الفصل الثالث
من
هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ
الله؟!
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
باحث ومحاضر فِي الدين المقارن
الفصل الثالث
مَا هية الله؟
سادساً: الله غَيْرُ متغيُّر فِي قدرته
يقول أَيُّوبَ لله: «2قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلّ شَيْءٍ،
وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ»(سِفْرُ أَيُّوبَ42:
2). إِنْ قدرة
الله هِيَ استطاعته إجراء إرادته فِي كُلّ شَيْءٍ، فِي كُلّ مَكَانٍ
وزمان، سواء كان فِي السماء، أَمْ عَلَى الأَرْضُ. فيقول نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ:
«5لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ
أَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ الآلَهِةِ، 6كُلّ مَا شَاءَ الرَّبُّ صَنَعَ فِي
السَّمَاوَاتِ وفِي الأَرْضُ، فِي البِحَارِ وَفِي كُلّ اللَّجَجِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور135: 5و6).
وفي
الإِنْجِيل: «8قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ
قُدُّوسٌ الْرَّبُّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ
وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأُتِي»(سِفْرُ رُؤْيَا
يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ4: 8).
«12أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ
بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأَنَا اللَّهُ. 13أَيْضاً مِنَ الْيَوْمِ أَنَا هُوَ وَلاَ
مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ وَمَنْ
يَرُدُّ؟»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ43: 12و13).
آيات نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ
الَّتِي تحدث عَنْ قوة الله غَيْرُ المَحْدُودَةً:
«1وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ
ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ
الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ:
«أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ
أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً»(سِفْرُ التَّكْوِينِ17: 1).
و«26فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ
لَهُمْ: «هَذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ»(إِنْجِيلُ مَتَّى19: 26).
وقال المرنم: «3إِنَّ إِلَهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا
شَاءَ صَنَعَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور115:
3). والله فِي الإِنْجِيل عَلَى الدوام موضوع تسبيحاتنا ومركز ثقتنا لأًنَّهُ
يملك ويفعل كَمَا يشاء فِي جند السماء وسكان الأَرْضُ.
1) معنى القوة، وحدود قوة
الإِنْسَانِ:
نعرف القوة مِنْ شعورنا بأننا نقدر أَنْ نفعل بعض الأفعال. وتنحصر قوة الإِنْسَانِ
فِي دائرة ضيقة، فهُوَ يقدر أَنْ يغير مجرى تفكيره ويوجِّهه إِلَى موضوع خاص،
ويقدر أَنْ يحرك بعض أعضاء جسده، وهَذَا حد قوته الذاتية. ومِنْ هَذَا المقدار
الصغير مِنْ القوة صدرت كُلّ العلوم البشرية والاختراعات المتنوعة. غَيْرُ أَنْ
هذه القدرة ليست خاضعة لمجرد مشيئة الإِنْسَانِ وحدها، لأَنَّهَا لن تؤلف كتاباً
ولن تبني بيتاً، فالإِنْسَانِ يحتاج إِلَى استخدام وسائط أخرى، مثل المواد
الطبيعية.
يكتشف
الإِنْسَانِ أَنْ هناك الكثير الَّذِي يحد قوته، فيتجه عقله إِلَى قوة اللَّه
غَيْرُ المَحْدُودَةً، فنَحْنُ نقدر عَلَى قليل، واللَّه يقدر عَلَى كُلّ مَا
يشاء. ونَحْنُ نفتقر لاستعمال وسائط فِي إتمام غاياتنا إلا فِي بعض الأمور
الجزئية، واللَّه غني عنها. وهُوَ يشاء، فيصير كَمَا يشاء. قال: «لِيَكُنْ نُورٌ»
فَكَانَ نُورٌ،
وبمجرد مشيئته خلق مواد الكون الأصلية مِنْ لاَ شَيْءٍ. وطوعاً لمشيئة الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ سكنت الرياح وصار هدوء عظيم، وبمشيئته وحدها شفى المرضى وفتح
أعين العميان وأقام الموتى.
إِنْ قدرة الله تمتد إِلَى كُلّ شَيْءٍ عمله،
وتظهر بوضوح فِي الخليقة، والعناية، والفداء:
أ- الخليقة: تظهر قدرة الله فِي الخليقة، فِي كونه أوجد كُلّ شَيْءٍ مِنْ العدم، بدون
واسطة، كَمَا شهد بذلك النبي إِشَعْيَاءَ:
«24أَنَا الرَّبُّ صَانِعٌ كُلّ شَيْءٍ، نَاشِرٌ
السَّمَاوَاتِ وَحْدِي. بَاسِطٌ الأَرْضُ. مِنْ مَعِي؟»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ44:
24).
ب- العناية: إِنَّهَا تظهر فِي حفظه جميع خلائقه
مِنْ التلاشي، «3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ،
بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ
الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي»(الرِّسَالَةُ إِلَى
الْعِبْرَانِيِّينَ1: 3). و«اُنْظُرُوا إِلَى طُيُور السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ
تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِن، وَأَبُوكُمُ الْسَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا.
أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟»(إِنْجِيلُ مَتَّى6:
26).
وتظهر العناية الخاصة فِي شعبه (كنيسته)، فيقول
الإِنْجِيل: «18عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبِنْي
كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ
لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا»(إِنْجِيلُ مَتَّى16:
18). أبواب
الجحيم لن تقوى عَلَى الْكَنِيسَةِ الكارزة.
ج - فِي عمل الفداء:
إِنْ قوة الله
تظهر فِي عمل الفداء، فِي تحمل ابن الله ثقل قصاص كُلّ خطايا جميع المؤمنين. وفي
غلبته عَلَى إبليس وكل جنوده.
2) عدم مَحْدُودَية قوة
اللَّه أًنَّهُ يقدر أَنْ يفعل المستحيل.
لاشك أَنْ اللَّه قَادِرُ عَلَى مَا هُوَ مستحيل عَلَى قدرة البشر أَوْ الملائكة،
وَلَكِنْ لاَ يلزم عَنْ ذلك أًنَّهُ يقدر عَلَى عمل مَا هُوَ مستحيل له، فلا بد
أَنْ نأخذ ذات اللَّه فِي الاعتبار، فلا يحد القوة الإلهية شَيْءٍ، ولكنه لاَ يفعل
مَا يخالف طبيعته الصالحة، ولا يحد صلاحه غَيْرُ المَحْدُودَ شَيْءٍ، لكنه لاَ
يقدر أَنْ يفعل الحرام. فالذي ينسب للَّه القدرة عَلَى عمل الشـر يهينه ولا يرفع
شأنه، ويثبت جهله بإحدي صفات الله الذاتية الثبوتية.
3)
معنى بالقوة المطلقة سمى
بعض رجال الله القوة الَّتِي يظهرها الله فِي عمله «أعمالاً بدون وسائط
مطلقة» تمييزاً لَهَا عَنْ القوة الظاهرة فِي استعماله الوسائط. ونسبوا إِلَى
القوة المطلقة الخليقة والعجائب والوحي وتجديد القلب، ونسبوا إِلَى غَيْرُ المطلقة
أفعال العناية الإلهية. وهَذَا التمييز بالمعنى المذكور صحيح.
يعلّمنا
الإِنْجِيل أَنْ سلطان اللَّه يَجري عَلَى الفاعل
المختار، وأًنَّهُ قَادِرُ عَلَى توجيه أعمال الإِنْسَانِ وإرشاده كَمَا يشاء بدون
معارضة لاختياره «35وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ
وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ وَلاَ
يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟»(سِفْرُ دَانِيآل4: 35)، و«1قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ
حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ21: 1)، و«10لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ. بَقِيَّةُ
الْغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور76: 10)، و«13لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا
وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي2:
13)، و«19فَسَتَقُولُ لِي: «لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ لأَنْ مَنْ
يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ؟»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ9:
19)، و«11الَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ
سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ،»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1:
11).
ويتبين
ذلك أيضاً مِنْ النبوات، لأًنَّهُ لو لم يكن اللَّه قَادِرُاً عَلَى إجراء مَا
يلزم لإتمامها، والإِنْسَانِ مخيَّر، لَمَّا نطق بها انظر:
تاريخ فرعون «21وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «عِنْدَمَا تَذْهَبُ
لِتَرْجِعَ إِلَى مِصْرَ انْظُرْ جَمِيعَ الْعَجَائِبِ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِي
يَدِكَ وَاصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلَكِنِّي أُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى
لاَ يُطْلِقَ الشَّعْبَ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ4: 21)، و«1فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «الآنَ تَنْظُرُ مَا أَنَا أَفْعَلُ
بِفِرْعَوْنَ. فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ يُطْلِقُهُمْ وَبِيَدٍ قَوِيَّةٍ
يَطْرُدُهُمْ مِنْ أَرْضِهِ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ6: 1)،
وتاريخ يوسف «إقرأ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ37-41)،
وتاريخ ملك أشور «5وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي. وَالْعَصَا فِي
يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي. 6عَلَى أُمَّةٍ
مُنَافِقَةٍ أُرْسِلُهُ وَعَلَى شَعْبِ سَخَطِي أُوصِيهِ لِيَغْتَنِمَ غَنِيمَةً
وَيَنْهَبَ نَهْباً وَيَجْعَلَهُمْ مَدُوسِينَ كَطِينِ الأَزِقَّةِ. 7أَمَّا هُوَ فَلاَ يَفْتَكِرُ هَكَذَا وَلاَ
يَحْسِبُ قَلْبُهُ هَكَذَا. بَلْ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُبِيدَ وَيَقْرِضَ أُمَماً
لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ10: 5-7)،
وتاريخ كورش «1هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ لِكُورَشَ الَّذِي
أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَماً وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ.
لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ:»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ45: 1)،
وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي
أَسْلَمَهُ «23هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ
الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ
وَقَتَلْتُمُوهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ2: 23).
وللبشر
شَيْءٍ مِنْ تِلْك القوة، لأنهم يقدرون أَنْ يقنعوا غيرهم ويرشدوهم دون معارضة
لاختيارهم. فكم بالحري يقدر اللَّه عَلَى ذلك!
0 التعليقات:
إرسال تعليق