من كتاب
هَلْ يُعْقلُ أَنْ
الْمَسِيحِ هُوَ الله؟!
إعداد
د. القس / سامي
منير اسكندر
باحث ومحاضر
فِي الدين المقارن
أخيراً الخلاصة
الْمَسِيحِ هُوَ الله؟!
تناولنا في الفصول
السابقة ألوهية الْمَسِيحِ من الجوانب المختلفة، وبشهادات الْجَمِيعِ، والآن دعونا
نعود للسؤال:
هل يعقل أن اللهُ هُوَ
الْمَسِيحِ؟! وهل الواقع أن العكس هُوَ الصحيح والسليم؟!
إن الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ
الظاهر في الْجَسَدِ، وهُوَ كُلَّمة اللهُ المتجسد! ولكن السؤال الأهم هُوَ:
ما
هي نتائج رفض أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ؟
(1)
لو لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ لبطلت شَهَادَةِ يَسُوعُ الْمَسِيحِ
لنَفْسَهُ، فقد قَالَ «أنا والآب واحد» «لكي يكرم الْجَمِيعِ الابن كما
يكرمون الآب». «أنا هُوَ الطريق والْحَقَّ والْحَيَاةُ. ليس أحدٌ يأتي إِلَى
الآب إلا بي». «لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً، ومن الآن تعرفونه وقد
رأيتموه.. الَّذِي رآني فقد رأى الآب.. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيَّ؟
صدقوني أني أنا في الآب والآب فيَّ». وتفيد كُلَّ هذه أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ جعل نَفْسَهُ
مساوياً للَّه، بل هُوَ اللهُ نَفْسَهُ. وفهم اليهُوَد ذلك منه وقَالَوا له: «لسنا
نرجمك لأَجْلِ عملٍ حسنٍ بل لأَجْلِ تجديف، فإنك وأنت إِنْسَانَ تجعل نفسك إِلَهَاً».
ولما كان مستحيلاً أن ينطق مخلوق بهذا، كان من الأدلة القاطعة عَلَى لاهُوَت الْمَسِيحِ
لأنه كُلَّام مَن لا يكذب. وكذلك كيفية استعمال يَسُوعُ الْمَسِيحِ كُلَّمة «ابن»
في قوله إنه ابْنَ اللَّهِ، فإن لها معنى خاص لا يصدق عَلَى غيره. وفهم اليهُوَد
هذه التسمية بهذا المعنى فاتهموه بالتجديف. ومن هذا قوله في الحكم الأخير عَلَى
الأشرار يوم الدينونة: «اذهبوا عنّي يا فاعلي الإثم» وأيضاً «اذهبوا
عنّي يا ملاعين إِلَى النار الأَبَدِيَّةٌ» وكُلَّ ذلك لا يجوز أن ينطق به إلا
اللهُ وحده. وما قلناه من جهة أقوال يَسُوعُ الْمَسِيحِ عن نَفْسَهُ يصح أن يُقَالَ
في شأن أقوال الرُّسُلُ عنه.
(2) لو
لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ لما كان هناك فرقٌ بين اللهُ ومخلوقاته، وهُوَ
ما لا يسلّم به أحد. فقد نسب الكتاب للْمَسِيحِ جميع الصفات الخاصة باللهُ وحده،
وصدّق يَسُوعُ الْمَسِيحِ عَلَى ذلك، فقَالَ: «فتشوا الكتب..هي الَّتِي تشَهِدَ
لي». وقد شَهِدَت له أنه منذ الأَزَلِ وإِلَى الأَبَدِ. وقَالَ هُوَ عن نَفْسَهُ:
«قبل أن يكون إِبْرَاهِيمُ أنا كائن». ونُسب إليه عدم التغيُّر، والوجود في كُلَّ
مكان، والقدرة عَلَى كُلَّ شَيْءٍ، والمَعْرِفَةً بكُلَّ شَيْءٍ، ونحو ذلك
من الصفات الخاصة باللاهُوَت. فإن لم يكن إِلَهَاً وجب أن نحكم أنه لا توجد صفة
تميّز اللهُ عن مخلوقاته.
(3) لو
لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ لما أمكننا أن نثبت وجود اللهُ من الكتاب
المقدس، فلو لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ إِلَهَاً لتعذَّر علينا ذلك، لأننا نتعلم
من الكتاب المقدس أن أعمال الخلق والعناية هي من أوضح الأدلة عَلَى وجود اللهُ.
وقد قام يَسُوعُ الْمَسِيحِ بنفس هذه الأعمال، شَهَادَةِ للاهُوَته. ومن
أمثلة ذلك قول الكتاب الَّذِي يدل عَلَى وجود اللهُ «في الْبَدْءِ خلق اللهُ السَّمَاوَاتِ
والأَرْضَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ 1:1). وقوله في يَسُوعُ الْمَسِيحِ «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكُلَّمَةُ، وَالْكُلَّمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ،
وَكَانَ الْكُلَّمَةُ اللَّهَ. كُلَّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٍ
مِمَّا كَانَ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا1:1و3).
وقوله عن اللهُ «من قِدمٍ أسست الأَرْضَ والسَّمَاوَاتِ هي عمل يديك. وهُوَ
نفس القول عن الابن «وأنت يا رَبُّ في الْبَدْءِ أسست الأَرْضَ والسَّمَاوَاتِ
هي عمل يديك»(رِّسَالَةُ الْعِبْرَانِيِّينَ1: 10). وقول اللهُ «أنا الرَّبُّ
صانع كُلَّ شَيْءٍ، ناشر السَّمَاوَاتِ وحدي، باسط الأَرْضَ»(سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ 44: 24). والقول في الابن «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلَّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضَ،
مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ
امْ سَلاَطِينَ. الْكُلَّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلَّ شَيْءٍ،
وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلَّ»(رِسَالَةُ
كُولُوسِّي 1: 16و
17).
وأيضاً
قوله «وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحِ الَّذِي بِهِ
جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ»(رِسَالَةُ
كُورِنْثُوسَ الأُولَى8: 6). وكُلَّ أعمال الخلق
والعناية هذه شَهَادَةِ جلية للاهُوَت الْمَسِيحِ. فلو كان مخلوقاً للزم عن
ذلك أنه هُوَ خلق نَفْسَهُ (لأنه قيل «وَبِغَيْرِهِ
لَمْ يَكُنْ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ») وهُوَ
محال. وإذا فحصنا الأسفار المقدسة نرى أن شهادتها للاهُوَت الْمَسِيحِ ليست أقل من
شهادتها للاهُوَت اللهُ الآب في القُوَّةٍ والوضوح. وقبول الواحدة يستلزم قبول
الثانية.
(4) لو
لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ لما كان للاهُوَت عبادة خاصة يمتاز بها عن
المخلوقات، وهُوَ باطلٌ عقلاً ونصاً. وبيان ذلك أن جميع الألقاب المنسوبة إِلَى اللهُ
من حيث أنه الإِلَهُ المعبود قد نُسبت إِلَى يَسُوعُ الْمَسِيحِ أيضاً، ولذلك أُمر
كُلَّ البَشَرٌ أن يعبدوه كما يعبدون الآب. فقيل «لكي تجثو باسم يَسُوعُ كُلَّ
ركبةٍ ممن في السَمَاءً ومَنْ عَلَى الأَرْضَ ومن تحت الأَرْضَ، ويعترف كُلَّ لسان
أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ رَبُّ لمجد اللهُ الآب»(رِسَالَةُ
فِيلِبِّي2: 10و 11). ولأنه مكتوب
«أنا حي يقول الرَّبُّ، إنه لي ستجثو كُلَّ ركبة وكُلَّ لسان سيحمد اللهُ»(رِسَالَةُ
رُومِيَةَ14: 11). والمعبود العظيم الَّذِي رآه يُوحَنَّا هُوَ
الحمَل المذبوح أي الْمَسِيحِ(سِفْرُ
رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوَتِيِّ5: 8-14). وقيل أيضاً «وَأَيْضاً مَتَى
أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلَّ
مَلائِكَةِ اللهُ»..وَأَمَّا عَنْ الابْنِ: «كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ إِلَى دَهْرِ
الدُّهُوَرِ». فترى
من هذه النصوص أن الْمَلاَئِكَةِ والبَشَرٌ أُمروا أن يعبدوا يَسُوعُ الْمَسِيحِ
كما يعبدون اللهُ. فلو لم يكن هُوَ اللهُ لكان قد أمرنا في كتابه أن نعبد المخلوق!
(5)
لو لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ إِلَهَاً لكان من أشد النَّاسِ خداعاً، ويكون قد
أسّس ديانته عَلَى الكذب، لأنه نادى بذلك مراراً كثيرة، وقبِل كُلَّ كرامة إِلَهَية
قُدمت له. ولكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ عاش عَلَى الأَرْضَ أطهر عيشة، وكان طول حياته
يهاجم الضلال والفساد، وأوصى بالمحبة والصدق والأمانة وعمل الخير والإحسان حتى إِلَى
الأعداء. ثم ختم حياته الصالحة بموته لأَجْلِ صدقه ونقاوة سيرته، ثم قام من بين
الأموات قيامة عزيز مقتدر، وأسس ديانته عَلَى مبادئ الْحَقَّ والاستقامة والرحمة.
(6)
لو لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ فلا يكون هُوَ الموعود به في التَّوْرَاةَ،
لأن الموعد هُوَ أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ يكون إِلَهَاً وإِنْسَانَاً معاً، وينقذ
شعبه من عبودية إِبْلِيسُ ويبيد العبادة الوثنية ويقيم ديانة روحية. فإن لم يكن يَسُوعُ
إِلَهَاً لم يكن هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحِ المنتظَر، وتكون الديانة الَّتِي أسسها
وثنية لا روحية، والديانة اليهُوَدية أصدق منها. ويكون يَسُوعُ الْمَسِيحِ الموعود
به لم يأتِ بعد!
(7)
لو لم يكن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ لكان الكتاب المقدس غير معصوم، فيبطل
كُلَّ
ما أثبته لنا في شأن يَسُوعُ الْمَسِيحِ وتعاليمه وكفارته الكاملة الَّتِي قدمها،
ولما كانت هناك قيمة لدمه المسفوك لأَجْلِنا، ولوقع البَشَرٌ في بالوعة اليأس.
لأنه لما كان يَنْبَغِي أن الَّذِي يكفّر عن خطايا الْعَالَمِ يكون إِلَهَاً
وإِنْسَانَاً كان رفض لاهُوَت الْمَسِيحِ رفضاً للكتاب المقدس وتعليم الخلاص بدمه
المسفوك لأَجْلِنا.
شَهَادَةِ الْكَنِيسَةِ للاهُوَت يَسُوعُ الْمَسِيحِ
عبر العصور:
شَهَادَةِ الْكَنِيسَةِ للاهُوَت يَسُوعُ الْمَسِيحِ هي واحدة كما يظهر
من المؤلفات الدينية المتواصلة الَّتِي لا تُحصى. وفي أقدم الكتابات الْمَسِيحِية
الباقية إِلَى الآن من الشهادات ما يستحق الاعتبار الكُلَّي. فجاء في رسالة أكُلَّيمندس
الروماني (في
أواخر القرن الأول)
أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ هُوَ «صولجان الجلالة الإِلَهِيَّةِ». وفي إحدى
رسائل إغناطيوس (في بداية القرن الثاني) دُعي يَسُوعُ الْمَسِيحِ إِلَهَاً،
وقيل في دمه إنه «دم اللهُ». وفي الرسالة المنسوبة إِلَى برنابا (في
أواخر القرن الأول)
قيل في يَسُوعُ الْمَسِيحِ إنه هُوَ الَّذِي كُلَّمه اللهُ حين خلق الْعَالَمِ
قَائِلاً:
«لنعمل الإِنْسَانَ عَلَى صورتنا». وفي السفر المسمى بالراعي المنسوب إِلَى
هرماس (في نحو منتصف القرن الثاني) قيل «ابْنَ اللَّهِ هُوَ قبل كُلَّ مخلوق،
وكان يعمل مع الآب في خلق الْعَالَمِ». وفي الرسالة إِلَى ديوجنيتوس قيل «كما أرسل
الملك ابنه هكذا أرسل اللهُ ابنه إِلَهَاً». والرسائل الَّتِي اقتبسنا منها
كُتبت في بلدان متفرقة، فرسالة أغناطيوس من آسيا الصغرى، والرسالة المنسوبة إِلَى
برنابا من الْكَنِيسَةِ المصرية، ورسالة أكُلَّيمندس من روما، والرسالة إِلَى
ديوجنيتوس عَلَى الأرجح من بلاد اليونان.
ومن
الشهادات الوثنية المعتبرة في أواخر القرن الأول أن الْمَسِيحِيين يؤمنون بلاهُوَت
يَسُوعُ الْمَسِيحِ ما جاء في رسالة أفلينيوس إِلَى الإمبراطور تراجان الَّتِي
فيها يطلب منه الإفادة عن كيفية معاملة الْمَسِيحِيين الساكنين في مقاطعته في آسيا
الصغرى ويقول في مسيحيّي عصره «إنهم يرتلون ترنيماتٍ للْمَسِيحِ عَلَى أنه إِلَهَ».
الرد عَلَى اعتراض البعض عَلَى لاهُوَت الْمَسِيحِ،
والَّذِي بنوه عَلَى الآيات الَّتِي تثبت ناسوته:
كثيراً
ما اقتبس المعترضون عَلَى لاهُوَت الْمَسِيحِ آياتٍ تثبت ناسوته زاعمين أنها تبِرَّهُن
أنه ليس إِلَهَاً. فنجيب أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ إِلَهَ وإِنْسَانَ معاً، فيصح عليه
قولان يظهران متناقضين. نقول «يظهران» لأن ما يدل عَلَى أنه إِنْسَانَ لا ينفي أنه
إِلَهَ أيضاً، وكذلك ما يدل عَلَى أنه اللهُ لا ينفي أنه إِنْسَانَ أيضاً.
الرد عَلَى اعتراض البعض عَلَى لاهُوَت يَسُوعُ الْمَسِيحِ،
والَّذِي بنوه عَلَى الآيات الَّتِي تقول إن الآب أعظم منه
كثيراً ما بنى المعترضون عَلَى لاهُوَت يَسُوعُ الْمَسِيحِ
اعتراضاتهم عَلَى الآيات الَّتِي تفيد أن الآب أعظم من الابن، وأن الابن أقل من الآب،
زاعمين أنها تُبطل الاعتقاد بلاهُوَت الابن. ومن ذلك القول إن الابن مُرسَل من
الآب (إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا17:
3) ولأنه «يوجد إِلَهَ واحد ووسيط بين اللهُ والنَّاسِ،
الإِنْسَانَ يَسُوعُ الْمَسِيحِ»(رِسَالَةُ تيموثاوس الأُولَى2:
5). و«أبي أعظم مني»(إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا14:
28). وأجابهم يَسُوعُ «تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني»(إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا7:
16). و«الكُلَّام الَّذِي أكُلَّمكم به لست
أتكُلَّم به من نفسي»(إِنْجِيلِ يُوحَنَّا14:
10). «وأنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً»(إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا5:
30)
«واللهُ جعل يَسُوعُ هذا الَّذِي صلبتموه أنتم رَبُّاً ومسيحاً»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلُ2: 36).
«وهذا رفعه اللهُ بيمينه رئيساً ومخلصاً»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلُ5: 31).
فنجيب: كُلَّ هذه الآيات لا تنفي علاقة يَسُوعُ
الْمَسِيحِ بالآب في الثالوث الأقدس، بل تشير إِلَى أن الابن من حيث كونه إِنْسَانَاً
مُرسلاً من اللهُ لإتمام الفداء هُوَ دون الآب في العلاقة الَّتِي بينهما، لأنه
مُرسَل من قِبل الآب ليتمم مشيئته بالتجسُّد وتقديم نَفْسَهُ كفارةً عن البَشَرٌ. ثم
نال منه جزاء عمله، وتقلّد سُلْطَانٍاً خاصاً، وهُوَ أنه جلس عن يمينه كملك الْكَوْنِ
إِلَى أن يتمم كُلَّ ما يتعلق بالفداء، ثم يسلّم الملك إِلَى الآب. غير أن ذلك لا
يناقض أنه إِلَهَ، بل يشير إِلَى علاقته بالأقنوم الأول من اللاهُوَت في إتمامه
عمل الفداء، وهي علاقة المرسَل بمرسِله. فهُوَ دون الآب في ذلك العمل لا في الجوهر
الإِلَهِيَّ، والآب أعظم منه ليس في جوهره ولا في طبيعته الإِلَهِيَّةِ، بل في
الأعمال المتعلقة بالفداء، لأنه أُرسل منه. وعَلَى ذلك قيل إنه لا يتكُلَّم من نَفْسَهُ،
وإنه من نَفْسَهُ لا يقدر أن يعمل شيئاً. وكُلَّ الآيات الَّتِي تتكُلَّم عن يَسُوعُ
الْمَسِيحِ كإِنْسَانَ هي تتكُلَّم عن ناسوت يَسُوعُ الْمَسِيحِ مثل جاع وعطش
وتألم...وغيرها كإِنْسَانَ.
وقد قَالَ يَسُوعُ الْمَسِيحِ عن ساعة
مجيئه ثانية وانقضاء الْعَالَمِ: »أما
ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحدٌ، ولا الْمَلاَئِكَةِ الَّذِين في السَمَاءً،
ولا الابن، إلا الآب«(إِنْجِيلُ
مَرْقُسَ13: 32).
فقد
كانت له طبيعتان، فهُوَ إِنْسَانَ كامل وإِلَهَ كامل، وهُوَ تارةً يتكُلَّم
باعتبار كونه إِنْسَانَاً كما قَالَ عند قبر لعازر: »أين
وضعتموه؟«(إِنْجِيلِ يُوحَنَّا11:
34)
وتارة يتكُلَّم كإِلَهَ: »لعازر
هلمَّ خارجاً«(إِنْجِيلِ يُوحَنَّا11:
43)
فيقوم الميت. فكان يمكنه إن شاء أن يجعل ناسوته لا يستفيد من لاهُوَته، لأنه »أَخْلَى نَفْسَهُ، (بإرادته)
آخِذاً صُورَةِ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ «(رِسَالَةُ
فِيلِبِّي2: 6و
7).
لقد كان مجد يَسُوعُ الْمَسِيحِ مساوياً
لمجد الآب، ولكنه تنأَزَلِ عنه طوعاً لفترة محدودة (أثناء
التجسد) ليكمل عمل الفداء بالموت عنا مصلوباً. ولما أُكمل عمل الفداء
عاد إِلَى مَجْدِهِ الأول. وقد قَالَ يَسُوعُ الْمَسِيحِ: «أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضَ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي
لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ
ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ»(إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا17: 4و
5).
فإن كنا نتكُلَّم عن أن يَسُوعُ الْمَسِيحِ أقل من الآب، فذلك في فترة تنأَزَلِه،
ولأداء عمل الفداء. تنأَزَلِ في اختصاصاته، وليس في شخصه.
والآن عزيزى القارئ أوجه نظرك في
النهاية إِلَى أهم سؤال يواجهك في حياتك، وهُوَ منْ
هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحِ بالنسبة لك؟
هل هُوَ الرَّبُّ المخلص!!
إن
كان
كذلك
فقد
ضمنت
الْحَيَاةُ
الأَبَدِيَّةٌ والرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ روح يَسُوعُ الْمَسِيحِ يَشْهَدُ
لك بذلك في داخلك، وإن كنت غير ذلك فأدعوك لمراجعة حساباتك! فهُوَ سؤال مصيري.