غَيْرَةً مُضْطَهِدٌ الْكَنِيسَةِ
الجزء الثَّالِثُ
الجزء الثَّالِثُ
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
الغَيْرَةً بين النَّجِسَةِ والقداسة
وهناك قصص من الغَيْرَةً النَّجِسَةِ،
التي وقع فيها بعض أُنَاسُ اللَّهِ، نذكر من بينها:
ü غيره موسى النبي قبل
قبول الدعوة
في أول عهده، قبل أن يروضه الله على
الوداعة والحلم، «11وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى
إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيّاً يَضْرِبُ
رَجُلاً عِبْرَانِيّاً مِنْ إِخْوَتِهِ 12فَالْتَفَتَ
إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ
وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ2: 11و12).
كانت غَيْرَةً بقصد طيب، وهو الدفاع عن المظلوم. ولكن وسيلته كانت خاطئة، استخدم
فيها العنف والقتل.
ü غَيْرَةً يشوع لمعلمة موسى النبي
«25فَنَزَل الرَّبُّ فِي سَحَابَةٍ وَتَكَلمَ مَعَهُ
وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الذِي عَليْهِ وَجَعَل عَلى السَّبْعِينَ رَجُلاً
الشُّيُوخَ. فَلمَّا حَلتْ عَليْهِمِ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا وَلكِنَّهُمْ لمْ
يَزِيدُوا. 26وَبَقِيَ رَجُلانِ فِي
المَحَلةِ اسْمُ الوَاحِدِ
أَلدَادُ وَاسْمُ الآخَرِ مِيدَادُ فَحَل عَليْهِمَا الرُّوحُ. وَكَانَا مِنَ
المَكْتُوبِينَ لكِنَّهُمَا لمْ يَخْرُجَا إِلى الخَيْمَةِ. فَتَنَبَّئَا فِي
المَحَلةِ. 27فَرَكَضَ غُلامٌ
وَأَخْبَرَ مُوسَى وَقَال: «أَلدَادُ وَمِيدَادُ يَتَنَبَّئَانِ فِي المَحَلةِ». 28فَقَال يَشُوعُ بْنُ نُونَ خَادِمُ مُوسَى (مِنْ
حَدَاثَتِهِ): «يَا
سَيِّدِي مُوسَى ارْدَعْهُمَا!» 29فَقَال لهُ مُوسَى: «هَل تَغَارُ أَنْتَ لِي؟ يَا ليْتَ كُل شَعْبِ
الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ إِذَا جَعَل الرَّبُّ رُوحَهُ عَليْهِمْ!»(سِفْرُ اَلْعَدَد11:
29).
ü
غَيْرَةً الرَّسُولِين
يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا
لما رفضت إحدى قرى السامرة قبول الرب، فقالًا له: «51وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لاِرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ
وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 52وَأَرْسَلَ
أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ
حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. 53فَلَمْ
يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. 54فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ
وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ
مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟» 55فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ:
«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! 56لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ،
النَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى»(إِنْجِيلُ
لُوقَا9: 51-56). إنها غيره دافعها الحب والاحترام للمعلم الصالح والسيد
الرب. ولكنها كانت خاطئة من جهة الوسيلة والانتقام للنفس.
ü غَيْرَةً الرَّسُولِ بُطْرُسُ
في قطع أذن العبد:
ففي أثناء القبض على الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ تملكته الغَيْرَةً بدافع من الرجولة والحب: «47وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ
الاِثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ
عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. 48وَالَّذِي
أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ.
أَمْسِكُوهُ». 49فَلِلْوَقْتِ
تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: «السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 50فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا
جِئْتَ؟» حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ
وَأَمْسَكُوهُ. 51وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ
الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ
الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. 52فَقَالَ
لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ
يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! 53أَتَظُنُّ
أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ
مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ 54فَكَيْفَ
تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟»(إِنْجِيلُ
مَتَّى26: 47-54). غيره الرَّسُولِ بُطْرُسُ هنا، كان دافعها طيبًا
ووسيلتها خاطئة.
لكل هذا نضع أمامنا قول الإِنْجِيل: «18حَسَنَةٌ هِيَ
الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ، وَلَيْسَ حِينَ حُضُورِي
عِنْدَكُمْ فَقَطْ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى
أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ4: 18). هذه هي الغَيْرَةً المقدسة.
ü
شروط
الغَيْرَةً المقدسة:
إن الغَيْرَةً
المقدسة تؤثر في الناس، بالحياة صالحة فتكون قدوة لهم ومثالًا. وهكذا نجد أن الرَّسُولِ بُولُسَ كان
ملتهبًا بالغَيْرَةً لخلاص النفوس. وفي نفس الوقت يقول لهم: «16فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ
بِي»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ4: 16)، وأيضًا «1كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضاً
بِالْمَسِيحِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ
كُورِنْثُوسَ11: 1). وهو يطوِّب تلميذه تِيمُوثَاوُسَ على أنه سار بنفس
سيرته، فيقول له: «10وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي،
وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي، 11وَاضْطِهَادَاتِي،
وَآلاَمِي، مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ
وَلِسْتِرَةَ. أَيَّةَ اضْطِهَادَاتٍ احْتَمَلْتُ! وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي
الرَّبُّ. 12وَجَمِيعُ الَّذِينَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ3: 10).
حقًا إن العين تتأثر في الروحيات أكثر
من الأذن. فما
يراه الناس في حياتك وفي قدوتك، يؤثر فيهم أكثر مما يسمعونه من عظاتك وإرشاداتك.
ووصية الله التي تدافع أنت عنها بغَيْرَةً شديدة، إن لم تكن منفذة في حياتك،
فباطلة هي كل غيرتك في الدفاع عنها..!
فلابد أن نحب الله، لكي نجعل الناس
يحبونه. لابد
أن نقدم لهم الحياة، وليس مجرد الإرشاد. نقدم الوصية في الحياة العملية، وليس في
مجرد تعليم نظري. يلمس الله قلوبنا أولًا، وحينئذ تستطيع قلوبنا أن تؤثر في قلوب
الناس..
وحذار أن نكون مجرد علامات في الطريق
الروحي.
الذي يسير في الطريق الزراعي من
القاهرة إلى أسوان، يرى علامات في الطريق ترشده إلى أسوان، وكم بقى من
الكيلومترات عليها. هذه العلامات ترشد إلى المدينة، دون أن تدخلها. فلا تكن مثلها:
ترشد الناس إلى الحياة مع الله، دون أن تحيا أنت معه.
لا تكن كالأجراس التي تدعو إلى دخول
الكنائس، ولا تدخل هي مطلقا إليها.
لا تقف في الطريق ترشد الناس إلى
الاتجاه السليم الذي يتبعونه لكي يصلوا إلى الله. إنما سر في الطريق، أو أركض نحو
الله. والذين يريدون فليسيروا معك وليركضوا لكي يصلوا. ولا تكتفي بأن تكون علامة
مرشدة.
ü الكتبة ورؤساء الكهنة علامات في طريق
«3فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ
وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. 4فَجَمَعَ
كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْبِ، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ
الْمَسِيحُ؟» 5فَقَالُوا لَهُ: «فِي
بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هَكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: 6وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا
لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ
يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى2: 5و6).
وذهب الْمَجُوسَ وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ) مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا
كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً. أما الكتبة الذين أرشدوهم، فلم
يذهبوا، ولا رأوا ولا قدموا هدايا...! نحن نريد أشخاصًا وصلوا إلى الله، لكي
يوصلوا الآخرين معهم...
نريد أشخاصًا رأوه ولمسوه وذاقوه
وأحبوه واختبروا حلاوة الحياة معه، لكي يقولوا للناس «8ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى
لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ»(سِفْرُ
اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور34: 8). أو على الأقل تكون لهم خبرة السَّامِرِية
حينما رأت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وتحدثت معه، وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: «29هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا
فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا4: 29).
إن كنت لم تأكل من المن، فكيف تستطيع
أن تصف طعمه للناس؟!
وإن كان قلبك خاليًا من الله، فكيف
تدعو الناس إلى محبته ؟! وإن كانت عينك جافة، فكيف تحدثهم عن الدموع؟! وكيف تشرح
حياة الانتصار، إن كنت لا تزال ساقطًا في الخطية؟! كيف ستكون لكلماتك قوة لكي تؤثر
في غيرك. استمع إذن إلى قول الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ:
«19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى
وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.
وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ
السَّمَاوَاتِ.20فَإِنِّي أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ
وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ»(إِنْجِيلُ
مَتَّى5: 19و20).
وجعل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
العمل يسبق التعليم. وبنفس الأسلوب كتب الرَّسُولِ بُولُسَ إلى تلميذه تِيمُوثَاوُسَ
يقول له: «16لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذَلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا
فَعَلْتَ هَذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضاً»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس4: 16). وهكذا أمره أن يلاحظ
نفسه قبل التعليم..اقتن ثمار الروح، فيذوق الناس ثمرك ويحبونه.
وبدلا من أن تحدثهم عن «22وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ
سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ 23وَدَاعَةٌ
تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هَذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ5: 22و23)، اجعلهم يرون ثمار
الروح في حياتهم. قدم لهم المسيحية – بقدوتك - كحياة فرح وسلام..
لأنه من العثرات التي تحدث أحيانًا،
أن بعض الخدام يظنون أن الجدية في الحياة الروحية، معناها أن يعيشوا في عبوسة
دائمة. لا يضحكون، ولا حتى يبتسمون، ويتكلمون فى شدة وحزم. وهكذا يعثرون الناس
الذين يرونهم فيقولون في نفوسهم هل إذا سرنا في طريق الله، نتحول إلى هذه الصورة؟! وهل حياتنا مع الله معناها أن نعيش في
كآبة دائمة، رافعين أمامنا هذا الشعار «3اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ لأَنَّهُ بِكَآبَةِ
الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ»(سِفْرُ الْجَامِعَةِ7: 3).
وهل هذا هو المفهوم السليم لهذه
الآية؟!
أما إن رأوك إنسانًا قديسًا وبارًا،
ومع ذلك فأنت سعيد «4اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً افْرَحُوا»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي4: 4)، في سلام قلبي، تتحدث مع
الناس في بشاشة وبغير تأزم..فحينئذ يتشجعون ويحبون الحياة الروحية ولا يخافونها..
إن نقاوة السيرة تجعل الغَيْرَةً لها
ثمر.
ü
الغَيْرَةً المقدسة، بنّاءة وليست هدّامة
يظن البعض أن الغَيْرَةً المقدسة هي
ثورة لأجل الإصلاح. وأن هذه الثورة تكون بالصخب والضجيج والشتائم والتحطيم..! وفى الواقع أن هذه غَيْرَةً ولكن بغير
تدين..غيره خالية من الروحانية، وخالية من الحكمة الإلهية.
ويوبخها الرَّسُولِ يَعْقُوبُ فيقول:
«14وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ
وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. 15لَيْسَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ
فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. 16لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ
هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ»(رِّسَالَةُ
يَعْقُوبُ الرَّسُولِ3: 14-16).
إن الإصلاح مطلوب، لكن لا يصح أن يتم بطريق الشوشرة. وإنما يكون بحكمة وروحانية، وبطريقة
إيجابية. ولذلك يصف يَعْقُوبُ الرَّسُولِ هذه
الحكمة والروحانية بقوله: «17وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ
أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ
رَحْمَةً وَأَثْمَاراً صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. 18وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ
الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ»(رِّسَالَةُ
يَعْقُوبُ الرَّسُولِ3: 17و18).
لذلك فالمسيحية تدين الغَيْرَةً
الهدامة والشتامة، ليست غيرتك للحق، معناها أن تشتم المخطئين وتشبعهم تجريحًا
وتوبيخًا. لأنه من الممكن أن تدافع عن الحق بطريقة إيجابية بناءة. فنحن لا نتكلم
عن مجرد الغَيْرَةً، وإنما عن الغَيْرَةً المقدسة. القداسة لا تتفق مع الأسلوب
الشتام الهدام.
والغَيْرَةً المقدسة هي أن تنقذ
الخاطئ من خطيته، لا أن تحطمه.. فالإنقاذ خير من الانتقاد. وبناء النفس بالفضيلة، خير من
تحطيمها بالنقد الجارح وإساءة السمعة وخدش الشعور.. وباقي وسائل التعيير والتحقير،
تحت اسم الغَيْرَةً!!
الغَيْرَةً المقدسة ليست هي الغَيْرَةً
الصخابة العصبية الانفعالية! ليست هي الصياح والصراخ والضجيج، وليست مجرد الكلام. إنما هي
عمل إيجابي نافع، من أجل الخير، ومن أجل الغير، مع الالتزام بالوسائل المقدسة.
إنها تنشر الحق بطريقة حقانية، لا خطأ فيها، بغير ضوضاء، بغير شجار، بغير خصام.
تشبه النار التي تنضج وليست النار
التي تحرق. إنها
ليست عاصفة هوجاء تجرف كل ما في طريقها، بقسوة لا ترحم. وليست «غَيْرَةً مرة»
حسبما وصفها الرَّسُولِ يَعْقُوبُ فالخادم المتصف بالغَيْرَةً، يكون: «14الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا
مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ
حَسَنَةٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى تِيطُسَ2: 14). وهكذا أيضًا: تكون الغَيْرَةً متواضعة، لا تتكبر
ولا تتعالى...
تشعر بآلام المخطئين، وتعمل على
إنقاذهم منها، في حب، وفي وداعة واتضاع. مثلما قال الرَّسُولِ بُولُسَ لقادة أَفَسُسَ «متذكرين
أنى ثلاث سنين ليلا ونهارًا، لم افتر عن أن أنذر بدموع كل أحد»«»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ20: 31).. كان ينذر بدموع،
وليس بصلف ولا بكبرياء ولا بقسوة..
ü الغَيْرَةً تبذل ذاتها لأجل الغير لا أن تحطم الغير
مثلما فعل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الذي قال «17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى
الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا3: 17). وأيضًا: «56لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ
أَنْفُسَ، النَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ»(إِنْجِيلُ
لُوقَا9: 56). لذلك فالغَيْرَةً المقدسة هي غَيْرَةً رحيمة منقذة، هدفها
الخلاص..
إنها غَيْرَةً إذا افتقدت تقنع وتتابع،
وتزيل العوائق، وتحل المشكلات.
وبدلا من أن تلوم الخطاة على عدم
السير في الطريق السليم، تسهل لهم السير في الطريق، وتحببهم فيه، وتقوى عزائمهم
وإرادتهم.. نقطة أخرى في صفات الغَيْرَةً المقدسة وهى أنها: غَيْرَةً قوية
وشجاعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق