الرَّسُولِ يُوحَنَّا في تاريخ الأباء
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
الرَّسُولِ يُوحَنَّا كتب إِنْجِيلُه إلى العالم أجمع عندما لم يبقى غيره
من الرسل طلب منه المؤمنون أن يفند أقوال الهراطقة عن ألوهية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فصام وصلى كثيراً، فسبي عقله في الإلاهيات
وبعد أنتباهه من سباته كتب قائلاً…فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ
وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. كما كتب ثلاث رسائل والسفر النبوي أي سفر
الرؤيا، حيث رأى الرؤيا الشهيرة في منفاه الى جزيرة بطمس فى حكم الأمبراطور
دومتيان حوالي سنة 95م الذي أمر بنفيه إليها بعدما وضعه في خلقين زيت مغلي فلم
يأثر فيه، فمكث هناك حوالي سنة ونصف. رجع إلي أَفَسُسَ فوجد تلميذه تيموثاوس -
أسقفها - متجرعا كأس الأستشهاد فقضى فيها بقية حياته. كان يُوحَنَّا شديد الغيرة
والمحبة ولم يتهاون عن تعليم شعبة حتى بعدما شاخ كان يوجز كلماته القليلة قائلاً
«المحبة وصية الرب وهي وحدها تكفينا».
هو الوحيد بين التلاميذ الذي لم يستشهد بل تنيح في منفاه وقد بقي علي الأرض
آخر الكل وعاش عمراً طويلاً حوالي 100 سنة.
ويقول القديس
جيروم أن الرَّسُولِ يُوحَنَّا انتقل في العام ال- 68 بعد صعود الرب.
وبذلك يكون الرَّسُولِ قد عاش عامين أم أكثر في القرن الثاني للميلاد. ومعنى هذا
أنه عاش إلى ما يقرب المائة عام، حيث أن كان أصغر من الرب بقليل. ويرى البعض أنه
تنيح حوالي سنة 98م في حكم تراجان (98-117م).
جاء عن الرَّسُولِ يُوحَنَّا أنه بعد عودته من جزيرة بطمس إلى مدينة أَفَسُسَ
تجوّل في بعض المناطق الوثنية المجاورة، لإقامة أساقفة في بعض الأماكن وتدبير أمور
الكنائس، وإذ بلغ مدينة ليست ببعيدة (غالبًا أزمير) سلم أسقفها شابًا وثنيًا قَبِل
الإيمان وكان مملوءً غيرة، مؤكدًا عليه أن هذا الشاب هو وديعة بين يديه. وبالفعل
اهتم به الأسقف حتى نال سرّ المعمودية. لكن بعض الشبان الفاسدين اجتمعوا به،
وأفسدوا حياته في ترفٍ وبذخٍ، وإذ احتاجوا إلى مالٍ صاروا يسرقون، فكان يشترك معهم.
انحدر الشاب من جريمة إلى أخرى حتى كوَّن عصابة تحت قيادته يسلبون وينهبون ويسفكون
الدماء. وإذ عاد الرَّسُولِ يُوحَنَّا إلى المدينة يسأل الأسقف عن الشاب أجابه: «لقد
مات... مات عن اللَّه، لأنه عاد إلى شره، وأصبح خليعًا، وأخيرًا صار لصًا، وعوضًا
عن الكنيسة صار يلازم الجبال مع عصابة تماثله». لم يحتمل الرَّسُولِ ذلك،
بل طلب فرسًا امتطاه رغم شيخوخته، وانطلق إلى الموضع حيث أسره اللصوص، وأتوا به
إلى رئيسهم، الذي لما رآه اعتراه الخجل وحاول الهرب. صار الرَّسُولِ يجري وراءه
صارخًا: «لماذا تهرب مني؟ أنا أبوك يا ابني، وأنا أعزل، طاعن في السن، وإن لزم
الأمر فإنني مستعد أن احتمل الموت عنك، كما احتمل الرب الموت عنا. لأجلك أبذل
حياتي. قف، آمن، فإن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أرسلني إليك». للحال خجل الشاب ووقف مطرقًا رأسه نحو الأرض،
يبسط ذراعيه في رعدة، وكان يبكي بمرارة. فرح به الرَّسُولِ جدًا، ورجع به إلى
الكنيسة، ولم يترك المدينة حتى اطمأن عليه.
يروي القديس
يُوحَنَّا كاسيان القصة التالية: بينما كان الإِنْجِيلي المبارك ذات يوم
يداعب صقرًا، إذا بشاب أقبل عليه عائدًا
من الصيد. فتعجب الشاب وسأل الرَّسُولِ كيف أن رجلاً عظيمًا مثله يقضي وقته على
هذا الحال.
وحينئذ سأله الرَّسُولِ: «ما هذا
الذي في يدك؟»
فقال الشاب: «إنه قوس».
قال الرَّسُولِ: «ولماذا هو غير
مشدود؟»
فأجاب: «لأنني لو جعلته مشدودًا
على الدوام يفقد مرونته، وهي التي أحتاج إليها حين أطلق السهم». فقال الشيخ: «إذن لا
تغضب على يا صديقي الشاب لأني في بعض الأحيان أحل أوتار نفسي، وإلا فقدت قوتها
وخانتني في اللحظة التي أحتاج أن أستعملها.
يحدثنا أيضًا المؤرخ
يوسابيوس عن مدى حرصه على الإيمان المستقيم من البدع نقلاً عما جاء عنه في
كتابات القديس إيرينيؤس أسقف ليون أن الرَّسُولِ دخل مرة إلى الحمام
ليستحم، وإذ عرف أن المبتدع كيرنثوس (نادى بأن مملكة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
أرضية؛ إذ كان محبًا للولائم والعلاقات الدنسة الجسدية) هناك قفز فزعًا، وخرج
مسرعًا، لأنه لم يطقْ البقاء معه تحت سقفٍ واحدٍ، ونصح مرافقيه أن
يقتدوا به، قائلاً: لنهرب لئلا يسقط الحمام، لأن كيرنثوس عدو الحق بداخله.
يحدثنا أيضًا المؤرخ
يوسابيوس على لسان أبولونيوس الذي يظن أنه كان أسقفًا على أَفَسُسَ أن الإِنْجِيلي
يُوحَنَّا أقام ميتًا في أَفَسُسَ بمعونة الله.
يروي لنا العلامة
ترتليان أن الرَّسُولِ يُوحَنَّا اُلقي في قزانٍ به زيت مغلي والرب نجاه.
الإنجيل بحسب يُوحَنَّا سحب قلب
الكنيسة الأولى ليرفعه إلى الأسرار الإلهية الفائقة، بوحي الروح القدس، بأسلوبٍ
روحيٍ جذَّاب، بعيدًا عن المصطلحات الفلسفية الصعبة ولغة اللاهوت الجافة.
Ø
العلامة أوريجينوس:
يمكننا أن نتجاسر فنقول أن الأناجيل
هي بكر كل الكتب المقدسة، أما بين الأناجيل فإِنْجِيلُ يُوحَنَّا هو البكر. لا
يدرك معناه من لم يتكئ على صدر يسوع «23وَكَانَ
مُتَّكِئاً فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا13: 23)، ويستلم مريم من يسوع أمًا
له أيضًا «27ثُمَّ قَالَ
لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ
أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا19:
27)؛ مثل هذا يكون يُوحَنَّا آخر، ويظهر له الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ذاته كما
فعل مع يُوحَنَّا. فإذ لم يكن ابن لمريم سوى الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وذلك
بالنسبة لمن يقدمون رأيًا صادقًا فيها، و«26فَلَمَّا
رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ
لِأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ،»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا١٩:
٢٦)، ولم يقل: «هذا هو أيضًا
ابنك». كأنه يقول: «هوذا
يسوع الذي ولدتيه». فإنه بالحق
كل إنسان صار كاملاً، لا يحيا هو بل يحيا المسيح فيه «7وَلَكِنْ لَنَا هَذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ
خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ لِلَّهِ لاَ مِنَّا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ٤:
٧). وإذ يحيا المسيح فيه، يُقال لمريم عنه: «هوذا
ابنك» المسيح.
Ø
القديس أغسطينوس:
هؤلاء جميعًا (الإنجيليون متى
ومرقس ولوقا) ارتفعوا قليلاً عن الأمور التي على الأرض، أي عن تلك الأمور التي
صنعها ربنا يسوع المسيح على الأرض، أما عن لاهوته فتحدثوا القليل عنه. كانوا أشبه
بأناسٍ ساروا معه على الأرض، وبقي النسر، أي يُوحَنَّا، الكارز بالحقائق السامية،
والمتأمل بنظرة ثاقبة نحو النور الداخلي الأبدي...
مع هذا فإننا نحن الذين نزحف على
الأرض ضعفاء، ونسلك بين البشر بصعوبة، نتجاسر لنتمسك بهذه الأمور ونتفهمها، حاسبين
أنفسنا كما لو كنا قد أدركناها عندما نتأمل فيها، أو نتحدث عنها.
Ø
القديس أغسطينوس
أما يُوحَنَّا المبارك...نراه
برغبةٍ ناريةٍ وعقلٍ يرغب في الأمور التي تعلو العقل الإنساني، تجاسر واقترب لكي
يشرح الميلاد الفائق الذي لا يُمكن الإحاطة به، أي ميلاد اللَّه الكلمة. فهو يعلم
أن «2مَجْدُ اللَّهِ إِخْفَاءُ الأَمْرِ وَمَجْدُ الْمُلُوكِ فَحْصُ الأَمْرِ»(سِفْرُ الأَمْثَالُ25:
2)، والكرامة التي تليق باللَّه تفوق فهمنا وإدراكنا، ومن الصعب أن يدرك أحد أو
يشرح صفات الطبيعة الإلهية.
Ø
القديس كيرلس الكبير
يحقق إِنْجِيلُ يُوحَنَّا بصورة
خاصة "ملء" الكتاب المقدس بعينه، وكأنه «مركز»
سرّ الكتاب.
Ø
الأب مكسيموس المعترف
الكتاب المقدس بالكنيسة المقدسة، وإِنْجِيلُ
يُوحَنَّا قدس الأقداس فيها، فيه ندخل إلى أعماق مقدسات الكتاب، ونتعرف على
أسراره، ونخترق الحجاب.
Ø
القديس اكليمنضس السكندري
«الإنجيل الروحي»،
لأنه يدخل بالنفس إلى التعرف على الأمجاد التي أعدت لها خلال محبة الله الآب، وعمل
المسيح الخلاصي، وتعزيات الروح القدس. يرى أن إِنْجِيلُ يُوحَنَّابمثابة الروح،
والأناجيل الثلاثة الأخرى بمثابة الجسد. قدمت الأخيرة الحقائق والوقائع الملموسة
في حياة الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ وخدمته وعمله الخلاصي. وجاء إِنْجِيلُ يُوحَنَّا يفسر
ما وراء هذه الأحداث، ويكشف عن أعماقها ومفاهيمها. جاء السفر متناغمًا مع قول الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ: «3وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ
الأَبَدِيَّةُ: أَنْ
يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي
أَرْسَلْتَهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا17: 3).
هو الإنجيل الروحي إذ يرفع المؤمن
إلى عالم الروح، ولا يسمح لمؤمنيه أن يبقوا على مستوى المادة، فإذ أشبع الجموع
بالخبز فرحوا «26أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنْتُمْ
تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ
مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا6: 26)، أما هو فدعاهم إلى الطعام
الأبدي «27اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ
الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ،
لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا6: 27).
في حديثه مع نيقوديموس عن الولادة
الجديدة كان فكر نيقوديموس المعلم في إسرائيل حبيس أحشاء أمه، أما الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ فرفعه لينظر بعيني قلبه أن «وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ»
«1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ
نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هَذَا
جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ
أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ
هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ». 3أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ
أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ». 4قَالَ
لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟
أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» 5أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ
لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ
يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ. 6اَلْمَوْلُودُ
مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 1-6)..
وفي حديثه مع المرأة السامرية كان
فكرها حبيس الدلو المادي وبئر يعقوب وماشيته، فرفع قلبها إلى الينبوع الإلهي حيث
يقدم لها ماءً يفجر في داخلها ينابيع مياه حيّة تجري للحياة الأبدية.
Ø
القديس يُوحَنَّا الذهبي الفم
يعظ على إنجيل يُوحَنَّا، تحدث عن
القديس يُوحَنَّا الإنجيلي وهو يقدم إنجيله مقارنًا بينه وبين الخطباء والممثلين
كيف يجتذبون الجماهير بفن الخطابة واستخدام الموسيقى وارتداء قناعات جذابة، أما
القديس يُوحَنَّا فيتقدم كما على منصة السماء، ليحدث أناسًا صار منهم كثيرون أشبه
بالملائكة، ويشتهي أن يصير بقية المستمعين هكذا. إنه لا يستخدم سوي نعمة الله،
يتحدث وهو في صحبة السمائيين، مقدمًا لهم رسالة المسيح المفرحة.
يتقدم أمامنا الآن هذا الرجل: ابن
الرعد، حبيب المسيح، عمود الكنائس في كل العالم، الذي يمسك بمفاتيح السماء، الذي
شرب كأس الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ، واعتمد بمعموديته، الذي اتكأ بكل ثقة على صدر سيده… دخل مرتديًا ثوب
الجمال غير المدرك. فإنه سيظهر أمامنا مرتديًا الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ «14بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ
تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ13: 14)؛
«27لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ
الْمَسِيحَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ3:
27)، منتعلاً في قدميه الجميلتين «15وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ6:
15)، ومتمنطقًا بمنطقة ليست حول خصره بل حول منطقتيه، ليست من جلد قرمزي، ولا
مكسوة في الخارج من ذهب، بل منسوجة ومصنوعة من الحق نفسه. الآن يظهر أمامنا لا
ليقوم بدور تمثيلي، وإنما برأس دون قناع يعلن الحق مكشوفًا. إنه لا يجعل جمهور
المستمعين له يصدقونه بل بالأحرى بالمحفل والنظرات والصوت يحقق رسالته دون أدوات موسيقية
مثل القيثارة أو ما يشبهها، إنما يستخدم لسانه، ناطقًا بصوت أعذب من أية قيثارة أو
أداة موسيقية وأكثر نفعًا. منصته هي السماء كلها، ومسرحه هو العالم المسكون كله،
وفرقته هي كل الملائكة، أما عن المستمعين فهم بشر صار منهم كثيرون ملائكة أو يود
أن يصيروا هكذا. فإنه لن يستطيع أن ينصت إليه بانسجام حقيقي إلا الذين صاروا هكذا،
مظهرين ذلك بأعمالهم. أما البقية فإنهم كأطفال صغار يسمعون ولا يفهمون… إنهم في طرب
ولهو، يعيشون فقط من أجل الثروة والسلطة واللذات الحسية. ما يسمعونه هو حق، ولكنهم
في أعمالهم لا يبرزون ما هو عظيم ونبيل خلال إسراعهم نحو الطين لعمل قرميد (طوب).
Ø
القديس يُوحَنَّا الذهبي الفم
لم يعد بعد صياد السمك ابن زبدي، بل
ذاك الذي يعرف «أَعْمَاقَ اللهِ»
«10فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ
كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوس2:
10)، الروح القدس، أقصد أنه يضرب على هذه القيثارة، لذلك ليتنا ننصت إليه، فإنه لا
يتحدث معنا بشيء قط كإنسانٍ، إنما ما يقوله سيقوله من أعماق الروح، من الخفيات
التي لم يعرفها حتى الملائكة قبل حدوثها، فقد تعلموها بواسطة صوت يُوحَنَّا معنا،
وبواسطتنا، الأمور التي نحن نعرفها. هذا أيضا أعلنه رسول آخر، قائلاً: «10لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي
السَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ،»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ3:
10). فإن كان الرؤساء والسلاطين والشاروبيم والسيرافيم تعلموا هذا الأمور من
الكنيسة، فواضح جدًا أنهم كانوا مشتاقين جدًا للإصغاء إلى هذا التعليم. في هذا
ننال كرامة ليست بقليلة، أن الملائكة تعلموا هذه الأمور التي لم يكونوا يعرفوها قبلاً.
0 التعليقات:
إرسال تعليق