• اخر الاخبار

    حقيقة خطايا الأنبياء د. القس سامي منير اسكندر






    حقيقة خطايا الأنبياء

    إعداد

    د. القس سامي منير اسكندر

    وحتى لو كانت خطايا الأنبياء حقيقة فلماذا ذكرها الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ؟ هل يقصد التشهير بهم؟ وتساءل أحدهم: كيف يعمل الوحي في رجل قاتل مثل موسى، أو رجل زاني مثل داود، أو رجل مضطهد الكنيسة بإفراط مثل بولس؟
    في سياق إجابتنا علي هذا التساؤل نؤكد علي الحقائق الآتية:
    أولاً: جميع الرجال الذين كتبوا الأسفار المقدَّسة هم بالحقيقة قديسون، ليس بمعني إنهم كانوا معصومين في حياتهم الشخصية ولم يخطئوا قط، لأنه ليس مولود امرأة بلا خطية، ولكن بمعني إنهم أحبوا الله من كل قلوبهم، وقد قدموا توبة صادقة عن كل خطية ارتكبوها.. عجبًا لإنسان يركز علي خطية داود ويغض البصر عن توبته ودموعه «6تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور6: 6)، «3لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً. 4إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ. 5هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي. 6هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً. 7طَهِّرْنِي بِالزُوّفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ. 8أَسْمِعْنِي سُرُوراً وَفَرَحاً فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا. 9اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ وَامْحُ كُلَّ آثَامِي. 10قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. 11لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي»(سِفْرُ اَلْمَزَامِيرُ، مَزْمُور51: 3-11).
    ثانياً: لم يتساهل الله مع أنبيائه الذين أخطأوا، ولم يعفهم من العقوبة، إنما حملوا عقاب خطاياهم بالكامل، فليس لدى الله محاباة قط، حتى لو كان المخطئ هو ملاكًا، أو هو الإنسان الوحيد علي الأرض (آدم)، أو يعقوب المحبوب، أو موسي رئيس الأنبياء، أو داود قيثارة الروح.. الخ.
    ثالثاً: نحن لا نؤمن بعصمة إنسان ما علي الأرض، فالجميع تحت الضعف، والعصمة الوحيدة لكتَّاب الأسفار المقدسة هي أثناء تسجيلهم لكلمات الله في الأسفار المقدَّسة أما في حياتهم الشخصية فإنهم كانوا عرضة للسقوط، فهم من نفس عجينة البشرية، ولأنه ليس موت لعبيدك بل هو انتقال، وإن كان لحقهم توان أو تفريط كبشر، إذ لبسوا جسدًا وسكنوا في هذا العالم فأنت كصالح ومحب البشر اللهم تفضل أغفر لهم. فإنه ليس أحد طاهرًا من دنس ولو كانت حياته يومًا واحدً علي الأرض".
    فإنه من الحماقة أن يتصوَّر أحد أن بعض الكُتَّاب كان لا يجوز أن يكونوا من حملة الوحي نسبة إلى الخطايا التي ارتكبوها في حياتهم إذ أن الله لم يعطِ كتابه للبشر عن طريق رجال معصومين من الخطية (في جميع جوانب حياتهم).. كانت حياة داود ملطخة بالخطية، ومع ذلك كتب (بعد توبته) أروع المزامير التي أعطاه الله إياها، كان موسي قاتلًا.. وكان بولس مُضطهد الكنيسة، ولكن الله اختارهم وصيَّرهم كُتَّابًا للوحي، ولكن ليس معني ذلك أن الله كان لا يُبالي أو يقلّل من خطاياهم، بل بالعكس كان ذنبهم أمامه قاسيًا.. كانوا فقط معصومين عندما حملهم الروح ليكتبوا الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ!!... 
    رابعاً: عندما ذكر الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ أخطاء هؤلاء الأنبياء فلكي يعلمنا أن الجميع تحت الضعف، وأن هؤلاء الأنبياء كانوا من نفس عجينة البشرية ولكيما يتعلم الإنسان أنه مهما بلغت قامته الروحية فإنه معرض للسقوط، ولكيما يتعلم الإنسان أن السقوط ليس نهاية المطاف، إنما التوبة تعيد الإنسان إلى مرتبته الأولي. إذًا لم يقصد الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ التشهير بهؤلاء الأنبياء القديسين، ولم يذكر خطاياهم ليشجع الإنسان علي ارتكاب المعصية، إنما ليحذر الإنسان، ومن أجل تعليمنا سمح الوحي الإلهي بتسجيل خطايا هؤلاء العظماء. إن الإِعْلاَنِ الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ كتاب صادق وأمين، يذكر الحقائق كما هي، إن كانت خيرًا أو شرًا، ولم يلتمس الأعذار لمن أخطأوا..
    Ø    الجميع أخطأوا حتى الأنبياء
    خلق الله الإنسان طاهراً، وأسكنه معه في جنة عدن، لا شيء يلهيه عن العلاقة معه. ولكنه عصى أمر ربه وأكل من الممنوع عنه، فخسر كل شيء. وكان آدم نائباً عن ذريته فأخذ الله عليه العهد والميثاق فنكثه بمعصيته، فنقضته ذريته لنيابته عنهم. تجاوب آدم مع التجربة فسقط في الخطيئة. ولما كنا نحن البشر ذريته، ورثنا عنه هذا الضعف وذلك الميل حسب نواميس الوراثة، ولكنا لا نعاقب على خطيئته، وسقطنا في المعاصي مع علمنا أن الله نهى عنها، وارتكبنا المنكرات فعلياً كما فعل هو. وما يدل على صحة هذا الحديث الآتي: ·فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فأكل من الشجرة، فنسيت ذريته، وخطىء آدم فخطئت ذريته أخرجه الترمذي وغيره، وقال حديث حسن صحيح. والخلاصة أن نيابة آدم عن ذريته حقيقة لا ريب فيها عند علماء المسلمين. وقد كتب الشيخ محيي الدين ابن العربي مقالة على هذا الحديث في الباب 305 من كتابه. وإذا كان آدم الذي خلقه الله طاهراً قد خالف أوامر مولاه، فكم بالحري ذريته الضعيفة، فالجميع إذاً أخطأوا وأعوزهم مجد الله ورحمته.
    إن التاريخ والاختبار يعلماننا أن قلب الإنسان شرير، وقلوبنا توحي لنا ·إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ - سورة يوسف 12 :53 - فإذا وجدت لسد شهواتها سبيلاً ولجته، ما لم يكن لها رادع من صانعها يردعها. فإننا مع علمنا أن الخطيئة أو المنكر محرم نخالف ضمائرنا ونطيع أميالنا الفاسدة ونفعله. ألا ترى أن السكير مع علمه ضرر السكر صحياً ومادياً ودينياً يقدم عليه، وهو منجذب بعوامل داخلية، وهكذا الزاني والسارق والنّمام.
    الاختبار الشخصي يعلمنا أن فينا أميالاً وشهوات منكرة ناتجة عن فساد طبيعي في الجنس البشري، تحارب ضمائرنا وأميالنا الصالحة، وتسبينا فنعمل ما يخالف إرادة الله بارئنا.
    ولا نعرف شخصاً إلا ونحن قادرون أن نذكر له كثيراً أو قليلاً من السيئات الكبيرة. ولم يدَّع أحد الطهارة التامة من الناس أجمعين إلا الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، هذا كما سيأتي في محله.
    وما يدل على فساد الناس أجمعين الآية الآتية المذكورة سابقاً إن النفس لأمارة بالسوء - سورة يوسف 12 :53 - . قال الرازي : إن النفس لأمارة بالسوء، أي ميالة إلى القبائح، راغبة في المعصية، والطبيعة تواقة إلى الملذات. ولما كان الغالب انجذاب النفس إلى العالم الجسدي، وكان ميلها إلى الصعود إلى العالم الأعلى نادراً، حكم عليها بكونها أمارة بالسوء. انتهى كلام الرازي. ولا يخفى أن ال في كلمة النفس هي للجنس، لذلك يجوز لنا أن نقول إن كل نفس أمارة بالسوء. والكلمة - لأمارة - من صيغ المبالغة واللام فيها للتحقيق. إذاً الأمر مؤكد أن النفس في كل إنسان ميالة إلى القبائح وشديدة الرغبة في المعاصي.
    ومما يدل على أن الجميع أخطأوا الآية الآتية أيضاً :  وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً - سورة مريم 19 :71 و72 - قال الرازي ولا يجوز أن يقال - ثم ننجي الخ - إلا والكل واردون - النار - والأخبار المروية دالة على هذا القول. وعن جابر سُئل عن هذه الآية فقال :· سمعت رسول الله - ص - يقول الورود الدخول، لا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها . وجلال الدين يفسر كلمة ·واردها بالدخول والاحتراق، ويثبت هذا قول الرازي في تفسير آية  فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ - سورة الأعراف 7 :8 - وأما العاصي المؤمن فإنه يُعفى عنه.
    ألا يدل هذا دلالة واضحة على أن جميع الناس يرتكبون المعاصي، فمنهم من يُعذَّب قليلاً ثم يُعفى عنه، ومنهم من يخلد في النار؟
    وما يدل على أن الجميع أخطأوا الآية الآتية :  وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نَقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ - سورة الزخرف 43 :36 - ولما كان ذكر الله دائماً ليس في طاقة البشر، فلا جرم أن الشيطان في جهاد دائم مع كل إنسان. ولما سئل محمد أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك . وسُمي هذا الجهاد الأكبر. وورد أيضاً  أعدى أعدائك إليك نفسك التي بين جنبيك . من هذا نرى فساد الطبيعة والشر الكامن في القلب والميل إلى فعل الكبائر والصغائر.
    ويستدل أن الجميع أخطأوا من الآية التالية أيضاً :  وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ - سورة النور 24 :21 .
    المعنى بيّن أن الإنسان فاسد خاطئ، ولولا فضل الله ورحمته لما تزكى أحد مطلقاً. وقد عدّ المسلمون اعتبار الإنسان نفسه سالماً من غضب الله من الكبائر، فها قد ثبت معنا بأدلة لا تُردّ أن الجميع أخطأوا، لذلك هم يحتاجون إلى ذبيحة المسيح للتكفير عن خطاياهم، وإلا زُجوا في جهنم لإتمام عدل الله. وبما أنهم ورثوا الميل إلى الخطيئة والضعف عن أبيهم آدم، فهم محتاجون أيضاً إلى الروح القدس، روح الله، لتقديس هذه القلوب، ونزع هذا الميل الباطل شيئاً فشيئاً، وتغيير الأفكار الباطلة والعواطف الفاسدة، وهذا ما يُعبّر عنه الكتاب المقدس بالولادة الجديدة أو الثانية.
    نعتقد نحن المؤمنون بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ استناداً إلى الإِنْجِيل أن جميع الناس أخطأوا وعم الفساد الجنس البشري كله. وبما أن الأنبياء بشر، فهم إذاً خاطئون. وإن الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله، وأمرهم أن ينذروا الناس ويبلغوا الرسالة، عصمهم من الخطأ في تأدية الرسالة شفهاً وكتابة، وحفظهم من النسيان والزلل، إذ كان يهديهم بروحه القدوس إلى ما يجب أن يقولوه ويلقنهم ما يجب أن يبلغوه. ولكنهم - الأنبياء والرسل - غير معصومين في أعمالهم وتصرفاتهم الاعتيادية، دلالة على ضعف الطبيعة البشرية، وإثباتاً أن العصمة والكمال لله وحده ذي القدرة والجلال.
    والخطيئة، صغيرة كانت أم كبيرة، تستحق غضب الله ونار الجحيم. فالقتل نوع والسرقة نوع آخر والشتم نوع آخر، ولكن العقاب واحد عند الله، لأن كلاً منها مخالفة وعصيان. وهذا مؤيد بآيات كثيرة من التوراة والإنجيل، «12الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ3: 12)، «إِذِ الجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ3: 23). وقد ورد ما يثبت هذا في الحديث وهاك نصه: من اقتطع حق امرء بيمينه أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال رجل يا رسول الله: وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال وإن كان قضيباً من أراك.
    ولنأت الآن إلى الجزء الثاني خطايا الأنبياء.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: حقيقة خطايا الأنبياء د. القس سامي منير اسكندر Rating: 5 Reviewed By: د. القس سامي منير اسكندر
    Scroll to Top