الفصل الثالث
من
هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ
الله؟!
إعداد
د. القس / سامي منير
اسكندر
باحث ومحاضر فِي الدين المقارن
الفصل الثالث
مَا هية الله؟
عاشراً: الله حق
يقول نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ: «4هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جُمِيعَ
سُبُلِهِ عَدْلُ. إِلهُ أَمَانَةٍ لاَ جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة32:
4).
ويقول
الإِنْجِيل «18حَتَّى بِأَمْرَيْنِ
عَدِيمَي التَّغَيُّر، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا،
تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ»(الرِّسَالَةُ إِلَى
الْعِبْرَانِيِّينَ6: 18).
«25وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.
وَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى1: 25).
1) معاني الحق أَوْ الصدق
فِي الإِنْجِيل، للحق أَوْ الصدق
معانٍ كثيرة مِنْهَا:
1) تمييز
الموجود عَنْ الوهمي: كتسمية اللَّه إله الحق لتمييزه عَنْ آلهة الوثنيين،
لأًنَّهُ هُوَ الإِلَهُ الحقيقي، والأوثان تصوُّرات وهمية لاَ وجود لَهَا «3وَلإِسْرَائِيلَ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ بِلاَ
إِلَهٍ حَقٍّ وَبِلاَ كَاهِنٍ مُعَلِّمٍ وَبِلاَ شَرِيعَةٍ»(سِفْرُ أَخْبَارِ الأَيَّامِ الثَّانِي15:
3)،
و«10أَمَّا الرَّبُّ
الإِلَهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِلَهٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ. مِنْ
سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَلاَ تَطِيقُ الأُمَمُ غَضَبَهُ»(سِفْرُ إِرْمِيَا10: 10)،
و«9لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ،
وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ
لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ،»(رِّسَالَة بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي1:
9).
2) تمييز الْكَامِلُ عَنْ
الناقص وتوضيح كمال الموصوف بها: فقيل إِنْ
اللَّه هُوَ الإِلَهُ الحق، أَيُّ الْكَامِلُ فِي جميع صفاته الإلهية وغير ناقص
فِي شَيْءٍ مِمَّا يختص باللاهُوَت:
«4هُوَ الصَّخْرُ الكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ
سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ.
صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة32: 4)،
و«6قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ
وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 6)،
و«3وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ
يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ
وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 3)،
و«20وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا
بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ.
وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلَهُ الْحَقُّ
وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى5: 20).
3) تمييز الصحيح عَنْ
الكاذب، وتوضيح أَنْ الموصوف بها باطنه
يطابق ظاهره: فقيل إِنْ اللَّه حق لأًنَّهُ بالحقيقة كَمَا يُظهر لنا نفسه بواسطة
أوامره وبِمَا يقوله فِي ذاته. وقيل فِي نثنائيل إِنَّهُ «إسرائيلي حقاً» لأَنْ
صفاته تطابق مَا تدل عليه هذه التسمية:
«19ليس
اللَّه إِنْسَانِاً فَيِكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانِ فَيَنْدَمَ.
هَلْ يَقُولَ وَلاَ يَفَعَل؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟»(سِفْرُ اَلْعَدَد23:
19)،
و«33وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ،»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 33)، و«17رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ،
لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ
لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 17)،
و«2عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ
بِهَا اللهُ الْمُنَّزَهُ عَنِ الْكَذِبِ،
قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،»(رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى تِيطُسَ1:
2)،
و«18حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا،
تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ
بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا،»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ6: 18).
4) تمييز الثابت الدَّائِمُ
عَنْ المتزعزع الزائل والدلالة عَلَى الثبات
وعدم التَّغَيُّر: فيمكن الاعتماد عَلَى مَا يقال إِنَّهُ حق، لأًنَّهُ لاَ يزول
ولا يتغيَّر ولا يخيّب الأمل:
«18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ
وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ»(إِنْجِيلُ مَتَّى5: 18)،
و«20لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ
النَّعَمْ وَفِيهِ الآمِينُ، لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ1: 20)،
و«9إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا
خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى1: 9).
2) معنى اللَّه حق
المقصود به هُوَ المعنيين 3و4 مِنْ
المعاني السابق ذكرها، لأَنْ اللَّه أعلن نفسه لنا بكُلّ صدق، وهُوَ أمين غَيْرُ
متغيِّر، لاَ ينقض وعده، وكلمته ثابتة دَائِماً. وهَذَا هُوَ أساس الدين والعَلْم،
وعليه نبني ثقتنا بِمَا قاله الإِنْجِيل عَنْ اللَّه وإرادته وأعماله.
أمَا التوفيق بين حـق اللَّه وعدم تحقيق
بعض مواعيده أَوْ تهديداته، فهُوَ أَنْ مواعيده وتهديداته إمَا مُطلَقة أَوْ مقيَّدة
بشروط، مثل الطاعة والإِيمَانِ والتوبة «4فَابْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ
يَوْمٍ وَاحِدٍ وَنَادَى: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَنْقَلِبُ نِينَوَى...10فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ
الرَّدِيئَةِ نَدِمَ اللَّهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ
بِهِمْ فَلَمْ يَصْنَعْهُ»(سِفْرُ يُونَانَ3: 4و10)،
و«7تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ
بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ 8فَتَرْجِعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا
فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا»(سِفْرُ إِرْمِيَا18: 7و8).
فلا بد مِنْ إجراء المواعيد المطلقة
عَلَى أَيُّ حال. أما المواعيد المقيّدة فيتوقف إجراؤها أَوْ عدمه عَلَى استيفاء
الشروط المنصوص عليها.
3- حق اللَّه ودعوته لكل
الخطاة للخلاص بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
إِنْ اللَّه يـريد أَنْ جميع الـناس
يطيعون أوامره ويعيشون عيشةً طاهرة ثم ينالون الخلاص. غَيْرُ أًنَّهُ يعلن أَنْ
ليس الجميع يتجاوبون مَعَ دعوته لهم. ولذلك فإِنْ دعوته لجميع الخطاة ناشئة عَنْ
إرادته، وهي لاَ تناقض صدقه لَمَّا يأتي:
1) التوبة والإِيمَانِ واجبان عَلَى
كُلّ إِنْسَانِ.
2) إرادة الخاطئ وحدها هِيَ الَّتِي
تمنعه مِنْ قبول دعوة اللَّه.
3) إِذَا قبل الخاطئ دعوة اللَّه ورجع
إليه، فلابد أَنْ يتمم اللَّه وعده له بالخلاص.
4) لم يعِد اللَّه أَنْ يجعل كُلّ
إِنْسَانِ مؤمناً بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
5) دعوة اللَّه للخطاة هِيَ لجميع
الناس، وليست للَّهالكين المعاندين فقط. وهي فعَّالة فِي المختارين وحدهم.
6) مات الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
كفارةً عَنْ البشر ليفتح باب الخلاص للجميع، واللَّه يدعو جميع الخطاة إِلَى
الخلاص، كَمَا يأمر الجميع بالتوبة والطاعة. ولا يستفيد مِنْ الخلاص إلا المؤمنون
المختارون.
وحق الله هُوَ إتمامه لكل مَا تكلم به،
سواء مواعيده للأبرار، أَوْ دينونته وتهديداته للأشرار. ونلاحظ أَنْ إتمام
المواعيد والتهديدات مرتبطة بشروط قد وضعها الله، ودعوة الله العمومية للجميع أَنْ يتوبوا،
ويؤمنوا، ويطيعوا. فيسمع البعض لصوت الله فينال مواعيده، وهؤلاء هم المؤمنون،
ويرفض البعض ولا يرتضون بسماع صوت الله وطاعته فينال تهديدات الله ودينونته.
وهؤلاء هم الأشرار الذين رفضوا حكمة وقداسة وعدل وجودة الله فِي الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، فصار لهم حق وهُوَ الهلاك! لذا
لاَ يستطيع أحد منهم أَنْ يقول إِنْ الله أهلكه، بل يعَلْم يقيناً أًنَّهُ صار إِلَى
الهلاك بتماديه فِي الشر باختياره، رافضاً طاعة الله، وطريقه الَّذِي أعده لهم.
إِنْ الذين يؤمنون بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هم يحسبون الله صادقاً،
حسب قول الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «31الَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيع،
وَالَّذِي مِنْ الأَرْضِ هُوَ أَرضِيُّ، وَمِنْ الأَرضِ يَتَكَلَّمُ. الَّذِي
يَأْتِي مِنْ السَّمَاء هُوَ فَوْقَ الْجَمِيع، 32وَمَّا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيُسَ أَحَدٌ
يَقْبَلُهَا. 33وَمِنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهُ
صَادِقٌ، 34لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلام
اللهِ لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3:
31-34).
وأما الذين
لاَ يؤمنون بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فإنهم يجعلون الله كاذباً، بعدم إقرارهم،
واعترافهم، باحتياجهم إِلَى الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وبتبرئه ذواتهم مِنْ
الخطية حسب قول الإِنْجِيل:
«8إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ
أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. 9إِنِ
اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا
خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلّ إِثْمٍ. 10إِنْ
قُلْنَا إِنَّنَا لَمَ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِباً، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ
فِينَا»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا
الرَّسُولِ الأُولَى1: 8-10).
إلى اللقاء في مَا هية
الله؟
حادي
عشر: اللَّه ذو مشيئة
0 التعليقات:
إرسال تعليق