لوسيفر
وتمرُّد الْمَلاَئِكَةُ
الجزء
الثاني
إعداد
د.القس سامي منير اسكندر
نحن نعيش في ميدان معركة تحتدم
باستمرار- فإنّ رحى حرب الدهور مازالت تدور. هذه الْحَرْبِ تضغط بتزايد، وتُضيّق
على شعب الله المؤمن بالرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ. حتى إنّ الْحَرْوبِ التي تنشب بين شعوب الأَرْضِ
ما هي إلّا مجرّد لعبة بأسلحة أطفال إذا قيست بشراسة المعركة الروحية الدائرة في
العالم الروحي غير المنظور. إن هذا الصراع الروحي غير المنظور يدور حولنا باستمرار
وبلا هوادة. حيثما يعمل الرب، تجد قوات الشَّيْطَانُ تنشط لتقاوم عمل الله، وحيثما
يعمل الْمَلاَئِكَةُ منفّذين المهمات التي يرسلهم الله من أجلها، تجد الشَّيْطَانُ
يثور ويفسد. كل هذا لأن قوات الظلمة ما برحت تواصل هجومها المعاكس لعلّها تستعيد
المواقع التي تحرّرت من سلطانها وآلت إلى مجد الله.
ولولا قوات الْمَلاَئِكَةُ التي
يمدّها الله بالقوة لمقاومة الأرواح الشريرة، أي مَلاَئِكَةُ إِبْلَيْسَ، لما ظلّ
أيُّ أمل بالتغلّب على قوات الظلام الشريرة للانضواء تحت لواء ربّ الحريّة
والخلاص. لقد إعلان الإِنْجِيل بالحق عندما قال إنّ للظلمة حصوناً
منيعة، لكنّها حصون لا تقوى على الصمود أمام قوة الإيمان والنور، إذ إنّ مَلاَئِكَةُ
الله يخوضون الْحَرْبِ حتى النصر من أجلنا «4إِذْ أَسْلِحَةُ ُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً،
بَلْ قَادِرَةٌ بِاللَّهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. 5هَادِمِينَ
ظُنُوناً وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ
كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ،»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ10: 4و5).
Ø
الشَّيْطَانُ يواصل
العدوان
جاء عن الشَّيْطَانُ أنّه: «10وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً قَائِلاً فِي السَّمَاءِ:
«الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلَهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ،
لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ
الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلَهِنَا
نَهَاراً وَلَيْلاً»(سِفْرُ
رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ12: 10)، ويتكلّم الإِنْجِيل: «12فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ،
بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ،
مَعَ السَّلاَطِينِ،
مَعَ وُلاَةِ
الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي
السَّمَاوِيَّاتِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ6: 12). فمع أنّ الشَّيْطَانُ وجنده
يشنّون الْحَرْبِ في السَّمَاءِ فإنّ هدفهم الرئيسي هو تدمير الإيمان على الأَرْضِ.
يحدّد «12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ
الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى
السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى
جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. 14أَصْعَدُ
فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ14: 12-14)، أهداف الشَّيْطَانُ فيقول
إنّه يعمل على قهر الشعوب، وإفساد المستويات الأدبية والمُثُل الخُلُقية، وإتلاف
الموارد الإِنْسَانُية. كما أنّه يعمل على إفساد النظام الاجتماعي، وزعزعة مملكة
الله لو استطاع. فإذ يستخدم الشَّيْطَانُ قوّته المدمرة، يُثير الاضطراب، ويشعل
النيران، ويسبب الفيضانات والزلازل والعواصف والأوبئة والأمراض، ويعمل على إبادة
الشعوب والأمم. ينتهي وصف الشَّيْطَانُ وقوته العظيمة بالكلمات: «17الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ كَقَفْرٍ وَهَدَمَ مُدُنَهُ الَّذِي لَمْ يُطْلِقْ
أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ14: 17)، وهذه الكلمات قد تشير إلى سجن الشَّيْطَانُ
أي الْجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وهي مقرّ أرواح الموتى الأشرار، كما
هو موصوف بوضوح في «19كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ
وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهاً. 20وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي
طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوباً بِالْقُرُوحِ، 21وَيَشْتَهِي
أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ
كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. 22فَمَاتَ
الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ
الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ 23فَرَفَعَ
عَيْنَيْهِ فِي الْجَحِيمِ
وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ
فِي حِضْنِهِ، 24فَنَادَى وَقَالَ: يَا
أَبِي إِبْرَاهِيمُ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ
إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللَّهِيبِ. 25فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ
أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ
الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. 26وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ
قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ
هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ
إِلَيْنَا. 27فَقَالَ: أَسْأَلُكَ
إِذاً، يَا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ أَبِي، 28لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حَتَّى يَشْهَدَ
لَهُمْ لِكَيْلاَ يَأْتُوا هُمْ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هَذَا. 29قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى
وَالأَنْبِيَاءُ. لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. 30فَقَالَ:
لاَ، يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ
الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. 31فَقَالَ
لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَلاَ إِنْ قَامَ
وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ»(إِنْجِيلُ لُوقَا16: 19-31). فللشَّيْطَانُ قوة عظيمة محدودة، وهو محتال خبيث يمضي بلا هوادة في
محاربة الله والمؤمنين. إنّه يفعل كل ما يستطيع فعله ليُبقي الإِنْسَانُ أسير الْخَطِيَّة،
حتى يجرّه أخيراً إلى سجن الانفصال الأبدي عن الله.
منذ سقوط لوسيفر، حامل النور، أي
زُهرة بنت الصبح، لم تكن هدنة في صراع الدهور المرير. فما زال لوسيفر يعمل ليلاً
ونهاراً، بكل مهارة وحنكة، ناصباً أحابيل الظلام للإيقاع بالناس، عاملاً بلا توقف
على إحباط خطة الله الأزلية. إننا نجد عواقب الشر مسطورة على كل صفحة من كتاب
تاريخ الإِنْسَانُ، وقد عملت قوات الظلام بتوجيه من إِبْلَيْسَ لإتمام تلك العواقب
وإيصالها إلى أقبح أشكالها وأشرّها. لا يرضى الشَّيْطَانُ بالتخلّي، قيدَ أُنُملة،
عن الأَرْضِ التي يسيطر عليها، ولا يتوقف لحظة عن مقاومة خطة الله الهادفة إلى
تحرير الكون من بين براثنه. وهو لا يكفّ أبداً عن السعي إلى مقاومة كلمة الله
والطعن بصدقها، ويحرّض الناس على إنكار سلطان الله، ويحاول إغواءَهم كي يمرّغوا
أنفسهم في ملذّات الْخَطِيَّة الخدّاعة. والْخَطِيَّة هي الأمر الواقع الرهيب في
عالمنا هذا. إذ تكشف عن وجهها القبيح في ما تبتكره من رذيلة وانحطاط، وفي ما تثيره
من حروب وسفك دم، وما تنتجه من أنانية وحزن وقلوب محطمة ونفوس ضائعة هالكة. فقد
كانت الْخَطِيَّة-وما زالت-هي مأساة الكون وأداة الشَّيْطَانُ لإحباط أعمال الله
أو تدميرها. حقّاً ما أصدق قول الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ عن الشَّيْطَانُ:
«44أَنْتُمْ
مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا.
ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ
لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ
مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا8: 44).
Ø
مكر الشَّيْطَانُ
حاشا لله، وهو الإله العادل، أن يُغفل
أمر الْخَطِيَّة إلى الأبد. فهو لن يسمح لانحرافات لوسيفر بأن تسخر منه تعالى إلى
ما لا نهاية. لذلك نجد الرد على شر العالم في ناموس كلمة الله الذي لا يتبدّل، حيث
نُفاد أن «23لأَنَّ
أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ6: 23). فهجمات إِبْلَيْسَ التي ابتدأت
منذ فجر التاريخ ستستمر إلى أن يبدأ الله بإسدال الستار على هذه المسرحية
المروّعة، وذلك في معركة هر مجدّون الحاسمة.
يؤسس الشَّيْطَانُ حِيَله الماكرة
وأعماله الخبيثة على التشكيك بصدق الله وأمانته. فلكَم حاول، على مدى قرون عديدة،
أن يجعل الإِنْسَانُ يسيء الظنّ بالله، ساعياً لإظهار الله المنزّه عن الكذب
وكأنّه كاذب في نظر الإِنْسَانُ. وهو يحاول، مراراً وتكراراً، أن يقلّل من جدّية
كلمة الله لعلّه يحرم الإِنْسَانُ نعمة الإيمان وطمأنينة الاعتماد على الله.
ويستعمل لوسيفر في إغوائه الإِنْسَانُ كلمات من قبيل «إذا» و«لو» و«لكن»، غير أنّ
الله يُقدّم لنا خطة الخلاص بكلمات واضحة صريحة لا التباس فيها ولا تشكيك. كذلك
يؤكد لنا الله أنّنا، بفضل عمل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ومساندة ملائكته،
سننتصر في حربنا ضد جيوش لوسيفر.
لا نعجب لأن لوسيفر، الملاك الساقط،
دبّر مكيدته لينتحل لنفسه تفوّق الله في خليقته. ففي الجنة، عندما نطق إِبْلَيْسَ
بفم الحية وتكلم مع حواء، قال لها: «1وَكَانَتِ
الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا
الرَّبُّ الإِلَهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ
الْجَنَّةِ؟»(سِفْرُ التَّكْوِينِ3: 1). وجاء الجواب عن هذا السؤال: «2فَقَالَتِ
الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ
الْجَنَّةِ نَأْكُلُ 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ
فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3:
3).
ولنسمع رد الشَّيْطَانُ على جواب
حواء: «لَنْ تَمُوتَا!» «4فَقَالَتِ
الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا!»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3: 4). فكأنه يقول أن الله غير صادق ولا يعرف ما الذي يقوله.
وهكذا نجد أن الشَّيْطَانُ يحاول زرع الشكوك فينا عن طريق توجيه الأسئلة إلينا.
فالتشكيك بكلمة الله أمر بالغ الخطورة. وهذه هي الخطة التي يتبعها الشَّيْطَانُ:
يحاول أن يغوينا لندخل في جدل عقلي. وهكذا كانت مع حواء فوقعت في هذا الشرك. من
المحتمل أنّها راحت تفكر: هل من الممكن أن يكون الله ظالماً قاسياً، فيحرمنا من
عمل شيء بريء ليس فيه أي ضرر؟ ماذا لو أكلنا؟ «6فَرَأَتِ
الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ
جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ
شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ
وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3: 6). تباحثت حواء بغباوة مع المجرِّب، وصارت تشك بصدق الله
وحكمته. وقد دخل سمّ الْخَطِيَّة إلى كيانها عندما راحت تسائل نفسها مشككة بحكمة
الله. ما أسهل أن يطلي الشَّيْطَانُ بألوان زاهية الآراء المظلمة لكي يُغري الناس
بأن يقبلوها ويتبنّوها. ويأتينا خداع الشَّيْطَانُ زاهياً ملوناً بلون رغباتنا،
فنجد الشَّيْطَانُ، مرّة بعد مرّة، يلقي علينا اقتراحاته الفكرية وافتراضاته
التشكيكية الخبيثة. فقد قال لحواء: إن أكلكما من الشجرة يفتح أعينكما وتكونان
حكيمَين مثل الله. وأصغت حواء، وفكرت، ونظرت، ولمست، وأخذت، وذاقت. كذلك لا يتوانى
الشَّيْطَانُ في إثارة رغبات الجسد وشهواته واجتذاب الإِنْسَانُ بها، فيظن هذا الإِنْسَانُ
أنه سيجد في الْخَطِيَّة ما يروي عطش نفسه ويشبع جوعها. هكذا يدأب الشَّيْطَانُ في
استخدام حواسنا كمنافذ يدسّ منها إلينا افتراضاته وشكوكه.
نعرف من سِفْرُ التَّكْوِينِ أن حواء
أكلت أولاً ثم أعطت آدم فأكل هو أيضاً. فلو أنهما ثبّتا الفكر في الله، ووثقا
بحكمته شاعرَين بالخطر الكامن في ثمر الشجرة الممنوعة، لكان التاريخ كله غير ما هو
عليه الآن، ولكانت هناك عاقبة أخرى. ولو أنهما أدركا نتائج العصيان وانتبها إلى
خطورة ما كان الشَّيْطَانُ يجرّهما إليه، لو أنهما تصوّرا لهيب السيف المتقلّب
الذي كان سيفصلهما عن الجنة إلى الأبد، لو أنهما فكّرا بالعواقب الوخيمة التي حلّت
بسبب لحظة من «البساطة» والغباء، لمَا كانا وقعا في أشراك الْخَطِيَّة، ولما كانا
اضطُرّا في ما بعد للوقوف صامتين واجِمَين فوق جثمان ابنهما هابيل القتيل. فقد كان
موت هابيل المفجع ثمر قوة الْخَطِيَّة التي أفسدت حياتهما. لولا ذلك، لكان عالمنا
اليوم فردوساً يخيّم عليه الحبّ والسلام والسعادة.
لو قاوم آدم وحواء الشَّيْطَانُ في
الجنة لكان هذا العدو هرب وظلّ مهزوماً إلى الأبد. لكنهما أخطأ، فملك الموت على
جميع الناس «13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هَذَا
الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ»(سِفْرُ
التَّكْوِينِ3: 13). من هنا ابتدأ الموت. والْخَطِيَّة تعمل العمل ذاته مع كل
منا مهما اختلفت أحوالنا أو طبيعتنا أو محيطنا.
فنحن في الطيعة فاسدون وقد ورثنا تلك
الطبيعة الساقطة من أبوينا «19وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ
النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ لِكَيْ يَسْتَدَّ
كُلُّ فَمٍ وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ3: 19). فالسلالة الإِنْسَانُية كلها
أصبحت فاسدة، كالأقذار تطرح في منع النهر فيتلوث بها المجرى كله. ولا مفر لنا الآن
من سماع الحكم علينا بسبب الخطيئة التي لوثتنا. وعلى كل واحدٍ أن يقف أمام الديان
ليؤدي الحساب عما اقترفت يداه.
لاحظوا بعض افتراضات الشَّيْطَانُ
السّامة والفتاكة التي يدسها في أفكار الناس هذه الأيام . يقول: إن كنت تعيش حياة
شريفة، وتفعل الصواب، وإن كنت تذهب إلى الكنيسة كل أحد، وتقوم بأعمال خيرية إن كنت
كذا أو كذا...لكن كلمة الله تعلمنا أن كل هذه الافتراضات لا تفي بشروط الله لنوال
الخلاص. فأعمالنا الحسنة ونياتنا الطيبة غير كافية. قال الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ : «7لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ
تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 7). فلن نحصل على يقين الخلاص إلا
إذا تبنا إلى الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ مؤمنين به وواثقين، معترفين له بخطايانا وملتمسين
المغفرة من لدنه. إن الشَّيْطَانُ سيسعى بكل ما أوتي من جهد، لحملنا على الاتكال
على أنفسنا عوضا عن الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ ولكن لا أحد غير الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ يستطيع أن يُنيلنا
الخلاص الأبدي، ولا بد أنه فاعل ذلك حالما نسلمه حياتنا ونصدق أنه أكمل عمل خلاصنا
فوق الصليب: «16لأَنَّهُ
هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ
يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 16).
هذه هي الأساليب التي يعتمدها الشَّيْطَانُ
اليوم في اتصاله بالناس والإيقاع بهم، كما كان مع الحية قديمًا هي أفكار الشَّيْطَانُ
المميتة. والموت يحاصرنا برائحته النتنة من كل ناحية، فقد كثرت الْخَطِيَّة
واستفحل أمرها.
قال الكاتب الشهير سي. إس. لويس: (C. S. Lewis) «الْحَرْبِ لا
تزيد عدد الموتى – فلكل جيل موتاه العديدون» ولكن لنا أن نفوز بالحياة الأبدية
عندما نؤمن بيسوع المسيح. هل اتخذت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مخلصا لك، وهل تثق
فيه وحده من جهة خلاصك؟ إن كنت حتى الآن لم تقبل إليه بالتوبة ولم تقبله بالإيمان
فالتفت إليه الآن وادعوه إلى رحاب حياتك مسلّما له زمام أمرك، واطلب إليه أن يخلصك
ويجلس على عرش قلبك: «12وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ
سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 12). هلا تقبله فتصير ولدا من أولاد
الله. لا تؤجل اتخاذ هذه الخطوة التي عليها يتوقف مصيرك الأبديّ، علما بأن التأجيل
حيلة من حيل الشَّيْطَانُ الذي يشق عليه أن يراك تفلت من أسره.
0 التعليقات:
إرسال تعليق