الفرق بين الوحدانية والتوحيد
برنامج
سؤال وجواب
يحوار
م سامي متري
د. القس سامي منير إسكندر
ما هي نوع
وحدانية الله؟ هل هي مجردة مطلقة أم جامعة مانعة؟
وحدانية الله ليست مجردة أو مطلقة، بل أنها
وحدانية كثرة، أو التعبير الأفضل وحدانية جامعة.
ثانياً: أدلة نقلية على وحدانية الله
فإن معظم الفلاسفة
كانوا قد أدركوا أن وحدانية الله جامعة مانعة. وإليك الاقتباسات التالية خير شاهد
على ذلك:
1.) فلاسفة
اليونان: قال أفلاطون: «الله جميل حكيم خيَّر، جامع لكل المحامد». وقد قال أفلوطين
لإثبات دلالة هذه العبارة، على أن وحدانية الله هي وحدانية جامعة، بالقول: «إله أفلاطون ليس وحدة مطلقة، لأنه مؤلف من الانسجام
والجمال والحقيقة، وإن كان الكل واحداً». وقال أرسطو: «الله هو الكل،…الله عقل
وعاقل ومعقول».
2.) فلاسفة
اليهود: قال فيلون: «الله يتصل بالناس بواسطة كلمته، فيساعدهم ويثيبهم
ويعاقبهم». قد علق أفلوطين بالقول: «إله فيلون ليس وحدة مطلقة، لأنه متصل ببني الإنسان،
يساعدهم ويكافئهم». وسيمون بن يوشي قال
بصراحة: «إن كلمة الله (أو
إلوهيم) تدل على أنه جامع».
3.) فلاسفة المسيحيين: قال نقولا دي كوسا: «الله الموجود الأعظم اللامتنهي، حاوٍ لكل وجود، فهو الأشياء جميعاً في حال
الوحدة والانطواء». وقال مالبرانش: «نرى في الله المعاني الجزئية والكلية والمبادئ
الضرورية».
وقال
بوهمي: «لابد أن يكون الله منطويًا على كثرة هي الينبوع الخفي للحياة الكلية، إذ كيف
يمكن تفسير الكثرة (الموجودة في العالم ) بالوحدة المطلقة، وليس في الوحدة المطلقة
شي تريده، مادامت وحدة مطلقة».
قال
وورد: «لا يمكن جعل المطلق نقط الابتداء، ولذلك فالأفضل فرض وجود إله جامع».
قال
سانتيلا بصراحة تامة: إن وحدانية الله ليست وحدانية مطلقة، فقال: «كيف يتصور صدور الكثرة باختلاف أنواعها من الأحدية
البسيطة المتعالية عن كل كثرة! إن الأمر لا يخلو أن يكون أحد حالين: إما أن يُقال
إن الكثرة كانت مكنونة في ذات الأول المحض، كما قال بعض الصوفيين إنها كالشجرة في
النواة، وإما أن يُقال إن الكثرة لم يكن لها أثر ولا رسم في ذات الله، وكيف يتصور
حينئذ أن تكون علة الكثرة».
4.) فلاسفة
المسلمين: غالبية فلاسفة المسلمين يعتقدون أن وحدانية لله جامعة
أو جامعة مانعة، إنما كانوا يدعونها «الوحدانية المطلقة» كما يتضح
مما يلي:
قـال ابن
سينا: «الله علم وعالم ومعلوم، وعقـل عاقل معقول، وعشق وعاشق ومعشوق» (وأليس هذا
الوصف وحده، يدل على أن وحدانية الله هي جامعة مانعة؟).
قال الفارابي: «لحظت الأحدية نفسها فكانت قدرة، فلحظت
القدرة فلزم العلم الثاني المشتمل على الكثرة. وهناك أفق عالم
الربوبية
يليه عالم الأمر، يجري به القلم على اللوح فتتكثر الوحدة».
ونحن نتساءل:
كيف تلحظ الذات ذاتها وتتجلى لها، ولا تكون لها علاقة بينها وبين نفسها! وكيف
تكون لها علاقة بينها وبين نفسها، ولا تكون وحدانيتها وحدانية جامعة!
ملاحظة القلم في نظر الفارابي، هو ملك روحاني. وفي نظر
ابن سينا هو العقول التي تدير الأفلاك. وفي نظر الشيخ الإمام إبراهيم
البيجوري، هو جسم نوراني خلقه الله، وأمره بكتابة ما كان وما يكون إلى يوم
القيامة (راجع كتاب «الله» لعوض سمعان).
وقال الشيخ
البيجوري: «الوحدانية الشاملة هي وحدانية الذات، ووحدانية الصفات، ووحدانية الأفعال».
وقال الإمام
الغزالي: «من ذهب إلى أن الله لا يعقل نفسه، إنما خاف من لزم الكثرة». فعقل لله
لنفسه يدل على تميزه بكثرة، أو بتعبير آخر على أن وحدانيته هي وحدانية جامعة.
وأخيراً
قـال الأستاذ سلامة الشافعي: «ولا تظن أن معـني كـونه تعالى واحـداً، هو كمعني قولك إن زيداً شخص واحد لا
اثنان، فإن هذه الوحدة يوصف بها كـل ما هو
موجود من الذوات، والمعاني المتمايزة يعـرفها كل أحد لكل أحد ولا ينازع فيها عاقل،
والإيماء بها في الخالق عز وجل، لا يخلص من شرك ولا ينجو من كفر. وإنما معني
الوحدانية في الله، هو أنه واحد في وجوب الوجود وفي سائر الكمالات اللائقة به». أي أن وحدانيته تعالى هي الوحدانية الجوهرية، ليس
الوحدانية الشكلية، أو كما نقول نحن: هي الوحدانية في اللاهوت وليس في التعين.
ولعل الأستاذ الشافعي قد تجنب البحث في تعين الله أو وحدانية الشكلية، لأنه رأى
أنها تفوق العقل والإدراك وحقاً إنها كذلك!
تعليقنا: ويبدو لنا أن السبب الذي دعا معظم الفلاسفة المسلمين
إلى الجزم بأن وحدانية الله هي وحدانية كثرة، أو بتعبير آخر وحدانية جامعة، يرجع
إلى أن الإسلام يسند إلى الله صفات وأسماء كثيرة، هي: «أسماء الله الحسنى». ومن بين هذه الأسماء «الجامع». وكلمة الجامع،
إذا نظرنا إليها في ذاتها، وجدنا أنها لا تدل فقط على أن الله جامع للناس، بل أيضا
على أنه شامل لكل ما هو لازم لكماله واستغنائه بذاته عن كل ما في الوجود.
0 التعليقات:
إرسال تعليق