مباحث
للعقلاء والمفكرين
المبحث الثالث
3
هل يعقل أن اللهُ
تجسَّد؟
إعداد
د. القس / سامي م. اسكندر
باحث ومحاضر في الدين المقارن
الفصل الثاني
كيف يظهر الله للبشر؟
1)
ظهوره بهيئة غير منظورة :
بما أن الله منزَّه عن الزمان والمكان، ولا يُرى في ذاته على الإطلاق،
لأنه ليس له شكل أو أعضاء محدودة كالبشر، كان من البديهي عندما يعلن لنا عن ذاته أو مقاصده، أن يكون ذلك بطريقة غير منظورة.
أ – بالصوت:
فيُسمعنا صوتًا دون أن نرى منه شيئاً. لذلك إذا رجعنا إلى التوراة، لوجدنا أنه كان يظهر في صوت دون شكل، كما ظهر لآدم «وَسَمِعَا صَوْتَ
الرَّبِّ الإِلَهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ فَاخْتَبَأَ
آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلَهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ»([1]).
ولصموئيل النبي «أَنَّ الرَّبَّ دَعَا صَمُوئِيلَ,
فَقَالَ: «هَأَنَذَا»([2]) وإشعياء وإرميا وغيرهما من
الأنبياء. فقد قال موسى النبي لبني إسرائيل: «فَكَلمَكُمُ الرَّبُّ مِنْ وَسَطِ
النَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلامٍ وَلكِنْ لمْ تَرُوا صُورَةً بَل صَوْتاً.
وَأَخْبَرَكُمْ بِعَهْدِهِ الذِي أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ الكَلِمَاتِ العَشَرِ
وَكَتَبَهُ عَلى لوْحَيْ حَجَرٍ. وَإِيَّايَ أَمَرَ الرَّبُّ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَنْ
أُعَلِّمَكُمْ فَرَائِضَ وَأَحْكَاماً لِتَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ التِي أَنْتُمْ
عَابِرُونَ إِليْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. فَاحْتَفِظُوا جِدّاً لأَنْفُسِكُمْ. فَإِنَّكُمْ
لمْ تَرُوا صُورَةً مَا يَوْمَ كَلمَكُمُ الرَّبُّ فِي حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ
لِئَلا تَفْسُدُوا وَتَعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً صُورَةَ مِثَالٍ
مَا شِبْهَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»([3]).
ب - باستخدام النار مجازياً :
اُستخدمت النار
كرمزاً لحضور الرب ودلالة على قوته، سواء في حالة الرضي «فَانْتَقَلَ مَلاَكُ اللهِ السَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ
إِسْرَائِيلَ وَسَارَ وَرَاءَهُمْ وَانْتَقَلَ عَمُودُ السَّحَابِ مِنْ
أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ»([4]). أوفي حالة الدينونة «وَكَانَ
الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرّاًفِي أُذُنَيِ الرَّبِّ. وَسَمِعَ
الرَّبُّ فَحَمِيَ غَضَبُهُ فَاشْتَعَلتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ وَأَحْرَقَتْ فِي
طَرَفِ المَحَلةِ...فَدُعِيَ
اسْمُ ذَلِكَ المَوْضِعِ «تَبْعِيرَةَ» لأَنَّ نَارَ الرَّبِّ اشْتَعَلتْ فِيهِمْ»([5]).
وهكذا ظهر الرب في العليقة المشتعلة «وَظَهَرَ
لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ فَنَظَرَ وَإِذَا
الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ!»([6])، وعلى جبل سيناء
المضطرم بالنار «وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ
أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ
الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدّاً...وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ الرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى
رَأْسِ الْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»([7])، لذلك قيل عنه أنه «جَبَلٍ
مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِالنَّارِ»([8]).
كما ظهر هكذا لإشعياء «وَهَذَا
نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ
كُلِّ الأَرْضِ.... فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ
وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَاناً»([9]). ولحزقيال «سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا
لَمَعَانٌ, وَمِنْ وَسَطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ»([10]).
وليوحنا «فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ
مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي وَسَطِ
السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى
الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَـمَنْطِقاً عِنْدَ ثَـدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْـرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ،
وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ ،
كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ»([11]).
وسيظهر هكذا في مجيئه ثانية «وَإِيَّاكُمُ
الَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ
مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيا ًنَقْمَةً
لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا
يَسُوعَ الْمَسِيحِ»([12]).
وقد قاد الرب شعبه قديماً في البرية بعمود نار «وَكَانَ
الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَاراً فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي
الطَّرِيقِ وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ - لِكَيْ يَمْشُوا
نَهَاراً وَلَيْلاً»([13]).
ويقال عن الله أنه نار آكلة، ليس لأجل بهاء مجده فحسب،
بل أيضاً في غضبه على الخطية، فسيحرق الخطاة في جهنم، البحيرة المتقدة بالنار والكبريت،
التي نارها لا تطفأ ودودها لا يموت «إِنَّهُ قَدِ اشْتَعَلتْ نَارٌ بِغَضَبِي فَتَتَّقِدُ
إِلى الهَاوِيَةِ السُّفْلى وَتَأْكُلُ الأَرْضَ وَغَلتَهَا وَتُحْرِقُ أُسُسَ
الجِبَالِ»([14])، «إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَغْضَبُ كُلَّ الْغَضَبِ
وَتَتَّقِدُ كَالنَّارِ غَيْرَتُكَ؟»([15])، «وَيَصِيرُ
نُورُ إِسْرَائِيلَ نَاراً وَقُدُّوسُهُ لَهِيباً فَيُحْرِقُ وَيَأْكُلُ حَسَكَهُ
وَشَوْكَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ...مَنْ
مِنَّا يَسْكُنُ فِي نَارٍ آكِلَةٍ؟ مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي وَقَائِدَ
أَبَدِيَّةٍ؟...»([16])، « وَأَسْكُبُ عَلَيْكِ غَضَبِي, وَأَنْفُخُ عَلَيْكِ
بِنَارِ غَيْظِي, وَأُسَلِّمُكِ لِيَدِ رِجَالٍ مُتَحَرِّقِينَ مَاهِرِينَ
لِلإِهْلاَكِ. تَكُونِينَ أَكْلَةً لِلنَّارِ»([17])، «جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ
أَبَدِيَّةٍ...وَإِبْلِيسُ
الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ»([18]). كما يشبه شعب
الله بنار تلتهم الأعـداء «وَيَكُونُ بَيْتُ يَعْقُوبَ نَاراً وَبَيْتُ يُوسُفَ
لَهِيباً وَبَيْتُ عِيسُو قَشّاً فَيُشْعِلُونَهُمْ وَيَأْكُلُونَهُمْ وَلاَ
يَكُونُ بَاقٍ مِنْ بَيْتِ عِيسُو لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ»([19]).
والنار أيضاً رمزاً لقداسة الله ، لأنه من هذه الناحية لا يستطيع
الخاطئ أن يتوافق مع الله على الإطلاق «لأَنَّ
إِلَهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ»([20])، كما أنها رمزاً لقوته المطهّرة التي تقضي على كل
شر في الناس وغير الناس «فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً لأَنَّ
الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ
كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ»([21])، وهي كذلك رمز للآلام والضيقات. والآن وقد عرفنا أن الله كان يظهر
لبني إسرائيل في صوت أو كلام، لنسأل أنفسنا:
هل كان الله يظهر قديماً للإنسان بهيئة منظورة؟
هذا ما سوف نبحث في الفصل القادم.
الفصل الثالث
هل ظهر الله بهيئة
منظورة في التوراة ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق