• اخر الاخبار

    أين الحل؟ والسؤال الأول كيف تجسّد ابن الله، وحل في مريم العذراء؟ د. القس / سامي منير اسكندر






    مباحث للعقلاء والمفكرين
      المبحث الثالث


    3
    هل يعقل أن
    اللهُ تجسَّد؟



    إعداد

    د. القس / سامي م. اسكندر


    باحث ومحاضر في الدين المقارن


    الفصل الخامس


    أين الحل؟


    v   حتمية إيجاد الحل من قبل الله
    إن طبيعة الإنسان الأصلية هي العدم، فإنه فانٍ بطبيعته، لكن الله حين خلقه على صورته، وأعطاه الوصية والسلطان، أراد له النجاة من العدم والموت، لكن الإنسان رفض أن يُبقي معرفة الله فيه، وسار إلى الفساد والعودة إلى طبيعته الأولي وهي العدم. لأن الموت صار له السلطان على الإنسان، بالتالي صار من المستحيل أن الله ينقض الوصية التي أعطها لآدم، وهذه هي الأسباب:
    أولاً: لصارا الله كاذباً
    أمراً مرعباً وغير لائق بالله، لو أنه بعدما أعطي الوصية لآدم قائلاً: «مَوْتاً تَمُوتُ»، يأتي الله ويرفع حكم الموت بالرحمة، كما أنه عدم موت الإنسان بعدما قال الله بإن الإنسان يموت، يجعل الله كاذباً، ويحق للإنسان بعد ذلك أن يكسر كل وصايا الله وناموسه، متستراً برداء رحمة الله.
    ثانيًا: صورة الله مصيرها الهلاك والموت
    كَانَ مرعباً وغير لائقاً بالله، أن الخليقة التي خلقت على صورته، والتي شاركت الله الحياة والوجود بعد العدم، أن يصبح مصيرها الهلاك والموت، والعودة ثانية إلى الفساد والاِنحلال.
    ثالثًا: عدم رضى الله
    إن الله في صلاحه لا يرضى أن تموت الخليقة بسبب الخطية التي أدخلها الشيطان على البشر، وحتى بسبب خطية الإنسان وإهماله الوصية.
    رابعًا: أين دور الله؟
    لو كَانَ مصير الخليقة التي على صورة الله هو الهلاك والفناء والموت، فالسؤال يكون : ما هو دور الله في صلاحه إذن؟
    أيرضي بأن يرى الفساد يسود البشر دون علاج ؟
    وما الفائدة من خلقهم منذ البدء أذاً ؟
    أليس من الخير لهم لو لم يخلقهم بدلاً من أن يخلقهم ثم يهملهم فيموتون في خطاياهم ؟ 
    لهذا أصبح أمرًا محتمًا ألا يُترِكَ الله الإنسان للموت في خطيته، لأن ذلك يعلن عن ضعف الخالق لا عن صلاحه، وهذا يعتبر شيء غير لائق بالخالق، كما إنه لا يتفق مع صلاح الله وجوده.
    وعلى الجانب الآخر فإن غفران الله للإنسان دون تكفير يصطدم بمطالب الله من جهة عدله. إذ يجب أن يكون الله أمينًا صادقًا عادلاً، من جهة حكم الموت الذي وضعه للإنسان، فعدم موت الإنسان وتنفيذ الله لحكمه يعلن:
          1.  أن الله كذابًا، وحاشًا أن يكون الحق نفسهُ كذبًا.
        2.  أن عدم تنفيذ الحكم غير لائق بعدالة الله، ولا يتفق بطبيعة قداسته.
    وقد نقول: لماذا لا يطلب الله من الإنسان التوبة عن تعديه الوصية ؟ ولكن هل تنفع التوبة لتغير طبيعة الإنسان التي فسدت؟!
    إن التوبة لا تستطيع أن توفي مطالب عدالة الله ، لأنه إن لم يظل الإنسان تحت سلطان الموت سوف يكون الله غير صادق، كما أنه يؤكد للإنسان صدق إدعاء الشيطان على الله « فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْآةِ: «لَنْ تَمُوتَا».([1])
    كما أن التوبة عاجزة على أن تغير من طبيعة الإنسان، أو أن تحرره من قبضة سلطان الموت. فكل ما تفعله التوبة قد تقف (لبعض الوقت) حائلاً بين الإنسان واِرتكاب الخطية ، لأن الخطية ليست مجرد خطًأ بسيطًا اِرتكبه الإنسان يمكن إصلاحه . فلو كَانَ كذلك لأصبحت التوبة توفي بالغرض، ولكن من نتائج الخطية الموت والحرمان بالرغم من وجود صورة الله في الإنسان، وبالتالي لايمكن للأنسان أن يكون في اتحاد وشركة مع الله وهو خاطيء فلا يحيا الإنسان للأبد وهو في خطيته.
    ولكي يحقق الله هدفه من وجود الإنسان بما لا يتعارض مع عدالة الله، وفي نفس الوقت بما يليق ويتفق مع محبة الله ورحمته للإنسان، فكَانَ لابد له أن يتخذ جسداً، لكي يوفي مطالب عدالته، وفي نفس الوقت يجدَّد خلق كل شئ، فيتحمل الآلام عوضاً عن الإنسان في هذا الجسد الذي اتخذه، فيكون نائبًا عن الجميع كآدم الأخير.
    والسؤال : كيف يكون الله نائبًا عن البشر يأخذ حكم الموت، وهو الحي الذي لا يموت؟
    الله روح ، والروح لا تموت، لذلك أخذ كلمة الله جسدًا قابلاً للموت فيقول الإنجيل: «فَاللهُ إِذْ أرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ».([2]) فاتحد كلمة الله بالجسد يجعله قادرًا على أن يموت بديلاً عن البشر، فيكون نائبًا عن الجميع تحت حكم الموت، ويموت - والموت هنا لذلك الجسد الذي أخذه كلمة الله - ثم يقوم من الأموات، فيتحرر جميع الذين يقبلون موته عوضاً عنهم.
    لذلك يجب أن نجيب على هذه الأسئلة التي من خلالها قد يتضح لنا فكر الله من خلال التجسّد([3])، والأسئلة هي:
    السؤال الأول

    كيف تجسّد ابن الله، وحل في مريم العذراء؟

    يقولون: كيف صار المسيح وهو «ابن الله» إنسانًا؟ يجيب كتاب أصول الإيمان: (إن المسيح ابن الله صار إنساناً باِتِّخاذه لنفسه جسدًا حقيقيًا ونفسًا عاقلة، إذ حُبل به بقوة الروح القدس في رحم مريم العذراء، وولد منها ولكن دون خطية) وفي هذا يقول الإنجيل: «وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ»،([4]) فالله الكلمة (ابن الله) دخل عالمنا مولودًا غير مخلوقٍ. فالدخول إلى العالم يكون بأربعة طرق هي:
    1-  إما عن طريق (الخلق) المادة كالتراب التي أخذها الله وصورها ونفخ فيها نسمة حياة فكَانَ كآدم، فيقول الإنجيل: «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابَاً مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَياةٍ، فَصَارَ آدَمَ نَفْساً حيَّةً».([5])
    2- إما عن طريق (البناء) من الرجل حينما أخذ الرب الإله أحد أضلاعه وملأها لحمًا فكَانَت حواء، كقول الإنجيل: «فَـأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَـاتاً عَلَى آدَمَ، فَنَامَ. فَـأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْماً. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً، وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ».([6])
    3- إما عن طريق (التكاثر) بتزاوج الرجل والمرأة وهذا هو طريق كل الأَرْضُ. (الثلاث طرق الماضية عن طريق الخلق).
    4- وفي النهاية لا يتبقى إلا طريق واحد وهو أن يتجسد الله الكلمة مولودًا من مريم العذراء، لكي يدخل عالمنا، فيستطيع العالم مشاهدته، كما يقول القديس يوحنا الرسول: «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً».([7]) وهذا الطريق تم خلال روح الله مباشرة، فالمسيح هو كلمة الله حُمل به بالروح القدوس، فهذا واضح من كلام الملاك ليوسف قائلاً: «لا تَخَفْ أَنْ تَأَخُذَ مَرْيَمَ امْرَأْتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ».([8])
    هذا الطريق أيضاً يتفق مع إعلان الله  لآدم وحواء الوعد بالخلاص بعد السقوط مباشرةً، وهو: «أَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ (الحية التي هي الشيطان) وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».([9]) وهذا الوعد الذي من خلاله يحقق الله الخلاص لآدم ونسله، فكما أغويت حواء فدخلت الخطية للعالم، بالخطية الموت، فصار الموت للجميع، هكذا بنسل المرأة يتحقق الخلاص كما يقول الإنجيل: «لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلادَةِ الأَوْلادِ».([10])
    يقول البعض كيف يحل الإله في البشريَّةِ (في مريم العذراء) التي خلقها؟ يقول الأسقف بولس البوشيّ([11]):  يُقال لهم لَمَّا كلَّم اللهُ موسى في العَوْسجة (العليقة)، بلهيبِ نارٍ، لم تحترق، ولا تغير لونها، وما الدليل على ذلك؟ وكيف لم يكلَّمْه في شجرةٍ ذات ثمار، بل أخذ مَدْخلاً من عَوْسجةٍ ذاتِ شَوك، غير مُثمر؟ زاد ذلك ظهوره بما قاله: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْراهِيمَ، وَإِلهُ إِسْحقَ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ».([12]) ثم أمره أن ينزل إلى مصر، ويُخلَّصَ شعبَه، وأيده بالآيات، وضرب المصريين بعشرة ضربات، وأصعد الشعب بيدٍ قوية. فعُرف حينئذ أن الذي كلَّم موسى في العوسجة هو الإلهُ الحقُّ، لِما قد أظهَرَ من فعاله (أي الآيات). وهكذا نَفهَمْ حالَ تجسُّده، عِندَما أظهر الفعل اللائق باللاهوت، وأكمل قول الأنبياء فيه. فحينئذٍ عُرف أنَّه «الإلهُ مخلَّصُ البريَّة».
    ويستدل من المثل السابق دليلاً على تجسّد الرب من مريم العذراء، بقوله: «فإن قالوا: كيف تكون العذراء مثل العوسجة؟ يُقال لهم: ما تظُنَّون الأفضلَ والأشراف: الأشجارُ والنباتُ والآكامُ،([13]) أو الإنسانُ [الذي هو على صورة الله] ؟ وهل الإنسان خُلق من أجل الأشجار، أو كل هؤلاء بأَسرِهم خُلقوا لأجل الإنسان؟ فمعلومٌ أَنَّهم خُلقوا من أجلِ الإنسان؟ [راجع ما قاله السيد المسيح بخصوص السبت الذي جُعل لأجل الإنسان([14])طالما أن الله نفسه لم يرفض أن يُكلَّمَ موسى من عوسجة غير مثمرةٍ، فأحرى وأليقُ  بالله أن يكلَّمَنا من الجسد الذي أتَّخذه من مريم العذراء، واتحد به.([15])
    يقول الدكتور القس / منيس عبد النور([16]): "المسيح إذن، في ولادته من امرأة أخذ لنفسه طبيعة بشرية. ومع أنه بقي على سموّه الإلهي إلا أنه صار إنسانًا حقًا، فإن حلول «كل ملء اللاهوت» في جسد المسيح يعني أن الله لِبس لباسًا جسديًاوكل من يتطلع إلى يسوع المسيح يرى بدون شك جسدًا وإنسانًا، ولكن في المسيح نرى الله بالذات، بكل كمال لاهوته في لباس إنساني. يسوع المسيح هو إذن «اللهُ ظهر فِي الجسدِ»". ([17])
    ولادته العجيبة من عذراء لم تعرف رجلاً دليل على أن له وجوداً ذاتياً قبل ولادته منها، فهو لم يأخذ الحياة من بذار الحياة التي في الرجل، فهو كائن له وجود ذاتي، وله حياة ذاتية يقول عنه الوحي المقدس «فِيهِ كَانَتِ الْحَياةُ».([18]) لذلك فهو الله لأنه لا يوجد كائن ذاتي الحياة سوى الله.

    إلى اللقاء

    في

    السؤال الثاني

    مـتي تم التجسّد؟






    [1] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر تكوين اَلأَصْحَاحُ 3 الأية 4.
    [2] الإنجيل، رسالة بولس الرسول لأهل رومية اَلأَصْحَاحُ 8 الأية 3.
    [3] على أن القناعة النهائية لا تأتي إلا من خلال عمل الله في قلب الإنسان.
    [4] الإنجيل، رسالة بولس الرسول لأهل غلاطية اَلأَصْحَاحُ 4 الأية 4.
    [5] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر التكوين اَلأَصْحَاحُ 2 الأية 7.
    [6] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر التكوين اَلأَصْحَاحُ 2 الأيات 21و22.
    [7] الإنجيل، إنجيل الرسول يوحنا اَلأَصْحَاحُ 1 الأية 14.
    [8] الإنجيل، إنجيل الرسول متّى اَلأَصْحَاحُ 1 الأية 20.
    [9] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر التكوين اَلأَصْحَاحُ 3 الأية 15.
    [10] الإنجيل، رسالة بولس الرسول الأولي لتيموثاوس اَلأَصْحَاحُ 2 الأية 14و15.
    [11] أسقف مصر سنة1240.
    [12] التوراة، العهد القديم في الكتاب المقدس، سفر الخروج اَلأَصْحَاحُ 3 الأية 6.
    [13] جمع الأكمة، وهو المكان المرتفع أو التل، وما سواء ذلك.
    [14] الإنجيل، إنجيل الرسول مرقس اَلأَصْحَاحُ 2 الأية 27.
    [15] مقالة في التثليث والتجسُّد وصحة المسيحية لبولس البوشيّ، تحقيق وترجمة الأب سمير خليل.
    [16] كتاب هل تجسَّد الله ؟ صحفة54.
    [17]  الإنجيل، رسالة بولس الرسول الأولي لتيموثاوس اَلأَصْحَاحُ 3 الأية 16.
    [18] الإنجيل، إنجيل الرسول يوحنا اَلأَصْحَاحُ 1 الأية 5.


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: أين الحل؟ والسؤال الأول كيف تجسّد ابن الله، وحل في مريم العذراء؟ د. القس / سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top