من كتاب
هل يُعْقلُ أن
الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ؟!
إعداد
د. القس
/ سامي منير اسكندر
باحث
ومحاضر في الدين المقارن
مَعْرِفَةً اللهُ والمَعْرِفَةً عن اللهُ
إعداد
القس سامي منير اسكندر
كان
الفريسيون طائفة من اليهُوَد المتعبدين لله يعرفون عن اللهُ الكثير، ولكنهم لم
يعرفوا اللهُ، فلا يكفي أن ندرس عن الدين أو ندرس التَّوْرَاةَ والإِنْجِيلِ، بل
يجب أن نتجاوب مع اللهُ.
حَقِيقَةِ وجود اللهُ:
لا نفع للإِنْسَانَ من الاجتهاد في مَعْرِفَةً
اللهُ إن لم يؤمن بوجوده أو تشكك في هذه الْحَقَّيقَةِ. فالإِيمَانُ بوجود اللهُ هُوَ
أول طريق معرفته. يقول كاتب الرسالة إِلَى العبرانيين:
«6لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي
يَأْتِي إِلَى اللهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ
يَطْلُبُونَهُ»(الرِّسَالَةُ
إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ11:
6). ولقد صَدَقَ الإِنْجِيلِ حين قَالَ: «17أَنَّهُ (أي أن اللهُ) لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ
بِلا شَاهِدٍ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلُ14:
17).
«14فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ
يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ
كَارِزٍ؟»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ10: 14).
ü
أسَمَاءً اللهُ
«15هَذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ وَهَذَا ذِكْرِي إِلَى
دَوْرٍ فَدَوْرٍ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ3: 15).
كان لاسم الشخص مدلولا كبيرًا لدى الشعوب قديماً،
حيث كان الاسم ينطوي عَلَى رمز أو نبوة أو ذكرى مما ينعكس غالبًا عَلَى حياة حامله
إذ نرى هذا المدلول تترجمه الأحداث التاريخية في صُورَةِ وقائع محددة.
وبينما الأسَمَاءً الَّتِي
نطلقها الآن هي – في الغالب – لمجرد تحديد
الشخص، فإن الأسَمَاءً في الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ هي أسَمَاءً وصفية أو نبوية غالبًا، وتكاد جميعها أن
تكون لها دلالة دينية، فالأب يخصص ابنه لله أو يعلن تكريسه لله عن طريق ربط اسم اللهُ
بالخدمة الَّتِي سوف يقدمها الطفل، أو ليذكر – عن طريق الاسم – فضل اللهُ عليه في
عطيته الكريمة له، ألا وهي الطفل، فمثلا: «نثنائيل»، معناه «عطية اللهُ»، و«صموئيل» معناه «مسموع من اللهُ»، «وأدونيا» معناه «الرَّبُّ سيدي» وهكذا وقد يبدو غريبًا
لنا الآن أن حياة الطفل أو صفاته يتكهن بها أبواه عندما يطلقان عليه اسمًا معينًا،
والدليل عَلَى أن هذا كان يحدث كثيرًا هُوَ الاسم الَّذِي أُعطى للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ عند ولادته: «يَسُوعُ» له مدلول وقيمة
عظيمة بالنسبة للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وكُلَّ شعوب الأَرْضَ،
لذا قَالَ الملاك ليُوسُفُ عن مريم «فَسَتَلِدُ ابْناً
وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعُ
لأَنَّهُ يُخَلِّصُ
شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ»(إِنْجِيلِ مَتَّى1: 21).
وأسَمَاءً أخرى مثل إِبْرَاهِيمُ ويَعْقُوبُ وإِسْرَائِيلَ ويَشُوع..أما في الوقت
الحالي فغالبًا ما ينتقي الأباء أسَمَاءً أطفالهم تخليدًا لذكرى من رحلوا أو إرضاء
لذويهم أو لمجرد الإعجاب بها.
ومن المتحمل أن إعطاء
اسم
يدل عَلَى صفة إنما كان يمثل هدف الوالدين الَّذِي يبذلون جهدهم في تربية الطفل
لتحقيقه، فاسم الطفل
يمثل أمنية يصلون لأَجْلِها ويسعون لتحقيقها، كما كان لارتباط الاسم بالشخص أثر سيكولوجى
في حياته، وتقدم لنا أسفار التَّوْرَاةَ
الكثير من الأمثلة المتنوعة، تبدو في أقوى صورها في تغيير الأسَمَاءً للدلالة عَلَى
ما طرأ عَلَى أصحابها من تغيير، فمثلا تغيير اسم «إبرام» (الأب العظيم) إِلَى
«إِبْرَاهِيمُ(أب لجمهُوَر)»
«4أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ وَتَكُونُ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ
الأُمَمِ 5فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ
بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ17: 4و5)،
وحذف اسم «يهُوَ» أي «يَهُوَهْ» من اسم الملك المرتد
آحاز «38وَاضْطَجَعَ يُوثَامُ مَعَ آبَائِهِ وَدُفِنَ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ
دَاوُدَ أَبِيهِ، وَمَلَكَ آحَازُ ابْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ»(سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الثَّانِي15: 38)،
كما غير نبوخذ نصر
اسم آخر ملوك يهُوَذا من «مَتَّنِيَّا» إلي «صِدْقِيَّا» ليكون أكثر تعبيرًا
عن تأكيد ولأئه لسيده الَّذِي ولاه الملك «17وَمَلَّكَ مَلِكُ بَابِلَ مَتَّنِيَّا عَمَّهُ عِوَضاً عَنْهُ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى صِدْقِيَّا»(سِفْرُ اَلْمُلُوكِ الثَّانِي24: 17).
ولقد استخدم اللهُ
عادة البَشَرٌ هذه وحدد لنَفْسَهُ أسَمَاءً وألقاب إِلَهَية كوسيلة للتواصل مع البَشَرٌ.
و«الاسم» يمثل إظهار كامل لله
في علاقته بشعبه ويعبر عن طبيعته الإِلَهِيَّةِ في هذا الإطار. أي أن الغرض من «الاسم» ليس تمييز اللهُ
ككائن مستقل بذَاتِهِ بالنسبة لسائر الْكَائِنِات، بل التعبير عن جوانب
طبيعة اللهُ وكماله في إطار علاقته بالإِنْسَانَ بصُورَةِ خاصة. وأسَمَاءً اللهُ ليست
من تأليف الإِنْسَانَ بل من اللهُ حتى وإن كانت مستعارة من لغة البَشَرٌ ومستمدة
من العلاقات البَشَرٌية الأَرْضَية. فهي أسَمَاءً بشرية خصصت لوصف جوانب الطبيعة الإِلَهِيَّةِ. يوجد قول عبراني عن العلاقة بين اللهُ واسمه يقول «ذَاتِهِ هُوَ اسمه واسمه هُوَ
ذَاتِهِ». أي أن اسم اللهُ
يكتسب كُلَّ ما لطبيعة اللهُ وكماله من مجد وسمو وقدرة وسُلْطَانٍ وكرامة. واللهُ
بنَفْسَهُ يؤكد مراراً عَلَى هذه الْحَقَّيقَةِ في فقرات كتابية منها ما يلي:
«9مِنْ أَجْلِ اسْمِي أُبَطِّئُ غَضَبِي وَمِنْ أَجْلِ
فَخْرِي أُمْسِكُ عَنْكَ حَتَّى لا أَقْطَعَكَ. 10هَئَنَذَا
قَدْ نَقَّيْتُكَ وَلَيْسَ بِفِضَّةٍ. اخْتَرْتُكَ فِي كُورِ الْمَشَقَّةِ. 11مِنْ أَجْلِ نَفْسِي مِنْ أَجْلِ نَفْسِي
أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ اسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لا أُعْطِيهَا لآخَرَ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ48: 9-11).
اسمي = نفسي = فخري = كرامتي.
«7لا تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبُّ إِلَهِكَ بَاطِلاً لأَنَّ الرَّبُّ
لا يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ20: 7).
«21وَلا تُعْطِ مِنْ زَرْعِكَ لِلإِجَازَةِ لِمُولَكَ لِئَلا
تُدَنِّسَ اسْمَ إِلَهِكَ. أَنَا الرَّبُّ»(سِفْرُ اَللاَّوِيِّينَ18: 21).
و«12وَلا تَحْلِفُوا بِاسْمِي لِلْكَذِبِ فَتُدَنِّسَ اسْمَ
إِلَهِكَ. أَنَا الرَّبُّ»(سِفْرُ اَللاَّوِيِّينَ19: 12).
«6مُقَدَّسِينَ يَكُونُونَ لإِلَهِهِمْ وَلا يُدَنِّسُونَ
اسْمَ إِلَهِهِمْ لأَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَ وَقَائِدَ الرَّبُّ طَعَامَ
إِلَهِهِمْ فَيَكُونُونَ قُدْساً»(سِفْرُ
اَللاَّوِيِّينَ21: 6).
«16وَمَنْ جَدَّفَ عَلَى اسْمِ الرَّبُّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ.
يَرْجُمُهُ كُلَّ الْجَمَاعَةِ رَجْماً. الْغَرِيبُ كَالْوَطَنِيِّ عِنْدَمَا
يُجَدِّفُ عَلَى الاسْمِ يُقْتَلُ»(سِفْرُ
اَللاَّوِيِّينَ24: 16).
1 ) عبارة «اسْمِهِ»: حيث أن أسفار الإعلان
الإِلَهِيَّ المكتوب تهدف إِلَى إعلان اللهُ لنا، ومن حيث إن العبرانيين قد وضعوا
هذا العدد الكبير من الأسَمَاءً، فلابد أن نتوقع منهم، أن يجعلوا اسم اللهُ وسيلة – من الدرجة الأولى – للإعلان عنه، فهؤلاء العبرانيون الَّذِين اعتادوا استخدام
الأسَمَاءً المعبرة عن شخصياتهم لابد أنهم كانوا يعتبرون أسَمَاءً اللهُ معبرة عن
طبيعته.
ولفظة «ياه» (الرَّبُّ)
أو «اسمه» – كما يستخدم في الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ للدلالة عَلَى «اللهُ» – هي لفظة هامة تحوي
الكثير من المعاني، بل هي تعبير بصُورَةِ شاملة عن استعلانه في الطبيعة «1أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي
كُلِّ الأَرْضِ حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ!» (سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور8: 1)، «2أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ وَأَحْمَدُ اسْمَكَ
عَلَى رَحْمَتِكَ وَحَقِّكَ لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ
اسْمِكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور138: 2)،
أو تحدد مكان عبادته
حيث يدعو النَّاسِ باسمه «5بَلِ المَكَانُ الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ
جَمِيعِ أَسْبَاطِكُمْ لِيَضَعَ اسْمَهُ فِيهِ سُكْنَاهُ تَطْلُبُونَ
وَإِلى هُنَاكَ تَأْتُونَ»(سِفْرُ اَلَتَّثْنِيَة12: 5)،
أو
تستخدم مرادفاً لصفاته المتعددة، مثل:
الأمانة «9مِنْ أَجْلِ اسْمِي أُبَطِّئُ غَضَبِي وَمِنْ أَجْلِ فَخْرِي أُمْسِكُ عَنْكَ حَتَّى لاَ
أَقْطَعَكَ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ48: 9)،
النِعْمَةٌ «3يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور23: 3)،
الْمَجْدِ «9أَعِنَّا يَا إِلَهَ خَلاَصِنَا مِنْ أَجْلِ مَجْدِ اسْمِكَ وَنَجِّنَا وَاغْفِرْ خَطَايَانَا مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور79: 9)...إلخ.
ومن حيث إن اسم اللهُ
يشير إِلَى اللهُ نَفْسَهُ كما يريد أن يكون معروفًا عند خلائقه، فعندما يقَالَ إن
اللهُ سوف يصنع لنَفْسَهُ اسمًا بأعماله العظيمة، أو أنه يصنع لنَفْسَهُ «اسم مجد»، نستطيع أن نفهم بسهُوَلة
أن اسم اللهُ كثيرًا ما يكون مرادفًا لمجد اللهُ، وأن التعبير عن الأمرين، كثيرًا
ما يكون واحدًا أو بطرق مختلفة أو بصُورَةِ تبادلية» (شولتز –
الفكر اللاهُوَتي في العهد القديم، المجلد الأول ص 124-125)، «19وَمُبَارَكٌ اسْمُ
مَجْدِهِ إِلَى الدَّهْرِ وَلْتَمْتَلِئِ الأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ مَجْدِهِ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور72: 19)، «14كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ رُوحُ الرَّبِّ
أَرَاحَهُمْ. هَكَذَا
قُدْتَ شَعْبَكَ لِتَصْنَعَ لِنَفْسِكَ اسْمَ مَجْدٍ»(سِفْرُ
إِشَعْيَاءَ63: 14).
2 ) أنواع الأسَمَاءً:
ولا شك في أننا نتوقع
لأهمية الاسم الإِلَهِيَّ في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ، أن يتردد كثيرًا
مع تنوع في الشكُلَّ، وهذا هُوَ الواقع، ويمكن وضع الأسَمَاءً المتنوعة تحت
الأقسام الآتية:
القسم الأول: الأسَمَاءً المطلقة أو الشخصية.
القسم الثاني: الأسَمَاءً الوصفية.
القسم الثالث: أسَمَاءً اللهُ في الإِنْجِيلِ.
ونلاحظ أنه بمرور
الوقت تميل الأسَمَاءً الوصفية إِلَى التبلور بالاستخدام الكثير والاحترام
التعبدي، لتصبح أسَمَاءً شخصيةً، مثل اللقب الوصفي «قُدُّوسُ» الَّذِي نجده اسمًا
شخصيًا في سِفْرُي
أَيُّوبَ وإِشَعْيَاءَ.