مباحث للعقلاء
والمفكرين
المبحث الثالث
3
هل يعقل أن
اللهُ تجسَّد؟
إعداد
د. القس / سامي م.
اسكندر
باحث ومحاضر في الدين
المقارن
الفصل الخامس
السؤال الثاني
مـتي تم
التجسّد؟
يقول بولس الرسول: «وَلكِن لَمَّا
جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ،
مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ»،([1]) والمقصود بملء الزمان، الزمن الذي حدده الله لإتمام الوعد الذي أعطاه لآدم،
وأكده لإبراهيم، يقول الإنجيل: «وَأَمَّا
الْمَوَاعِيدُ فَقِيلُتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لا يَقُولُ: (وَفِي
الأَنْسَالِ) كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: (وَفِي
نَسْلِكَ) الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ».([2]) تأكيد الوعد
لإبراهيم كَانَ قبل إعطائه الناموس لموسى ب 430 سنة، هذا الوعد السابق للناموس مع
وعد الله لآدم([3])،
بأن تتبارك فيك جميع قبائل الأَرْضُ، تحقق في نسله (أي نسل إبراهيم)، الذي هو يسوع
المسيح.
وهنا نري تناغم كلمة الله في التوراة
(العهد القديم) مع الإنجيل (العهد الجديد)، إذ يقول الإنجيل: «لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي
الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ».([4]) أي أن السيد المسيح
جمع في نفسه التدابير التي استغرقت فترة طويلة جدًا، منذ السقوط وحتى مجيئه متجسدًا.
وبمجيئه جمع في نفسه، وحقق كل المواعيد
والعهود والنبوات التي طال انتظار تحقيقها، لذلك نسمع الإنجيل يقول: «اللهُ، بَعْدَمَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً،
بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي
ابْنِهِ».([5]) الله دائم الحديث
معنا، وهو الذي يبحث عنا، ويتحرك نحونا ليعلن لنا عن نفسه بحب، لأنه يريد أن نكون
معه في شركة واتحاد، وبالرغم من أنه فوق كل إدراك، لكنه ليس ببعيد عنا، ولا منعزلاً عن الإنسان في سماءِ أو في الأعاليِ.
لذا يقول الإنجيل: «مع أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ».([6]) أليس هو الذي تكلم في بدء الخليقة مع
آدم؟ أليس هو بنفسه الذي تكلم مع قايين بالرغم من أنه قتل هابيل أخوه؟ ومع نوح
وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى…؟ إنه يتحدث مع الشخص الواحد مرات كثيرة، بل وإنه يتحدث بأنواع وطرق كثيرة…تكلم بنفسه مع آدم، ثم من خلال الرؤية
مع يعقوب، والملائكة مع إبراهيم، والعوسجة (العليقة) المشتعلة بالنارلموسى، تكلم بواسطة الأنبياء، وبواسطة القديسين والمؤمنين.
وفي الأيام الأخير تكلم في ابنه. لأنه في ملء الزمان أي عندما كمل الزمان، والكلمة ( ملء ) إشارة إلى وقت النهاية المعينة والزمان
المحدود، وهو كما قال الرب يسوع في بدأ كرازته «بالإنجيل»، قائلاً: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْترْبَ مَلكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا
وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ».([7]) لذلك لا يمكن أن
الله بعد ما أكمل إعلانه بالمسيح يسوع، الابن الوحيد والحبيب، يعود مرة ثانية
ليكلمنا بالطرق القديمة، كالملائكة والأنبياء، لذلك أرسل لنا الروح القدس، الذي هو
روح الله، وروح المسيح في ذات الوقت، ليكلمنا بالإنجيل «البشارة السارة»، التي هي مجيء الابن في الجسد، لكي يخلصنا وينقذنا
من خطايانا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق