• اخر الاخبار

    المقدمة الحلقة 18 - الهدف من كتابته - دراسة في إنجيل يوحنا د. القس سامي منير اسكندر














    الغرض من كتابته:

    إعداد

    د. القس سامي منير اسكندر





    الغرض من كتابته:

    إعداد

    د.القس سامي منير اسكندر

     الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ يحل في وسطنا. وإِنْجِيلُ يُوحَنَّا بصورة خاصة هو «ملء» الإعلان الإلهي المكتوب بعينه، وكأنه «مركز» سرّ الإعلان الإلهي المكتوب. يشبه الإعلان الإلهي المكتوب بالكنيسة المقدسة، وإِنْجِيلُ يُوحَنَّا قدس الأقداس فيها، فيه ندخل إلى أعماق مقدسات الإعلان الإلهي المكتوب، ونتعرف على أسراره، ونخترق الحجاب.
    بحق تدعو بشارة يُوحَنَّا «الإِنْجِيل الروحي»، لأنه يدخل بالنفس إلى التعرف على الأمجاد التي أعدت لها خلال محبة الله الآب، وعمل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الخلاصي، وتعزيات الرُّوحِ الْقُدُسِ.
    يرى أن إِنْجِيلُ يُوحَنَّا بمثابة الروح، والأناجيل الثلاثة الأخرى بمثابة الجسد. قدمت الأخيرة الحقائق والُوقَائع الملموسة في حَيَاةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وخدمته وعمله الخلاصي. وجاء إِنْجِيلُ يُوحَنَّا يفسر ما وراء هذه الأحداث، ويكشف عن أعماقها ومفاهيمها.
    جاء الإِنْجِيل متناغمًا مع قول الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «3وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 3). هو الإِنْجِيل الروحي إذ يرفع المؤمن إلى عالم الروح، ولا يسمح لمؤمنيه أن يبقوا على مستوى المادة، فإذ أشبع الجموع بالخبز فرحوا «26أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا6: 26)، أما هو فدعاهم إلى الطعام الأبدي «27اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ، لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا6: 27).
    في حديثه مع نيقوديموس عن الولادة الجديدة كان فكر نيقوديموس المعلم في إسرائيل حبيس أحشاء أمه، أما الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فرفعه لينظر بعيني قلبه أن «الْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ» «1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هَذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ». 3أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ». 4قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» 5أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ. 6اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 1-6).
    وفي حديثه مع المرأة السامرية كان فكرها حبيس الدلو المادي وبئر يَعْقُوبُ وماشيته، فرفع قلبها إلى الينبوع الإلهي حيث يقدم لها ماءً يفجر في داخلها ينابيع مياه حيّة تجري للحَيَاةُ الأبدية.
    المسيا الكلمة المتجسد، إِنْجِيلُ يُوحَنَّا هو آخر الأناجيل الأربعة كتابة. الإثبات القاطع أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو المسيا الكلمة المتجسد وأن كل من يؤمن به سينال الْحَيَاةُ الأبدية. يرى البعض أنه قامت خمس نظريات خاصة بغاية هذا الإِنْجِيل، وهم:
    1. انطلاق المؤمن بالإيمان بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابن الله المتجسد إلى عربون الْحَيَاةُ الأبدية والتمتع بالسماويات كما أوضح الإِنْجِيلي نفسه «30وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. 31وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا20: 30-31).
    2. الرد على الهرطقات والبدع المعاصرة واليهود المقاومين، والدفاع عن الإيمان المسيحي. وسنتحدث عن هذه النظرية فيما بعد.
    3. نظرية تكميل ما ورد في الأناجيل الثلاثة المتشابهة الأخرى. وقد مال إليها يوسابيوس القيصري والقديس جيروم. يصعب القول أن هذا هو ما هدف إليه الرَّسُولِ يُوحَنَّا. حقًا لقد أمدنا بإعلان الرُّوحِ الْقُدُسِ بأحاديث وحوار للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مع بعض الشخصيات والجماعات تكشف لنا عن شخص الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وعمله الخلاصي وإمكانياته الإلهية التي قدمها لنا وهباته الفائقة وإرساله روحه القدوس وسكنى الثالوث القدوس فينا. قدم لنا فيضًا من اللاهوت الحي العملي الرائع، ومعرفة لاهوتية كاملة.
    يوجد تقليد قديم يقول إن الرَّسُولِ يُوحَنَّا كتب إِنْجِيلُه بناء على طلب أساقفة آسيا الصغرى شركائه في الخدمة، إذ يقول القديس أكليمنضس الإسكندري (حوالي سنة 190م): إن يُوحَنَّا، آخر الكل، إذ أدرك الحقائق الخارجية التي كشفتها الأناجيل (الأخرى)، حثه تلاميذه كما أوحى إليه الروح ليكتب إنجيلاً روحيًا. كأن تلاميذه وشركاءه في الخدمة بآسيا سألوه أن يسجل لهم تفسيرًا لاهوتيًا لما سبق فكتبه الإِنْجِيليون الآخرون تاريخيًا. هذا وإن كان كل إِنْجِيلُي سجل سفره بالرُّوحِ الْقُدُسِ ليحمل فكرًا لاهوتيًا متمايزًا ومتكاملاً مع الأناجيل الأخرى.
    4. مال القديس أكليمنضس الإسكندري إلى ما يدعوه البعض بنظرية التعليم، حيث يقدم الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ المعلم. هذه حقيقة لكنه ليس بالمعلم الذي يقدم معلومات خارجية، إنما الذي يضم تلاميذه إليه كأعضاء جسده، يختبرون حياته كحَيَاةُ لهم.
    5. نظرية مواجهة الفلسفات المعاصرة للتوفيق بين الفلسفة والإيمان المسيحي. لسنا نظن أن هذا هو الهدف من وحي الرُّوحِ الْقُدُسِ لهذا الإِنْجِيلُ، إنما غايته تقديم الحق الإِنْجِيلُي الإلهي. لا يعني أن هذا الحق يرفض ويقاوم كل الفلسفات، إنما يغربلها ويرفض ما فيها من باطل. وقد انبرت مدرسة الإسكندرية، خاصة في عصر القديس اكليمنضس السكندري تكشف عن إمكانية التزاوج بين الإيمان الحي والفلسفة بما فيها من حقٍ وليس بما أفسده الإِنْسَانِ من أوهامٍ وخيالاتٍ.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: المقدمة الحلقة 18 - الهدف من كتابته - دراسة في إنجيل يوحنا د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top