• اخر الاخبار

    خطايا الأنبياء الجزء الثاني د. القس سامي منير اسكندر






    خطايا الأنبياء

    الجزء الثاني

    إعداد

    د. القس سامي منير اسكندر

    اختلف علماء المسلمين في عصمة الأنبياء، فمنهم من قال بعصمتهم من الخطايا مطلقاً، ومنهم من قال بعصمتهم بعد سن البلوغ ونسب إليهم الخطأ في الصغر، ومنهم من قال بعصمتهم في تبليغ الرسائل فقط وإمكان ارتكاب الخطأ في ما سوى ذلك. والرأي الأخير هو ما كان يعتقده المرحوم الشيخ محمد عبده، مع أن القرآن يدل دلالة واضحة على أن أكثر الأنبياء قد ارتكبوا المعاصي، ليس الصغائر بل الكبائر، حسب تعليمهم كما سترى.
    قال علماء المسلمين إن الخطيئة نوعان : كبيرة وصغيرة، وقالوا إن الله يغفر الصغائر دون الكبائر. والكبائر في عرفهم 17 :
    1)    الكفر،                    2) المداومة على ارتكاب الصغائر،  
    3) اليأس من رحمة الله،      4) اعتبار الإنسان نفسه سالماً من
                                   غضب الله،  
    5) شهادة الزور،            6) القذف بحق المسلم،
    7) الحلف الكاذب،             8) السحر،
    9) شرب المسكرات،                  10) اغتصاب مال الأيتام،
    11) الربا،                         12 ) الزنا،  
    13 ) اللواط وما شابهه،          14) السرقة،
    15) القتل،             16) الهرب من وجه الكافر في الحرب،  
    17) العصيان على الوالدين.
    فكل مؤمن ارتكب إحدى هذه الكبائر حسب اعتقادهم ولم يتب، فلا بدّ من أنه يكفر في نار الجحيم. وما سوى هذه الكبائر فهو من الصغائر.
    آدم أخطأ كما يستدل من سورة طه 20 :121 ·وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى قال المفسرون عصى ربه بأكل الشجرة ·وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ - سورة البقرة 2 :35 - وقال البيضاوي :·فضلَّ عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة، أو عن المأمورية أو عن الرشد، إذ اغترّ بقول العدو . وقد سلم الرازي بخطيئة آدم، لكنه قال إنها حصلت قبل النبوءة، وقال إنه عصى وغوى ولكن في أكل الشجرة، وبما أنه تاب عنها فلا تحسب عليه. ولكن الرازي لم يثبت لنا حصول الخطيئة قبل النبوءة، ومن أين علم هذا. وقال إن آدم إذ تاب لم تحسب عليه الخطيئة، ونحن نوافقه على هذا الأخير، ولكن هذا لا ينفي أنه عصى وغوى.
    والعصيان من الكبائر بدليل قوله ·وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ - سورة الجن 72 :23 - . وقوله ·فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى - سورة طه 20 :122 - يدل على أن آدم عصى وتاب. والتوبة هي الندم على الخطيئة والاعتراف بها والعزم على عدم العود إليها. والتوبة لا تكون إلا عن المعصية، وآدم نفسه قد اعترف بمعصيته بقوله ·قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ - سورة الأعراف 7 :23 - .
    فهذا آدم من الأنبياء أولي العزم قد أطاع الشيطان وصدّقه وكذّب المولى تعالى وطمع في الخلود، فأخطأ، وخطيئته هذه تعدّ من الكبائر.
    أخطأ نوح كما يستدل من سورة نوح 71 :24 29 إذ قال نوح : ·وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً وقال بعدها ·رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً ثم قال إذ تحقق أنه أخطأ رب اغفر لي فطلب الاستغفار لا يكون إلا عن شعور بارتكاب منكر. ومهما حاول المفسرون أن يلطفوا العبارة فلا تخرج عما ذكرناه.
    أخطأ إبراهيم كما ورد في سورة الأنعام 6 :76 و77 ·فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَ كُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ وهذا حصل له إذ رأى الشمس. فإذا كان إبراهيم قال هذا وهو يعتقده فقد أشرك وإلا فقد كذب، وكلاهما من الكبائر.
    وكما ورد في سورة إبراهيم 14 :41 ·رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ . هنا طلب إبراهيم المغفرة صريحاً له ولوالديه وللمؤمنين.
    وكما ورد في سورة البقرة 2 :260 ·وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .
    هنا شك إبراهيم في قدرة الله، والشك في قدرة الله من الكبائر. وقد ورد في الحديث  نحن أولى بالشك من إبراهيم .
    وفي سورة الأنبياء 21 :63 ·قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا كسَّر ابراهيم الأصنام، ولما سُئل كذب، وقال : إن كبير الأصنام كسَّر صغارها. وعن أبي هريرة أن رسول الله قال : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، اثنتين منهم في ذات الله. قوله إني سقيم وقوله فعله كبيرهم وقوله إن سارة أخته حين أراد الجبار القرب منها . رواه البخاري ومسلم.
    أخطأ موسى كما ورد في سورة القصص 28 :15 17 ·وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُّوِهِ فَا سْتَغَاثَهُ الذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الذِي مِنْ عَدُّوِهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُّوٌ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَا غْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
    وفي سورة الشعراء 26 :20 قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ وفي سورة الأعراف 7 :150 و151 وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
    يظهر من هذه الآيات أن موسى ارتكب القتل وشعر أن خطيئته من الكبائر، فاعترف بها طالباً المغفرة. وكذلك أخطأ إذ غضب وطرح الألواح وأهان أخاه. ولما شعر بخطيئته استغفر لنفسه ولأخيه. وأما خطيئة هرون فهي عمل العجل الذهبي لبني إسرائيل كي يعبدوه.
    أخطأ يوسف كما ورد في سورة يوسف 12 :24 عن يوسف وامرأة فوطيفار رئيس جيش فرعون ·وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ قال الجلالين همَّ بها قصد منها الجماع. والفخر الرازي قال : قال الواحدي في كتاب البسيط إن المفسرين الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم قالوا: إن يوسف همَّ بهذه المرأة هماً صحيحاً وجلس منها مجلس الرجل من المرأة، فلما رأى البرهان رجع. وما يثبت هذا قوله : لنصرف عنه السوء والفحشاء.
    أخطأ داود كما ورد في سورة ص 38 :24 و25 وَظَنَّ - تيقن - دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ أخطأ داود إذ ارتكب خطيئة القتل والزنا كما هو مذكور بالتفصيل في التوراة في سفر صموئيل الثاني ص 11 و12 ولكنه عندما شعر بالجرم استغفر ربه فغفر له. وكل هذا صريح في التوراة يغنيك عن أقوال المفسرين الطويلة المتضاربة.
    والأحاديث المتعددة تثبت وقوع داود في الخطأ، وتبين توبته ونوحه الطويل والغفران الذي ناله، كما ذكر أنس بن مالك وابن عباس ووهب بن منبه وغيرهم.
    أخطأ سليمان كما ورد في سورة ص 38 :31 33 إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الجِيَادُ قَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بالحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بالسُّوقِ والأَعْنَاقِ .
    قد ذهب المفسرون مذاهب شتى في تفسير هذه الآيات، وسردوا روايات عديدة لإثبات آرائهم كما ترى في الكشاف والرازي وغيرهما. ولكن الخلاصة أن الخيل ألهته عن ذكر الله والصلاة، حتى قالوا إنه ذبحها.
    والآية 34 و35 من سورة ص 38 : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي تبين أن سليمان أخطأ فعلاً، لأنه كيف يطلب المغفرة إن لم يكن قد شعر بذنب؟
    أخطأ يونس - يونان - كما ورد في سورة الصافات 37 :139 144 وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الفُلْكِ المَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ فَا لْتَقَمَهُ الحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الفعل أبق يدل على أن يونس عصى ربه، والغرابة أنه عصاه حالة كونه ·من المرسلين ومما يثبت عصيانه قوله  وهو مليم ومما يؤكد هذا قوله إنه استحق لأجل عصيانه أن يبقى في بطن الحوت  إلى يوم يبعثون لولا أنه كان من المسبحين أي طالبي المغفرة. وإلا فما هو معنى التسبيح في هذا المقام؟
    أخطأ النبي العربي كما يستدل من سورة الفتح 48 :2  لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيما ومن سورة محمد 47 :19  وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ .
    ومن سورة غافر 40 :55  وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
    ومن سورة النساء 4 :105 و106  إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بالحَقِّ لِتَحْكُمَ بِيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً .
    فالآية الأولى تدل على أن محمداً أذنب من قبل هذه الآية، وأنه سيذنب من بعدها. وإذا قيل كما قال الرازي والكشاف وغيرهما إنه يستغفر لأمته، فالآية الثانية تُدحض هذا، وتبين أن المطلوب منه أن يستغفر لذنبه أولاً ولذنوب المؤمنين ذكوراً وإناثاً ثانياً.
    يقول بعض العلماء المسلمين إن حسنات الأبرار تمحو سيئات المقربين، وإن الرجل التقي إذا خالف الله مخالفة طفيفة يحسبها من الكبائر. وكثيراً ما يعد ما ليس بذنب ذنباً إذا فعله فيطلب المغفرة من أجله. ويقولون هذا ما حصل لمحمد. ولكن فاتهم أن الله حسب اعتقادهم هو المتكلم القائل واستغفر - يا محمد - لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. فهل يتوهم الله ما ليس بإثم إثماً، ويطلب من النبي العربي أن يلتمس المغفرة؟



    وورد في أحاديث مسلم والبخاري قال محمد :·ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى. قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته . وعن أبي هريرة قال : سمعت الرسول يقول ·لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة وفي رواية أكثر من سبعين. وروي عن ابنة خالد وأبي هريرة كان رسول الله يقول :·اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار البخاري جزء أول.
    قد اتضح من هذا الفصل وضوح الصبح لذي عينين أن أبانا آدم قد سقط في المعصية، وفسدت أفكار قلبه، وصار يميل إلى الشر، وأننا نحن ذريته قد ورثنا عنه طبيعياً هذا الفساد وذاك الميل إلى الخطيئة. وقد ثبت لنا هذا أيضاً من الاختبار الشخصي.
    رأينا أن الأنبياء العظام ارتكبوا المعاصي، حتى محمد نبي المسلمين. لذلك احتاج الناس قاطبة إلى مخلص من العذاب المعد لمخالفي وصايا الله ومقترفي الآثام، وإلى كفارة لا عيب فيها لفداء تلك الأنفس وإظهار عدل الله ورحمته، الأمر الذي لا يتم إلا بصلب الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وموته ذبيحة عن العالمين، حتى أن كل من آمن به يغفر الله ذنوبه ويقدسه بروحه القدوس، ويُنيله الحياة الأبدية والسعادة الدائمة.
    ولست أدري لماذا يحاول إخواننا المسلمون أن يبرئوا الأنبياء من وصمة الخطيئة، خلافاً لما صرحت به كل الكتب المعتبرة إنها منزلة، وخصوصاً أنه لم يدَّعِ أحد الأنبياء قط هذه العصمة، بل أن الجميع أقروا بالعجز والخطأ. لقد أنزل الله الكتب ودوَّن العقائد حسب حكمته الفائقة، وهو الحكيم بأعماله العليم باحتياجات الناس.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: خطايا الأنبياء الجزء الثاني د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top