شخصيات نسائية
في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ
1) رَاعُوث الموابية
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
لا يوجد أسم رَاعُوث فى نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ إلا فى السِفْرُ المسمى باسمها، ولعل اسمها يعنى صديقة أو
صاحبه: «2تَكَلَّمْ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ
رَجُلٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَكُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ
وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ»(سِفْرُ
اَلْخُرُوجُ11: 2)، وجاءت الكلمة فى قاموس اكسفورد
العبرى بأنها تعنى صداقة.
يروى سِفْرُ رَاعُوث بالتفصيل تاريخ الحدث الفاصل الذى بموجبه
أصبحت رَاعُوث الجدة التى أتى منها دَاوُدَ والبيت الملكى
فى يَهُوذَا، وله من هذه الناحية، أهمية خاصة إذ يفسر لنا الصداقة الوطيدة أو
التحالف بين إسرائيل ومُوآبَ فى أيام دَاوُدَ، وفالاسم نفسه يشير إلى هذا المضمون.
حدثت القصة فى زمن القضاة «1حَدَثَ فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ صَارَ
جُوعٌ فِي الأَرْضِ, فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا لِيَتَغَرَّبَ
فِي بِلاَدِ مُوآبَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ»(سِفْرُ رَاعُوث1: 1)، فى فترة مجاعة عظيمة فى أَرْضِ إسرائيل، حين لجأ أليمالك من بيت لحم
هو وامرأته وابناه إلى أَرْضِ مُوآبَ، وهناك مات
بعد فترة من الزمن (لم تحدد بالضبط) «3وَمَاتَ أَلِيمَالِكُ رَجُلُ نُعْمِي, وَبَقِيَتْ
هِيَ وَابْنَاهَا»(سِفْرُ
رَاعُوث1: 3)، ثم مات أبناه بعد ما تزوجا بامرأتين من
مُوآبَ فى خلال عشر سنوات أخرى وتركا أرملتيهما عُرْفَةُ ورَاعُوث «5ثُمَّ مَاتَا كِلاَهُمَا مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ,
فَتُرِكَتِ الْمَرْأَةُ مِنِ ابْنَيْهَا وَمِنْ رَجُلِهَا»(سِفْرُ رَاعُوث1: 5).
ثم قررت نُعْمِي العودة إلى أَرْضِ يَهُوذَا،
ورافقهما كنتاها فى الطريق إلى أَرْضِ يَهُوذَا «7وَخَرَجَتْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ
وَكَنَّتَاهَا مَعَهَا, وَسِرْنَ
فِي الطَّرِيقِ لِلرُّجُوعِ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا»(سِفْرُ رَاعُوث1: 7)، ثم رجعت عُرْفَةُ، وظلت رَاعُوث ملازمة لنُعْمِي فى رحلة العودة إلى بيت
لحم: «22فَرَجَعَتْ نُعْمِي وَرَاعُوثُ الْمُوآبَيَّةُ كَنَّتُهَا مَعَهَا, الَّتِي
رَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ, وَدَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ
الشَّعِيرِ»(سِفْرُ
رَاعُوث1: 22).
ويبدو واضحاً من بداية القصة، تقوى وإخلاص رَاعُوث، حيث أنها رفضت أن تترك حماتها بالرغم من
مناشدة نُعْمِي لها ثلاث مرات أن تتركها، لتقدمها فى السن ولأن فرص الحياة أمام رَاعُوث ستكون أفضل فى وطنها. لقد خضعت عُرْفَةُ لإلحاح نُعْمِي ورجعت
إلى مُوآبَ، أما رَاعُوث فلازمت نُعْمِي قائلة: «16فَقَالَتْ رَاعُوثُ: «لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ
أَتْرُكَكِ وَأَرْجِعَ عَنْكِ, لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا
بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي. 17حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ.
هَكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهَكَذَا يَزِيدُ. إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ
بَيْنِي وَبَيْنَكِ»(سِفْرُ
رَاعُوث1: 16 و17).
عملت رَاعُوث فى بيت لحم فى التقاط سنابل الشعير فى
الحقول فى موسم الحصاد، ولاحظها بُوعَزُ- صاحب الحقل- وكان ذا قرابة لأليمالك
حميها، وسمح لها بُوعَزُ أن تلتقط طيلة أيام الحصاد، وقال لها إنه سمع عن وفائها
وإخلاصها لحماتها، وأمر غلمانه الحصادين بأن يتعمدوا أسقاط السنابل من الحزم
لتلتقطها «15ثُمَّ قَامَتْ لِتَلْتَقِطَ. فَأَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ: «دَعُوهَا تَلْتَقِطْ
بَيْنَ الْحُزَمِ أَيْضاً وَلاَ تُؤْذُوهَا. 16وَأَنْسِلُوا
أَيْضاً لَهَا مِنَ الْحُزَمِ وَدَعُوهَا تَلْتَقِطْ وَلاَ تَنْتَهِرُوهَا»(سِفْرُ رَاعُوث2: 15 و16)، وهكذا استطاعت أن تعود إلى نُعْمِي فى المساء ومعها إيفة شعير «17فَالْتَقَطَتْ فِي الْحَقْلِ إِلَى الْمَسَاءِ,
وَخَبَطَتْ مَا الْتَقَطَتْهُ فَكَانَ نَحْوَ إِيفَةِ شَعِيرٍ»(سِفْرُ رَاعُوث2: 17). ولما سئلت عن سر نجاحها فى جمع السنابل، ذكرت أنه بفضل رعاية بُوعَزُ
لها والأوامر التى أصدرها لغلمانه، وهكذا ظلت تلتقط مع فتيانه طوال مدة حصاد
الشعير وحصاد الحنطة. وسكنت مع حماتها «22فَقَالَتْ نُعْمِي لِرَاعُوثَ كَنَّتِهَا: «إِنَّهُ
حَسَنٌ يَا ابْنَتِي أَنْ تَخْرُجِي مَعَ فَتَيَاتِهِ حَتَّى لاَ يَقَعُوا بِكِ
فِي حَقْلِ آخَرَ». 23فَلاَزَمَتْ
فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي الاِلْتِقَاطِ حَتَّى انْتَهَى حَصَادُ الشَّعِيرِ
وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ. وَسَكَنَتْ مَعَ حَمَاتِهَا»(سِفْرُ رَاعُوث2: 22و23).
اهتمت نُعْمِي بأن تتزوج رَاعُوث ثانية وذلك لخير رَاعُوث، وإطاعة أيضا لأحكام شريعة إسرائيل،
فأرسلتها إلى بُوعَزُ لتذكره بواجبه لقرابته لزوجها أليمالك «1وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: «يَا ابْنَتِي
أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟ 2فَالآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا,
الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ
اللَّيْلَةَ. 3فَاغْتَسِلِي
وَتَدَهَّنِي وَالْبَسِي ثِيَابَكِ وَانْزِلِي إِلَى الْبَيْدَرِ, وَلَكِنْ لاَ
تُعْرَفِي عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 4وَمَتَى اضْطَجَعَ فَاعْلَمِي الْمَكَانَ الَّذِي
يَضْطَجِعُ فِيهِ وَادْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجِعِي,
وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ»(سِفْرُ رَاعُوث3: 1-4).
سلم بُوعَزُ بهذا الطلب ووعد بالزواج من رَاعُوث إذا تحقق شرعياً أن الوالى الأقرب منه، أبى
أن يقضى لها حق الولى «8وَكَانَ عِنْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ أَنَّ الرَّجُلَ
اضْطَرَبَ, وَالْتَفَتَ وَإِذَا بِامْرَأَةٍ مُضْطَجِعَةٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. 9فَقَالَ: «مَنْ أَنْتِ؟» فَقَالَتْ: «أَنَا
رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ». 10فَقَالَ: «إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ
يَا ابْنَتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ
الأَوَّلِ, إِذْ لَمْ تَسْعِي وَرَاءَ الشُّبَّانِ, فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ
أَغْنِيَاءَ. 11وَالآنَ يَا ابْنَتِي
لاَ تَخَافِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُ لَكِ, لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ
شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ. 12وَالآنَ
صَحِيحٌ أَنِّي وَلِيٌّ, وَلَكِنْ يُوجَدُ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنِّي. 13بِيتِي اللَّيْلَةَ, وَيَكُونُ فِي الصَّبَاحِ
أَنَّهُ إِنْ قَضَى لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ فَحَسَناً. لِيَقْضِ. وَإِنْ لَمْ
يَشَأْ أَنْ يَقْضِيَ لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ, فَأَنَا أَقْضِي لَكِ. حَيٌّ هُوَ
الرَّبُّ. اضْطَجِعِي إِلَى الصَّبَاحِ»(سِفْرُ رَاعُوث3: 8- 13). أيقنت نُعْمِي أن بُوعَزُ لابد أن يتمم وعده، ونصحت رَاعُوث بالانتظار والصبر.
قام بُوعَزُ باتخاذ كل الإجراءات الشرعية
للوصول إلى قرار، فدعا الولى الأقرب أمام عشرة من الشيوخ عند مدخل المدينة، وقص
عليه ظروف عودة نُعْمِي ورغبتها فى تزويج رَاعُوث حتى تستقر فى أَرْضِ إسرائيل، وطلب منه أن
يفصح عن نيته، فأعلن هذا الولى - الذى لم يذكر اسمه ولا درجة قرابته - عدم قدرته
على تحمل هذه المسئولية، وهكذا أصبح من حق بُوعَزُ شرعاً أن يتزوج رَاعُوث حسب التقاليد القديمة فى إسرائيل «6فَقَالَ الْوَلِيُّ: «لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ
لِنَفْسِي لِئَلَّا أُفْسِدَ مِيرَاثِي. فَفُكَّ أَنْتَ لِنَفْسِكَ فِكَاكِي
لأَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ». 7وَهَذِهِ
هِيَ الْعَادَةُ سَابِقاً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَمْرِ الْفِكَاكِ
وَالْمُبَادَلَةِ, لأَجْلِ إِثْبَاتِ كُلِّ أَمْرٍ. يَخْلَعُ الرَّجُلُ نَعْلَهُ
وَيُعْطِيهِ لِصَاحِبِهِ. فَهَذِهِ هِيَ الْعَادَةُ فِي إِسْرَائِيلَ. 8فَقَالَ الْوَلِيُّ لِبُوعَزَ: «اشْتَرِ
لِنَفْسِكَ». وَخَلَعَ نَعْلَهُ»(سِفْرُ
رَاعُوث4: 6-8).
قبل بُوعَزُ القيام بالواجب الذى انتقل إليه،
وشهد بذلك الشيوخ وجميع الموجودين، ونطقوا بالبركة الرسمية على زواج بُوعَزُ من رَاعُوث «9فَقَالَ بُوعَزُ لِلشُّيُوخِ وَلِجَمِيعِ الشَّعْبِ:
«أَنْتُمْ شُهُودٌ الْيَوْمَ أَنِّي قَدِ اشْتَرَيْتُ كُلَّ مَا لأَلِيمَالِكَ
وَكُلَّ مَا لِكِلْيُونَ وَمَحْلُونَ مِنْ يَدِ نُعْمِي. 10وَكَذَا رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ امْرَأَةُ
مَحْلُونَ قَدِ اشْتَرَيْتُهَا لِيَ امْرَأَةً, لِأُقِيمَ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى
مِيرَاثِهِ وَلاَ يَنْقَرِضُ اسْمُ الْمَيِّتِ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ وَمِنْ
بَابِ مَكَانِهِ. أَنْتُمْ شُهُودٌ الْيَوْمَ». 11فَقَالَ
جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ فِي الْبَابِ وَالشُّيُوخُ: «نَحْنُ شُهُودٌ. فَلْيَجْعَلِ
الرَّبُّ الْمَرْأَةَ الدَّاخِلَةَ إِلَى بَيْتِكَ كَرَاحِيلَ وَكَلَيْئَةَ
اللَّتَيْنِ بَنَتَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَاصْنَعْ بِبَأْسٍ فِي أَفْرَاتَةَ
وَكُنْ ذَا اسْمٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. 12وَلْيَكُنْ
بَيْتُكَ كَبَيْتِ فَارِصَ الَّذِي وَلَدَتْهُ ثَامَارُ لِيَهُوذَا, مِنَ
النَّسْلِ الَّذِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ مِنْ هَذِهِ الْفَتَاةِ»(سِفْرُ رَاعُوث4: 9-12)،
وعندما ولدت رَاعُوث ابنا، باركت نساء المدينة نُعْمِي لأنها
ضمنت استمرار اسم عائلتها فى وسط إسرائيل، وصارت نُعْمِي مربية له. ودعى اسمه عُوبِيدَ الذى صار- عن طريق
ابنه يسى- جداً لدَاوُدَ المك «5وَسَلْمُونُ
وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ.
وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. 6وَيَسَّى
وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي
لأُورِيَّا»(إِنْجِيلُ
مَتَّى1: 5و6)، «31بْنِ مَلَيَا، بْنِ مَيْنَانَ، بْنِ مَتَّاثَا،
بْنِ نَاثَانَ، بْنِ دَاوُدَ، 32بْنِ
يَسَّى، بْنِ عُوبِيدَ، بْنِ بُوعَزَ، بْنِ سَلْمُونَ، بْنِ نَحْشُونَ،»(إِنْجِيلُ لُوقَا3: 31و32).
لذلك كان لتاريخ رَاعُوث أهمية خاصة لأنها أصبحت حلقة في سلسلة نسب
أعظم ملوك إسرائيل. وتعتبر القصة أنشودة تاريخية ترينا كيف أن خدمة رَاعُوث المخلصة المنبعثة عن محبتها الصادقة
لحماتها، كان لها جزاؤها المناسب فى حصولها على السعادة والسلام فى حياة عائلية
هانئة.
وتذكر فى ثنايا الأحداث، بعض عادات الزواج
القديمة فى إسرائيل، التى كانت قد اندثرت فى وقت كتابة السِفْرُ.
إن القصة موجزة ، وتروى بأسلوب بسيط لا تكلف
فيه، لهذا لن تفقد أصالتها وأهميتها، لقد حفظت لنا ذكرى أحداث قد تكون أهميتها
القومية قد مضت، ولكن ستظل لها قيمتها لبساطتها وروعتها وصدقها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق