• اخر الاخبار

    التَّوْبَة في الإِنْجِيل الجزء الثاني د. القس سامي منير اسكندر





    التَّوْبَة في الإِنْجِيل 

    الجزء الثاني

     إعداد

    د. القس سامي منير اسكندر


    هناك ثلاث كلمات في اليونانية للتعبير عن التَّوْبَة:
    أولاً: التَّوْبَة بمعني الحزن والندم:
    وهي كلمة ميتاميلوماي (Metamelomai) وتعني الإحساس بالحزن والندم عيني شبيهه بكلمة ناحام العبرية، فهي تدل على جانب الانفعال العاطفي من التَّوْبَة، وقد يؤدي هذا الإحساس إلى تَّوْبَة حقيقية أو إلى مجرد الندم «29فَأَجَابَ وَقَالَ: مَا أُرِيدُ. وَلَكِنَّهُ نَدِمَ أَخِيراً وَمَضَى... 32لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيراً لِتُؤْمِنُوا بِهِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى21: 29و32)، «3حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى27: 3)، فيهوذا ندم بمعني حزن، لكنه لم يندم بمعني الرجوع عن الْخَطِيَّةُ. وهذا ما فعله حزن، لكنه لم يندم بمعني الرجوع عن الْخَطِيَّةُ. وهذا ما فعله أيضاً عيسو «17فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضاً بَعْدَ ذَلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَاناً، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ12: 17).
    ويستخدم الإِنْجِيل نفس الكلمة للتعبير عن موقفه من الكورنثوسيين «8لأَنِّي وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَحْزَنْتُكُمْ بِالرِّسَالَةِ لَسْتُ أَنْدَمُ، مَعَ أَنِّي نَدِمْتُ. فَإِنِّي أَرَى أَنَّ تِلْكَ الرِّسَالَةَ أَحْزَنَتْكُمْ وَلَوْ إِلَى سَاعَةٍ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ7: 8).
    2) التَّوْبَة بمعني تغيير الفكر:
    وهي كلمة ميتانو (Metanoeo) وهي تعبر تعبيرًا قويًا عن التغيير الروحي الذي يحدث برجوع الخاطئ إلى الله، فالكلمة تعني: الحصول على فكر جديد أي تغيير الفكر أو الهدف من نحو الْخَطِيَّةُ، عيني تقابل الكلمة العبرية شوبة أي الرجوع، قد استخدمها بهذا المعني يوحنا المعمدان والرسل «2قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى3: 2)، «15وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 15)، «38فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ2: 38)، وهي وثيقة الصلة في الحياة المسيحية بالإيمان، فهو العامل فيها «21شَاهِداً لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ20: 21)، كما إنما ترتبط بالتجديد «19فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ3: 19)، وبالاختبارات والبركات الروحية التي لا يمنحها آكلتها الله وحده، مثل مغفرة الخطايا «47وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ»(إِنْجِيلُ لُوقَا24: 47)، «31هَذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ5: 31).
    والتَّوْبَة هي شهادة علنية صريحة على تغيير العلاقة مع الْخَطِيَّةُ ومع الله «4كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 4)، «3فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا،»(إِنْجِيلُ لُوقَا3: 3)، «24إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ13: 24)، «4فَقَالَ بُولُسُ: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ19: 4)، والتَّوْبَة كاختبار حيوي، لا بد أمكن تظهر في الأثمار الصالحة التي تليق بالحياة الروحية الجديدة «8فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى3: 8).
    ü     التَّوْبَة بمعنى الرجوع:
    والكلمة اليونانية المستخدمة هي ابستريفو (Epistrepho) وهي كثيرا ما تستخدم في سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ لأبراز الجانب إيجابى من التغيير الذي تتضمنه التَّوْبَة في الإِنْجِيل، أي للدلالة على الرجوع إلى الله، ذلك الرجوع الذي يعني في جانبه السلبي التحول عن الْخَطِيَّةُ. والمفهومان متكاملان متلازمان لا ينفصمان، فالكلمة تستخدم للدلالة على الرجوع من الْخَطِيَّةُ إلى الله «35وَرَآهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ9: 35)، «9لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ،»(رِّسَالَة بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي1: 9)، عيني تأتي لفكرة الإيمان «21وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ11: 21)، وتوكيد للتغير كما يعنيه الإِنْجِيل «20بَلْ أَخْبَرْتُ أَوَّلاً الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ وَفِي أُورُشَلِيمَ حَتَّى جَمِيعِ كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ ثُمَّ الأُمَمَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى اللهِ عَامِلِينَ أَعْمَالاً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ26: 20).
     وثمة صعوبة بالغة فبالإضافة التعبير عن المعنى الحقيقي لتغيير الفكر بالنسبة للخَطِيَّةُ في الكثير من الترجمات. ففي الترجمة اللاتينية، ترجمت كلمة التَّوْبَة بكلمتي بونيتنيتام اجير (Poenitentiam Agere) التأكد تعنى الآسي والحزن وتعذيب الذات أكثر مما تعني تغيير الفكر أو الهدف، مما أدى إلى المفهوم الخاطئ للتَّوْبَة، باعتبارها الحزن على الْخَطِيَّةُ أكثر منها تغيير الفكر وترك الْخَطِيَّةُ كالمفهوم الأساسي لها فبالإضافة الإِنْجِيل. وكل تحريضات الأناجيل في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ.
    وكذلك أقوال الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وأقوال الرسل، تؤكد أمكن تغيير الفكر هو المفهوم الأساسي لجميع الكلمات الأصلي المستخدمة للدلالة على التَّوْبَة. إليه الحزن المصاحب لها فهو نابع عن طبيعة التغيير نفسه.
    ü     العناصر النفسية:
    أ‌)       العنصر العقلي:
    فالتَّوْبَة هي تعيير فكر الخاطئ مما يدفعه إلى الرجوع عن طرقة الردية وحياته الشريرة، فالتغيير الملازم للتَّوْبَة هو تغيير جذري عميق، لدرجة يؤثر معها في كل الطبيعة الروحية، ويمتد إلى جميع جوانب الشخصية، فالعقل يجب أمكن يوجه، والعاطفة تتحرك، والإرادة تعمل. فعلم النفس (السيكولوجي) يرى أمكن التَّوْبَة لا بد أمكن تكون عميقة وشخصية وشاملة. والعنصر العقلي يقوم على أساس أمكن الإِنْسَان كائن عاقل، والله يريدنا أمكن نخدمه خدمة عاقلة. فيجب على الإِنْسَان أمكن يدرك أمكن الْخَطِيَّةُ شنيعة شناعة مطلقة، وأن ناموس الله كامل لا رحمة فيه، وان الإِنْسَان خاطئ أعوزه مجد الله القدوس «5بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. 6لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ»(سِفْرُ أَيُّوبَ42: 5و6)، «3لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور51: 3)، «3فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ (خيانتُهُم)؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ (وفاءَ) اللهِ؟»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ3: 20).
    ب‌)   العصر العاطفي:
    قد يكون هناك إدراك للخَطِيَّةُ دون التخلي عنها كشيء شنيع بغيض، فيه أهانه لله وخراب للإنسان. وتغيير النظرة قد لا يؤدي إلا إلى الخوف من العقاب، وليس إلى بغضه الْخَطِيَّةُ تركها «27فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَدَعَا مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ لَهُمَا: «أَخْطَأْتُ هَذِهِ الْمَرَّةَ. الرَّبُّ هُوَ الْبَارُّ وَأَنَا وَشَعْبِي الأَشْرَارُ»(سِفْرُ اَلْخُرُوجُ9: 27)، «34فَقَال بَلعَامُ لِمَلاكِ الرَّبِّ: «أَخْطَأْتُ. إِنِّي لمْ أَعْلمْ أَنَّكَ وَاقِفٌ تِلقَائِي فِي الطَّرِيقِ. وَالآنَ إِنْ قَبُحَ فِي عَيْنَيْكَ فَإِنِّي أَرْجِعُ»(سِفْرُ اَلْعَدَد22: 34)، «20فَأَجَابَ عَاخَانُ يَشُوعَ: «حَقّاً إِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ وَصَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا»(سِفْرُ يَشُوع7: 20)، «24فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ الرَّبِّ وَكَلاَمَكَ, لأَنِّي خِفْتُ مِنَ الشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ15: 24)، «4قَائِلاً: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً». فَقَالُوا: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!»(إِنْجِيلُ مَتَّى27: 4)، فالتَّوْبَة لا بد أمكن تشمل عنصرًا عاطفيًا. وان كان الشعور ليس مرادفا للتَّوْبَة، آكلتها انه قد يكون الحافز القوي للتحول الصادق عن الْخَطِيَّةُ، فالتائب لا يمكن أمكن يكون ـ بطبيعة الحال ـ متبلد الإحساس غير مبال بشيء، إذ يجب أمكن يحدث تغيير فبالإضافة الموقف العاطفي، إذا كانت التَّوْبَة نار التنور التَّوْبَة كما يعنيها الإِنْجِيل. وهناك نوع من الحزن يؤدي إلى التَّوْبَة، ونوع آخر ليس فيه آكلتها الندم والحسرة. فهناك حزن من عمل الهي، وحزن بحسب العالم، والحزن الأول يؤدي إلى الحياة، بينما يؤدى النوع الثاني من الحزن إلى الموت «3حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ»(إِنْجِيلُ مَتَّى27: 3)، «9اَلآنَ أَنَا أَفْرَحُ، لاَ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ، بَلْ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ لِلتَّوْبَةِ. لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ لِكَيْ لاَ تَتَخَسَّرُوا مِنَّا فِي شَيْءٍ. 10لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتاً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ7: 9و10).
    فلابد أمكن يكون هناك إدراك للخَطِيَّةُ في تأثيرها على الإِنْسَان، وفي علاقتها بالله، قبل أمكن يكون هناك تحول قلبي عن الْخَطِيَّةُ والشعور الملازم للتَّوْبَة يتضمن التبكيت على الْخَطِيَّةُ الشخصية والالتجاء المخلص الصادق إلى الله طلبا للصفح والغفران على أساس رحمته «1اِرْحَمْنِي يَا اللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. 2اغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي...10قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. 11لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي. 12رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي. 13فَأُعَلِّمَ الأَثَمَةَ طُرُقَكَ وَالْخُطَاةُ إِلَيْكَ يَرْجِعُونَ. 14نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اللهُ إِلَهَ خَلاَصِي فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور51: 1و2و10-14).
    ت‌)   العنصر الإرادي:
    أمكن أهله عناصر التَّوْبَة من الناحية السيكولوجية، هو العنصر الإرادي أو الاختياري، وهو ما يعبر عنه في نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ بكلمة يرجع، وفي الإِنْجِيل بالتَّوْبَة أو الرجوع، فالكلمات الأصلي سواء فبالإضافة العبرية أو اليونانية، تركز بشدة على الإرادة وتغيير الفكر أو تغيير الهدف، لأن الرجوع الكامل الصادق إلى الله، يتضمن إدراك طبيعة الْخَطِيَّةُ، والوعي القوي بالمذنوبية الشخصية «5قَائِلِينَ: ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ وَاسْكُنُوا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاكُمُ الرَّبُّ إِيَّاهَا وَآبَاءَكُمْ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ»(سِفْرُ إِرْمِيَا25: 5)، «15وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 15)، «38فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ2: 38)، «9اَلآنَ أَنَا أَفْرَحُ، لاَ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ، بَلْ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ لِلتَّوْبَةِ. لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ لِكَيْ لاَ تَتَخَسَّرُوا مِنَّا فِي شَيْءٍ. 10لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتاً»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ7: 9و10).
    والتَّوْبَة تستلزم الإرادة الحرة والمسئولية الشخصية. ولاشك في أمكن الناس جميعا مطالبون بالتَّوْبَة، كما أنه من الجلي الواضح أمكن الله يأخذ دائما المبادرة في التَّوْبَة وحل المشكلة يرتبط بالدائرة الروحية، فالظواهر الطبيعية لها أصولها في العلاقات السرية بين الإِنْسَان والله، ولا يمكن أمكن يكون ثمة بديل خارجي للتغيير الداخلي، فيجب عدم الخلط بين لبس المسوح وندم النفس، وبين العزم القاطع على ترك الْخَطِيَّةُ والرجوع إلى الله، فما يطلبه الله - في الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ بالضرورة - ليس هو التضحية المادية، بل التغيير الروحي «17ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور51: 17)، «11لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟» يَقُولُ الرَّبُّ «اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ»(سِفْرُ إِشَعْيَاءَ1: 11)، «20لِمَاذَا يَأْتِي لِي اللُّبَانُ مِنْ شَبَا وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ؟ مُحْرَقَاتُكُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَذَبَائِحُكُمْ لاَ تَلُذُّ لِي»(سِفْرُ إِرْمِيَا6: 20)، «6إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً وَمَعْرِفَةَ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ»(سِفْرُ هُوشَعَ6: 6).
    والتَّوْبَة شرط للخلاص، ولكنها ليست أساس استحقاقه. والدوافع إلى الخلاص هي أساسًا في صلاح الله، ومحبة الله، ورغبته الشديدة في خلاص الناس من النتائج المحتومة للخَطِيَّةُ، وفي دعوة الإنجيل الشاملة، وفى رجاء الحياة الروحية، والدخول إلى ملكوت السموات  «15وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ»(إِنْجِيلُ مَرْقُسَ1: 15)، «1وَكَانَ حَاضِراً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. 2فَأَجَأبَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هَذَا؟ 3كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ. بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ. 4أَوْ أُولَئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ 5كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ»(إِنْجِيلُ لُوقَا13: 1-5)، «30فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ17: 30)، «4أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ2: 4). والتطوبيات الأربع الأولى في الأشياء الخامس من إنجيل متى «3طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. 5طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 6طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ،لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى5: 3-6). هي سلم سماوية تعبر عليها النفس التائبة من سلطان الظلمة إلى ملكوت الله، فالوعي بالفقر الروحي الذي يهبط بالكبرياء عن عرشها، وإدراك الإِنْسَان لعدم استحقاقه، مما يدفعه إلى الحزن، والاستعداد العميق للخضوع لله في أتضاع صادق، والرغبة العميقة التي تدفع إلى الجوع والعطش للبر. كل هذه هي بعض اختبارات الشخص التي يهجر الْخَطِيَّةُ تماما ويرجع بكل قلبه إلى الله الذي يمنح التَّوْبَة للحياة.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: التَّوْبَة في الإِنْجِيل الجزء الثاني د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top