّكلنا فِي كُلّ شَيْءٍ. فيَجِبُ أَنْ نفرح بسلطانه المطلق كَمَا قال المرنم: «1اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور97: 1). وهَذَا السلطان المطلق مِنْ مقتضيات ألوهيته، لأَنْ اللَّه قدوس وعادل إِلَى غَيْرُ نِّهَايَةُ. فالقداسة الإلهية، لاَ القوة، هِيَ علة السلطان. 

    فالإِنْجِيل يقول: «16لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى1: 16). «48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَـاكُـمُ ﭐلَّذِي فِي ﭐلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (إِنْجِيلُ مَتَّى5: 48).

    لقد أُطُلق عَلَى الله فِي الإِنْجِيل بعض أسماء مِنْ الصفات وهي:

    1) الله نور: «5إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةُ الْبَتَّةَ»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى1: 5).

    فالله نور لأًنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودَ فِي طهارته، ولأًنَّهُ ينبوع أنوار جميع الخلائق «12أَلَسْتَ أَنْتَ مُنْذُ الأَزَلِ يَارَبُّ إِلهِي قُدُّوسِي؟13عَيْنَاكَ أَطْهَرٌ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ»(سِفْرُ حَبَقُّوق1: 12و13).

    و«17كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالَحِةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدٍ أَبِى الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ»(رِّسَالَةُ يَعْقُوبُ الرَّسُولِ1: 17).

    2) اللـه محبة: «8اللـهَ مَحَبَّةٌ»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى4: 8). إِنْ الله محبة، فذلك نظراً لمحبته العظيمة الَّتِي ظهرت فِي بذل ابنه الوحيد ليموت عَنْ الخطاة: «16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلّ مِنْ يُؤْمِنْ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 16).

    و«10فِي هَذَا هِيَ المَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كُفَّارَةً لِخَطَايَانَا»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى4: 10).

    3) الله رُوحٌ: «24اللهُ رُوحٌ، وَاَّلِذينَ يَسْجَدُونَ لَهَ فَبِالرُّوحِ وَالحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا4: 24). فالله رُوحٌ لتنزهه عَنْ المادية (مثل الجسد)، وعدم قابليته الفساد، بالرغم مِنْ أَنْ الوحي المقدس ينسب أحياناً أعضاء جسمية لله، وذلك لتساعدنا عَلَى إدراك مَا يمكن إدراكه مِنْ كمالاته الَّتِي تفوق عقول وأذهان البشر، لأًنَّهُ مثلاً حين تنسب إليه «عيناً، وأذناً، ويداً»، فإِنْ ذلك إشارة إِلَى عَلْمه بكُلّ شَيْءٍ، وحضوره فِي كُلّ مَكَانٍ، وقدرته غَيْرُ المَحْدُودَةً، وهلم جرا. وعلى العموم إِنْ خلع الصفات البشرية عَلَى الله هُوَ لتقريب معرفته لأذهاننا.
    أخيراً: تعاليم الإِنْجِيل فِي محبة اللَّه

    يعَلْمنا الإِنْجِيل أَنْ اللَّه محبة، وأًنَّهُ يُحِبُّ البشر جميعاً. ويَجِبُ أَنْ نميّز بين المحبة كصفة ذاتية تختص بطبيعة اللَّه، والمحبة الظاهرة فِي أعمال رحمته وصلاحه عَلَى البشر. فالأولى مصدر الثانية ومستقلة عنها، فإِنْ اللَّه كان محبةً قبل أَنْ يخلق البشر. لَكِنْ تِلْك المحبة الذاتية الأصلية كانت بين أقانيم الثالوث الأقدس، فكل أقنوم يُحِبُّ الآخر منذ الأزل.

    وظلت تِلْك المحبة الأَزَلِيَّةِ مقصُورَةِ عَلَى التمتع بالكمالات الإلهية وعِنْدَمَا خلق اللَّه الخلائق العاقلة، أدركت كُلّ الخلائقَ أعمالُ صلاحه وخيرُه ورحمتُه بحسب احتياجهم. ولَمَّا سقط الإِنْسَانِ ظهرت المحبة فِي النعمة الفائقة للخطاة فِي تدبير فدائهم وتقديسهم ومنحهم الخيرات الرُوحٌية. ولم تكتفِ بذلك بل طلبت أَنْ تهب للمخلوق نصيباً مِنْ الصفات الإلهية عينها.

    فالمحبة مِنْ أخص صفات الطبيعة الإلهية منذ الأزل وإِلَى الأَبَدِ، وقد صارت أيضاً مِنْ أخص إعلانات طبيعة اللَّه للبشر فِي أعمال الخير والرحمة خاصةً عمل الفداء «8وَلَكِنْ اللَّهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحِ لأَجْلِنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ5: 8).

    إلى اللقاء في



    الفصل الرابع : هَلْ يمكن مَعْرِفَةِ الله؟


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: الفصل الثالث مَا هية الله؟ ثاني عشر اللَّه ذو سلطان د. القس / سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top