الفصل الثالث
من
هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ
الله؟!
إعداد
د. القس / سامي منير اسكندر
باحث ومحاضر فِي الدين المقارن
الفصل الثالث
مَا هية الله؟
تاسعاً: الله صالح:
يقول نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ: «6فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ. وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَـطِيءُ
الْغَضَبِ وَكَـثِيرُ الإِحْسَانِ وَالـوَفَاءِ. 7حَافِظُ الْإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الْإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ
وَالْخَطِيَّةِ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ
إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي
أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ34: 6و7). (الصلاح هُوَ الجودة).
جودة الله
هِيَ إحدى صفاته الذاتية الَّتِي بها يزيد سعادة خلائقه، الْمَزَامِير تعلن ذلك: «68صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمِنْي فَرَائِضَكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور119: 68)، و«8اَلرَّبُّ حَنَّانٌ
وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. 9الرَّبُّ
صَالِحٌ لِلْكُلِّ،
وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلّ أَعْمَالِهِ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور145: 8و9).
1) معنى صلاح اللَّه:
هُوَ
مَيْل اللَّه لفعل الخير والمحبة والرحمة والنعمة. فهُوَ يفعل الخير مَعَ كُلّ
كائن حي، ويبدي المحبة لكل ذي عقلٍ فيميل إليهم ويرضى بهم عند توبتهم. ويقدم
الرحمة والنعمة للمتضايقين والمذنبين والخطاة والذين يستحقون الدينونة. وتتضمِنْ
الرحمةُ والنعمةُ الشفقةَ واللطفَ وطولَ الأناة والميل للغفران. ومحبة
اللَّه القدوس للخطاة هِيَ أعجب صفات الطبيعة الإلهية. وهدف الفداء هُوَ
أَنْ يُظهر هذه المحبة «7لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُوَرِ
الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ
يَسُوعَ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ2: 7).
ويظهر الصلاح الإلـهي للإِنْسَانِ بالمحبة والرحمة. فالمحبة
مصدر الفـداء، والرحمة تنفيذه. فكل
مِنْ يطلب نصيباً مِنْ محبة اللَّه ورحمته يَجِبُ أَنْ يطلبه بواسطة الفداء بالرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فقد عيَّن اللَّه الفداء طريقاً تصل به الحياة الرُوحٌية
وجميع بركاتها إِلَى البشر.
2) دليل صلاح اللَّه:
صلاح اللَّه لخير الجميع واضح فِي كُلّ
العَالِمٌ، فهُوَ لم يوجد شيئاً مِنْ الحياة إلا جعل له نصيباً فِي السعادة، وليس
فِي الكون مَا هُوَ لمجرد تسبيب الألم. ومَا أكثر الوسائل الَّتِي دبرها اللَّه
ليوصّل خليقته للسعادة القصوى. وقد أظهر اللَّه صلاحه لمِنْ لاَ يستحقونه لأًنَّهُ
أعدَّ لهم فداءً «16لأَنَّهُ هَكَذَا
أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ
كُلّ مِنْ يُؤْمِنْ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 16). «10فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا
نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللَّهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ
كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا»(رِّسَالَةُ يُوحَنَّا
الرَّسُولِ الأُولَى4: 10).
وصلاح الله يتضمِنْ أربعة أمور:
أ- إحسانه: وإحسان الله هُوَ أًنَّهُ يمنح كُلّ خلائقه خيراته
وإنعامه، الَّتِي هِيَ أساس سعادتها، بعد أَنْ خلقها عَلَى أحس صُورَةِ، فالخليقة
تشهد لذلك بكيفية ترتيبها، ونظامها، ونفعها، كالشمس، والقمر، والنجوم، والأنهار،
والنباتات، والحيوانات، والرياح…الخ. والإِنْجِيل يعَلْمنا أَنْ الله يجود بإحسانه
عَلَى الكل، قائلا: «45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَـاءَ أَبِيكُـمُ الَّذِي فِي
السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحينَ،
وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظُالِمينَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى5:
45).
ب
– وشفقته: هِيَ صلاحه نحو المحتاجين والمتألمين.
ج
– ورحمته: هِيَ صلاحه نحو الخطاة فِي تدبيره لهم طريق الخلاص،
وإعطائه إياهم فرصة للتوبة.
د
– ونعمته: هِيَ هبته الرُوحٌية للخطاة، فهي عطية الله لمِنْ
لاَ يستحق مجاناً.
3-
إِنْ صلاح اللَّه ظاهر فِي عمل الفداء
لَمَّا كان اللَّه برحمته ونعمته ومحبته
الفائقة قد أعدَّ الفداء لجنسنا الساقط، كان ذلك برهاناً عَلَى صلاحه غَيْرُ المَحْدُودَ،
ومِمَّا يزيد ذلك إيضاحاً الأمور الآتية:
1) شقاوة الإِنْسَانِ هِيَ نتيجة خطيته
الَّتِي يكرهها اللَّه القدوس.
2) الشقاوة الَّتِي نتخلص مِنْهَا
بالفداء عظيمة، والسعادة الَّتِي نحصل عليها به كَامِلُة وسامية وأبدية.
3) يهتم اللَّه بخلاص الإِنْسَانِ
الساقط لأًنَّهُ يُحِبُّه، ولو تركه للَّهلاك كَمَا ترك الملائكة الساقطين لكان
عادلاً فِي ذلك.
4) الإِنْسَانِ قبل تنويره وإعادته
إِلَى اللَّه عديم الشكر، يواظب عَلَى الخطية والعصيان بالرغم مِنْ رحمة اللَّه
وشفقته.
5) قدم اللَّه ابنه الحبيب للعار
والآلام وتنازل بإرسال الرُّوحِ الْقُدُسِ ليخلِّص أناساً أشقياء لاَ يستحقون
خيراً.
6) اتَّفقت حكمة اللَّه مَعَ قدرته فِي
تدبيرٍ عجيب ليوفّق بين حقه ومحبته، وبين عدله ورحمته فِي خلاص البشر. وهَذَا
يبرهن لنا صلاح اللَّه فِي عمل الفداء، وهُوَ مَا لاَ نقدر أَنْ ندركه هنا، وسنظل
نتعجب منه بدون انقطاع إِلَى الأَبَدِ. والغرض الأعظم مِنْ عمل الفداء ليس سعادة
المفديين بل قداستهم واقتداؤهم بمِنْ هُوَ قدوس بلا نِّهَايَةُ.
إِنْ
الأخبار الخاصة بصلاح الله مِنْ نحو الخطاة لاَ توجد إلا فِي الإِنْجِيل (الكتاب
المقدس) الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ الله للبشر، لهَذَا دُعي ب «الإِنْجِيل» أَيُّ «الخبر المسر». والإِنْجِيل يعلن لنا أَنْ الله ذخر كُلّ جودته فِي
الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ للخطاة، كقوله:
«14وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا،
وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنْ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً
وَحَقّاً. 15يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى قَائِلاً: « هَذَا هُوَ
الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ
كَانَ قَبْلِي».16وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنَ جَمِيعاً أَخَذْنَا. وَنِعْمَةً فَوّقَ نِعْمَة. 17لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسىَ أُعْطِيَ. أَمَّا
النِّعْمَةُ وَالحَـقَّ فَـبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا. 18اللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطَّ الاِبَنَ
الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْن الآبِ هُوَ خَبَّرَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1:
14-18).
«لِذلِكَ يَقُولُ: «8إِذْ صْعِدَ إِلَى الْعَلاءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى
النَّاسَ عَطَايَا» 9وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ
نَزَلَ أَيْضاً أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. 10الَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيضاً فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَات،
لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ4: 8-10)،
«10وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ
كُلّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي2: 10). إِنْ الخاطئ ينال نِعَم الله
المذَّخرة، بقبول حياة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فيه بواسطة الإِيمَانِ.
لا نقدر أَنْ نجزم بمقاصد اللَّه
وأغراضه بدون إرشاد الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ. ويقول كتاب اللَّه إِنْ
أعظم مَا يرغبه اللَّه لخلائقه العاقلة هُوَ قداستهم وسعادتهم. وإعطاء القداسة
المقام الأول هُوَ أقرب لرُوحٌ الإِنْجِيل لأَنْ القداسة تنشئ أعظم سعادة. فسعادة
الخلائق العاقلة هِيَ مِنْ أهداف اللَّه فِي خلقهم وعنايته بهم فِي زمِنْ الامتحان
والتأديب. ولا شك أَنْ صلاح اللَّه يظهر فِي هَذَا الدهر فِي أًنَّهُ يعطي أولاده
كُلّ مَا يحتاجونه مِنْ السعادة، وبإتمام مقاصده فيهم الَّتِي مِنْهَا:
1) إظهار مجده ببيان كمال صفاته كأب محب
وحاكم بار وديان عادل.
2) نموّهم فِي الفضائل
الأخلاقية.
3) بلوغهم أخيراً أعلى
درجة مِنْ القداسة التامة والسعادة العظمى فِي حضرته الإلهية.
إلى اللقاء في مَا هية
الله؟
عاشراً: الله حق
0 التعليقات:
إرسال تعليق