زمن ومكان كتابته
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
1- يظن أنه
كتب فى أَفَسُسَ حسب شهادة القديس ايريناس(أسقف ليون حوالي سنة 177-200م)، وهو تلميذ القديس
بوليكربوس، سلّم الرَّسُولِ يُوحَنَّا إِنْجِيلُه لأساقفة آسيا حيث كان مقيمًا
معهم إلى عهد الإمبراطور تراجان، وأنه قام بنشره في أَفَسُسَ. لقد
حدث حادثان مهمان، بعد كتابة البشائر الثلاث الأول:
أولهما:
خراب أُورُشَلِيمَ،
والثاني:
تأثر بعض المسيحيين بالفلسفة اليونانية المعاصرة.
وكلاهما كان يدعو إلى كتابة بشارة
تظهر الجانب الروحي من ملكوت الله، وفي الوقت نفسه تظهر الحقائق الروحية الباطنية،
التي تسمو فوق الفلسفة اليونانية بمقدار ما يسمو الجوهر على العرض.
وبما
أن إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا لا تتضمن إشارة إلى خراب أُورُشَلِيمَ،
فيستدل من هذا أنه كان قد مضى وقت كاف على هذه الحادثة التاريخية. وبما أن يُوحَنَّا
لم يبدأ خدمته في أَفَسُسَ إلى بعد سنة 70 ميلادية وبما أنه عاش، بشهادة ايريناس،
حتى بلغ حكم تراجان 98-117م فمن المرجح جداً أن يكون قد كتب بشارته بين 95-100م.
وغرض
يُوحَنَّا من تأليف بشارته، إثبات كون يسوع الناصري هو المسيح ابن الله، دحضاً
للبدع التي كان حينئذ قد أخذ يدب فسادها في الكنيسة، كبدع الدوكينيين، والاغنستيين،
والكيرنتيين
والابيونيين
وتلاميذ يُوحَنَّا
المعمدان. وكان الدوكينيون والاغنستيون يقولون أن جسد الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لم يكن جسداً
حقيقياً. والكرنتيون يجحدون لاهوته. والابيونيون يقولون أنه لم يكن له وجود قبل مريم أمه. وتلاميذ يُوحَنَّا
كانوا يفضلون معلمهم
عليه. فلما رأى الأساقفة آسيا هذه الأضاليل تفشو في كنيسة الله
استعانوا بيُوحَنَّا الرَّسُولِ وسألوه تأليف إِنْجِيلُه. فكتبه وأنبأ فيه بميلاد الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ الأزلي، وصرح بفضل يُوحَنَّا المعمدان عليه، وذكر ما دعت الحال إلى
ذكره في تفنيد تلك البدع، وأثبات لاهوت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كما قال «31وَأَمَّا
هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا20: 31).
وقد بقي تقليد الكنيسة في الشرق والغرب يأخذ بهذا الرأي دون اعتراض يُذكر. لكن جاء بعض النقاد المحدثين يشككون في
نسبة الإِنْجِيلُ للرسول يُوحَنَّا، وبالتالي تشككوا في مكان كتابته وتاريخه.
رأي
أخر:
مكان الكتابة يظن البعض أنه كُتب في إنطاكيا أو سوريا، يعتمدون في
ذلك على ما جاء في أعمال أغناطيوس Acts of Ignatius، (وهو مُستند لا يُعرف تاريخه)، بأن يُوحَنَّا
كان مرتبطًا بأنطاكيا. يُرد على ذلك بأن يُوحَنَّا كان في أنطاكيا زمانًا ثم ذهب
إلى أَفَسُسَ واستقر هناك.
رأي ثالث: ينسب بعض النقاد إِنْجِيلُ يُوحَنَّا إلى الإسكندرية، حجتهم في هذا أن
أقدم مخطوطة للسِفر وُجدت في مصر. وأن إِنْجِيلُ يُوحَنَّا يحمل طابعًا هيلينيًا
يناسب فكر الإسكندرية المتأثرة بفيلون Philo اليهودي الرمزي السكندري. يُرد على ذلك أن مناخ
مصر العلمي جعلها تقتنيه في وقت مبكر وتحتفظ به، ويكون له دوره في حَيَاةُ كنيستها
وآبائها، لكن ليس بالضرورة أن يكون قد كُتب في مصر.
أما
من جهة اعتراض البعض على كتابته في أَفَسُسَ، فقد قام الاعتراض على أساسين:
أولاً: أكّد كثير من النقاد المحدثين خلال النصف الأول من القرن العشرين أن أسلوب
إِنْجِيلُ يُوحَنَّا غنوسي هيليني، وهو أسلوب لا يوافق القرن الأول الميلادي بل
القرن الثاني. لذلك أصروا على أنه حتى وإن كانت أصوله من وضع يُوحَنَّا، فإنه قد
أُعيد كتابته في القرن الثاني بيدٍ غنوسية في أنطاكية أو الإسكندرية. وجاء اكتشاف
مخطوطات البحر الميت سنة 1947م وأيضًا المكتبة الغنوسية الكاملة التي اُكتشفت في
تاريخ مقارب بنجع حمادي بصعيد مصر يؤكدان عكس ما أصرّ عليه النقاد. فتراجع
الدارسون وشعروا بصدق التقليد الكنسي، وتيقّن غالبيتهم أنه من وضع القرن الأول،
غالبًا بيد الرَّسُولِ يُوحَنَّا في أَفَسُسَ.
ثانيًا: حاول بعض النقاد التشكيك في كتابة هذا الإِنْجِيل بواسطة الرَّسُولِ يُوحَنَّا
في أَفَسُسَ بدعوى أن الرَّسُولِ قد استشهد مع أخيه يَعْقُوبُ على يديّ هيرودس
أغريباس الأول سنة 44م في أُورُشَلِيمَ، مُقدمين بعض الدلائل التي يمكن الرد
عليها:
1.
جاء في «39فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:
«أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ
الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ10: 39)، أن يَعْقُوبُ ويُوحَنَّا يشربان الكأس
التي يشربها ربنا الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قائلين بأن هذا يعني أن يُوحَنَّا كان يجب
أن يستشهد مع أخيه، وإلا كان الرَّسُولِ مَرْقُسَ قد التزم بتغيير النص. ويُرد على
ذلك بأن الرَّسُولِ مَرْقُسَ مُلتزم بكتابة نص كلمات الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ تمامًا، وليس من حقه تغيير النص، تاركًا
للقارئ التفسير. فإن الكأس التي قصدها الرب كانت نبوة عن الآلام التي احتملها
التلميذان، وليس بالضرورة البلوغ حتى الاستشهاد بسفك الدم. هذا ولو أن هيرودس قتل
الأخوين معًا لما اكتفى لُوقَا (كاتب سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ) بذكر قتل يَعْقُوبُ وحده، وإنما كان قد
ذكر الأخوين معًا، «2فَقَتَلَ يَعْقُوبَ
أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ، 3وَإِذْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُرْضِي الْيَهُودَ عَادَ فَقَبَضَ
عَلَى بُطْرُسَ أَيْضاً. وَكَانَتْ أَيَّامُ الْفَطِيرِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ12: 2و3).
2.
اعتمدوا على عبارة موجزة وردت في كتابات كاتبين متأخرين هما فيلبس الصيدي Philip of Side من القرن الخامس، وجورج همرتوليس George Hamartolus من القرن التاسع، فيها نسبا لبابياس أن يُوحَنَّا
ويَعْقُوبُ قتلهما اليهود. ويرد على ذلك بأن ما ورد في هذا الشأن لا يُمكن أخذه
بجدية إذ عُرف عن الكاتبين أنهما غير مدققين كمؤرخين. ويقول C. K. Barrett أن إيرينيؤس ويوسابيوس عرفا كتابات بابياس
ولم يذكرا شيئًا عن استشهاد يُوحَنَّا. ومما يشكك في الأمر أن فيلبس لقب يُوحَنَّا
باللاهوتي بينما لم يكن هذا اللقب قد عُرف به الرَّسُولِ يُوحَنَّا في أيام بابياس
(القرن الثاني)؛ أما جورج فلم يأخذ ما كتبه عن بابياس في هذا الشأن بجدية، إذ عاد
فتحدث عن الرَّسُولِ يُوحَنَّا أنه رقد بسلام (دون استشهاد).
3.
جاء في أعمال الشهداء السرياني (سنة 411) تذكار الرَّسُولِين يُوحَنَّا ويَعْقُوبُ
في نفس اليوم، أي 27 ديسمبر، كرسولين في أُورُشَلِيمَ، كما جاء في تقويم قرطاجنّة
(حوالي 505م) تذكار يُوحَنَّا المعمدان ويَعْقُوبُ في نفس اليوم (27 ديسمبر)، فحسب
بعض الدارسين أن التقويم أخطأ في تلقيبه بالمعمدان، كما جاء في عظة للأب أفراهات
أن الذين استشهدوا من الرسل غير اسطفانوس وبُطْرُسَ وبولس هما اثنان يُوحَنَّا ويَعْقُوبُ.
يرد
على ذلك بأنه في كل هذه حدث لبس بين الرَّسُولِين يُوحَنَّا المعمدان ويُوحَنَّا الرَّسُولِ.
أما الدلائل الإيجابية على أن الرَّسُولِ يُوحَنَّا لم يستشهد مع أخيه فهي:
1.
ذُكر الرَّسُولِ يُوحَنَّا بين أعمدة الكنيسة في غَلاَطِيَّةَ «9فَإِذْ
عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ
وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ،
أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ
وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ2: 9)، وكان ذلك بعد سنة 44م.
2.
جاءت اكتشافات علماء الآثار النمساويين لمقبرة الرَّسُولِ يُوحَنَّا بأَفَسُسَ
تسند الفكر الكنسي التقليدي.
3.
جاء عن بوليقراطيس Polycrates
أسقف أَفَسُسَ أنه كتب إلى فيكتورينوس أسقف روما حوالي سنة 190م، يؤكد أن الرَّسُولِ
يُوحَنَّا عاش في أَفَسُسَ وتنيح فيها.
زمن
كتابته:
أما
من جهة تاريخ كتابة إِنْجِيلُ يُوحَنَّا فبحسب الفكر الكنسي كان في أواخر حَيَاةُ الرَّسُولِ
يُوحَنَّا. هذا وواضح من إِنْجِيلُ يُوحَنَّا أنه كُتب بعد خراب هيكل اليهود في أُورُشَلِيمَ
عام 70م «19أَجَابَ
يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ
أُقِيمُهُ». 20فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي
سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا2: 19و20)؛ «21قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ،
صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي
أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا4: 21)؛
وربما بعد طرد المؤمنين من مجامع اليهود، الأمر الَّذِي تم حوالي سنة 95م حتى سنة 100? ميلادية «22قَالَ أَبَوَاهُ هَذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ
مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ
اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا9: 22)؛ «2سَيُخْرِجُونَكُمْ
مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ
أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلَّهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا16: 2).
0 التعليقات:
إرسال تعليق