حياة
شَاوُلُ الأرهابي
الرَّسُولِ بُولُسَ
الأرهابي
الذي آمن بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
إعداد
د. القس
سامي منبر اسكندر
الجزء
الخامس
ü خدمته
ليهود الشتات:
لقد صرف الرَّسُولِ بُولُسَ ثلاث سنوات بعد
تجديده، فى المنطقة المحيطة بدِمَشْقَ «19وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ
التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً. 20وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ
بِالْمَسِيحِ «أَنْ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ». 21فَبُهِتَ
جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي
أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهَذَا الاِسْمِ ؟ وَقَدْ جَاءَ
إِلَى هُنَا لِهَذاَ; لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ!». 22وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً
وَيُحَيِّرُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقاً «أَنَّ هَذَا هُوَ
الْمَسِيحُ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ9: 19-22)، «17وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ
الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ
أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ
بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ،
فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ1: 17و18).
والأرجح أن العربية المذكورة هنا تشير إلى
المنطقة التي كانت تحت سيادة النبطيين، والتي كانت دِمَشْقَ عاصمة لهم في الكثير
من العهود. وفى تلك الأثناء كرز الرَّسُولِ بُولُسَ بأن يسوع هو المسيح وأنه ابن
الله «20وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ
بِالْمَسِيحِ «أَنْ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ»... 22وَأَمَّا
شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً وَيُحَيِّرُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي
دِمَشْقَ مُحَقِّقاً «أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
20و22). وفى نهاية مدة اقامته فى دِمَشْقَ، اضطر أن يهرب متدليا من طاقة فى زنبيل (سل)
من السور «23وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ
الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ 24فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ.
وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ الأَبْوَابَ أَيْضاً نَهَاراً وَلَيْلاً لِيَقْتُلُوهُ. 25فَأَخَذَهُ
التَّلاَمِيذُ لَيْلاً وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
23-25)، «32فِي
دِمَشْقَ وَالِي الْحَارِثِ الْمَلِكِ كَانَ يَحْرُسُ مدِينَةَ الدِّمَشْقِيِّينَ
يُرِيدُ أَنْ يُمْسِكَنِي، فَتَدَلَّيْتُ مِنْ طَاقَةٍ فِي زَنْبِيلٍ مِنَ
السُّورِ، وَنَجَوْتُ مِنْ يَدَيْهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ11: 32).
وحديثه عن هذا الحادث فى رسالته الثانية إلى
كورنثوس، يدل على أنه حدث عندما كان الملك النبطي أرتياس (الحارث) يحكم دِمَشْقَ.
وتدل النقود الدِمَشْقَية الأثرية على أن دِمَشْقَ كانت تحت الحكم المبإشر لروما
فى 33-34م، وهذا معناه أن مغادرة الرَّسُولِ بُولُسَ للمدينة، التي حدثت فى أثناء
حكم الحارث، كانت - على الأرجح - فى السنوات الأخيرة من حكم طيباريوس قيصر، وإن
كان من المحتمل أنها حدثت بعد اعتلاء كاليجو للعرش فى 37 م. وعلى هذا الأساس يكون
تجديد الرَّسُولِ بُولُسَ قد حدث فيما بين 32-35 م، وواضح أن القطع في هذا الأمر
مستحيل أمام عدم وجود بيانات آخرى.
وعندما وصل الرَّسُولِ بُولُسَ إلى أُورُشَلِيمَ،
شرع في الكرازة لليهود اليونانيين، وهى الخدمة التي أهملت منذ استشهاد استفانوس،
ولكنه واجه نفس المقأومة، التي كان أحد قادتها فيما مضى، ويبدو أنه تعرض لنفس
الموقف الذي كلف استفانوس حياته «26وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ
يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ
أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. 27فَأَخَذَهُ
بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ
فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ
يَسُوعَ. 28فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ
وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 29وَكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ
الْيُونَانِيِّينَ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
26-29).
والأرجح أن تلك كانت الزيارة التي مكث فيها
خمسة عشر يوماً، والتي ذكرها في: «18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى
أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْماً. 19وَلَكِنَّنِي لَمْ أَرَ
غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ إِلاَّ يَعْقُوبَ أَخَا الرَّبِّ. 20وَالَّذِي أَكْتُبُ بِهِ إِلَيْكُمْ هُوَذَا
قُدَّامَ اللهِ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ فِيهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ1: 18-20). وواضح أن الكنيسة في أُورُشَلِيمَ لم تشأ أن تتعرض
لنفس السلسلة من الأحداث التي أعقبت كرازة استفانوس، لأنه عندما أدرك الإخوة خطورة
الموقف، أحضروه إلى قيصرية وأرسلوه إلى طرسوس «30فَلَمَّا عَلِمَ الإِخْوَةُ أَحْدَرُوهُ إِلَى
قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
30). ومع أن ذلك لم يكن أمراً مقبولاً من وجهة نظر الرَّسُولِ بُولُسَ، إلا أنه
كان من ترتيب عناية الله، لأنه وهو يصلى في الهيكل رأى رؤية لم تؤيد رسوليته للأمم
فحسب، بل وجاءه الأمر بأن يسرع ويخرج عاجلا من أُورُشَلِيمَ «17وَحَدَثَ لِي بَعْدَ مَا رَجَعْتُ إِلَى
أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ أُصَلِّي فِي الْهَيْكَلِ أَنِّي حَصَلْتُ فِي غَيْبَةٍ 18فَرَأَيْتُهُ قَائِلاً لِي: أَسْرِعْ وَاخْرُجْ
عَاجِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ شَهَادَتَكَ عَنِّي. 19فَقُلْتُ: يَا رَبُّ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي
كُنْتُ أَحْبِسُ وَأَضْرِبُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. 20وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ
كُنْتُ أَنَا وَاقِفاً وَرَاضِياً بِقَتْلِهِ وَحَافِظاً ثِيَابَ الَّذِينَ
قَتَلُوهُ. 21فَقَالَ لِي: اذْهَبْ
فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيداً»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ22:
17-21).
ولا نقرأ شيئاً عن الرَّسُولِ بُولُسَ بعد
هذه الأحداث في أُورُشَلِيمَ، إلى أن نراه يخدم في أنطاكية «25ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ
شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. 26فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي
الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ
التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً. 27وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ
مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. 28وَقَامَ
وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعاً عَظِيماً
كَانَ عَتِيداً أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ الَّذِي صَارَ أَيْضاً
فِي أَيَّامِ كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ. 29فَحَتَمَ
التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ
شَيْئاً خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ 30فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى
الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11:
25-30)، ولو أننا نعلم من أقواله في «21وَبَعْدَ
ذَلِكَ جِئْتُ إِلَى أَقَالِيمِ سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. 22وَلَكِنَّنِي
كُنْتُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَجْهِ عِنْدَ كَنَائِسِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي
فِي الْمَسِيحِ. 23غَيْرَ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَسْمَعُونَ «أَنَّ الَّذِي كَانَ يَضْطَهِدُنَا قَبْلاً، يُبَشِّرُ الآنَ
بِالإِيمَانِ الَّذِي كَانَ قَبْلاً يُتْلِفُهُ». 24فَكَانُوا
يُمَجِّدُونَ اللهَ فِيَّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ1: 21-24)، أنه واصل كرازته لليهود المشتتين في سورية وكيليكية
حيث كان يوجد موطنه طرسوس. وقد يكون ترحيب المؤمنين في قيصرية به - عند عودته من
رحلته الكرازية الثالثة – دليلاً على صلة سابقة بفيلبس والمؤمنين هناك. ولعل
الكثير من الصعاب والتجارب التي يعددها في رسالته «23أَهُمْ خُدَّامُ الْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمُخْتَلِّ
الْعَقْلِ: فَأَنَا أَفْضَلُ. فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ. فِي الضَّرَبَاتِ
أَوْفَرُ. فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ. فِي الْمِيتَاتِ مِرَاراً كَثِيرَةً. 24مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ
أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. 25ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ. مَرَّةً رُجِمْتُ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ
بِيَ السَّفِينَةُ. لَيْلاً وَنَهَاراً قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. 26بِأَسْفَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. بِأَخْطَارِ
سُيُولٍ. بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ. بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي. بِأَخْطَارٍ مِنَ
الأُمَمِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ.
بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ. بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. 27فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً
كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ
وَعُرْيٍ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ11: 23-27)،
قد جاء من مواقف واجهها في قيصيرية وطرسوس
في تلك الاثناء، إذ لا موقع لها في سجل رحلاته التاليه المذكورة فى سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ. ولعل اختباره الرائع المذكورة في رسالته
الثانية إلى كورنثوس «1إِنَّهُ لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي
إِلَى مَنَاظِرِ الرَّبِّ وَإِعْلاَنَاتِهِ. 2أَعْرِفُ
إِنْسَاناً فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ؟
لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ.
اخْتُطِفَ هَذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. 3وَأَعْرِفُ
هَذَا الإِنْسَانَ. أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ.
اللهُ يَعْلَمُ. 4أَنَّهُ اخْتُطِفَ
إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ
لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ12: 1-4)، قد حدث فى تلك الفترة من حياته
أيضاً.
ü خدمته
للأمم الخائفين الله:
عندما تشتت الكنيسة فى أُورُشَلِيمَ من جراء
الضيق، قام بعض المؤمنين - الذين كانوا قد جاءوا أصلاً من قبرس والقيروان - بحمل
الإِنجيل إلى أنطاكية فى سوريا وامتدت خدمتهم إلى اليونانيين «19أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ
الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ إِسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ
وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ وَهُمْ لاَ يُكَلِّمُونَ أَحَداً بِالْكَلِمَةِ إِلاَّ
الْيَهُودَ فَقَطْ. 20وَلَكِنْ كَانَ
مِنْهُمْ قَوْمٌ وَهُمْ رِجَالٌ قُبْرُسِيُّونَ وَقَيْرَوَانِيُّونَ الَّذِينَ
لَمَّا دَخَلُوا أَنْطَاكِيَةَ كَانُوا يُخَاطِبُونَ الْيُونَانِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. 21وَكَانَتْ
يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11: 19-21). ولا نعلم على وجه اليقين من هم المقصودون بالعدد
الكثير الذين آمنوا ورجعوا إلى الرب، هل كانوا يونانيين من الأمم، أم كانوا
يونانيين من اليهود مثلما جاء فى «1وَفِي
تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ
الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ
عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ6:
1)، وإن كان من الأرجح - فى ضوء ما جاء عن كرازتهم لليهود فقط «19أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ
الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ إِسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ
وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ وَهُمْ لاَ يُكَلِّمُونَ أَحَداً بِالْكَلِمَةِ إِلاَّ
الْيَهُودَ فَقَطْ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ11: 19)، ثم: لكن كان منهم
قوم..يخاطبون اليونانيين - أنهم كرزوا بالإِنجيل فى المجامع للدخلاء من الأمم.
وعندما بلغت هذه الأخبار الكنيسة في أُورُشَلِيمَ، أرسلت برنابا، وهو لأوي قبرسي «36وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ
بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ
الْجِنْسِ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ4: 36)، إلى أنطاكية ليستطلع
الأحوال، ولما أتي ورأي نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا فى الرب بعزم القلب،
لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الرُّوحِ الْقُدُسِ والإِيمان «22فَسُمِعَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فِي آذَانِ
الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا لِكَيْ يَجْتَازَ
إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. 23الَّذِي لَمَّا
أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي
الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ 24لأَنَّهُ
كَانَ رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ.
فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11:
22-24).
ثم خرج برنابا إلى طرسوس وجاء بالرَّسُولِ
بُولُسَ إلى انطاكية «25ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا
وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. 26فَحَدَثَ
أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً
غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11: 25و26). ولقد سبق لبرنابا أن وقف إلى جانب الرَّسُولِ
بُولُسَ عندما ساورت الشكوك التلاميذ في أُورُشَلِيمَ من نحوه عقب تجديده «27فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى
الرُّسُلِ وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ
كَلَّمَهُ وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9: 27).
ولما كان برنابل يعلم بارسالية الرَّسُولِ
بُولُسَ للأمم، ويذكر قوة شهادته، ويعرف قدراته، كما أنه كان فى حاجة إلى من
يعاونه فى الخدمة بين المتجددين من الأمم، أشرك الرَّسُولِ بُولُسَ معه فى العمل
فى أنطاكية. ولم يشترك الرَّسُولِ بُولُسَ فى العمل مع برنابا فقط، بل كان هناك
أيضاً: «1وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ
أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ
(أسود) وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ وَمَنَايِنُ
الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ وَشَاوُلُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ13: 1). ويدل تركيب العبارات فى اليونانية علي أن بَرْنَابَا وَسِمْعَانُ
الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ (أسود) وَلُوكِيُوسُ
الْقَيْرَوَانِيُّ كانوا أنبياء، وقد يعنى هذا أنهم كانوا المنصرفين لخدمة
الكرازة بإنجيل الخلاص بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بينما كان مَنَايِنُ والرَّسُولِ بُولُسَ هما المعلمان، مما يبدو معه أنهما كانا
المسئولين أساساًعن تعليم المتجددين المبادىء الكتابية ومايتعلق بها وقد ظل الرَّسُولِ
بُولُسَ فى هذه الخدمة سنة كاملة «16فَتَذَكَّرْتُ
كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ: إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا
أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11:
16).
ولا شك فى أن الرَّسُولِ بُولُسَ قام
بالكرازة للأمم هناك، ولعله ظن أن هذا هو كل ماتضمنته إرساليته التي كلفه بها الرب
عند تجديده. ويحتمل جداًأن الخدمة التبشيرية فى أنطاكية فى ذلك الوقت اقتصرت على
المجمع، بغض النظر عما إذا كان من الصواب أن يتوجهوا إلى الأمم مباشرة فى خدمتهم
مع التوسع فيها. ويحتمل أن المؤمنين فى أُورُشَلِيمَ وفى أنطاكية - سواء كانوا من
اليهود أو الأمم - كانوا يرتبطون بشكل ما بالمجمع، وهكذا بدا فى نظر الكثيرين من
المؤمنين من اليهود، أن تجديد الأمم الخائفين الله الذين أنضموا - إلى حد ما - تحت
لواء اليهودية، قبل إيمانهم بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، شبيه بحالة الدخلاء،
أما سكان المدينة الآخرون، من غير المؤمنين، فقد أطلقوا عليهم اسم مسيحيين أي
أتباع الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أو أهل بيت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
وفى أثناء خدمة الرَّسُولِ بُولُسَ فى
أنطاكية جاء نبي من أُورُشَلِيمَ اسمه أغابوس وتنبأ عن المجاعة المقبلة، فأرسلت
الكنيسة فى أنطاكية معونة إلى الإِخوة فى أُورُشَلِيمَ بيد برنابا والرَّسُولِ
بُولُسَ «27وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى
أَنْطَاكِيَةَ. 28وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ
اسْمُهُ أَغَابُوسُ وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعاً عَظِيماً كَانَ عَتِيداً
أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ الَّذِي صَارَ أَيْضاً فِي أَيَّامِ
كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ. 29فَحَتَمَ
التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ
شَيْئاً خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ 30فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى
الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11:
27-30). ونعلم من سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ أن المجاعة حدثت فى أيام كلوديوس قيصر، ويمكن تحديد التاريخ
فى 46 م. وذلك من كتابات المؤرخين تاسيتوس وسرتونيوس عن انتشار مجاعة فى نحو ذلك
الوقت، وكذلك من بردية عن ارتفاع ثمن الحنطة فى نحو ذلك التاريخ عينه، كما يحكي
يوسيفوس عن الملكة المصرية هيلينا، التي كانت قد اعتنقت اليهودية، وجمعت الامدادات
من مصر وقبرس لإِرسالها إلى أُورُشَلِيمَ التي هددتها المجاعة، عقب عودتها من رحلة
إلى تلك المدينة فى نحو سنة 45 أو 46م.
وتتوقف معرفتنا لتحركات الرَّسُولِ بُولُسَ
فى ذلك الوقت على حل اللغز القديم عن العلاقة بين زيارتيه لأُورُشَلِيمَ
المذكورتين فى رسالته إلى غلاطية، وزياراته الثلاث لأُورُشَلِيمَ المذكورة فى سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ. فبينما يقول الكثيرين أن الزيارة الأولي
المذكورة فى «18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ
بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. 19وَلَكِنَّنِي لَمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ
إِلاَّ يَعْقُوبَ أَخَا الرَّبِّ. 20وَالَّذِي
أَكْتُبُ بِهِ إِلَيْكُمْ هُوَذَا قُدَّامَ اللهِ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ فِيهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ1: 18-20)، هى الزيارة
المذكورة فى «26وَلَمَّا جَاءَ
شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ وَكَانَ
الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. 27فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى
الرُّسُلِ وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ
كَلَّمَهُ وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ. 28فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي
أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 29وَكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ الْيُونَانِيِّينَ فَحَاوَلُوا
أَنْ يَقْتُلُوهُ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ9: 26-29)،
كما سبق القول، فإن الكثيرين أيضاً يرون أن
الزيارة المذكورة فى «1ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدْتُ أَيْضاً إِلَى
أُورُشَلِيمَ مَعَ بَرْنَابَا، آخِذاً مَعِي تِيطُسَ أَيْضاً. 2وَإِنَّمَا صَعِدْتُ بِمُوجَبِ إِعْلاَنٍ،
وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ،
وَلَكِنْ بِالاِنْفِرَادِ عَلَى الْمُعْتَبَرِينَ، لِئَلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أَوْ
قَدْ سَعَيْتُ بَاطِلاً. 3لَكِنْ لَمْ
يَضْطَرَّ وَلاَ تِيطُسُ الَّذِي كَانَ مَعِي، وَهُوَ يُونَانِيٌّ، أَنْ
يَخْتَتِنَ. 4وَلَكِنْ بِسَبَبِ
الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَساً
لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ
يَسْتَعْبِدُونَا، 5اَلَّذِينَ لَمْ
نُذْعِنْ لَهُمْ بِالْخُضُوعِ وَلاَ سَاعَةً، لِيَبْقَى عِنْدَكُمْ حَقُّ
الإِنْجِيلِ. 6وَأَمَّا
الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ شَيْءٌ -مَهْمَا كَانُوا، لاَ فَرْقَ عِنْدِي: اللهُ
لاَ يَأْخُذُ بِوَجْهِ إِنْسَانٍ - فَإِنَّ هَؤُلاَءِ الْمُعْتَبَرِينَ لَمْ
يُشِيرُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ. 7بَلْ
بِالْعَكْسِ، إِذْ رَأَوْا أَنِّي اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا
بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ. 8فَإِنَّ
الَّذِي عَمِلَ فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ الْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضاً
لِلأُمَمِ. 9فَإِذْ عَلِمَ
بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ
أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ
نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ. 10غَيْرَ
أَنْ نَذْكُرَ الْفُقَرَاءَ. وَهَذَا عَيْنُهُ كُنْتُ اعْتَنَيْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ »(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
غَلاَطِيَّةَ2: 1-10)، هى ذهابه إلى مجمع أُورُشَلِيمَ المذكور فى
الأصحاح الخامس عشر من سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ. فالقضية غامضة ويتوقف عليها الكثير من
النتائج. وأبسط حل واكثرها قبولاً هو أن زيارته المذكورة فى رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
غَلاَطِيَّةَ2: 1-10 هى المتعلقة بموضوع المجاعة والمذكورة فى «30فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى الْمَشَايِخِ
بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11:
30). ويكون حرف العطف ثم فى بداية الأصحاح الثاني من رسالته إلى غلاطية يعود إلى
نفس النقطة التي بدا منها حساب السنوات الثلاث فى الأصحاح الأول «18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى
أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْماً»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ1:
18)، فكلتاهما تبدآن من وقت تجديده، وبذلك يكون تجديده قد حدث فى نحو عام 33 م.
ويكون هروبه من دِمَشْقَ قد حدث فى نحو 36 م، وزيارته بمناسبة المجاعة، إلى أُورُشَلِيمَ،
بعد أربعة عشرة سنة من تجديده أي في نحو عام 46 م. وبناء على هذا الرأي يمكن قوله
إنه صعد بموجب إعلان «2وَإِنَّمَا
صَعِدْتُ بِمُوجَبِ إِعْلاَنٍ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي
أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ بِالاِنْفِرَادِ عَلَى الْمُعْتَبَرِينَ،
لِئَلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أَوْ قَدْ سَعَيْتُ بَاطِلاً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ2: 2) إشارة إلى نبوة أَغَابُوسُ «28وَقَامَ
وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ
وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعاً عَظِيماً كَانَ عَتِيداً أَنْ يَصِيرَ عَلَى
جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ الَّذِي صَارَ أَيْضاً فِي أَيَّامِ كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11: 28).
فإذا كان ما جاء فى رسالته إلى غلاطية رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ
غَلاَطِيَّةَ2: 1-10، ينطبق على زيارته المذكورة فى «30فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى الْمَشَايِخِ
بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11:
30)، يكون الرَّسُولِ بُولُسَ وبرنابا قد انتهزا فرصة إرسال كنيسة انطاكية لهما -
بالمعونه للمؤمنين الذين أصابتهم المجاعة فى أُورُشَلِيمَ - لعقد حوار خاص مع
يعقوب وبطرس ويوحنا حول طبيعة الإِنجيل، وسلامة الكرازة للأمم، وعلاقة المؤمنين من
الأمم بالنَّامُوس. وقد أخذا معهما تيطس، وهو مسيحي أممي غير مختون، ولعل وجوده
كان مقصوداً كمحك للقضية، وربما كان وجوده لمجرد المعأونة فى تلك المهمة، بدون
النظر إلى ما يمكن أن يثيره وجوده من ردود الفعل. ويذكر الرَّسُولِ بُولُسَ موقف
فريقين فى أُورُشَلِيمَ فى حديثه عن هذا الموضوع:
أولاً: موقف الإخوة
الكذبة المدخلين خفية،
الذين دخلوا اختلاساً ليتجسسوا حريتنا التي
لنا فى الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كي يستعبدونا «4وَلَكِنْ بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ
الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَساً لِيَتَجَسَّسُوا
حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا، 5اَلَّذِينَ لَمْ نُذْعِنْ لَهُمْ بِالْخُضُوعِ
وَلاَ سَاعَةً، لِيَبْقَى عِنْدَكُمْ حَقُّ الإِنْجِيلِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ2: 4و5).
ثانياً: موقف الرسل
المعتبرين أهم أعمدة فى كنيسة أُورُشَلِيمَ
«6وَأَمَّا الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ شَيْءٌ -مَهْمَا
كَانُوا، لاَ فَرْقَ عِنْدِي: اللهُ لاَ يَأْخُذُ بِوَجْهِ إِنْسَانٍ - فَإِنَّ
هَؤُلاَءِ الْمُعْتَبَرِينَ لَمْ يُشِيرُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ. 7بَلْ بِالْعَكْسِ، إِذْ رَأَوْا أَنِّي
اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ
الْخِتَانِ. 8فَإِنَّ الَّذِي عَمِلَ
فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ الْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضاً لِلأُمَمِ. 9فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي
يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ،
أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ
وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ. 10غَيْرَ
أَنْ نَذْكُرَ الْفُقَرَاءَ. وَهَذَا عَيْنُهُ كُنْتُ اعْتَنَيْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ2: 6-10). ولا نستطيع
الجزم بهل كان الإخوة الكذبة جواسيس من اليهود دخلوا ليستكشفوا المؤمرات التي يخطط
لها المسيحيون من الأمم، أو أنهم كانوا مسيحيين من اليهود الساخطين الذين هددوا
بإذاعه ما كان يحدث فى أنطاكية، إن لم يختن تيطس. ولكن النقطة البالغة الأهمية
التي يجب أن نلاحظها هي أنه بالرغم من الضغوط المتزايدة، أتفق الرسل فى أُورُشَلِيمَ
مع الرَّسُولِ بُولُسَ على جوهر الإِنجيل وصواب الكرازة للأمم، رغم أنهم رأوا أن
خدمتهم ترتبط بدائرة غير دائرته، والأكثر من ذلك أنهم لم يطلبوا مطلقاً لزوم ختان
المؤمنين من الأمم. ولكن حتى ذلك الوقت، لم تكن الكرازة للأمم مبإشرة خارج المجمع
قد برزت إلى المقدمة، إذ لم يظهر هذا الموضوع إلا فى الرحلة التبشيرية الأولى،
وكان هو الدافع إلى عقد المجمع فى أُورُشَلِيمَ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق