ابْنُ اللَّهِ في سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ
الجزء الثالث
إعداد
د. القس/ سامي منير اسكندر
قبل الرَّسُولِ بُولُسَ: لا يذكر لقب ابْنُ اللَّهِ إلا مرة وأحدة في الأصحاحات
الاثني عشر الأولي، وذلك عن موضوع كرازة بولس في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابْنُ
اللَّهِ «20وَلِلْوَقْتِ
جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ بِالْمَسِيحِ «أَنْ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
20)، وهو أمر يدعو للعجب، وبخاصة أن سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ تتمه
لإِنجيل لوقا. والتفسير الوحيد لذلك هو أن الكنيسة الأولى في أُورُشَلِيمَ - فيما
قبل الرَّسُولِ بُولُسَ - كانت تفضل عدم استخدامه. لإشك في أنهم
كانوا يعظمون شخص الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ولكن لعل استخدام هذا اللقب في الكرازة
لليهود، كان يثير حفيظتهم، ويؤدى إلى الاصطدام بهم، وهو الأمر الذى كانت تحأول
الكنيسة في أيامها الأولى - قبل استشهاد استفانوس - أن تتجنبه.
ولا يمكن القول بأن الجيل الأول من الكنيسة،
كان يجهل هذا اللقب، حيث أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نفسه قد استخدمه، ولكن لعلهم - كما يقول
كولمان - كانوا يذكرون تحفظ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ في استخدامه (كما يظهر ذلك في كل إِنْجِيلُ مَرْقُسَ).
وهناك أيضاً اعتراف الخصى الحبشي: «37فَقَالَ
فِيلُبُّسُ: «إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ». فَأَجَابَ
وَقَالَ: «أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ
هُوَ ابْنُ اللهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ8:
37).
وهناك إشاراتان غامضتان إلى فَتَاهُ في سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ «13إِنَّ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ إِلَهَ آبَائِنَا مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ
أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ...26إِلَيْكُمْ
أَوَّلاً إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ
بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ3:
13و26). ولعلهما مقتبستان عن إِشَعْيَاءَ «1هُوَذَا
عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي.
وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ42: 1). مُخْتَارِي الَّذِي
سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. ولكن عين الإِيمان
تستطيع أن ترى فيهما نفس اللقب ابْنُ اللَّهِ وفيى نفس الوقت لا يصطدم بهما غير
المؤمن.
Ø تاريخ
الرَّسُولِ بُولُسَ في سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ:
ويغطى تاريخ الرَّسُولِ بُولُسَ الأصحاحات
الستة عشر الأخيرة من سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ (من 13 - 28). بالإِضافة إلى ما جاء عنه في
الأصحاح التاسع. (وبخاصة ما جاء في العدد العشرين). لقد أدرك اليهود المعنى الذي
قصده الرَّسُولِ بُولُسَ من اللقب، وهو أن الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ معادل لله، ولذلك تآمروا على قتله «23وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ
الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9:
23). ولم يخشنَ الرَّسُولِ بُولُسَ مطلقاً الاصطدام بهم، فقد كان مستعداً لذلك، حتى قالوا عنه
وصحبه: الذين فتنوا المسكونة «6وَلَمَّا
لَمْ يَجِدُوهُمَا جَرُّوا يَاسُونَ وَأُنَاساً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ
الْمَدِينَةِ صَارِخِينَ: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ
حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا أَيْضاً»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 6)،
«21وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ
أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ الأُمَمِ الاِرْتِدَادَ
عَنْ مُوسَى قَائِلاً أَنْ لاَ يَخْتِنُوا أَوْلاَدَهُمْ وَلاَ يَسْلُكُوا حَسَبَ
الْعَوَائِدِ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ21: 21)، ومهيج فتنه «5فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هَذَا الرَّجُلَ
مُفْسِداً وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي
الْمَسْكُونَةِ وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ24:
5). ويمكننا معرفة أسلوبه في الكرازة لليهود في دمشق وأُورُشَلِيمَ، من كرازتة في
المجمع في أنطاكية بيسيدية «16فَقَامَ
بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ
وَالَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ اسْمَعُوا. 17إِلَهُ
شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هَذَا اخْتَارَ آبَاءَنَا وَرَفَعَ الشَّعْبَ فِي الْغُرْبَةِ
فِي أَرْضِ مِصْرَ وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا. 18وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً احْتَمَلَ
عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. 19ثُمَّ
أَهْلَكَ سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ
بِالْقُرْعَةِ. 20وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي
نَحْوِ أَرْبَعِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ
النَّبِيِّ. 21وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا
مَلِكاً فَأَعْطَاهُمُ اللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسٍ رَجُلاً مِنْ سِبْطِ
بِنْيَامِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 22ثُمَّ
عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً إِذْ
قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ
كُلَّ مَشِيئَتِي. 23مِنْ نَسْلِ هَذَا
حَسَبَ الْوَعْدِ أَقَامَ اللهُ لِإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصاً يَسُوعَ. 24إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ
مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. 25وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ
جَعَلَ يَقُولُ: «مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ لَكِنْ
هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ
قَدَمَيْهِ. «26أَيُّهَا الرِّجَالُ
الإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ اللهَ
إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هَذَا الْخَلاَصِ. 27لأَنَّ
السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هَذَا.
وَأَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ الَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا إِذْ
حَكَمُوا عَلَيْهِ. 28وَمَعْ أَنَّهُمْ
لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ أَنْ
يُقْتَلَ. 29وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ
مَا كُتِبَ عَنْهُ أَنْزَلُوهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ. 30وَلَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. 31وَظَهَرَ أَيَّاماً كَثِيرَةً لِلَّذِينَ
صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ
عِنْدَ الشَّعْبِ. 32وَنَحْنُ
نُبَشِّرُكُمْ بِالْمَوْعِدِ الَّذِي صَارَ لآبَائِنَا 33إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ
أَوْلاَدَهُمْ إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي
الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. 34إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ غَيْرَ
عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً إِلَى فَسَادٍ فَهَكَذَا قَالَ: إِنِّي
سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. 35وَلِذَلِكَ
قَالَ أَيْضاً فِي مَزْمُورٍ آخَرَ:لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 36لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ
بِمَشُورَةِ اللهِ رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ وَرَأَى فَسَاداً. 37وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ
فَسَاداً. 38فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً
عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ
بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا 39وَبِهَذَا
يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ
تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى. 40فَانْظُرُوا
لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ: 41اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُونَ
وَتَعَجَّبُوا وَاهْلِكُوا لأَنَّنِي عَمَلاً أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ عَمَلاً
لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ13:
16-41).
وهو لم يجمع اطلاقاً بين بنوية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ والولادة من العذراء (كما فعل متى لوقا)،
ولا مع معموديته (كما فعل مرقس)، بل جمع بينها وقيامته، مستدلاً بالمزمور الثاني «33إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ
أَوْلاَدَهُمْ إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي
الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ13: 33)، «7إِنِّي
أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ. قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي. أَنَا
الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور2: 7).
وهذه الجوانب الثلاثة متكاملة وليست
متعارضة. ولم يفهم الرَّسُولِ بُولُسَ قيامة الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ على أساس التبني، وكأن الإِنسان يسوع لم يصر ابْنُ اللَّهِ. ولإشك أن
للقيامة أهميتها في اثبات لاهوت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فهى ختم الله على تلك الحقيقة أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو ابْنُ اللَّهِ «4وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ
الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ1: 4).
0 التعليقات:
إرسال تعليق