حياة شَاوُلُ الأرهابي
الرَّسُولِ بُولُسَ
الأرهابي الذي آمن بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
إعداد
د. القس
سامي منير اسكندر
الجزء
الثاني
ü عبراني
من العبرانيين:
لكى تفهم الرَّسُولِ بُولُسَ جيداً يجب أن الرجوع إلى حياته الأولى فى
الديانة اليهودية، إلى موضعه فيها وموقفه منها، ثم إلى نشاطه واختباره فى ديانة
آبائه.
فالرَّسُولِ بُولُسَ يصرح بكل جلاء بأنه يهودي عبراني، وافر
الغيرة فى تقاليد الآباء، فقد كان فريسياً لا يبزه أحد فى فريسته «3أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ
وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ
عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا
أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ22:
3)، «22أَهُمْ عِبْرَانِيُّونَ؟
فَأَنَا أَيْضاً. أَهُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ؟ فَأَنَا أَيْضاً. أَهُمْ نَسْلُ
إِبْرَاهِيمَ؟ فَأَنَا أَيْضاً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ11: 22)، و«5مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ
الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ
الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي3: 5)، مميزات العِبْرَانِيٌّ:
من أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيَّ «13فَأَتَى مَنْ نَجَا وَأَخْبَرَ أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيَّ.
وَكَانَ سَاكِناً عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الأَمُورِيِّ أَخِي أَشْكُولَ
وَأَخِي عَانِرَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ14: 13).
لهم أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ من الله: «15لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ.
وَهُنَا أَيْضاً لَمْ أَفْعَلْ شَيْئاً حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ40:
15).
لا يكذب
حتي في السجن «مَعَنَا غُلاَمٌ عِبْرَانِيٌّ» «12وَكَانَ هُنَاكَ مَعَنَا غُلاَمٌ عِبْرَانِيٌّ عَبْدٌ لِرَئِيسِ
الشُّرَطِ فَقَصَصْنَا عَلَيْهِ فَعَبَّرَ لَنَا حُلْمَيْنَا. عَبَّرَ لِكُلِّ
وَاحِدٍ بِحَسَبِ حُلْمِهِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ41: 12).
صَوْتَ الْهُتَافِ فِي مَحَلَّةِ الْعِبْرَانِيِّينَ «6فَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ صَوْتَ الْهُتَافِ
فَقَالُوا: «مَا هُوَ صَوْتُ
هَذَا الْهُتَافِ الْعَظِيمِ فِي مَحَلَّةِ الْعِبْرَانِيِّينَ؟»
وَعَلِمُوا أَنَّ تَابُوتَ الرَّبِّ جَاءَ إِلَى الْمَحَلَّةِ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ4:
6).
خَائِفٌ مِنَ الرَّبِّ إِلَهِ السَّمَاءِ «9فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا عِبْرَانِيٌّ وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ الرَّبِّ إِلَهِ
السَّمَاءِ الَّذِي صَنَعَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ»(سِفْرُ يُونَانَ1:
9).
وقد يشك البعض فى ذلك على أساس ظروف نشأته
فى طرسوس والمواقف التي عبر عنها فى رسائله والتي تدل على أن بُولُسَ كان يقف فى
الجانب المتسامح من اليهودية. وفى الحقيقة ليس هذا الأمر بذي أهمية كبيرة فى ذاته،
لأن الله قادر على أن يتمم أغراضه مهما كانت خلفية الإِنسان الذى يختاره.
وبينما كان البعض يرون فى الرَّسُولِ بُولُسَ يونانياً من
اليونانيين، إلا أن الكثيرين الآن قد بدأ وفى النظر إلى عبرانيته بأكثر جدية.
فالتمييز القديم بين اليهودي فى أرض اليهودية، واليهودي فى الشتات، باعتبار الأول
أصح فى عقيدته، لم يكن فى محله دائماً، حيث أن سلامة العقيدة اليهودية لم تتوقف
كثيراً على التوزيع الجغرافي، مثلما على المناخ العقلي سواء فى الوطن أو فى
الشتات. وإدراك بُولُسَ لوحدة الناموس، ولعجز الإِنسان عن حفظ الناموس، يمكن أن
نجد له مثيلاً فى بعض الكتابات اليهودية فى عصره. وإلحاحه فى الحديث عن عجز
الإِنسان كالخلفية التي يظهر أمامها سمو رحمة الله ونعمته، يظهر بشدة في تعليم بعض
معلمين الربيين.
ولعل سلامة عقيدة الرَّسُولِ بُولُسَ لا تظهر أكثر مما
فى موقفه من الأسفار المقدسة، حيث كان من عادته أن يستند في أقواله إلى التعاليم
القديمة الأصيلة، وليس إلى تفسيرات معاصريه، حتى فى كرازته للأمم وتعليمه بالاتحاد
الشخصى الكامل مع الله في الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ - رغم أختلافه إلى حد ما،
في مداه ومحتواه عن اليهودية كان قريب الشبه بالتعبيرات الرفيعة الموجودة فى
التلمود. وكلما يتعمق الإِنسان فى فكر الرَّسُولِ (مع الأخذ فى الاعتبار ما أحدثته
قيامة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ من مفاهيم جديدة)، يجد أن أقوال بُولُسَ ومزاجه
العقلي وأساليب تعبيره، لها جذورها العميقة فى أنبل صور الفريسية اليهودية قبل
خراب أورشليم.
وليس معنى هذا أن ننكر وجود أفكار وتعبيرات
يونانية فى كتاباته. ومع عدم ظهور أي أثر عميق للفلسفة اليونانية في تفكيره، إلا
أنه استطاع أن:
1) يطوَّع لغتها الدينية ويستخدمها في شرح
الحق المسيحي:
«15اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ،
بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16فَإِنَّهُ
فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى
وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ
سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. 17اَلَّذِي
هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ 18وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ
الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي
كُلِّ شَيْءٍ. 19لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ
انْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، 20وَأَنْ
يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ،
بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الأَرْضِ أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي1: 15-20).
2) يستشهد بأقوال بعض كتاَّبها:
«28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا
قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 28)، «33لاَ
تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ
الْجَيِّدَةَ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ15: 33)، «12قَالَ
وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ: «الْكِرِيتِيُّونَ دَائِماً
كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ. بُطُونٌ بَطَّالَةٌ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى تِيطُسَ1: 12).
3) يناقش الأمور الخاص بالله بنفس أسولبهم
«19إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ
أَظْهَرَهَا لَهُمْ 20لأَنَّ أُمُورُهُ
غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً
بِآلْمَصْنُوعَاتِ، َقُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ
بِلاَ عُذْرٍ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ1: 19و20)،
«14لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ
لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي
النَّامُوسِ فَهَؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ
لأَنْفُسِهِمِ 15الَّذِينَ يُظْهِرُونَ
عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ
وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ2: 14و15).
4) يستخدم أسلوبهم في النقد اللاذع كما في:
«»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
رُومِيَةَ2: 1إلى رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ3: 20)،
إرجع
https://shamsmesr.blogspot.com.eg/2017/06/blog-post_3.html
https://shamsmesr.blogspot.com.eg/2017/06/blog-post_70.html
«»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
رُومِيَةَ9: 1 إلى رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ11: 36).
إرجع:
https://shamsmesr.blogspot.com.eg/2017/06/blog-post_13.html
https://shamsmesr.blogspot.com.eg/2017/06/blog-post_38.html
https://shamsmesr.blogspot.com.eg/2017/06/blog-post_44.html
وهذه أشياء كان يمكنه اكتسابها فى أثناء
دراسته عند الربيين في أورشليم، حيث كان الربيون واسعو الأفق، يتعلمون شيئاً عن
أساليب تفكير الأمم. كما كان يمكنه اكتسابها فى اتصالاته الشخصية فى طرسوس، أو فى
رحلاته الكرازية بعد ذلك. ومهما كانت كيفية اكتسابها، فإن بُولُسَ استخدمها لأنها
كانت قادرة على نقل المعنى الذى يريده بدون الإِشارة إلى مفهومها فى الفسلفة
الدينية اليونانية. وهي تبدو فى رسائله شيئاً ثانوياً يختص بالسطح أكثر مما بلب
فكرة وتعليمه.
ü إرهابي
للكنيسة:
أول ما يظهر الرَّسُولِ بُولُسَ على صفحات الإِنْجِيل،
يظهر في دور مضطهد الكنيسة، فقد شارك في رجم استفانوس، كما كان يجر المؤمنون في
أرشليم إلى السجن، ويسترجع المؤمنون الذين فروا إلى مناطق خارج أورشليم طلباً للنجاة:
«54فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ
وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. 55وَأَمَّا
هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ
فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ. 56فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ
مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ». 57فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا
آذَانَهُمْ وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ 58وَأَخْرَجُوهُ
خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ
رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. 59فَكَانُوا
يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ
اقْبَلْ رُوحِي». 60ثُمَّ جَثَا عَلَى
رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ
الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هَذَا رَقَدَ.
(ص 8: 1) 1وَكَانَ
شَاوُلُ رَاضِياً بِقَتْلِهِ. وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى
الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ
الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ مَا عَدَا الرُّسُلَ. 2وَحَمَلَ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ اسْتِفَانُوسَ
وَعَمِلُوا عَلَيْهِ مَنَاحَةً عَظِيمَةً. 3وَأَمَّا
شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ
رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ7:
58 - 8: 3)، «1أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ
تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ
الْكَهَنَةِ 2وَطَلَبَ مِنْهُ
رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَى الْجَمَاعَاتِ حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ
الطَّرِيقِ رِجَالاً أَوْ نِسَاءً يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9: 1و2)، «9لأَنِّي
أَصْغَرُ الرُّسُلِ أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً لأَنِّي
اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ15: 9)، «6مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ
الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي3: 6).
ويرى البعض أن هذا العمل لم يكن يليق بتلميذ
نابه من تلاميذ معلم واسع الفكر متسامح مثل غَمَالاَئِيلَ الأول، فكلمات غَمَالاَئِيلَ
في سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ: «34فَقَامَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ اسْمُهُ
غَمَالاَئِيلُ مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوسِ مُكَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ
وَأَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ الرُّسُلُ قَلِيلاً. 35ثُمَّ
قَالَ لَهُمْ: « أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ احْتَرِزُوا
لأَنْفُسِكُمْ مِنْ جِهَةِ هَؤُلاَءِ النَّاسِ فِي مَا أَنْتُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ
تَفْعَلُوا. 36لأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ
الأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ قَائِلاً عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ شَيْءٌ الَّذِي
الْتَصَقَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ نَحْوُ أَرْبَعِمِئَةٍ الَّذِي قُتِلَ
وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَبَدَّدُوا وَصَارُوا لاَ شَيْءَ. 37بَعْدَ هَذَا قَامَ يَهُوذَا الْجَلِيلِيُّ فِي
أَيَّامِ الاِكْتِتَابِ وَأَزَاغَ وَرَاءَهُ شَعْباً غَفِيراً. فَذَاكَ أَيْضاً
هَلَكَ وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَشَتَّتُوا. 38وَالآنَ أَقُولُ لَكُمْ: تَنَحَّوْا عَنْ
هَؤُلاَءِ النَّاسِ وَاتْرُكُوهُمْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ هَذَا الرَّأْيُ أَوْ
هَذَا الْعَمَلُ مِنَ النَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ 39وَإِنْ
كَانَ مِنَ اللهِ فَلاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ لِئَلاَّ تُوجَدُوا
مُحَارِبِينَ لِلَّهِ أَيْضاً»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ5:
34-39)، مثال للاعتدال في وسط جو من السعار المجنون. ولكن ما يجب ملاحظته هو أَنه
في العيون الفريسية - على الأقل - كان الموقف الذي واجه غَمَالاَئِيلَ، يختلف تمامًا
عن الموقف الذي واجه الربي الشاب شَاوُلُ، فقبل تلك المشورة التي أبداها غَمَالاَئِيلَ،
يسجل سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ شهادة الكنيسة عن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ المسيا والسيد
والمخلص، وعن موته بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وعن قيامته الظافرة، ومكانه
السامي الآن كالفادي الممجد. كانت كرازة المسيحيين الأوائل عملية في أساسها، بدون
الدخول في التفصيلات الكاملة للتعليم الذي تتضمنه عقيدتهم. ولم يسبب هذا التعليم
انزعاج السنهدريم - وبخاصة الصدوقيين والكهنة - فحسب، بل كان الأهم من ذلك أنه كان
تحدياً لسلطاتهم. أما بالنسبة للفريسيين - الأكثر نبلاً وتسامحاً- كان مسيحيو
أورشليم مازالوا معتبرين داخل دائرة اليهودية، ولم يكن هناك ما يدعو لمعاملتهم
كهراطقة، وكان في الامكان تأويل ما يقولونه عن ألوهية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
وبخاصة أن المسيحيين من اليهود لم يظهروا أي تهاون في حفظ الناموس نتيجة لعقيدتهم
الجديدة. ولكن في الفترة من مشورة غَمَالاَئِيلَ وتصرف بُولُسَ مع المسيحيين، ظهر كرازة
المسيحيين ما أعتبره أغلب اليهود نذيراً بالارتداد. ونجد في الأصحاحين السادس
والسابع من سفر الأعمال أن استفانوس أخذ في تطبيق مسيانية الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ على عهد الناموس. ولعل ما دفعه إلي ذلك هو موقف إليهود العائدين من
الشتات إلي موطنهم تحدوهم رغبة متقدة لحفظ الناموس بأكثر تدقيق، وكانوا شديدي
الاهتمام بموقف المسيحيين منه. ولا شك في أن استفانوس كان له اهتمام جاد بالموضوع
نفسه، ولكنه كان سبيلاً يكتنفه الخطر الشديد، ولم يكن الرسل أنفسهم قد سلكوه حتى
ذلك الوقت، مع أنه كان كامناً في صلب إيمانهم بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
كالمسيا. لقد كانت أقوال استفانوس في نظر اليهود، ارتداداً في أشنع صوره. ولو كان غَمَالاَئِيلَ
قد واجه مثل هذا الجانب من المسيحية، لكان موقفه قد تغير. فقد كان التعليم الجديد
يهدد أسس اليهودية، وأمام ذلك، كان يمكن لبُولُسَ أن يحظى بموافقة معلمه العظيم،
على ما شرع فيه من اجراءات ضد المسيحيين.
ولعل الأساس المنطقى لهذا التصرف العنيف جاء
نتيجة للفكر السائد، من أنه بينما لا يوجد شيء يمكن أن يعجل بمجيء عصر المسيا أو
يعوقه، فان شيوع الإِثم والارتداد في الأمة يمكن أن يعطله. وهكذا وجه بُولُسَ
جهوده ضد اليهود المؤمنين بيسوع الناصري، لأن زعيمهم - من وجهة نظر الرَّسُولِ بُولُسَ - قد
برهن الصلب بُطل دعواه، وأن كرازتهم التي تسبب الانقسام، ستعمل على تأخير مجيء عصر
المسيا الموعود به لإسرائيل.
كما أن تصرف الرَّسُولِ بُولُسَ، كان يمكن تبريره كتابياً،
إذ نجد في سِفْرُ اَلْعَدَد «1وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ وَابْتَدَأَ
الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. 2فَدَعَوْنَ
الشَّعْبَ إِلى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ فَأَكَل الشَّعْبُ وَسَجَدُوا
لِآلِهَتِهِنَّ. 3وَتَعَلقَ
إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلى إِسْرَائِيل. 4فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ جَمِيعَ رُؤُوسِ
الشَّعْبِ وَعَلِّقْهُمْ لِلرَّبِّ مُقَابِل الشَّمْسِ فَيَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ
الرَّبِّ عَنْ إِسْرَائِيل». 5فَقَال
مُوسَى لِقُضَاةِ إِسْرَائِيل: «اقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ قَوْمَهُ
المُتَعَلِّقِينَ بِبَعْلِ فَغُورَ»(سِفْرُ اَلْعَدَد25: 1-5)، كيف أمر موسى بقتل الذين تعلقوا ببعل فغور قبيل
دخول الشعب إلى كنعان. ثم نقرأ بعد ذلك عن ارتداد غضب الله بسبب ما قام به شخص
وأحد، هو فينحاس، الذى نال استحسان الله من أجل غيرته وحيلولته دون ارتداد
إسرائيل، وذلك بقتله اثنين من رؤوس الفتنة والشر. وكان الموقف في نظر الرَّسُولِ بُولُسَ، يبدو شبيهاًبذلك، فإسرائيل على وشك الدخول
إلى الأرض لأن عصر ملك المسيا يقترب، وهذا الارتداد يمكن أن يؤخر بركات الله.
كل هذا، مع ارتفاع موجة توقع مجىء عصر
المسيا، كان كافياً لتحريض الرَّسُولِ بُولُسَ على أن يأخذ على عاتقه استئصال شافة ماكان
يعتقد انه ارتداد. لقد كان يظن انه يتمم مشيئة الله من جهة أولئك الناس، كما ذكر
فيما بعد - كان يقأوم الله بجهل في عدم ايمان «13أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً.
وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس1: 13).
إلى
اللقاء في الجزء الثالث من حياة
شَاوُلُ الأرهابي
الرَّسُولِ بُولُسَ
الأرهابي
الذي آمن بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
0 التعليقات:
إرسال تعليق