• اخر الاخبار

    إرادة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ د. القس سامي منير اسكندر






    إرادة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ


    إعداد


    د. القس سامي منير اسكندر


    نحن نعرف أن الالهة قادر على كل شيء سواء كان الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أو الله أو الرُّوحِ الْقُدُسِ قادرين على كل شيء!!! لكن لو أراد الله أن يموت أحد من البشر يوم غداً والرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أراد أن يموت الشخص نفسه بعد شهر!!! من يتحقّق طلبه؟ هل الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ؟ أم الله؟
    إن قلنا الله فقد ابطلنا الوهية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ!!! لأن الإله قادر علي كل شيء والرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نعرف أنه الله وفي هذه الحالة لا يتحقق طلبه مثل هذا المثال؟؟؟
    Ø     الأجابة :
    ونظرًا لأن الحب بين الآب والابن هو حب مقترن بحرية كل أقنوم، فإن حرية الخليقة العاقلة هي نابعة من حرية الأقانيم الإلهية (لأن الكائن العاقل مخلوق على صورة الله في الحرية). بمعنى أن الله قد أعطى للخليقة العاقلة حرية الفكر والإرادة، وذلك لأن هذا هو في واقع العلاقة بين أقانيم الثالوث.
    الابن يبادل الآب المحبة في حرية كاملة، لأن الحب إذا فقد الحرية فقد جوهره ومعناه. فإذا كان "الله محبة"، فالحب في الله يمارس بحرية تامة منذ الأزل بين الأقانيم الثلاثة. ولكن وحدانية الجوهر الإلهي وكمال الحب المطلق تعنى أن الأقانيم وإن كان لهم ثلاث إرادات من حيث العدد، إلا أن لهم إرادة واحدة من حيث النوع.
    هذه الحرية الأقنومية لشخص الابن الوحيد التي شرحنا عنها؛ لم يفقدها حينما تجسد وصار إنسانًا. فكما إنه تجسد بحريته واختياره، هكذا صام بحريته واختياره. وهو بحسب الطبيعة الإنسانية كان يشعر بالجوع بالجسد. هو أخلى نفسه باعتباره الابن الوحيد الجنس الذي قَبِلَ أن يتجسد، وتألم بحرية اختيارية، إذ قال: «15كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا10: 15). وعن مفارقة نفسه العاقلة لجسده عند موته على الصليب، وعن عودتها إلى جسده عند قيامته من الأموات بسلطانه الإلهي قال: «17لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. 18لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا10: 17-18).  وقال الإِنْجِيل عن طاعة الابن المتجسد لأبيه السماوي: «8مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ5: 8). أي أنه لا يمكن أن يتألم من حيث اللاهوت، أما من جهة الجسد فهو يتألم.
    بهذا نفهم معنى طاعة الابن المتجسد لأبيه السماوي. فهو من جهة بنوته الأزلية للآب لا توجد علاقة طاعة لأن الابن والآب متساويين في المجد والكرامة وكل ما يفعله الآب يفعله الابن كذلك. ولكن من جهة تجسده قد مارس الطاعة من خلال احتماله الآلام. فمع كونه ابنًا من حيث لاهوته، قد مارس الطاعة من حيث ناسوته. وكل ذلك بشخصه الواحد الوحيد الذي وحّد بين لاهوته وناسوته في طبيعة واحدة تجمع خصائص ومقومات الطبيعتين. أي أن الابن المتجسد قد طوّع طبيعتنا الإنسانية للآب السماوي في شخصه بحرية تامة.
    وبنفس الحرية التي تجسد بمقتضاها حبًا في خلاصنا، هكذا بنفس الحرية أطاع الآب وشرب كأس الآلام عوضًا عنّا، لأنه بإرادته ومسرة أبيه والرُّوحِ الْقُدُسِ أتى وخلّصنا. وهنا تظهر فكرة الحرية في اتخاذ القرار من حيث إنسانية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: إنه إنسانيًا قد أطاع الآب السماوي، لأن شخصه الحر قد طوع الإنسانية التي اتخذها لمشيئة أبيه السماوي، التي هي نفسها مشيئته هو والرُّوحِ الْقُدُسِ.
    هذا يعنى أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كانت له إرادتين متحدتين!! ولكنه قد طوّع الإرادة الطبيعية التي في طبيعته الإنسانية للإرادة الطبيعية التي في طبيعته الإلهية، وقد اتحد في الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الواحدة المتجسدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا تقسيم.
    هناك فرق بين الإرادة الطبيعية والإرادة الشخصية، فالإرادة الطبيعية هي مثل الرغبة في الأكل للجائع والرغبة في الشرب للعطشان. وبهذا نفهم معنى الإرادة الطبيعية، أي نداء الطبيعة أو الرغبة desire. أما الإرادة الشخصية فهي اتخاذ قرار الأكل أو قرار الشرب decision. فمن كان جائعًا واستمر في الصوم، يكون قد أخضع رغبته الطبيعية إلى إرادته الشخصية، أو أخضع الرغبة للقرار.
    ولأن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كان شخصًا واحدًا وحيدًا (غير مركب من شخصين)، كانت له إرادة شخصية واحدة هي التي بمقتضاها تجسد متأنسًا وصنع الفداء. أما إرادته الطبيعية الإلهية فقد اتحدت بإرادته الطبيعية الإنسانية (أي الرغبات الإلهية والرغبات الإنسانية) اتحادًا كاملًا مثل اتحاد الطبيعتين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا تقسيم.  فإن اللاهوت لم يمنع العطش عن الناسوت، ولكن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ صنع مشيئة الآب وصام الأربعين يومًا من أجلنا. واللاهوت لم يمنع الألم عن الناسوت، ولكن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ صنع مشيئة الآب واحتمل الآلام من أجلنا، وأطاع الآب حتى الموت؛ موت الصليب.
    وهنا ينبغي التمييز بين الرغبة واتخاذ القرار حينما نتكلم عن الإرادة. فالإرادة الطبيعية تعنى الرغبة، والإرادة الشخصية تعنى القرار. وهكذا يمكننا أن نفسر قول الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ في ترجمة الأصل اليوناني «39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْت(وأنا)َ»(إِنْجِيلُ مَتَّى26: 39). أي ليس كما أرغب أنا بحسب رغباتي الطبيعية الإنسانية، بل كما تريد أنت وأنا بحسب الرغبة الشخصية الإلهية وبحسب التدبير الإلهي. وهذا هو قرارنا في إتمام الفداء أنا وأنت والرُّوحِ الْقُدُسِ، وهي أيضًا قراري الشخصي أن يتم الفداء على الصليب. لهذا قال الإِنْجِيل عن إتمام الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ للفداء «2نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ12: 2). كيف يقول ذلك وهو الذي قال للآب "إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس" «39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ»(إِنْجِيلُ مَتَّى26: 39)، هذا هو الفرق بين الرغبات الطبيعية وبين الإرادة الشخصية. بإرادته الشخصية قرر أن يصنع الفداء، أما فيما يخص الرغبة الطبيعية، فمن يرغب في الإهانة وخيانة يهوذا وغيرها حتى أنه قال: «38فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي»(إِنْجِيلُ مَتَّى26: 38).
    تأتى البلبلة من التفسيرات الخاطئة للإنجيل. ليس كما أرغب أنا بل كما تريد أنت وأنا. بمعنى ليس كما أرغب بحسب إنسانيتي بل كما نريد معًا بحسب التدبير الثالوثي للخلاص. ليس معنى هذا أن للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ إرادتين لأن المقصود هنا ليس الإرادة الشخصية لكن المقصود هو نداء الطبيعة فقط. كما قيل «2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً»(إِنْجِيلُ مَتَّى4: 2) هل حينما جَاعَ أَخِيراً صيّر الحجارة خبزًا وأكل؟ لا، إذن نداء الطبيعة هو الرغبة في الأكل لكنه استمر في الصوم.
    لذلك هو أنه طوّع بشريتنا لمشيئة الآب السماوي. فإذا كان آدم قد عصى الله حتى الموت فإن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ قد أطاع الآب حتى الموت حسب الجسد ومحا العار. وهذا هو ملخص قضية الفداء. كان لابد أن يأتي آدم الأخير ليقدّم طاعة كاملة للآب السماوي.
    مشكلة نسطور أنه قال كيف أن شخص إنسان ينوب عن الإنسانية، وله حرية الإرادة ويقدم طاعة للآب كإنسان ولا يكون قد اتخذ شخصًا إنسانيًا، فيقول من الذي يطيع؟ وهذه هي مشكلته. والرد عليها هو أن الابن أعطى شخصه الحر لطبيعتنا الإنسانية التي اتخذها من العذراء فصار هناك كائن اسمه آدم الأخير يملك حرية الإرادة ويملك طبيعتنا ولكنه في نفس الوقت هو بلا خطية. فحينما قدّم طاعة طبيعتنا من خلال شخصه، دخلت طبيعتنا في حيِّز الرضى لله.
    لكن هل كشخص كان حرًا أم لا؟ كان حرًا حتى حينما تجسد فهو لم يتجسد رغمًا عنه، كما لم يفقد حريته بالتجسد. وبمقتضى مقومات الطبيعة الإنسانية مارس هذه الحرية بطريقة إيجابية. فقدَّم طاعة كاملة للآب ليس فقط في أنه لم يخطئ، فهذا هو الجانب السلبي لأنه بلا خطية وهذا الأمر مفروغ منه، لكنه قَبِلَ أن يحمل خطايا غيره ويدفع ثمنها. فطاعة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ليست في عدم الخطية لأن الإِنْجِيل يقول: «8مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ5: 8). طاعته للآب كانت في الجانب الإيجابي، لأنه في الجانب السلبي هو القدوس، لذلك قال الملاك لمريم العذراء: «35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «الرُّوحِ الْقُدُسِ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ»(إِنْجِيلُ لُوقَا1: 35). «26لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ7: 26). إذا كان ابن الله الكلمة نفسه هو الذي تجسد كيف يقول الأدفنتست أن إمكانية الخطأ كانت ممكنة بالنسبة له. ونسطور ذكر نفس هذه النقطة.
    الابن حينما تجسد صار إنسانًا مع أنه لم يتخذ شخص إنساني لأن شخصه هو نفسه حمل الطبيعة الإنسانية. فشخصه مع الطبيعة الإنسانية التي حملها، هكذا صار إنسانًا له كل مقومات الإنسانية من رغبات الطبيعة ومن حرية في اتخاذ القرار.


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: إرادة الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top