حياة عِيسو (الجزء الثاني)
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
ورغم تخلي عِيسُو
عن حق الْبَكُورِيَّةَ، إلا أنه كان ينتظر أن يحظى ببركة أبيه إِسْحَاقُ باعتباره ابنه البكر،
لولا أن رفقة الداهية ضيعت عليه -بتدبيرها الأريب- هذه
الفرصة «1وَحَدَثَ لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَكَلَّتْ عَيْنَاهُ
عَنِ النَّظَرِ أَنَّهُ دَعَا عِيسُوَ ابْنَهُ الأَكْبَرَ وَقَالَ لَهُ: «يَا
ابْنِي». فَقَالَ لَهُ: «هَئَنَذَا». 2فَقَالَ:
«إِنَّنِي قَدْ شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ يَوْمَ وَفَاتِي. 3فَالْآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جُعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ
وَاخْرُجْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَتَصَيَّدْ لِي صَيْداً 4وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ
وَأْتِنِي بِهَا لِآكُلَ حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ». 5وَكَانَتْ رِفْقَةُ سَامِعَةً إِذْ تَكَلَّمَ
إِسْحَاقُ مَعَ عِيسُو ابْنِهِ. فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِيَصْطَادَ
صَيْداً لِيَأْتِيَ بِهِ. 6وَأَمَّا
رِفْقَةُ فَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ ابْنِهَا: «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَبَاكَ
يُكَلِّمُ عِيسُوَ أَخَاكَ قَائِلاً: 7اِئْتِنِي
بِصَيْدٍ وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً لِآكُلَ وَأُبَارِكَكَ أَمَامَ الرَّبِّ قَبْلَ
وَفَاتِي. 8فَالْآنَ يَا ابْنِي
اسْمَعْ لِقَوْلِي فِي مَا أَنَا آمُرُكَ بِهِ: 9اِذْهَبْ
إِلَى الْغَنَمِ وَخُذْ لِي مِنْ هُنَاكَ جَدْيَيْنِ جَيِّدَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى
فَأَصْنَعَهُمَا أَطْعِمَةً لأَبِيكَ كَمَا يُحِبُّ 10فَتُحْضِرَهَا
إِلَى أَبِيكَ لِيَأْكُلَ حَتَّى يُبَارِكَكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 1-10). فقد قبل يَعْقُوبَ تنفيذ خطة أمه بعد أن
أقنعته بها متحملة هي نتائجها «13فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لَعْنَتُكَ عَلَيَّ يَا
ابْنِي. اسْمَعْ لِقَوْلِي فَقَطْ وَاذْهَبْ خُذْ لِي»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 13). فصنعت له أمه من
جديي المعزى الأطعمة التي كان أبوه يحبها، وألبسته ثياب عِيسُو الفاخرة التي كانت
عندها في البيت، وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى.
وهكذا ذهب متنكرًا إلى
أبيه (الذي كان قد شاخ وكلت عيناه عن النظر) وقال له: «18فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَقَالَ:
«هَئَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ابْنِي؟» 19فَقَالَ
يَعْقُوبُ لأَبِيهِ: «أَنَا
عِيسُو بِكْرُكَ. قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ اجْلِسْ وَكُلْ
مِنْ صَيْدِي لِتُبَارِكَنِي نَفْسُكَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 18و19). ولكن إِسْحَاقُ ارتاب في الأمر لسرعة
العودة ولصوت يَعْقُوبَ. ولكن شكوك إِسْحَاقُ تبددت عندما جس يدي يَعْقُوبَ ووجدهما مشعرتين كيدي عِيسُو
أخيه، «25فَقَالَ: «قَدِّمْ لِي لِآكُلَ مِنْ صَيْدِ ابْنِي حَتَّى تُبَارِكَكَ
نَفْسِي». فَقَدَّمَ لَهُ فَأَكَلَ وَأَحْضَرَ لَهُ خَمْراً فَشَرِبَ. 26فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: «تَقَدَّمْ
وَقَبِّلْنِي يَا ابْنِي». 27فَتَقَدَّمَ
وَقَبَّلَهُ. فَشَمَّ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ. وَقَالَ:
«انْظُرْ! رَائِحَةُ
ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْلٍ قَدْ بَارَكَهُ الرَّبُّ. 28فَلْيُعْطِكَ اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ
الأَرْضِ وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ. 29لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ
شُعُوبٌ وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ. كُنْ سَيِّداً لإِخْوَتِكَ وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ.
لِيَكُنْ
لاَعِنُوكَ مَلْعُونِينَ وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 25-29).
وما أن خرج يَعْقُوبَ بعد مباركة أبيه له، حتى
جاء عِيسُو بصيده وصنع أطعمه لأبيه، وجاء بها إليه قائلًا: "ليقم أبي ويأكل
من صيد ابنه حتى تباركنى نفسك فإرتعد إِسْحَاقُ ارتعادًا عظيمًا جدًا
حالما اكتشف خدعة يَعْقُوبَ، ومع ذلك لم يسحب بركته له، «33فَارْتَعَدَ إِسْحَاقُ ارْتِعَاداً عَظِيماً جِدّاً. وَقَالَ: «فَمَنْ هُوَ الَّذِي
اصْطَادَ صَيْداً وَأَتَى بِهِ إِلَيَّ فَأَكَلْتُ مِنَ الْكُلِّ قَبْلَ أَنْ
تَجِيءَ وَبَارَكْتُهُ؟ نَعَمْ وَيَكُونُ مُبَارَكاً!»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 33).
وعندما سمع عِيسُو ذلك، «34فَعِنْدَمَا سَمِعَ عِيسُو كَلاَمَ أَبِيهِ صَرَخَ
صَرْخَةً عَظِيمَةً وَمُرَّةً جِدّاً وَقَالَ لأَبِيهِ: «بَارِكْنِي أَنَا أَيْضاً
يَا أَبِي!» 35فَقَالَ: «قَدْ جَاءَ
أَخُوكَ بِمَكْرٍ وَأَخَذَ بَرَكَتَكَ». 36فَقَالَ:
«أَلاَ إِنَّ اسْمَهُ دُعِيَ يَعْقُوبَ فَقَدْ تَعَقَّبَنِي الْآنَ مَرَّتَيْنِ!
أَخَذَ بَكُورِيَّتِي وَهُوَذَا الْآنَ قَدْ أَخَذَ بَرَكَتِي». ثُمَّ قَالَ:
«أَمَا أَبْقَيْتَ لِي بَرَكَةً؟»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 34-36). وهنا أدرك حماقة
ما فعل عندما باع لأخيه حق الْبَكُورِيَّةَ، فندم، ولات ساعة مندم !
ولذلك يقول الإِنْجِيل: «16لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِياً أَوْ مُسْتَبِيحاً
كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ. 17فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضاً بَعْدَ
ذَلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ
لِلتَّوْبَةِ مَكَاناً، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ12: 16و17).
ولما ألح على أبيه، قال
له: «37فَقَالَ إِسْحَاقُ لِعِيسُو: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ
سَيِّداً لَكَ وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ جَمِيعَ إِخْوَتِهِ عَبِيداً وَعَضَدْتُهُ
بِحِنْطَةٍ وَخَمْرٍ. فَمَاذَا أَصْنَعُ إِلَيْكَ يَا ابْنِي؟» 38فَقَالَ عِيسُو لأَبِيهِ: «أَلَكَ بَرَكَةٌ
وَاحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبِي؟ بَارِكْنِي أَنَا أَيْضاً يَا أَبِي!» وَرَفَعَ
عِيسُو صَوْتَهُ وَبَكَى. 39فَأَجَابَ
إِسْحَاقُ أَبُوهُ: «هُوَذَا بِلاَ دَسَمِ الأَرْضِ يَكُونُ مَسْكَنُكَ وَبِلاَ
نَدَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ. 40وَبِسَيْفِكَ
تَعِيشُ وَلأَخِيكَ تُسْتَعْبَدُ. وَلَكِنْ يَكُونُ حِينَمَا تَجْمَحُ أَنَّكَ
تُكَسِّرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 37-40).
فحقد عِيسُو على يَعْقُوبَ وعزم على قتل يَعْقُوبَ أخيه حالما يموت إِسْحَاقُ
أبوه، ونما هذا الأمر إلى رفقة، فنصحت يَعْقُوبَ بالهرب إلى خاله
لابان في حاران. «34وَلَمَّا كَانَ عِيسُو ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً
اتَّخَذَ زَوْجَةً: يَهُودِيتَ ابْنَةَ بِيرِي الْحِثِّيِّ وَبَسْمَةَ ابْنَةَ
إِيلُونَ الْحِثِّيِّ. 35فَكَانَتَا
مَرَارَةَ نَفْسٍ لإِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ26: 34و35).
«46وَقَالَتْ رِفْقَةُ لإِسْحَاقَ: «مَلِلْتُ حَيَاتِي
مِنْ أَجْلِ بَنَاتِ حِثَّ. إِنْ كَانَ يَعْقُوبُ يَأْخُذُ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ حِثَّ
مِثْلَ هَؤُلاَءِ مِنْ بَنَاتِ الأَرْضِ فَلِمَاذَا لِي حَيَاةٌ؟»(سِفْرُ التَّكْوِينِ27: 46). وهكذا حصلت بسهولة
على موافقة إِسْحَاقُ على رحيل يَعْقُوبَ إلى فدان أرام ليأخذ
لنفسه زوجة من بنات خاله لا بان، «1فَدَعَا
إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ وَقَالَ لَهُ: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ
كَنْعَانَ. 2قُمِ اذْهَبْ إِلَى
فَدَّانَِ أَرَامَ إِلَى بَيْتِ بَتُوئِيلَ أَبِي أُمِّكَ وَخُذْ لِنَفْسِكَ
زَوْجَةً مِنْ هُنَاكَ مِنْ بَنَاتِ لاَبَانَ أَخِي أُمِّكَ. 3وَاللهُ الْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ وَيَجْعَلُكَ
مُثْمِراً وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جُمْهُوراً مِنَ الشُّعُوبِ. 4وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ لَكَ
وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ لِتَرِثَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ
لإِبْرَاهِيمَ». 5فَصَرَفَ إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ
فَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَ أَرَامَ إِلَى لاَبَانَ بْنِ بَتُوئِيلَ
الأَرَامِيِّ أَخِي رِفْقَةَ أُمِّ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ28: 1-5).
«6فَلَمَّا رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ
وَأَرْسَلَهُ إِلَى فَدَّانَ أَرَامَ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً
إِذْ بَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ قَائِلاً: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ
كَنْعَانَ». 7وَأَنَّ يَعْقُوبَ سَمِعَ
لأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَ أَرَامَ 8رَأَى عِيسُو أَنَّ بَنَاتِ كَنْعَانَ شِرِّيرَاتٌ فِي
عَيْنَيْ إِسْحَاقَ أَبِيهِ 9فَذَهَبَ
عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَأَخَذَ مَحْلَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ أُخْتَ نَبَايُوتَ زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائِهِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ28: 6-9).
وعند عودة يَعْقُوبَ من حاران، بعد نحو عشرين
سنة «38اَلْآنَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَا مَعَكَ. نِعَاجُكَ
وَعِنَازُكَ لَمْ تُسْقِطْ. وَكِبَاشَ غَنَمِكَ لَمْ آكُلْ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ31: 38)، كان مازال يخشى
انتقام عِيسُو أخيه، «1وأما
يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلاَقَاهُ مَلاَئِكَةُ اللهِ. 2وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: «هَذَا جَيْشُ
اللهِ!» فَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «مَحَنَايِمَ» 3أَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلاً قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ
أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ 4وَأَمَرَهُمْ:
«هَكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِي عِيسُوَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُكَ يَعْقُوبُ:
تَغَرَّبْتُ عِنْدَ لاَبَانَ وَلَبِثْتُ إِلَى الْآنَ. 5وَقَدْ صَارَ لِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ
وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَأَرْسَلْتُ لِأُخْبِرَ سَيِّدِي لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً
فِي عَيْنَيْكَ». 6َرَجَعَ
الرُّسُلُ إِلَى يَعْقُوبَ قَائِلِينَ: «أَتَيْنَا إِلَى أَخِيكَ إِلَى عِيسُو
وَهُوَ أَيْضاً قَادِمٌ لِلِقَائِكَ وَأَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ». 7فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدّاً وَضَاقَ بِهِ الأَمْرُ.
فَقَسَمَ الْقَوْمَ الَّذِينَ مَعَهُ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْجِمَالَ إِلَى
جَيْشَيْنِ. 8وَقَالَ: «إِنْ جَاءَ
عِيسُو إِلَى الْجَيْشِ الْوَاحِدِ وَضَرَبَهُ يَكُونُ الْجَيْشُ الْبَاقِي
نَاجِياً». 9قَالَ يَعْقُوبُ: «يَا
إِلَهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحَاقَ الرَّبَّ الَّذِي قَالَ لِيَ:
ارْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ. 10صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ
وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ. فَإِنِّي بِعَصَايَ
عَبَرْتُ هَذَا الأُرْدُنَّ وَالْآنَ قَدْ صِرْتُ جَيْشَيْنِ. 11نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي مِنْ يَدِ عِيسُوَ
لأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَضْرِبَنِي الأُمَّ مَعَ الْبَنِينَ. 12وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكَ
وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ لِلْكَثْرَةِ». 13بَاتَ هُنَاكَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَخَذَ
مِمَّا أَتَى بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِيسُو أَخِيهِ: 14مِئَتَيْ
عَنْزٍ وَعِشْرِينَ تَيْساً مِئَتَيْ نَعْجَةٍ وَعِشْرِينَ كَبْشاً 15ثَلاَثِينَ نَاقَةً مُرْضِعَةً وَأَوْلاَدَهَا
أَرْبَعِينَ بَقَرَةً وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ عِشْرِينَ أَتَاناً وَعَشَرَةَ حَمِيرٍ 16وَدَفَعَهَا إِلَى يَدِ عَبِيدِهِ قَطِيعاً
قَطِيعاً عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «اجْتَازُوا قُدَّامِي وَاجْعَلُوا
فُسْحَةً بَيْنَ قَطِيعٍ وَقَطِيعٍ». 17وَأَمَرَ
الأَوَّلَ: «إِذَا صَادَفَكَ عِيسُو أَخِي وَسَأَلَك: لِمَنْ أَنْتَ وَإِلَى
أَيْنَ تَذْهَبُ وَلِمَنْ هَذَا الَّذِي قُدَّامَكَ؟ 18تَقُولُ: لِعَبْدِكَ يَعْقُوبَ. هُوَ هَدِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ
لِسَيِّدِي عِيسُوَ وَهَا هُوَ أَيْضاً وَرَاءَنَا». 19أَمَرَ أَيْضاً الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَجَمِيعَ
السَّائِرِينَ وَرَاءَ الْقُطْعَانِ: «بِمِثْلِ هَذَا الْكَلاَمِ تُكَلِّمُونَ
عِيسُوَ حِينَمَا تَجِدُونَهُ 20وَتَقُولُونَ:
هُوَذَا عَبْدُكَ يَعْقُوبُ أَيْضاً وَرَاءَنَا». لأَنَّهُ قَالَ: «أَسْتَعْطِفُ
وَجْهَهُ بِالْهَدِيَّةِ السَّائِرَةِ أَمَامِي وَبَعْدَ ذَلِكَ أَنْظُرُ وَجْهَهُ
عَسَى أَنْ يَرْفَعَ وَجْهِي». 21فَاجْتَازَتِ
الْهَدِيَّةُ قُدَّامَهُ وَأَمَّا هُوَ فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي
الْمَحَلَّةِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ32: 1-21). ولكن عِيسُو
حالما رأي أخاه «1رَفَعَ
يَعْقُوبُ
عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا عِيسُو مُقْبِلٌ وَمَعَهُ أَرْبَعُ مِئَةِ
رَجُلٍ فَقَسَمَ الأَوْلاَدَ عَلَى لَيْئَةَ وَعَلَى رَاحِيلَ وَعَلَى
الْجَارِيَتَيْنِ 2وَوَضَعَ
الْجَارِيَتَيْنِ وَأَوْلاَدَهُمَا أَوَّلاً وَلَيْئَةَ وَأَوْلاَدَهَا
وَرَاءَهُمْ وَرَاحِيلَ وَيُوسُفَ أَخِيراً. 3وَأَمَّا
هُوَ فَاجْتَازَ قُدَّامَهُمْ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى اقْتَرَبَ
إِلَى أَخِيهِ. 4فَرَكَضَ عِيسُو
لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ.
وَبَكَيَا»(سِفْرُ التَّكْوِينِ 33: 1-4).
ومع أن عِيسُو استقبل
أخاه يَعْقُوبَ بهذا الترحاب الصادق بلا أدنى حقد أو ضغينة، بل
بصفح كامل، ولم يقبل أن يأخذ الهدية إلا بعد إلحاح شديد من يَعْقُوبَ فإن يَعْقُوبَ لم
يستطع أن يتخلص من شكوكه، فلم يشأ أن يرافقه عِيسُو في الطريق، بل وأبى أن يترك
معه عِيسُو بعضًا من رجاله لحراسته. وهكذا انفصلا، ورجع عِيسُو إلى سَعِيرَ. بينما سار يَعْقُوبَ إلى سكوت ومنها إلى شكيم «5ثُمَّ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ النِّسَاءَ
وَالأَوْلاَدَ وَقَالَ: «مَا هَؤُلاَءِ مِنْكَ؟» فَقَالَ: «الأَوْلاَدُ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللهُ بِهِمْ عَلَى عَبْدِكَ». 6فَاقْتَرَبَتِ
الْجَارِيَتَانِ هُمَا وَأَوْلاَدُهُمَا وَسَجَدَتَا 7ثُمَّ اقْتَرَبَتْ لَيْئَةُ أَيْضاً وَأَوْلاَدُهَا وَسَجَدُوا
وَبَعْدَ ذَلِكَ اقْتَرَبَ يُوسُفُ وَرَاحِيلُ وَسَجَدَا. 8فَقَالَ: «مَاذَا مِنْكَ كُلُّ هَذَا الْجَيْشِ
الَّذِي صَادَفْتُهُ؟» فَقَالَ: «لأَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي». 9فَقَالَ عِيسُو: «لِي كَثِيرٌ. يَا أَخِي
لِيَكُنْ لَكَ الَّذِي لَكَ». 10فَقَالَ
يَعْقُوبُ: «لاَ. إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ تَأْخُذْ هَدِيَّتِي مِنْ
يَدِي لأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَكَ كَمَا يُرَى وَجْهُ اللهِ فَرَضِيتَ عَلَيَّ. 11خُذْ بَرَكَتِي الَّتِي أُتِيَ بِهَا إِلَيْكَ
لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ وَلِي كُلُّ شَيْءٍ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ
فَأَخَذَ. 12ثُمَّ قَالَ: «لِنَرْحَلْ
وَنَذْهَبْ وَأَذْهَبُ أَنَا قُدَّامَكَ». 13فَقَالَ
لَهُ: «سَيِّدِي عَالِمٌ أَنَّ الأَوْلاَدَ رَخْصَةٌ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ
الَّتِي عِنْدِي مُرْضِعَةٌ. فَإِنِ اسْتَكَدُّوهَا يَوْماً وَاحِداً مَاتَتْ
كُلُّ الْغَنَمِ. 14لِيَجْتَزْ
سَيِّدِي قُدَّامَ عَبْدِهِ وَأَنَا أَسْتَاقُ عَلَى مَهَلِي فِي أَثَرِ
الأَمْلاَكِ الَّتِي قُدَّامِي وَفِي أَثَرِ الأَوْلاَدِ حَتَّى أَجِيءَ إِلَى
سَيِّدِي إِلَى سَعِيرَ». 15فَقَالَ
عِيسُو: «أَتْرُكُ عِنْدَكَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَعِي». فَقَالَ: «لِمَاذَا؟
دَعْنِي أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي». 16فَرَجَعَ
عِيسُو ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى سَعِيرَ. 17وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَارْتَحَلَ إِلَى سُكُّوتَ
وَبَنَى لِنَفْسِهِ بَيْتاً وَصَنَعَ لِمَوَاشِيهِ مِظَلَّاتٍ. لِذَلِكَ دَعَا
اسْمَ الْمَكَانِ «سُكُّوتَ». 18ثُمَّ
أَتَى يَعْقُوبُ سَالِماً إِلَى مَدِينَةِ شَكِيمَ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ
حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ. وَنَزَلَ أَمَامَ الْمَدِينَةِ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ33: 5-18).
لقد كان عِيسُو في صباه
مندفعًا قليل البصيرة، ولكن عندما تقدمت به الأيام، بدا متحليًا بأخلاق كريمة فصفح
عن فعله أخيه، وقابله بحب وترحاب. وتقابلا بعد ذلك عند موت أبيهما إِسْحَاقُ حيث اشتركا في دفنه «29فَأَسْلَمَ إِسْحَاقُ رُوحَهُ وَمَاتَ وَانْضَمَّ إِلَى
قَوْمِهِ شَيْخاً وَشَبْعَانَ أَيَّاماً وَدَفَنَهُ عِيسُو وَيَعْقُوبُ ابْنَاهُ»(سِفْرُ التَّكْوِينِ35: 29). ولا نعرف شيئًا بعد
ذلك عن عِيسُو.
وإذا كنا قد رأينا العداء
القديم يتلاشى عند مقابلة الأخوين، وعند اشتركهما معًا في دفن أبيهما، إلا أنه
سرعان ما ظهر بقوة بين نسيلهما، فتوارثا العداء جيلًا بعد جيل، فكان تاريخ نسليهما
سلسلة متواصلة من الصراعات والحروب. لقد كان أعداء إسرائيل يظهرون ويختفون كأمواج
البحر، أما الأَدُومَيون فكانوا لبني إسرائيل أعداء ألداء على الدوام،
فقد ظل الشعبان في عداء مستحكم لم يكن له مثيل بين أي شعبين أخرىن متجاورين وابناء
عمومة واحدة0 فمنذ أيام «47وَأَخَذَ شَاوُلُ الْمُلْكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ,
وَحَارَبَ جَمِيعَ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ: مُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ وَأَدُومَ,
وَمُلُوكَ صُوبَةَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَ غَلَبَ»(سِفْرُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ14: 47- أي منذ نحو سنة 1000
ق0م0) إلى نحو سنة 120 ق.م. في أيام شَاوُلُ الْمُلْكَ، ظلت الحرب سجالًا
بين بني إسرائيل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق