الفصل
الرابع
من
هَلْ يُعْقلُ أَن الْمَسِيحِ هُوَ الله؟!
إعداد
د. القس
/ سامي منير اسكندر
باحث
ومحاضر فِي الدين المقارن
الفصل الرابع
هَلْ
يمكن مَعْرِفَةِ الله؟
1) كتاب "عَلْم
اللاهُوَت النظامى" يقول عَنْ مَعْرِفَةِ الله يعرف الناس أَنْ الله كائن سَّرْمَدِيِّ،
ويتعلّقون به، وهم مسئولون أمامه. ويوجد فِي تِلْك المَعْرِفَةِ ثلاثة أراء هي:
ا-
المَعْرِفَةِ الغريزية: (ونَحْنُ نرجِّح هَذَا
القول).
المَعْرِفَةِ
الغريزية هِيَ صفة طبيعية فِي المخلوق العاقل، وعكسها المَعْرِفَةِ الاختبارية
المبنيّة عَلَى الاختبار، والاكتسابية أَوْ النظرية الَّتِي تحتاج للحصول عليها إِلَى
جهدٍ أَوْ فكر. سوف يأتي الحديث عنا أكثر فِي الإعلان الطبيعي لله فِي الإِنْسَانِ.
ب
) المَعْرِفَةِ النظرية، تعتمد عَلَى الاستدلال
العقلي.
إِنْ
أساس مَعْرِفَةِ الله العقلية هِيَ شَّهَادَةِ الشعور، وتتعلق قوة الدليل عَلَى وجود
شَيْءٍ بوضوح تصوِّره فِي العقل. وبِمَا أَنْ وجود إله كَامِلُ غَيْرُ مَحْدُودَ مِنْ
أوضح وأضبط مَا يتصوره العقل، كان ذلك دليلا عَلَى وجوده. والعقل يتصور كائناً كَامِلُاً،
وبِمَا أَنْ الوجود مِنْ لوازم الكمال، يلزم وجود ذلك الكائن. فالصُورَةِ الأولى
مبنية عَلَى وضوح تصوُّر الإِنْسَانِ إلهاً فِي عقله، والثانية عَلَى لزوم وجود
كائن كَامِلُ، وإلا كان غَيْرُ كَامِلُ لأًنَّهُ ناقص الوجود، دليل وجود الله
عَلَى هاتين الصورتين يؤيد ذلك.
ج
) مَعْرِفَةِ اللَّه ليست نتيجة التعليم بالتقليد
لا
ننكر أَنْ الإِنْسَانِ الأول حصل عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّه مِنْ اللَّه مباشرةً،
وتداول البشر تِلْك المَعْرِفَةِ بالتقليد جيلاً بعد آخر. غَيْرُ أَنْ الإعلان
بالوحي ضروري لتكميل معرفتنا. صحيح أَنْ الإِنْسَانِ يشعر بوجود اللَّه ويسلم بذلك
بدون نظر إِلَى التقاليد، لَكِنْ اعتقاده فِي صفات اللَّه وأعماله ينشأ عما يتعَلْمه
مِنْ أهَلْ جيله وبلاده.
2- كيف نقدر أَنْ نعرِّف اللَّه؟
إِذَا أراد البشر أَنْ يعرّفوا اللَّه
وجب أَنْ يحصروا إيمانهم فِي مَا عرفوه مِنْ صفاته. وبِمَا أننا مخلوقون عَلَى صورته
كانت الوسيلة الوحيدة لذلك هِيَ النظر لطبيعتنا وصفاتنا البشرية. وَلَكِنْ صفات
اللَّه تختلف، فهي الكمال واللانهائية الَّتِي لاَ تقبل الزيادة ولا النقصان. وعلى
ذلك نقول إِنْ اللَّه رُوحٌ ذاتٌ عاقلٌ مريدٌ، غَيْرُ مَحْدُودَ فِي كمالاته
وأزليته، وغير متغير فِي وجوده وجميع صفاته.
في البدء أَنْ الله هُوَ الكائن الَّذِي
يستطيع أَنْ يصور كائنات أخري، هُوَ كائن ذاتي لأَنْ ذاتيته تتضمِنْ الفكر والرغبة
والإرادة، وهذه الصفات الثلاث هِيَ نفس الصفات الداخلة فِي فعل «تصور الكائنات»،
لأني إِذَا صورت شيئاً مَا فيَجِبُ عليّ أولاً أَنْ أفكر فيه، ثم أرغب فِي إتمامه،
وأخيراً أَنْ استعمل إرادتي لتنفيذ رغبتي بإتمام الصُورَةِ المطلوبة.
لذا
يمكن مَعْرِفَةِ الله وصفاته مِنْ الطبيعة والضمير، غَيْرُ أَنْ هَذَا لاَ يكفي لَمَّا
نحتاج إليه. لذلك أعطانا الإِنْجِيل كَلِمَةُ الله فيه مَا يكفي لكل حاجاتنا كبشر.
وفيه أعلن لنا الله نفسه لنا واكتمال الإعلان لنا فِي الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
كَلِمَةُ الله لنا، والذي فيه أعلن لنا الآب السماوي:
«18اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ
الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا1: 18)،
«27وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلا الآبُ
وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلا الابْنُ وَمِنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ
لَهُ»(إِنْجِيلُ مَتَّى11: 27).
3- هَلْ مَعْرِفَةِ الله الْحَقِيقِيَّةُ ممكنة؟
قال
الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي الإِنْجِيل:
«3وَهَذِهِ
هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهُ الْحَقِيقِيُّ وَحْدَكَ
وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا17: 3)،
ويقول كاتب سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ:
«1اَللهُ مَعْرُوفٌ فِي يَهُوذَا. اسْمُهُ عَظِيمٌ فِي
إِسْرَائِيلَ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور76: 1).
ويقول
النبي إِشَعْيَاءَ: «9لأَنَّ الأَرْضَ
تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ11: 9)،
وأيضاً:
«12أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ
وَأَعْلَمْتُ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ43: 12).
و«17طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ
لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى16: 17).
الإِنْسَانِ
لاَ يقدر أَنْ يدرك الله ولكنه بالتأكيد يقدر أَنْ يعرفه، حيث أَنْ الله جعل هذه
المَعْرِفَةِ متاحة للجميع بواسطة إعلانه عَنْ ذاته بطرق متنوعة، ومَعْرِفَةِ الله
ليست فقط ممكنة، بـل أيضا لازمة لأَنْ كُلّ حياة البشر ومصائرهم تعتمد تمـامًا
عَلَى مضمون هذه المَعْرِفَةِ. والله لاَ يخاطب العقل البشري بهذه المَعْرِفَةِ
فحسب، إنما يتلامس بها مَعَ أعماق الإِنْسَانِ فِي رُوحٌه ووجدانه أيضاً فتثمر فيه
بحسب مشيئة الله بر وقداسة وحياة أبدية.
وَلَكِنْ
يَجِبُ أَنْ ندرك جيداً أَنْ المَعْرِفَةِ العقلية المجردة هِيَ مجرد نظريات جوفاء
لاَ حياة فِيهَا. وهَذَا يفسر حالة كثيرين ممِنْ يعرفون جيداً كَلِمَةُ الله
ولكنها ليست ذات تأثير عَلَى حياتهم الشخصية والعملية. وقد عبر الرسول يعقوب عَنْ هذه
الحقيقة بقوله إِنْ هَذَا النوع مِنْ المَعْرِفَةِ هِيَ نفسها الَّتِي عند
الشياطين. «19أَنْتَ تُؤْمِنْ أَنَّ
اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ
وَيَقْشَعِرُّونَ!»(رِّسَالَةُ يَعْقُوبُ الرَّسُولِ2:
19).
4- مَا معنى أَنْ مَعْرِفَةِ الله ممكنة؟
قـد
قال البعض: إِنْ الخالق لاَ يُعرف لأَنْ العلة الأولى بطبيعة الحال غَيْرُ
مَحْدُودَةً، فالعقل البشري المَحْدُودَ عاجز عَنْ إدراك غَيْرُ المَحْدُودَ.هَذَا
قول صحيح إِلَى حد ما، لأننا لاَ نقدر أَنْ ندرك صفات الله حق الإدراك، لأَنَّهَا أعظم
مِنْ عقل الإِنْسَانِ واللغة البشرية عاجزة عَنْ التعبير عنها، لأَنْ جميع أقوالنا
ومفردات اللغة واصطلاحاتنا فِي هَذَا الموضوع إنما تقريبية فقط. إِذَا فليس المعنى
مِنْ مَعْرِفَةِ الله:
(1) إننا نقدر أَنْ نعرف الله
مَعْرِفَةِ تامة، لأَنْ الله غَيْرُ
مَحْدُودَ وأزلي، ونَحْنُ لاَ نقدر أَنْ نعرف عَنْ الله إلا بالقدر الَّذِي تحتمله
عقولنا المَحْدُودَ.
(2) وليس المعنى أننا نقدر أَنْ
ندرك صفاته وأعماله إدراكاً تاماً،
لأَنْ هَذَا يستلزم مَعْرِفَةِ حقيقته وعلاقته بغيره. فنَحْنُ نعرف أَنْ الحي ينمو
لأننا نراه ينمو، ولكننا لاَ نعرف حقيقية النمو وكيفية حدوثه. فالله فوق إدراكنا كَمَا
قال الإِنْجِيل: «7أَإِلَى عُمْقِ
اللَّهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟»(سِفْرُ أَيُّوبَ11: 7). وعلى سبيل الإيجاب نقول إِنْ معرفتنا
بالله جزئية وناقصة، فنَحْنُ لاَ نعرف كُلّ مَا فِي الله.
وقال
هُوَبر ت. سبنسر: «الله هُوَ السبب المجهُوَل للكون، والذي لاَ يمكن إدراكه أيضاً،
وهُوَ القوة المعلنة لنا مِنْ خلال كُلّ الظواهر الكونية، وهَذَا يعني أًنَّهُ لاَ
يمكن أَنْ يوجد تعريف محدد لشخصية الله، لأننا لاَ نستطيع أَنْ نحصل عَلَى معرفته
بالمـعنى الدقيق لكَلِمَةُ المَعْرِفَةِ، وهي الاحتواء داخل عقل الإِنْسَانِ. وَلَكِنْ
يكفينا أَنْ نعَلْم ونمتلك عدة أمور عَنْ شخصية الله، ونستطيع تحديدها لأَنَّهَا قابلة
للتحديد. (دائرة المعارف الكتابية الجزء الأول، ص 375).
5- طرق ووسائل إعلان مَعْرِفَةِ الله:
أولاً: إعلان عام طبيعي.
ثانياً: إعلان الله نفسه
الخاص (بالوحي).
ثالثاً: أسماء الله.
أولاً: إعلان عام طبيعي:
متأصل
فِي الخليقة (أعمال الله الظاهرة)، موجه إِلَى كُلّ البشر، يستقبله الإِنْسَانِ
بعقله، يخاطب الإِنْسَانِ كإِنْسَانِ، يتضمِنْ دعوة للإِنْسَانِ لمَعْرِفَةِ الله
الخالق بطريقة شخصية.
الإعلان العام ينقسم إِلَى:
1) إعلان عام داخلي (فطري).
2) إعلان عام خـارجي:
أ -
الطبيعة.
ب -
أعمال العناية الإلهية.
ج - التاريخ.
وسائط طريق الإعلان العام الطبيعي:
1) إعلان طبيعي فطري داخل الإِنْسَانِ:
وهي مَعْرِفَةِ غريزة طبيعية فِي المخلوق
العاقل، وهذه عكس المَعْرِفَةِ الاختبارية المبنية علي الاختبار والاكتساب، وتحتاج
إِلَى جهد وفكر. أما المَعْرِفَةِ الغريزية فيميزها العقل دون شك فِيهَا، ولا
تحتاج إِلَى براهين تثبتها، أَوْ شهادات لتصديقها، لأَنَّهَا بديهيات ضروريات
أولية للعقل. وليس معنى ذلك أَنْ الطفل يولد قَادِرُاً عَلَى تميز الحقائق عند
ولادته، بل أَنْ لديه استعداد لذلك فِي بنيته الطبيعية، بمعنى أَنْ المَعْرِفَةِ
الغريزية الطبيعية تصدر مِنْ النفس، ولا تأتيه مِنْ الخارج. ومَعْرِفَةِ وجود الله
عميقة موجودة فِي داخل أعماق الإِنْسَانِ، بل فِي قلبه. وإليك دليلين عَلَى ذلك:
أ ) شَّهَادَةِ الإِنْجِيل
عَلَى ذلك:
«19إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ
أَظْهَرَهَا لَهُمْ 20لأَنَّ أُمُورُهُ
غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً
بِآلْمَصْنُوعَاتِ، َقُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ
بِلاَ عُذْرٍ. 21لأَنَّهُمْ لَمَّا
عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي
أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. 22وَبَيْنَمَا
هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ 23وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى
بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ
وَالزَّحَّافَاتِ. 24لِذَلِكَ
أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ
لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. 25الَّذِينَ
اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ
الْخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. 26لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ
الْهَوَانِ لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاِسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ
بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ 27وَكَذَلِكَ
الذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ آلأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ اشْتَعَلُوا
بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُوراً بِذُكُورٍ
وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. 28وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا
اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا
مَا لاَ يَلِيقُ. 29مَمْلُوئِينَ مِنْ
كُلِّ إِثْمٍ وَزِناً وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً
وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً 30نَمَّامِينَ
مُفْتَرِينَ مُبْغِضِينَ لِلَّهِ ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ
مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ 31بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ
رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ. 32الَّذِينَ
إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ
يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ
بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ!»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ1:
19-32).
«15أَيُّهَا
الرِّجَالُ لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ أَيْضاً بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ
مِثْلُكُمْ نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ الأَبَاطِيلِ إِلَى
الإِلَهِ الْحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا
فِيهَا 16الَّذِي فِي الأَجْيَالِ
الْمَاضِيَةِ تَرَكَ جَمِيعَ الْأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ، 17مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ
شَاهِدٍ، وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْراً يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً
وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ14: 15-17).
لقد
قال الإِنْجِيل إِنْ الوثنيين كأنهم لاَ يعرفون الله، غَيْرُ أَنْ المعنى المقصود مِنْ
ذلك أنهم لاَ يملكون مَعْرِفَةِ صحيحة بالله الْحَقِيقِيُّ، أَوْ أنهم ليسوا مِنْ شعبه
الخاص.
ب ) شَّهَادَةِ التاريخ:
إِنْ
الإِنْسَانِ مخلوق متدين، ذو ميول طبيعية دينية، حَتَّى أًنَّهُ لاَ يوجد شعب فِي عصر
مِنْ العصور، أَوْ مكان مَا بدون ديانة ما، ولا وجدت لغة فِي الْعَالَمِ خالية مِنْ
اسم الله، أَوْ ممِنْ هُوَ فِي مقام الله. وبِمَا أَنْ اللغة تعبر عَنْ أفكار الإِنْسَانِ
واحساساته يكون ذلك دليلاً باطنياً داخلياً علي أَنْ شعور الإِنْسَانِ بوجود الله،
عميق متأصل داخله.
وهُوَ
إعلان متأصل فِي الضمير
الإِنْسَانِي، فالإِنْجِيل يقول: «12لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ
فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ
فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ. 13لأَنْ
لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ بَلِ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ. 14لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ
النَّامُوسُ مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ فَهَؤُلاَءِ
إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ 15الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ
مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا
بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً 16فِي
الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي
بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ2:
12-16).
فكل إِنْسَانِ يعرف بغريزته أَنْ الله موجود، ويولد بهذه المَعْرِفَةِ
ويحملها فِي أعماقه حَتَّى ينضج. وهَذَا الاحتياج الفطري لله مرجعه أَنْ الإِنْسَانِ
مخلوق عَلَى صُورَةِ الله وكشبهه. ولذلك الإلحاد ليس فطرياً بل هُوَ اتجاه اختيار،
إذ لاَ يولد أحد ملحد بطبيعته ولكنه حالة مِنْ الانحراف الأدبي، تنشأ مِنْ رغبة الإِنْسَانِ
المتعمدة للهروب مِنْ الله، ولا بد أَنْ يجتاز الملحد فِي صراعات نفسية مؤلمة،
وطويلة، نتيجة محاولته المستمرة أَنْ يكـبت احتياجه الفطري لله. هذه المَعْرِفَةِ
الفطرية تتبعها مَعْرِفَةِ مكتسبة بعد النضوج العقلي للإِنْسَانِ، وهي المَعْرِفَةِ
الَّتِي يكتسبها الإِنْسَانِ نتيجة مشاهداته المستمرة لإعمال الله الظاهرة فِي الطبيعة
المحيطة به، ثم يقدر أَنْ يكتسب مَعْرِفَةِ رُوحٌية واختبارية بواسطة تعرضه لوسائط
الإعلان الخاص كَمَا سيتضح فيما بعد.
2) إعلان طبيعي خارجي: ويظهر
فِي أعمال الله الظاهرة التالية:
أ ) الطبيعة
إِنْ
الخليقة تبرهن عَلَى وجود خالق حكيم فائق القدرة الَّذِي صمم ورسم الكون وصنع كُلّ
عناصره وموجوداته مِنْ جماد وحيوان وإِنْسَانِ كَمَا وضع النواميس الطبيعية الَّتِي
تحفظها والنواميس الأدبية الَّتِي تحكم العلاقات بين الكائنات العاقلة. إِنْ كُلّ بهاء
وجمال وانسجام وانتظام ونظام تعكسه الخليقة إنما تدل عَلَى وجود خالق مبدع. وهي
الواجهة المنظورة لصانع غَيْرُ منظور. الله أعلن عَنْ ذاته مِنْ خلال أعمال الخلق
الظاهرة فِي الطبيعة والإِنْسَانِ بعقله قَادِرُ تماماً أَنْ يدرك قدرة الله ولاهُوَته
مِنْ مجرد النظر إِلَى الخليقة المادية فِي محيط
حياته. وهذه هِيَ حجة بولس الرسول لمِنْ يزعمون أًنَّهُ لاَ إله إذ يقول: «19إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ
أَظْهَرَهَا لَهُمْ 20لأَنَّ أُمُورُهُ
غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً
بِآلْمَصْنُوعَاتِ، َقُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ
بِلاَ عُذْرٍ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ1: 19و20).
لقد
أمكن لداود النبي أَنْ يَرَى الله مِنْ خلال خليقته فيقول: «1اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللَّهِ
وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. 2يَوْمٌ
إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاماً وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً. 3لاَ قَوْلَ وَلا كَلامَ. لاَ يُسْمَعُ
صَوْتُهُمْ. 4فِي كُلّ الأَرْضِ خَرَجَ
مَنْطِقُهُمْ وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ
مَسْكَناً فِيهَا»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور19:
1-4).
ب) أعمال العناية الإلهية
الله
ليس بعيداً عَنْ خليقته، بل جميع عناصرها ماثلة أمامه دَائِماً. وهي باقية بسبب
أعمال عنايته بها. إِنْ تنوع القوت لكل الكائنات الحية مِنْ أصغرها حجما إِلَى
أكبرها، وأنماط التعايش بينها والانتفاع المتبادل، وأهمية عناصر الخليقة مِنْ جماد
وحيوان وإِنْسَانِ لبَعْضُهَا البعض، دليل آخر عَلَى وجود إله محب، وراعٍ حكيم «11تَسْقِي كُلَّ حَيَوَانِ الْبَرِّ. تَكْسِرُ الْفِرَاءُ
ظَمَأَهَا. 12فَوْقَهَا طُيُورُ
السَّمَاءِ تَسْكُنُ. مِنْ بَيْنِ الأَغْصَانِ تُسَمِّعُ صَوْتاً. 13السَّاقِي الْجِبَالَ مِنْ عَلاَلِيهِ. مِنْ
ثَمَرِ أَعْمَالِكَ تَشْبَعُ الأَرْضُ. 14الْمُنْبِتُ
عُشْباً لِلْبَهَائِمِ وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ
الأَرْضِ 15وَخَمْرٍ تُفَرِّحُ قَلْبَ
الإِنْسَانِ لإِلْمَاعِ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنَ الزَّيْتِ وَخُبْزٍ يُسْنِدُ
قَلْبَ الإِنْسَانِ. 16تَشْبَعُ
أَشْجَارُ الرَّبِّ أَرْزُ لُبْنَانَ الَّذِي نَصَبَهُ. 17حَيْثُ تُعَشِّشُ هُنَاكَ الْعَصَافِيرُ. أَمَّا
اللَّقْلَقُ فَالسَّرْوُ بَيْتُهُ. 18الْجِبَالُ
الْعَالِيَةُ لِلْوُعُولِ. الصُّخُورُ مَلْجَأٌ لِلْوِبَارِ. 19صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ
تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا. 20تَجْعَلُ
ظُلْمَةً فَيَصِيرُ لَيْلٌ. فِيهِ يَدِبُّ كُلُّ حَيَوَانِ الْوَعْرِ. 21الأَشْبَالُ تُزَمْجِرُ لِتَخْطُفَ
وَلِتَلْتَمِسَ مِنَ اللهِ طَعَامَهَا. 22تُشْرِقُ
الشَّمْسُ فَتَجْتَمِعُ وَفِي مَآوِيهَا تَرْبِضُ. 23الإِنْسَانُ
يَخْرُجُ إِلَى عَمَلِهِ وَإِلَى شُغْلِهِ إِلَى الْمَسَاءِ. 24مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا
بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنَةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ. 25هَذَا الْبَحْرُ الْكَبِيرُ الْوَاسِعُ
الأَطْرَافِ. هُنَاكَ دَبَّابَاتٌ بِلاَ عَدَدٍ. صِغَارُ حَيَوَانٍ مَعَ كِبَارٍ. 26هُنَاكَ تَجْرِي السُّفُنُ. لَوِيَاثَانُ هَذَا
خَلَقْتَهُ لِيَلْعَبَ فِيهِ. 27كُلُّهَا
إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ. 28تُعْطِيهَا
فَتَلْتَقِطُ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتَشْبَعُ خَيْراً. 29تَحْجُبُ
وَجْهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا
تَعُودُ. 30تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ.
وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور104: 11-30).
وأعمال
عناية الله تشمل كُلّ الخليقة. فالإِنْجِيل يعَلْمنا أَنْ عناية الله تشمل:
1-
عالم
الجماد: فإِنْ دوران الكواكب وتعاقب الفصول، ونمو النبات ونزول المطر تُنسب لعناية
الله ومشيئته، لاَ إِلَى الصدفة.
فيقول
الإِنْجِيل: «17مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ، وَهُوَ يَفْعَلُ
خَيْراً يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً وَيَمْلأُ
قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً» (سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ14: 17)،
«45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي
فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ
وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ...»(إِنْجِيلُ
مَتَّى5: 45)؛
«30فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ
الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَداً فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللَّهُ هَكَذَا
أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدّاً يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» (إِنْجِيلُ مَتَّى6: 30).
2- عالم الحيوان: فالله هُوَ الَّذِي كوّن
أجساد الحيوانات، ويحفظ حياتها ويقدم لَهَا احتياجاتها وبيده نفس كُلّ حي ورُوحٌ
كُلّ البشر «10الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ
كُلّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلّ الْبَشَرِ»(سِفْرُ أَيُّوبَ12:
10)،
«21الأَشْبَالُ تُزَمْجِرُ لِتَخْطُفَ وَلِتَلْتَمِسَ مِنَ اللهِ طَعَامَهَا...27كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا
فِي حِينِهِ. 28تُعْطِيهَا
فَتَلْتَقِطُ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتَشْبَعُ خَيْراً»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور104: 21و27و28).
«26اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا
لاَ تَزْرَعُ وَلا تَحْصُدُ وَلا تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ وَأَبُوكُمُ
السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟»(إِنْجِيلُ مَتَّى6: 26)،
«25إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً
وَكُلَّ شَيْءٍ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 25).
3- كل أمم الأرض: فنَامُوسِ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ يقول: «7مُتَسَلِّطٌ
بِقُّوَتِهِ إِلَى الدَّهْرِ. عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ الأُمَمَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور66: 7).
«21وَهُوَ يُغَيِّرُ
الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكاً وَيُنَصِّبُ مُلُوكاً. يُعْطِي
الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْماً...أَنَّ الْعَلِيَّ
مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ وَيُعْطِيهَا مِنْ يَشَاءُ...وَهُوَ
يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ وَلا يُوجَدُ مِنْ
يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟»(سِفْرُ
دَانِيآل2: 21)؛
«25يَطْرُدُونَكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَتَكُونُ سُكْنَاكَ
مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّ وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ وَيَبُلُّونَكَ
بِنَدَى السَّمَاءِ فَتَمْضِي عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ
الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ وَيُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ
...35وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ
وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ وَلاَ
يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟»(سِفْرُ دَانِيآل4: 25و35).
4- كل أحوال الإِنْسَانِ: مِنْ وقت ولادته
ومكان سكنه، فنَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ يقول:
«6الرَّبُّ يُمِيتُ
وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. 7الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ2: 6و7).
«5أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلَهَ
سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ45:
5).
«9قَلْبُ الإِنْسَانِ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقِهِ
وَالرَّبُّ يَهْدِي خَطْوَتَهُ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ16: 9).
«6لأَنَّهُ لاَ مِنْ الْمَشْرِقِ وَلا مِنْ الْمَغْرِبِ
وَلا مِنْ بَرِّيَّةِ الْجِبَالِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ،
مَزْمُور75: 6)،
قارن
مَعَ الإِنْجِيل «26وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى
كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ
مَسْكَنِهِمْ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 26).
5- تشمل أعمال الناس الاختيارية الصالحة
والشريرة: «1لِلإِنْسَانِ تَدَابِيرُ
الْقَلْبِ وَمِنْ الرَّبِّ جَوَابُ اللِّسَانِ»(سِفْرُ
الأَمْثَالُ16: 1)،
«1قَلْبُ الْمَلِكِ فِي
يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ21: 1)،
«21وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا الشَّعْبِ فِي عُيُونِ
الْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ
فَارِغِينَ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ3: 21).
«36أَمِلْ قَلْبِي إِلَى شَهَادَاتِكَ لاَ إِلَى
الْمَكْسَبِ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور119:
36)،
«23هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ
اللَّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ
وَقَتَلْتُمُوهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ2:
23).
فعناية
الله بكُلّ خلائقه وكل أعمالهم تحفظ الإِنْسَانِ مدة غربته عَلَى الأرض مِنْ اليأس
والاضطراب والخوف.
ج ) التاريخ
كل
مِنْ يدرس تاريخ البشر يَرَى غاية مَا يدعوه للاعتقاد بوجود كائن عظيم ذي سلطان
مُطلق، يدير كُلّ أمور البشر وأعمالهم بِمَا يتفق ومشيئته، ويحقق إتمام مقاصده.
ويتضمِنْ التاريخ البشري أعظم دليل عَلَى مَعْرِفَةِ سيادة الإِلَهُ الَّذِي يجرى
مشيئته مِنْ خلال أحداث التاريخ فِي كُلّ مكان وزمان. إِنْ قيام وسقوط ملوك وأمم
إنما يُشِيرُ إِلَى يد
خفية قوية توجه وتحكم وتسيطر وترفع وتخفض الحكام وساسة الأمم. الله هُوَ مركز
التاريخ وليس الإِنْسَانِ كَمَا يزعم البعض.
إِنْ
كَلِمَةُ الله تؤكد هذه الحقيقة: «8حِينَ
قَسَمَ العَلِيُّ لِلأُمَمِ حِينَ فَرَّقَ بَنِي آدَمَ نَصَبَ تُخُوماً لِشُعُوبٍ حَسَبَ
عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيل»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة32:
8).
ويقول
أيضاً: «7وَلَكِنْ اللَّهَ هُوَ
الْقَاضِي. هَذَا يَضَعُهُ وَهَذَا يَرْفَعُهُ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور75: 7).
و«25أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ
النَّاسِ وَيُعْطِيهَا مِنْ يَشَاءُ»(سِفْرُ دَانِيآل4:
25).
ثم
يقول: «26وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ
كُلّ أُمَّةٍ مِنْ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ
بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 26).
ويقول
أيضاً: «1لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ
إِلا مِنْ اللَّهِ وَالسَّلاطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنْ اللَّهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ13:
1).
مَا
نراه فِي التاريخ البشري يدل عَلَى عناية الله الدَائِمَةً بالخليقة، خلافاً لقول
الكفرة الذين ينسبون مَا يراهم مِنْ أدلة عَلَى العناية الإلهية للحكمة البشرية، أَوْ
للصدفة، وحكمهم بأَنْ الحوادث تجري مجرى طبيعياً مستقلاً عَنْ سلطة وإدارة شخصِ ذي
مقاصد سامية. يؤيد كلامنا أيضاً أَنْ مَا نراه فِي تاريخ الْعَالَمِ مِنْ الخصام
والجدال والبحث والاختراع والعوائق والمشاكل والحروب والانقلابات والبلايا يؤول
أخير إِلَى تقدم البشر، وارتقائهم مِنْ جيل لآخر فِي التمدن والمَعْرِفَةِ والبنيان
الديني. ألا تري وجود مرشد حكيم للبشر يقودهم إِلَى النجاح.
ثانياً: إعلان الله بالوحي (الخاص):
متأصل
فِي تدبير الفداء، موجه إِلَى المؤمنين، يستقبله المؤمِنْ بالإِيمَانِ، يخاطب الإِنْسَانِ
كخاطئ، يتضمِنْ دعوة للتوبة والخلاص والحياة الفضلى الَّتِي هِيَ الحياة الأَبَدِيَّةُ.
وسائط إعلان الله الخاص
الإعلان
الخاص هُوَ افتقاد إلهي خاص للإِنْسَانِ فِي ظلمته. «2اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً
عَظِيماً. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلالِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ9: 2). إِنْ وسائط الإعلان الخاص تلقى
مزيد مِنْ النور عَلَى الذات الإلهية وبها يقدر المرء أَنْ يدنو مِنْ الله وأَنْ يعرفه
بطريقة شخصية جداً وهُوَ مَا لاَ يحققه الإعلان العام عَنْ بسبب حالة الخطية الَّتِي
أحدثت تشويشا فِي ذهن الإِنْسَانِ فلم يستطع أَنْ يَرَى الله مِنْ خلال وسائط
الإعلان العام.
ووسائط الإعلان الخاص، هي:
1- الكتاب المقدس (نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ والإِنْجِيل).
2- الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
3- الرُّوحِ الْقُدُسِ.
4- النبوات.
5- المعجزات.
6- الْكَنِيسَةِ.
7- الاختبار الشخصي.
1) الكتاب المقدس (نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ والإِنْجِيل)
الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ هُوَ كَلِمَةُ الله الحية أَيُّ الْكَلِمَةُ المتجسد وَلَكِنْ الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ هُوَ كَلِمَةُ الله المكتوبة الَّتِي أوحى بها الله برُوحٌه.
«16كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ،
وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي
فِي الْبِرِّ،..»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ3: 16). وصار هَذَا الإعلان
فِي متناول كُلّ يد وبكل الألسنة.
وعِنْدَمَا
يقرر الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أَنْ الإِنْسَانِ جَبَلَ عَلَى صُورَةِ
الله فليس بوسعنا أَنْ نضيف إِلَى هذه العبارة فكرة مِنْ رؤوسنا لتجعلها تعني «صُورَةِ
حقة لله». فلو إننا فعلنا ذلك لجعلنا الإِنْسَانِ صُورَةِ طبق الأصل مِنْ الله،
وينتهي بضياع صُورَةِ الله بالمرة. وهَذَا معناه نقض الجدار الَّذِي لاَ نهاية
لارتفاعه، والذي يفصل بين مَا هُوَ الإِلَهُ ومَا هُوَ ليس هُوَ الإله. فإِذَا مَا
فكرنا بأَنْ الخلائق تستوي مَعَ الخالق فِي الجوهر، فإننا بـذلك نسلب الله مِنْ معظم
صفاته وننزل به إِلَى مستوى المخلوق. فمثلا نَحْنُ بذلك نسلبه مِنْ صفة اللانهاية،
فلا يمكن أَنْ يوجد عنصران لاَ نهائيان فِي الكون، وكذلك نسلبه مِنْ سيادته، فلا
يمكن أَنْ يوجد كائنان حران كُلّ الحرية فِي الكون، إذ لو وجدت إرادتان مطلقتا
الحرية لاصطدمتا إِنْ عاجلا أَوْ آجلاً. هاتان الصفتان عَلَى الأقل تستلزمان أَنْ يكون هناك واحد فقط تتبعان
له.
2) الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ يمثل قمة الإعلان الإلهي. فهُوَ الله نفسه الظاهر فِي الجسد إذ
يشهد لفيلبس قائلاً: «9اَلَّذِي رَآنِي
فَقَدْ رَأَى الآبَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا14: 9).
ويشهد يُوحَنَّا عنه قائلاً: «18اَللَّهُ
لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ
خَبَّرَ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 18). ويقول كاتب
العبرانيين: «1اَللَّهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ
الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ
فِي ابْنِهِ...الَّذِي، 3وَهُوَ
بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ
قُدْرَتِهِ...»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ1:
1-3).
وبأَنْ
الله أعلن لنا ذاته فِي الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فكل مَا أُعلن فِي طبيعته
أُعلن فِي طبيعة الله، إذ قال: «30أَنَـا
وَالآبُ وَاحِدٌ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا10: 30). ونعَلْم
مِنْ طبيعة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أًنَّهُ مَعَ أَنْ الله غَيْرُ مَحْدُودَ
وغير متناه، إلا أًنَّهُ يفتكر ويعمل ويكره الخطية، ويسمع الدعاء، ويشعر
باحتياجاتنا، وإننا نقدر أَنْ نخاطبه كَمَا يخاطب الإِنْسَانِ إِنْسَانِاً آخر.
أَيُّ طبيعته مشابهة لطبيعتنا (ماعدا الخطية)، وبهَذَا نعرف بعض المَعْرِفَةِ
عَلَى قدر الطاقة البشرية. عَلَى أًنَّهُ لابد مِنْ وجود أسرار فِي طبيعته تفوق
دائرة عقولنا ومعرفتنا. «33مَا
أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنْ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنْ الاسْتِقْصَاءِ!»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ11:
33).
3 ) الرُّوحِ الْقُدُسِ
رُوحٌ
الله هُوَ رُوحٌ الإعلان «17كَيْ
يُعْطِيَكُمْ إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ
الْحِكْمَةِ وَالإِعْلانِ فِي مَعْرِفَتِهِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ1: 17). وهُوَ الَّذِي يعلن عَنْ الله
ومشيئته وحقه لرُوحٌ الإِنْسَانِ. يقول بولس الرسول «10فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ
الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. 11لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ
الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضاً أُمُورُ
اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. 12وَنَحْنُ
لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ لِنَعْرِفَ
الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ 13الَّتِي
نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ
بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ
بِالرُّوحِيَّاتِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ2: 10-13).
إِنْ
طريقتنا فِي التعليم هِيَ استعمالنا مَا نعَلْمه كجسر للعبور فوقه لنصل إِلَى مَا
لاَ نعَلْمه، وليس ممكنا للعقل أَنْ ينتقل بسرعة مفاجئة مِنْ المعروف إِلَى غَيْرُ
المعروف. وحَتَّى أكثر العقول قوة وجرأة غَيْرُ قَادِرُ عَلَى أَنْ يخلق شيئاً مِنْ
لاَ شَيْءٍ عَنْ طريق الخيال الفوري حَتَّى الكائنات العجيبة الَّتِي تسكن عالم
الأساطير والخرافات ليست مجرد نسج مِنْ الخيال، فقد نسجها الخيال عَنْ طريق
استعمال المخلوقات العادية الَّتِي تسكن الأرض والبحر والهُوَاء، وزيادة أشكالها
عَنْ حدودها، أَوْ الخلط بين اثنتين أَوْ أكثر مِنْهَا حَتَّى يستحدث شيئاُ
جديداً. ومهما كانت هذه جميلة أَوْ غريبة فمِنْ الممكن الرجوع إِلَى الأصل الَّذِي
نشأت عنه. فهي مشابهة لأشياء نعرفها.
ومحاولة
أناس الله القديسين الذين استخدمهم الوحي للتعبير عما لاَ يوصف ألقى عبئاً ثقيلاً
عَلَى الفكر واللغة فِي الإِنْجِيل. فالأَشْيَاءِ الَّتِي توصف غالباً أمور تختص
بعالم مَا فوق الطبيعة، وَلَكِنْ العقول الَّتِي كتبت هذه لأجلها هِيَ جزء مِنْ الطبيعة
ولذلك لم يكن أمام الكتاب إلا استخدام الكثير مِنْ كلمات (الشبه) لكي يوضحوا مَا أرادوه.
وعِنْدَمَا
يريد الرُّوحِ الْقُدُسِ أَنْ يعرفنا عَلَى شَيْءٍ خارج نطاق إدراكنا فإِنَّهُ يخبرنا
أَنْ هَذَا الشيء يشبه شيئاً نعرفه فعلاً، ولكنه حريص دَائِماً فِي وصفه حَتَّى
لاَ نقع عبيداً للحرفية. فمثلاً عِنْدَمَا رأى حِزْقِيَال النبي السماوات مفتوحة
ورأى رؤى الله، وجد نفسه ينظر إِلَى أشياء لاَ "كلام"، يستطيع الكلام أَنْ
يعبر عنها. فما كان يُبصره كان يختلف تماماً عما قد عرفه مِنْ قبل ولذلك فقد لجأ إِلَى
لغة الشبه: «13أَمَّا شِبْهُ
الْحَيَوَانَاتِ فَمَنْظَرُهَا كَجَمْرِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ كَمَنْظَرِ مَصَابِيحَ
هِيَ سَالِكَةٌ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ. وَلِلنَّارِ لَمَعَانٌ وَمِنْ النَّارِ
كَانَ يَخْرُجُ بَرْقٌ»(سِفْرُ حِزْقِيَال1: 13).
وكُلَّمَا
اقترب مِنْ العرش المتقد كُلَّمَا أصبحت كلماته أقل تأكيداً وجزماً «26وَفَوْقَ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا
شِبْهُ عَرْشٍ كَمَنْظَرِ حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ وَعَلَى شِبْهِ الْعَرْشِ
شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانِ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ. 27وَرَأَيْتُ
مِثْلَ مَنْظَرِ النُّحَاسِ اللامِعِ كَمَنْظَرِ نَارٍ دَاخِلَهُ مِنْ حَوْلِهِ مِنْ
مَنْظَرِ حَقَوَيْهِ إِلَى فَوْقُ وَمِنْ مَنْظَرِ حَقَوَيْهِ إِلَى تَحْتُ. 28رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ نَارٍ وَلَهَا
لَمَعَانٌ مِنْ حَوْلِهَا كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ يَوْمَ
مَطَرٍ. هَكَذَا مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ مِنْ حَوْلِهِ. هَذَا مَنْظَرُ شِبْهِ
مَجْدِ الرَّبِّ»(سِفْرُ حِزْقِيَال1: 26-28).
ومَعَ
غرابة هذه اللغة إلا أَنَّهَا تعطي انطباعاً بأَنَّهَا تُعبّر عما ليس هُوَ حقيقة،
فالمرء يستطيع أَنْ يفهم بأَنْ المشهد كله ْحَقِيقِيُّ تمامًا ولكنه غريب تمامًا
عَنْ كُلّ مَا يعرفه سكان البسيطة. ولذلك وجد النبي لزاما عليه أَنْ يستعمل كلمات
مثل (شبه) و(منظر) وحرف التشبيه(كــ) و(منظر شبه)، وحتى العرش قال عنه (شبه
العرش)، والجالس عليه، مَعَ أًنَّهُ كإِنْسَانِ، إلا أًنَّهُ يختلف عَنْ الإِنْسَانِ
لدرجة أًنَّهُ يوصف بأًنَّهُ (شبه كمنظر إِنْسَانِ).
4- النبوات
إِنْ
فِي إعلان الله لأحداث مستقبلية مِنْ خلال أنبيائه دليل عَلَى وجوده وقدرته وعَلْمه
اللامَحْدُودَ. لقد تنبأ الأنبياء بسقوط أمم وبعد سنوات مِنْ النطق بالنبوات نراها
تتحقق فِي التاريخ بكُلّ دقة مثل:
سقوط أشور (سِفْرُ حِزْقِيَال31)،
وبابل (سِفْرُ إِرْمِيَا50-51)، (سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ47-48)،
ومصر (سِفْرُ حِزْقِيَال30-31)،
والإمبراطورية اليونانية
(سِفْرُ دَانِيآل8).
كَمَا
أَنْ تحقق النبوات عَنْ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّتِي نطق بها أنبياء
عديدين دليل أخر يبرهن عَلَى وجود الله ويشهد عنه التاريخ.
5 ) المعجزات
المعجزة
عـمل خارق لقوانين الطبيعة بها يظهر الله ذاته للإِنْسَانِ. وتـاريخ الإِنْسَانِ
حافل بمثل هذه الأعمال الَّتِي مِنْهَا:
الضربات العشر عَلَى مصر
(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ4-12)،
وانشقاق البحر الأحمر
(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ14-15)،
ونهر الأردن (سِفْرُ يَشُوع4-5)
وسقوط
المِنْ مِنْ السماء وانفجار المياه مِنْ الصخرة(سِفْرُ
اَلْخُرُوجُ16-17)
…وبقية
معجزات نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. ثم جاءت معجزات الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي الإِنْجِيل ليوضح لنا أَنْ كُلّ
مَا عمله هُوَ مِنْ أخص خصوصيات الله.
6 ) الْكَنِيسَةِ
الْكَنِيسَةِ
هِيَ جماعة المؤمنين وجسد الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وامتداد لعمله ورسالته
عَلَى الأرض. وهي بذلك البوق الَّذِي يعلن عَنْ الله وسط هَذَا الْعَالَمِ. وهي
تجسيد لملكوت الله ومبادئ الحياة بموجب الحق الإلهي والإرادة الإلهية. ولها سلطان
الله وقوته وأعمال صلاحه لكل البشرية المتألمة.
7 ) الاختبار الشخصي
إِنْ
القصد مِنْ الإعلان الإلهي هُوَ أَنْ يعرف الإِنْسَانِ الله عَلَى نحو شخصي
وبطريقة اختباريه. ولقد اختبر كثيرين هذه المَعْرِفَةِ الَّتِي غيرت حياتهم وحياة
آخرين حولهم. إِنْ الإعلان المدون فِي أسفار العهدين القديم والجديد هُوَ فِي الواقع
ثمر اختبار شخصي لقديسين عبر التاريخ الكتابي. وكل منهم اختبر الله فِي حياته بطرق
متنوعة.
فمِنْ حديثنا السابق
عَنْ وسائط الإعلان العام والخاص نرى كيف أَنْ الله يعلن عَنْ نفسه ابتداء مِنْ الفطرة
البشرية فِي عمق طبيعتها ثم مخاطبًا العقل بأعماله الطبيعية الظاهرة ثم الرُوحٌ بأعماله
فوق الطبيعية مِنْ خلال وسائط الإعلان الخاص. ويضاف إِلَى ذلك حقيقة هامة هِيَ
أَنْ دوائر الإعلان هذه لَهَا صوت واحد ودلائل ثابتة عَلَى وجود الذات الإلهية،
فلا تناقض بينها ولا تنافر بل إِنْ المَعْرِفَةِ العقلية تعزز وتؤكد المَعْرِفَةِ
الفطرية البسيطة والمَعْرِفَةِ الرُوحٌية الاختبارية تعزز وتؤكد مَا نعرفه بالفطرة
والعقل. لذلك بات وجود الله حقيقة بديهية لاَ يحاول الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أَنْ يبرهن عليها أَوْ يثبتها، إنما يكتفي
بإعلانها مِنْ أول جملة إعلانية فيه «1فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ1: 1).
إلى اللقاء في
الفصل الخامس
هَلْ هناك فرق بين مَعْرِفَةِ الله والمَعْرِفَةِ عَنْ الله؟
للمزيد :
1)
للرد على ما هي تصوراتنا عن الله؟ شاهد
أفكارنا عن الله القس سامي اسكندر
ت: 01112385575 - 01012003985
ت: 01112385575 - 01012003985
Email: Pastor_samy@yahoo.com
http://youtu.be/70WnavaaVEQ
0 التعليقات:
إرسال تعليق