لوسيفر
وتمرُّد الْمَلاَئِكَةُ
الجزء
الأول
إعداد
د. القس
سامي منير اسكندر
قليلون يدركون الدور الذي تؤدّيه الْمَلاَئِكَةُ
على مسرح الأحداث الإِنْسَانُية. ولكن لنا في سِفْرُ دَانِيآلُ ما يكشف بشكل
دراميّ عن ذلك الصراع المرير الدائر كل حين بين الْمَلاَئِكَةُ الأطهار المُخلصين
لله ومَلاَئِكَةُ الظلمة أعوان الشَّيْطَانُ «11وَقَالَ لِي: «يَا دَانِيآلُ أَيُّهَا الرَّجُلُ
الْمَحْبُوبُ افْهَمِ الْكَلاَمَ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ وَقُمْ عَلَى مَقَامِكَ
لأَنِّي الآنَ أُرْسِلْتُ إِلَيْكَ». وَلَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي بِهَذَا الْكَلاَمِ
قُمْتُ مُرْتَعِداً. 12فَقَالَ لِي:
«لاَ تَخَفْ يَا دَانِيآلُ لأَنَّهُ مِنَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ الَّذِي فِيهِ
جَعَلْتَ قَلْبَكَ لِلْفَهْمِ وَلِإِذْلاَلِ نَفْسِكَ قُدَّامَ إِلَهِكَ سُمِعَ
كَلاَمُكَ وَأَنَا أَتَيْتُ لأَجْلِ كَلاَمِكَ. 13وَرَئِيسُ
مَمْلَكَةِ فَارِسَ وَقَفَ مُقَابِلِي وَاحِداً وَعِشْرِينَ يَوْماً وَهُوَذَا
مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ الأَوَّلِينَ جَاءَ لِإِعَانَتِي وَأَنَا
أُبْقِيتُ هُنَاكَ عِنْدَ مُلُوكِ فَارِسَ. 14وَجِئْتُ
لِأُفْهِمَكَ مَا يُصِيبُ شَعْبَكَ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ لأَنَّ الرُّؤْيَا
إِلَى أَيَّامٍ بَعْدُ»(سِفْرُ
دَانِيآل10: 11-14).
هذا الشَّيْطَانُ، أو إِبْلَيْسَ، كان
يُدعى «لوسيفر» أو «زُهرة» (نجمة بنت الصبح). والمرجّح أن لوسيفر-أي إِبْلَيْسَ-
كان مثل ميخائيل رئيس مَلاَئِكَةُ، لكنه طُرد من السَّمَاءِ مع ملائكته
المتمرّدين، وما يزال يواصل تمرّده وأعماله المناوئة لله. يبدو أحياناً كأن الشَّيْطَانُ
سيربح الْحَرْبِ، إذ ينتصر في بعض المعارك الهامّة، غير أنّ نهايته محتومة. فلَسوف
يجيء يوم الآن من سلطةٍ وقوة، يومذاك يدحر الله قوات الظلمة دحراً تامّاً لا قيام
لها بعده.
يخطر ببال كثيرين هذا السؤال: «كيف
يحدث صراعٌ كهذا في عالم خلقه الله كاملاً؟» يذكر بولس الرسول هذا الصراع فيسمّيه «سرّ
الإثم» «7لأَنَّ
سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ
الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلُى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي2: 7). وفيما لا نملك جميع المعلومات
التي نودّ معرفتها، نعرف شيئاً مؤكّداً، وهو أنّ الْمَلاَئِكَةُ الذين سقطوا، أي إِبْلَيْسَ
وملائكته، سقطوا لأنهم أخطئوا إلى الله. فقد جاء في «4لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى
مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي
جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ،»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ2: 4). وإذا راجعنا الآية المشابهة «6وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا
رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ
الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ»(رِّسَالَةُ يَهُوذَا الرَّسُولِ آية 6)، نجد أنّ عبء المسؤولية يقع مباشرة على عاتق الْمَلاَئِكَةُ
أنفسهم. فيتّضح من هذا أنّ أولئك الْمَلاَئِكَةُ فعلوا ما فعلوا تلقائياً دون
تحريض من أحد.
نعم، إنّ أعظم كارثة وقعت في تاريخ
خليقة الكون كانت يوم تحدّى لوسيفر الله، ونتيجة لذلك سقط هو والْمَلاَئِكَةُ
الذين انضمّوا إليه في عصيانه وشرّه.
متى حدث هذا؟ في زمان ما، بين فجر
الخليقة ودخول الشَّيْطَانُ جنّة عدن حيث أغوى الإِنْسَانُ. يتصوّر الشاعر دانتي (Dante) أن سقوط الْمَلاَئِكَةُ الأشرار حدث
بعد أن خلقهم الله بعشرين ثانية، وأنّ كل ذلك كان لأنّ لوسيفر تكبّر وأبى أن ينتظر
ريثما يحصل على المعرفة الكاملة. أمّا آخرون أمثال الشاعر ملتون (Milton)،
فيذهبون
إلى أنّ الله خلق الْمَلاَئِكَةُ ثمّ سقطت الفئة الشرّيرة منهم قُبيل تجربة آدم
وحوّاء في جنة عدن.
ليس السؤال الهامّ الآن «متى خلق الله
الْمَلاَئِكَةُ؟» بل «متى سقطوا؟» يستصعب بعضهم القول إنّهم سقطوا قبل أن وضع الله
آدم وحواء في الجنة. لأننا نعلم أن الله عند ذاك كان قد استراح من عمله وقال إن كل
شيء كان حسناً. وهذا، استنتاجاً، يعني أن جانب الْمَلاَئِكَةُ من الخليقة كان
حسناً أيضاً. لم يكن آنذاك ما يدل على حدوث أي سقوط. سؤال آخر: كما مرّ على آدم
وحواء في الجنة قبل دخول الشَّيْطَانُ الجنة لتجربة حواء؟ إن هذا السؤال سيبقى بلا
إجابة، فكل ما نستطيع قوله هو أن الشَّيْطَانُ سقط أوّلاً قبل إقدامه على تجربة
حواء، فكان وسيلة غواية الإِنْسَانُ وسقوطه. والشَّيْطَانُ يتحمّل الذنب الأعظم
لأنه سقط تلقائياً ولم يكن من يجرّبه ويغويه، أمّا آدم وحوّاء فسقطا نتيجة لتجربة
المجرّب.
لنبدأ إذاً بالقصة من أوّلها. لقد كان
إِبْلَيْسَ أذكى وأجمل المخلوقات التي خلقها الله في السَّمَاءِ. ربّما كان لوسيفر
هو الرئيس الحاكم على الكون كلّه تحت رئاسة الله الذي عليه تمرّد وثار. وكانت
النتيجة انتشار الثورة ونشوب الْحَرْبِ في السَّمَاءِ. وقد شنّ الشَّيْطَانُ حرباً
ما تزال نارها مستعرة إلى الآن منذ اللحظة التي أخطأ فيها ونزل إلى الأَرْضِ
ليحاول إسقاط الإِنْسَانُ بُعَيْد فجر التاريخ الإِنْسَانُي. يا لها من أزمة كونية
رهيبة.
يدوّن إِشَعْيَاءَ «12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ
الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى
السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى
جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. 14أَصْعَدُ
فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ14: 12-14)، بداية ذلك الصراع فإنّ
لوسيفر، وكان ملاك نور، كان قبل عصيان يتلألأ بهاءً، وقد وصفه نَامُوسِ
مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ بالقول: «14أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ.
وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللَّهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ
النَّارِ تَمَشَّيْتَ. 15أَنْتَ
كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ. 16بِكَثْرَةِ تِجَارَتِكَ مَلأُوا جَوْفَكَ
ظُلْماً فَأَخْطَأْتَ. فَأَطْرَحُكَ مِنْ جَبَلِ اللَّهِ وَأُبِيدُكَ أَيُّهَا
الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. 17قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ.
أَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَ لأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إِلَى الأَرْضِ
وَأَجْعَلُكَ أَمَامَ الْمُلُوكِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْكَ. 18قَدْ نَجَّسْتَ مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ
بِظُلْمِ تِجَارَتِكَ, فَأُخْرِجُ نَاراً مِنْ وَسَطِكَ فَتَأْكُلُكَ,
وَأُصَيِّرُكَ رَمَاداً عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ يَرَاكَ»(سِفْرُ حِزْقِيَال28: 14-18). ويوم تمرّد الملاك لوسيفر على
الله وأعماله انضمّ إليه في تمرّده نحو ثلث الجند الْمَلاَئِكَةُ على حدّ تقدير
بعضهم. وهكذا نرى الْحَرْبِ التي ابتدأت في السَّمَاءِ وقد امتدّت إلى الأَرْضِ
وما تزال دائرة، وستبلغ ذروتها في هر مجدّون حيث تكون النصرة الكاملة للمسيح
فيندحر إذ ذاك إِبْلَيْسَ وملائكته نهائيّاً.
Ø
التمرّد في السَّمَاءِ
كان بولس الرسول يدرك واقع حركة
التمرّد التي جرت في السماوات وقد تكلّم عنها وكان يعنيها عند قوله عن لوسيفر،
حامل النور سابقاً والشَّيْطَانُ الآن، إنه
«2الَّتِي
سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هَذَا
الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ
الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ2: 2). ويقول أيضاً إننا إذ نحارب مملكة
الظلمة الشَّيْطَانُية، فإنّما نصارع «12فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ،
بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى
ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي
السَّمَاوِيَّاتِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ6: 12).
يوصف كل فجور وإثم بأنه تمرّد الإِنْسَانُ
على الله أو قيامه بما تمليه الإرادة الذاتية العاصية عوضاً عن المشيئة الإلهية
الصالحة. وهذا يصحّ على الإِنْسَانُ في عصيانهم الآن كما صحّ قديماً على الْمَلاَئِكَةُ
الذين ارتكبوا العصيان.
Ø
الأنانية والعصيان
خلق الله لوسيفر، زُهرة بنت الصبح،
كما خلق سائر الْمَلاَئِكَةُ، لكي يكونوا لمجده. لكن لوسيفر، بدل أن يخدم الله
ويسبّحه إلى الأبد، اشتهى أن يسيطر على السَّمَاءِ والخليقة فيحلّ محلّ الله. إنّه
طمع في إحراز السلطان الأعظم. فقد جاء في أشعياء14 أن ذلك الملاك العظيم قال: «اصعد إلى السماوات». «ارفع كرسيّ فوق كواكب
الله». «اجلس على جبل الاجتماع». «اصعد فوق مرتفعات السحاب». «أصير مثل العليّ».
فالفاعل، في جميع هذه الأفعال، هو الضمير «أنا».
لم يكتف لوسيفر بمركزه تحت سلطان
خالقه بل رغب في اغتصاب عرش الله. لقد تهلّل لفكرة صيرورته صاحب السلطة في كل
الكون. اشتهى أن يكون قيصراً أو نابليوناً أو هلتراً على الكون كله. والثابت أنّ
روح «أنا» هي روح العصيان. وهكذا تجاسر إِبْلَيْسَ على الله العليّ وحاول إنزاله
تعالى عن عرشه. فهو ماكرٌ شرّير، انه يتمتّع بقوة ومجد، فطمع في أن يصير معبوداً
بدل أن يظلّ عابداً.
إن رغبة الشَّيْطَانُ في الحلول محل
الله بالسيطرة على الكون تعود إلى خطية أساسية تؤدي إلى الكبرياء كما سبق أن ذكرت.
إن خلف كبرياء الشَّيْطَانُ تختفي أشرْ الخطايا، وهي خطية الشهوة. إذ أنه اشتهى ما
ليس له. هذه الشهوة نفسها هي تقريبا سبب كل حرب نشبت في التاريخ. والْحَرْبِ
الناشبة الآن في السَّمَاءِ والأَرْضِ بين الله والشَّيْطَانُ كان سببها الشهوة
–شهوة الشَّيْطَانُ للحصول على ما يخص الله وحده.
في هذا الزمن، كما في كل زمن مضى، لا
يقدر أحد أن يخطئ وحده. ذلك أن خطيته تؤثر في الآخرين. فتأثير الْخَطِيَّة تأثير
وبائي سريع الانتشار. وإذ يتكلم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عن «التنين
وملائكته»(رؤيا12: 7)، يبين أن ربوات منهم شاركوا لوسيفر في إنكار سلطان الله
عليهم فخسروا في النتيجة مكانتهم الرفيعة. فقد اختاروا أن يعملوا بمقتضى «خطة لوسيفر الْحَرْبِية». ونتيجة لسقوط أولئك الْمَلاَئِكَةُ
طرحهم الله «4لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى
مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ
الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ
مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ،»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ2: 4)، وتقرر مصيرهم «41ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ:
اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ
لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،»(إِنْجِيلُ
مَتَّى25: 41). لكنهم، إلى أن يحين وقت عقابهم الأبدي، سيبقون قوة
عظيمة- قادرة على إحداث الاضطراب وإيقاع الدمار والخراب بالأفراد والعائلات
والشعوب. احترس، فأولئك الْمَلاَئِكَةُ الساقطون خطرون شرسون قاتلون، يريدون أن
يضعوك تحت سيطرتهم، وفي سبيل ذلك يبذلون كل جهد ويدفعون أغلى الأثمان.
صمّم الشَّيْطَانُ، الأمير السماوي
الساقط، أن يحارب الله محاربة لا هوادة فيها ولا مهادنة. فهو الماكر الأكبر الذي
ما برح منذ سقوطه يحوك المكايد لإيقاع بني الإِنْسَانُ وتدميرهم على المدى البعيد.
لقد عملت فيه روح الأنانية مدفوعة بالكراهية لله فسطّرت قصّتها المفجعة في تاريخ الإِنْسَانُية.
والشَّيْطَانُ، في محاربته لله، يسخّر الإِنْسَانُ الذي خلقهم الله وأحبّهم. وهكذا
يشتبك الله وجنده الأطهار مع الشَّيْطَانُ وأعوانه الأشرار في صراع قتّال منذ فجر
تاريخنا. ولكم تدعو الحاجة لأن يفهم قادة العالم وسياسيّوه هذا الصراع على حقيقته،
وإلّا ظلّوا قادةً عمياناً لشعوب عمياء. فكلّ ما يفعله السياسيون الآن هو أنهم
يرقّعون الثوب برقعة هنا ورقعة هناك، ولن يوجد الحلّ لأعظم مشاكل العالم حتى تضع الْحَرْبِ
الروحية أوزارها. أن هذا سيتمّ بعد انتهاء آخر معارك التاريخ-معركة هر مجدّون.
عندئذٍ يكون النصر للمسيح وجنده الْمَلاَئِكَةُ السائرين تحت لوائه.
Ø
نظرة إلى الماضي
والحاضر والمستقبل
سقط لوسيفر، حامل النور، فأمسى هو الشَّيْطَانُ
أي إِبْلَيْسَ، مُنشئ الْخَطِيَّة، هذه الْخَطِيَّة التي كانت وما تزال تؤثّر في
كل ما تصل إليه. فتخدع وتُزعج وتخون وتُفسد وتُتلف.
أمّا لمعركة الدهور هذه من نهاية؟ هذه
الْحَرْبِ التي شنّها لوسيفر على الله وما يزال يخوضها فوق الأَرْضِ-متى تضع
أوزارها؟
وليست هذه الْحَرْبِ ناشبة على الأَرْضِ
وحسب، بل إنّ نارها تستعر في السَّمَاءِ أيضاً: «7وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ
وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ. وَحَارَبَ التِّنِّينُ
وَمَلاَئِكَتُهُ 8وَلَمْ يَقْوُوا،
فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ. 9فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ
الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانُ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ
كُلَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ»(سِفْرُ رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ12: 7-9).
نلحظ آثار الشَّيْطَانُ وملائكته،
الأرواح الشريرة، في الخلافات التي يثيرونها، والحروب التي يشعلونها، والبغضاء
التي ينشرونها، والمذابح التي يفتعلونها، والعصيان الذي يوجدونه ضد الله ووصاياه.
فهم عملاء الفتك والدمار المُخلصون. أمّا الْمَلاَئِكَةُ الأبرار فيطيعون خالقهم.
لا يسمع أحد نغمة نشاز البتة بين مَلاَئِكَةُ السَّمَاءِ. فكلّهم ملتزمون تنفيذ
القصد الإلهيّ وبلوغ الهدف الذي من أجله يصلّي أولاد الله الحقيقيّون: «10لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ
كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى6:
10).
إذ يتكلم الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ
الْمَكْتُوبُ عن إِبْلَيْسَ وملائكته الساقطين يقول: «6وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا
رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ
الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ»(رِّسَالَةُ يَهُوذَا الرَّسُولِ آية 6). لقد اقترفوا خطيّتين عُظمَييْن: الكبرياء والطمع. وطالما
كانت خطية الكبرياء، على نحو خاصّ هي السبب في سقوط الكثيرين من الناس. فإذا كانت هذه
الْخَطِيَّة قد استطاعت أن تحطّ لوسيفر وتُسقطه من السَّمَاءِ، فلا عجب إذا
استطاعت أن تُسقط الإِنْسَانُ الفاني أيضاً. لنحترس إذاً من الكبرياء ولنحذر،
لئلّا نكون أمثال لوسيفر وملائكته الذين صيّرتهم الكبرياء أبالسة وأرواحاً شريرة.
ألا يُعقل أن يكون الله قد أراد
بحكمته أن يكون الناس على بيّنة من أمر الشَّيْطَانُ وأرواحه الشريرة بحيث لا يشكّ
أحد في حقيقة وجودهم؟ قد يكون هذا قصده تعالى عندما أعلان الله لحِزْقِيَال فكتب
الأصحاح الثامن والعشرين من سِفْرُه، حيث يصوّر لنا مثيلاً للشَّيْطَانُ على
الصعيد الأَرْضِي، فيتكلّم عن ملك صور بوصفه مثيلاً بشريّاً للشَّيْطَانُ. إذ يتضح
من كلمات ذلك الأصحاح أنّ ملك صور أمسى شيطاناً مجسّماً وصورة أرضية للملاك لوسيفر
الذي تكبّر وأخطأ فصار هو إِبْلَيْسَ.
إلى
اللقاء في الجزء الثاني من
لوسيفر
وتمرُّد الْمَلاَئِكَةُ
0 التعليقات:
إرسال تعليق