حياة شَاوُلُ الأرهابي
الذي آمن بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الرَّسُولِ بُولُسَ
إعداد
د. القس سامي منبر اسكندر
الجزء الأول
بُولُسَ هو الاسم الروماني، ومعناه صغير أو قليل.
أما اسمه العبراني فهو شَاوُلُ ومعناه المطلوب أو المسئول. وكان أحد القادة
البارزين فى الكنيسة الأولى، وكانت خدمته - أساساً- للأمم.
كان شَاوُلُ يهودياً: «5مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ
الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ
الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي3: 5)، وقد عُرف شَاوُلُ الذي باسمه الروماني بُولُسَ أيضاً: «9وَأَمَّا شَاوُلُ
الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضاً فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ
إِلَيْهِ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ13: 9)، اسمه مشابه لأبرز
شخصيات سبط بنيامين، ألا وهو شَاوُلُ أول ملك لإسرائيل.
أولاً: نبذة تاريخية عن الرَّسُولِ بُولُسَ:
ولد الرَّسُولِ بُولُسَ في طرسوس فى مقاطعة كيلكية «11فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى
الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً
اسْمُهُ شَاوُلُ. لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
11)، «39فَقَالَ بُولُسُ:
«أَنَا رَجُلٌ
يَهُودِيٌّ طَرْسُوسِيٌّ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ (مشهورة، ذات شان) مِنْ كِيلِيكِيَّةَ. وَأَلْتَمِسُ
مِنْكَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَلِّمَ الشَّعْبَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ21:
39)، «3أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ
وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ
الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ
النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ
الْيَوْمَ» (سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ22: 3). ولا نعرف الكثير عن
عائلته، إلا أن جيروم يسجل لنا تقليداً يقول أن أبويه جاءا أصلاً من مدينة في
الجليل اسمها جيسكالا، وأنهما هربا إلى طَرْسُوسِ عندما اجتاح الرومان فلسطين في القرن
السابق للميلاد، والأرجح أن العائلة كانت هاجرة لطَرْسُوسِ، فحيث أنه ولد مواطناً رومانياً
«37فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ:
«ضَرَبُونَا جَهْراً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا وَنَحْنُ رَجُلاَنِ
رُومَانِيَّانِ وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ. أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرّاً؟
كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا». 38فَأَخْبَرَ الْجَلاَّدُونَ الْوُلاَةَ بِهَذَا
الْكَلاَمِ فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ16: 37و38)، «25فَلَمَّا
مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: «أَيَجُوزُ
لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟» 26فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ الْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى
الأَمِيرِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ!
لأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ». 27فَجَاءَ
الأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي. أَأَنْتَ رُومَانِيٌّ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ». 28فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا
فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هَذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ:
«أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا». 29وَلِلْوَقْتِ
تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى
الأَمِيرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ22: 25-29)، فلابد أن عائلته كانت ذات ثروة مكانة ويبدو من قوله:
«12وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا.
نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ4: 12)، وكلماته للفيلبيين «14غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَناً إِذِ
اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي. 15وَأَنْتُمْ
أَيْضاً تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْفِيلِبِّيُّونَ أَنَّهُ فِي بَدَاءَةِ
الإِنْجِيلِ، لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ، لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ
وَاحِدَةٌ فِي حِسَابِ الْعَطَاءِ وَالأَخْذِ إِلاَّ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ. 16فَإِنَّكُمْ فِي تَسَالُونِيكِي أَيْضاً
أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لِحَاجَتِي. 17لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ
أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ. 18وَلَكِنِّي
قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلأْتُ إِذْ قَبِلْتُ
مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ
طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ. 19فَيَمْلأُ إِلَهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ
بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي4: 14-19)، عن العطية التي أرسلوها له، أنه كان يتكلم وكأن
مركزه الاجتماعى يتعارض مع هذه الأمور.
وكانت النَامُوسِ اليهودي تقتضى أن يبدأ
الولد في دراسة الأسفار المقدسة وهو في سن الخامسة، ودراسة التقاليد اليهودية وهو
في سن العإشرة. ويقول يوسيفوس إن الأسفار المقدسة والتقاليد اليهودية كانت تدَّرس
في كل مدينة للأولاد اليهود عند بداية بلوغ سن الادراك.
كما يذكر فيلو نفس الأمر قائلاً منذ الحداثة
الباكرة. ولا شك في أن الرَّسُولِ بُولُسَ قد انهمك منذ حداثته في هذه الدراسة سواء
فى البيت أو في المدرسة الملحقة بالمجمع. كما أن الوجدان اليهودي كان يحترم العمل
اليدوي، ويعتبر أن النبوغ العقلي والنشاط اليدوى صنوان لا يفترقان.
ويشتهر غَمَالاَئِيلَ الثاني بقوله: ما أسمي دراسة التوراة مع العمل الدنيوي،
لان التوراة بدون عمل دنيوي لا جدوى منها فى النهاية، بل قد تؤدى إلى الاثم. وهناك
قول يهودى قديم ماثور: من لا يعلم ابنه حرفة، فإنه يعلمه السرقة.
وبناء على هذا تعلم الرَّسُولِ بُولُسَ صناعة الخيام، التي كانت تعتبر فى ذلك
الوقت حرفة نظيفة غير شاقة وإن كانت الآن فى نظر العالم مهنة وضيعة. لقد كانت
التربية اليهودية تهدف إلى إنتاج إنسان يفكر ويعمل فى نفس الوقت، إنسان غير مترفع
أو مغرور أو كسول. وقد برهنت حياة الرَّسُولِ بُولُسَ على أنه قد أنتفع كثيراًمن هذا المنهج فى
التربية.
وفى الثالثة عشرة من العمر، يصبح الصبي
اليهودي، ابن الوصية، أي يصبح ملتزماً تماماً بحفظ الناموس. وكان الأولاد النابهون
يوجهون لمدارس الربيين (المعلمين اليهود) لينالوا حظاً أكبر من التعليم. ويبدو أنه
فى هذه السن - أو بعدها بقليل - جاء بُولُسَ إلى أورشليم لمواصلة تعليمه.
ولعله كان يعيش مع أخته المتزوجة «16وَلَكِنَّ ابْنَ أُخْتِ بُولُسَ سَمِعَ بِالْكَمِينِ
فَجَاءَ وَدَخَلَ الْمُعَسْكَرَ وَأَخْبَرَ بُولُسَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ23:
16)، فهو يقول: «3أَنَا رَجُلٌ
يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً
عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ.
وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ22: 3)، مما يرجح أن مجيئه لأورشليم كان بقصد مواصلة الدراسة على
أيدى كبار المعلمين اليهود. كما أن هذا يتفق مع ما ذكره يوسيفوس من أنه بدأ تعليمه
الفريسى المكثف وهو في نحو الرابعة عشرة من عمره. وفي هذا دليل على ذكاء بُولُسَ كشاب ومكانة
والديه أيضاً، حتى إنه لم يتم اختياره لمواصلة الدراسة عند كبار المعلمين فحسب، بل
ذهب أيضاً إلى أورشليم ليدرس على يد أعظم معلمى القرن الأول، غَمَالاَئِيلَ الأول «3أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ
كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ
عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ
كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ22:
3). وفي أثناء دراسته برزاً عن معظم معاصريه، و«14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ
الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ
غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ1: 14).
أما من جهة مظهره الخارجى، فليس عندنا سوى
لمحات غير مبإشرة فى الإِنْجِيل. فما حدث في لسترة، من أن أهل لسترة - فى حماستهم
الخاطئه - اعتبروا برنابا «زَفْسَ»
كبير آلهة الأولمب، واعتبروا بُولُسَ «هَرْمَسَ» رسول الآلهة المجنح «12فَكَانُوا
يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي
الْكَلاَمِ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ14: 12)، نرجح أن برنابا كان
أكثر جلالة ومهابة، بينما كان بُولُسَ أقل منه مظهراً ولكن افصح لساناً. ولعل ما يؤيد القول بأنه
لم يكن ذا مظهر جذاب، ما كان يقوله معارضوه فى كُورِنْثُوسَ: الرسائل ثقيلة وقوية،
اما حضور الجسد فضعيف «10لأَنَّهُ
يَقُولُ: «الرَّسَائِلُ ثَقِيلَةٌ وَقَوِيَّةٌ، وَأَمَّا حُضُورُ الْجَسَدِ
فَضَعِيفٌ وَالْكَلاَمُ حَقِيرٌ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ10: 10). ويذكر بُولُسَ نفسه امرين كان
لهما – ولا بد - اثر في إضعاف مظهره إلى حد ما - فى شيخوخته على الأقل:
اعتلال صحته الذي يشير إليه بعبارة: شوكة في
الجسد «7وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ،
أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي لِئَلاَّ
أَرْتَفِعَ. 8مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ
إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. 9فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي
الضُّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي،
لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. 10لِذَلِكَ
أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاِضْطِهَادَاتِ
وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ
أَنَا قَوِيٌّ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ12: 7-10)،
وتجربتي التي فى جسدي «13وَلَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ
بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ. 14وَتَجْرِبَتِي
الَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا، بَلْ كَمَلاَكٍ
مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَالْمَسِيحِ يَسُوعَ. 15فَمَاذَا
كَانَ إِذاً تَطْوِيبُكُمْ؟ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ
لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ4: 13-15)، والتي تضرع إلى الرب من أجلها مراراً.
سمات الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فى جسده، والأرجح أنه يقصد بها آثار الجروح
والضربات التي أصابته كخادم للإِنجيل، والتي كان يعبترها سمات مقدسة تدل على صلته
بالرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ «17فِي مَا بَعْدُ لاَ يَجْلِبُ أَحَدٌ عَلَيَّ أَتْعَاباً،
لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ6: 17).
كما أن رسالتيه إلى كنيسة كُورِنْثُوسَ
تدلان على أنه كان يعتبر نفسه أقل بلاغة في الكلام من الآخريين «1وَلَكِنِّي جَزَمْتُ بِهَذَا فِي نَفْسِي أَنْ لاَ آتِيَ
إِلَيْكُمْ أَيْضاً فِي حُزْنٍ. 2لأَنَّهُ
إِنْ كُنْتُ أُحْزِنُكُمْ أَنَا، فَمَنْ هُوَ الَّذِي يُفَرِّحُنِي إِلاَّ الَّذِي
أَحْزَنْتُهُ؟ 3وَكَتَبْتُ لَكُمْ
هَذَا عَيْنَهُ حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ لِي حُزْنٌ مِنَ الَّذِينَ كَانَ
يَجِبُ أَنْ أَفْرَحَ بِهِمْ، وَاثِقاً بِجَمِيعِكُمْ أَنَّ فَرَحِي هُوَ فَرَحُ
جَمِيعِكُمْ. 4لأَنِّي مِنْ حُزْنٍ
كَثِيرٍ وَكَآبَةِ قَلْبٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، لاَ لِكَيْ
تَحْزَنُوا، بَلْ لِكَيْ تَعْرِفُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي عِنْدِي وَلاَ سِيَّمَا
مِنْ نَحْوِكُمْ. 5وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَحْزَنَ، فَإِنَّهُ
لَمْ يُحْزِنِّي، بَلْ أَحْزَنَ جَمِيعَكُمْ بَعْضَ الْحُزْنِ لِكَيْ لاَ
أُثَقِّلَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ2:
1–5)، «10لأَنَّهُ يَقُولُ:
«الرَّسَائِلُ ثَقِيلَةٌ وَقَوِيَّةٌ، وَأَمَّا حُضُورُ الْجَسَدِ فَضَعِيفٌ
وَالْكَلاَمُ حَقِيرٌ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ10: 10)، «6وَإِنْ
كُنْتُ عَامِّيّاً فِي الْكَلاَمِ فَلَسْتُ فِي الْعِلْمِ، بَلْ نَحْنُ فِي كُلِّ
شَيْءٍ ظَاهِرُونَ لَكُمْ بَيْنَ الْجَمِيعِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ11: 6).
وفى نفس الوقت تدل رسائله على أنه كان رجلاً
حاد الذكاء، مرهف الحس، ملتهب الروح، شديد الحيوية، قوي العزم، واسع الصدر، صادق
الود. وقد وصفه أحد شيوخ أسيا الصغرى فى القرن الثاني بأنه كان: رجلاً قليل الحجم،
أصلع الرأس، أعوج الساقين، قوي البنية، له حاجبان مقرونان، وأنف معقوف بعض الشيء،
ودوداً إلى أبعد الحدود، كان يبدو عليه أحياناً أنه إنسان، وأحياناً آخرى أنه
ملاك. ومع أن هذا الوصف قد يكون مأخوذاً مما جاء فى الإِنْجِيل، إلا أنه قد يكون
وصفاً صحيحاً يرجع إلي أيام الكنيسة الأولي.
ويبدو أن مسألة هل تزوج الرَّسُولِ بُولُسَ أم لم يتزوج، ستظل معلقة لا يمكن القطع
فيها برأي، وإن كان الأرجح انه ظل أعزب طيلة حياته.
أما أنا أرجح أنه كان متزوج لأنه كعضو فى
السنهدريم «10وَفَعَلْتُ ذَلِكَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ
كَثِيرِينَ مِنَ الْقِدِّيسِينَ آخِذاً السُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ
الْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذَلِكَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ26: 10)، كان يجب أن يتزوج وأن يكون له أولاد فهو قول تقليد يرجع
إلى زمن الربي أكيبا فى أوآخر القرن الأول أو أوائل القرن الثاني بعد الميلاد، كما
أن أكليمندس الاسكندري ذكر من أن بُولُسَ كان متزوجاً، ولكنه ترك زوجته في فيلبي حتى لا تعوقه عن
التجوال، لأنها هي التي قادة جماعة التهودين، وحاربت بولس فكل مكان، وهي التي شككت
في رسوليته، وهي المقصودة بالقول: «9وَهَذَا
أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضاً أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي
الْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ، 10حَتَّى
تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ(كانت
ضده)، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ،...15أَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ
حَسَدٍ وَخِصَامٍ يَكْرِزُونَ بِالْمَسِيحِ، وَأَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ
مَسَرَّةٍ. 16فَهَؤُلاَءِ عَنْ تَحَزُّبٍ يُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ،
ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي
ضِيقاً»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي1: 9و10)،
ظن البعض أن الرَّسُولِ بُولُسَ يحرض «8وَلَكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ
الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ7: 8)، لأنه حسب
الرسول مع غَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ، لكنه متزوجاً وتركه زوجته فحسب النظام اليهودي يحسب مع الأَرَامِلِ.
كما أن الْمُتَزَوِّجِينَ من الكورنثيين كانوا يدعمون آراءهم
بالإِشارة إلى أن الرَّسُولِ بُولُسَ قدم خبرته في الزواج من خلال النصائح
التالية:
«10وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ
الرَّبُّ أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا. 11وَإِنْ فَارَقَتْهُ فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ أَوْ
لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ...»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ7: 10و11)، قارن
وراجع رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى
إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ7.
كان بُولُسَ رجلاً حضرياً مثقفاً له مواقف وخبرات هيأته
لرحابة الفكر واتساع الخدمة. لقد نشأ في وسط المركز التجاري والثقافي فى مدينة
طرسوس، وتربي فى مدينة أورشليم عاصمة اليهود، وركز خدمته فى العواصم الرومانية
الكبيرة، وتطلع إلى المناداة بالإِنجيل فى روما نفسها عاصمة الامبراطورية. وتظهر
الحصرية فى استعاراته المأخوذة عن حياة المدنية مثل ميدان الألعاب «24أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي
الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ وَلَكِنَّ وَاحِداً يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟
هَكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. 25وَكُلُّ
مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولَئِكَ فَلِكَيْ
يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى. 26إِذاً أَنَا أَرْكُضُ هَكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ
عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هَكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ. 27بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ حَتَّى
بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ9: 24-27)، «14أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ
دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي3: 14)،
والأحكام الشرعية «1أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ - لأَنِّي
أُكَلِّمُ الْعَارِفِينَ بِالنَّامُوسِ - أَنَّ النَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى
الإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيّاً. 2فَإِنَّ
الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحْتَ رَجُلٍ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ
الْحَيِّ. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ
الرَّجُلِ. 3فَإِذاً مَا دَامَ
الرَّجُلُ حَيّاً تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. وَلَكِنْ إِنْ
مَاتَ الرَّجُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى إِنَّهَا لَيْسَتْ
زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. 4إِذاً
يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضاً قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ
لِكَيْ تَصِيرُوا لِآخَرَ لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ
لِلَّهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ7: 1–4)، «15أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ
أَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ يُبْطِلُ عَهْداً قَدْ تَمَكَّنَ وَلَوْ مِنْ إِنْسَانٍ،
أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ3: 15)، «21قُولُوا
لِي، أَنْتُمُ الَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ النَّامُوسِ،
أَلَسْتُمْ تَسْمَعُونَ النَّامُوسَ؟»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ4: 21)،
والمواكب «14وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ
كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ2: 14)، «15إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ
اشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي2: 15)،
والمعاملات فى الأسواق «22الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضاً، وَأَعْطَى عَرْبُونَ
الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ1: 22)، «5وَلَكِنَّ الَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ
هُوَ اللهُ، الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ5: 5).
لقد كان واسع الثقافة فى تقاليد الآباء، كما
أنه اتصل أتصالاً وثيقاً بالثقافة اليونانية، وحصل على الرعوية الرومانية، لذلك
كان قادراً على أن يتحدث بسهولة لجميع قطاعات العالم الروماني.
إلى اللقاء في الجزء الثاني من حياة شَاوُلُ الأرهابي
الرَّسُولِ بُولُسَ
الأرهابي الذي آمن بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
0 التعليقات:
إرسال تعليق