هل
لله خليفة أو نائب على الأرض؟
الجزء
الثاني
إعداد
د. القس
سامي منير اسكندر
ثانياً: إيمان الكنائس التقليدية
وهم يبنونه على الاعتقاد أن رجال
الدين هم خلفاء الرسل، ولهم وحدهم سلطان الرسل ومواهبهم، وعلى ذلك فهم وكلاء
النعمة الإلهية، وذوو قدرة على توصيلها للبشر بواسطة الأسرار الكنسية، أي أن الله
يستخدمهم هم فقط كوسائط ليوصّل نعمته وخلاصه للبشر، كما أعطى الرسل مواهب تجعلهم
قادرين أن يعملوا العجائب ويعطوا الرُّوحِ الْقُدُسِ بوضع أيديهم عليهم، كما فعل
بولس في أفسس «6وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ
الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ
وَيَتَنَبَّأُونَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ19: 6).
هكذا فوَّض الله الإكليروس أن يمنحوا بواسطة الأسرار النعمة وتجديد النفس. وبناءً
على ذلك يكون قبول الأسرار عن يد الإكليروس ضرورياً للخلاص، وكذلك تتوقف فاعلية
الأسرار على ممارستها بالأسلوب الذي يراه الإكليروس قانونياً. وهذا يخوّل
الإكليروس سلطاناً في الأمور الروحية لم يخولهم إياه الله، ويملأ أيديهم من القوة
لاستعباد الإِنْسَانَ.
ويتضح خطأ هذا الرأي من سوء تفسيرهم
بعض آيات الإِعْلاَنِ
الإِلَهِيَّ الْمَكْتُوبُ التي زعموا أنها تشير إلى رسامة الإكليروس
بوضع الأيادي وقبول الرُّوحِ الْقُدُسِ، مع أنها لا تشير إلا إلى موهبة عمل
المعجزات بقوة الرُّوحِ الْقُدُسِ لإثبات صدق الديانة المسيحية «22إِذاً الأَلْسِنَةُ آيَةٌ لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَلْ لِغَيْرِ
الْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَيْسَتْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ14: 22)، و«15وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ
وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. 16مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ
يُدَنْ. 17وَهَذِهِ
الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي
وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. 18يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً
لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ»(إِنْجِيلُ
مَرْقُسَ16: 15-18)، و«29وَالآنَ يَا رَبُّ انْظُرْ إِلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ
وَامْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ 30بِمَدِّ يَدِكَ لِلشِّفَاءِ وَلْتُجْرَ آيَاتٌ
وَعَجَائِبُ بِاسْمِ فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ4: 29و30)، و«12وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ
كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ. وَكَانَ الْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ
سُلَيْمَانَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ5: 12)، و«4شَاهِداً اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ
وَقُوَّاتٍ مُتَنَّوِعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ»(الرِّسَالَةُ
إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ2: 4). ولما كانت تلك الغاية وقتية زالت تلك
الموهبة بزوالها لعدم لزومها بعد.
ومن الآيات المشار إليها التي قصدنا
أن نبيّنها الآن: «20وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ،
فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. 21فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا
أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا20:
21و22)، و«5فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ
فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ
الْقُدُسِ وَفِيلُبُّسَ وَبُرُوخُورُسَ وَنِيكَانُورَ وَتِيمُونَ وَبَرْمِينَاسَ
وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيّاً. 6اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ فَصَلُّوا
وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ6: 5و6)، و«15اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ
يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ 16لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 17حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا
الرُّوحَ الْقُدُسَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ8:
15-17)، و«14لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ الْمُعْطَاةَ
لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس4: 14)، و«6فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً
مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ1: 6).
أ) «20وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ،
فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. 21فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي
الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا20: 21و22)، حيث قال الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». ولما قال هذا نفخ وقال لهم: «اقبلوا
الرُّوحِ الْقُدُسِ». فقال التقليديون (بدون سند) إن الذين نفخ فيهم الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ حينئذٍ أفرزهم بذلك لوظيفة إكليريكية في الكنيسة، وإنهم
أخذوا منه قوة ليرسموا خلفاء يمنحونهم الرُّوحِ الْقُدُسِ كما فعل الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، وأيضاً موهبة عمل المعجزات، وإن الترتيب يمتد مثل سلسلة
رسولية في أجيال الكنيسة. والخطأ في هذا التفسير أنه يفترض أن الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ قصد أن يرسل الرسل كما أرسله الآب تماماً، فلا يكون ذلك
برهاناً على أنه فوَّض إليهم منح غيرهم تلك المواهب الرسولية إلى ما لا نهاية له
من تاريخ الكنيسة. كما أن الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ منح الرسل تلك
القوات وأرسلهم لغاية خاصة هي الكرازة بالإنجيل وتعليم الإِنْسَانَ شروط المغفرة
وصلاح السيرة، لا أن تكون لهم قدرة ذاتية على منح النعمة الإلهية. أما الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ فأرسله الله فادياً وكاهناً وذبيحة وشفيعاً وملكاً
للمؤمنين. ولا يمكن انتقال هذه الوظائف إلى الرسل ولا إلى غيرهم. وبما أنهم كانوا
ملهَمين كان تعليمهم وتصريحهم بغفران الخطايا أو بإمساكها بسلطانٍ منه وبالوحي لا
محالة. وقبول الرسل الرُّوحِ الْقُدُسِ من الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ في هذا الوقت كان
يرمز إلى قبولهم إياه قانونياً بعد ذلك ببضعة أيام في يوم الخمسين، ليصبحوا قادرين
على تتميم أعماله الخاصة من عمل المعجزات والشهادة للحق وتأسيس الكنيسة المسيحية
وتنظيمها. وأما الزعم أنهم حينئذٍ تقلدوا الدرجة الرسولية فتحريفٌ للحق، لأنهم
تقلدوا تلك الدرجة قبل ذلك الوقت بنحو ثلاث سنين. ويؤيد ذلك غياب توما عن الرسل
وقتئذٍ، لأنه لو صحّ هذا الزعم يكون توما قد استُبعِد من بينهم لأنه لم ينل هذا
التكليف معهم.
ب) «5فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ
فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ
الْقُدُسِ وَفِيلُبُّسَ وَبُرُوخُورُسَ وَنِيكَانُورَ وَتِيمُونَ وَبَرْمِينَاسَ
وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيّاً. 6اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ فَصَلُّوا
وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ6: 5و6)، حيث يقول «فحسُن هذا القول أمام كل الجمهور، فاختاروا
استفانوس رجلاً مملوءاً من الإيمان والرُّوحِ الْقُدُسِ، وفيلبس وبروخورس ونيكانور
وتيمون وبرميناس ونيقولاوس دخيلاً أنطاكياً، الذين أقاموهم أمام الرسل، فصلّوا
ووضعوا عليهم الأيادي». وهذا خبر رسامة الشمامسة الأولين في الكنيسة، ونرى في
القرينة (آيتا 3، 5) أن هؤلاء الأشخاص كانوا مملوئين من الرُّوحِ الْقُدُسِ قبل
رسامتهم وقبل وضع أيدي الرسل عليهم. ويؤيد ذلك ما جاء في آية 8 من أن استفانوس صنع
معجزات عظيمة. ولما كان القصد الخاص في رسامة استفانوس ليس القدرة على صنع العجائب
وحلول الرُّوحِ الْقُدُسِ فيه، بل خدمة موائد، كان القول إن هؤلاء الأشخاص أخذوا الرُّوحِ
الْقُدُسِ بسبب وضع أيدي الرسل عليهم زعماً بدون برهان. نعم كان حلول الرُّوحِ
الْقُدُسِ فيهم من الأمور اللازمة لاستعدادهم لخدمتهم، غير أنه كان سابقاً
لرسامتهم، ولم يقبلوه برسامة سابقة لوظيفة أخرى أدنى من وظيفة الشماس كما زعم
البعض لأنهم لم يرسموا قبل ذلك أبداً، وكانت وظيفة الشماس أدنى وظائف الكنيسة
المسيحية حينئذٍ. فهذه الآية وإن كانت تشير للرسامة، إلا أنه لا برهان فيها على أن
قبول الرُّوحِ الْقُدُسِ كان على يد الرسل عند تتميم الرسامة.
ج) «15اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ
يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ 16لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 17حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا
الرُّوحَ الْقُدُسَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ8:
15-17)، حيث يقول: «اللّذين (بطرس ويوحنا) لما نزلا صليا لأجلهم (أهل السامرة) لكي
يقبلوا الرُّوحِ الْقُدُسِ.. حينئذٍ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الرُّوحِ الْقُدُسِ».
حدث هذا بعد ذهاب بطرس ويوحنا من أورشليم إلى السامرة لما عرفوا أن السامريين
قبلوا كلمة الله. وعند وصولهما إلى هناك صليا لأجل جميعهم ليقبلوا الرُّوحِ
الْقُدُسِ، ووضعا الأيادي عليهم فقبلوا الرُّوحِ الْقُدُسِ. ولما رأى ذلك سيمون
قدم لهما دراهم لشراء سلطان إعطاء الرُّوحِ الْقُدُسِ، فوبخه بطرس. وليس في كل هذا
ما يشير للرسامة مطلقاً، ولا للخلافة الرسولية، ولا كان من قصد بطرس ويوحنا إفراز
أحدٍ للوظيفة الإكليريكية، بل كان قصدهم منح الرُّوحِ الْقُدُسِ للجميع بوضع
الأيادي. ويؤيد ذلك ما جاء من خبر انسكاب موهبة الرُّوحِ الْقُدُسِ على جميع الذين
في بيت كرنيليوس وتكلّمهم بألسنة «44فَبَيْنَمَا
بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ
الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ. 45فَانْدَهَشَ
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ
لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضاً 46لأَنَّهُمْ
كَانُوا يَسْمَعُونَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَيُعَظِّمُونَ اللهَ.
حِينَئِذٍ أَجَابَ بُطْرُسُ: 47«أَتُرَى
يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هَؤُلاَءِ
الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضاً؟» 48وَأَمَرَ
أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. حِينَئِذٍ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ أَيَّاماً»(سِفْرُ أَعْمَالُ
الرُّسُلِ10: 44-48). وجاء في «6وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ
الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ
وَيَتَنَبَّأُونَ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ19: 6 أن بولس وضع يديه على المؤمنين في
أفسس، فحلّ الرُّوحِ الْقُدُسِ عليهم وتكلموا بلغات. وجاء في «14فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضاً لَيْسَ عُضْواً وَاحِداً بَلْ
أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ12: 14)، ما يدل على أن تلك المواهب
العجيبة لم تكن للإكليروس خاصة بل لكل الشعب، وأنها كانت علامة مفيدة لغير
المؤمنين.
ومن هذا يتضح أن إعطاء الرُّوحِ
الْقُدُسِ بوضع أيدي الرسل لم يكن لرسامة إكليروس، ولا لإثبات الخلافة الرسولية بل
لمنح مواهب عجيبة. ولا نرى في العهد الجديد خبر إعطاء الرُّوحِ الْقُدُسِ بغير
وساطة الرسل الاثني عشر، وحتى الآن لم يوجد في الكنيسة المسيحية من استطاع ذلك غير
الاثني عشر رسولاً.
د) حيث يقول إعلان الله في الإِنْجِيل: «14لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ الْمُعْطَاةَ
لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس4: 14)، و«6فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي
فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ،»(رِّسَالَةُ
بُولُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ1: 6). فقيل إن هاتين
الآيتين تشيران إلى رسامة تيموثاوس مبشراً بالإنجيل وكارزاً بالحق، وهذا لا خلاف
فيه، وكان بولس من الذين وضعوا الأيادي على تيموثاوس، لأنهم حسبوا الرسل من شيوخ
الكنيسة «1أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا
الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَالشَّاهِدَ لآلاَمِ الْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ الْمَجْدِ الْعَتِيدِ
أَنْ يُعْلَنَ،»(رِّسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ
الأُولَى5: 1). غير أن تلك الموهبة لم تكن تخوله قدرة لإعطاء الرُّوحِ
الْقُدُسِ لغيره، بل تؤهله للكرازة والتعليم. فليس في ما تقدم دليل على الخلافة
الرسولية، ولا على تخويل قدرة إلى غير الرسل لإعطاء الرُّوحِ الْقُدُسِ. ونستدل
مما جاء في أماكن أخرى أن إعطاء الرُّوحِ الْقُدُسِ للبعض جعلهم قادرين على عمل
المعجزات، فلا يبعد أن القصد من منح تيموثاوس تلك الموهبة هو تمكينه أن يعمل
المعجزات، مع أن الإشارة في الموهبة هنا هي مساعدته على نشر بشرى الإنجيل.
الآيات المتقدمة إذاً لا تفيد أن وضع
الأيادي لإعطاء الرُّوحِ الْقُدُسِ خاصة بالرسامة، ولا تفيد أن أحداً غير الرسل
نال تلك القدرة. فلا سند من تلك الآيات على الخلافة الرسولية، ولا على تفويض منح
تلك النعمة الإلهية إلى الإكليروس. وإعطاء الروح مراراً عن يد الرسل لجماعة من
الناس عند معموديتهم «15اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ
يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ 16لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 17حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا
الرُّوحَ الْقُدُسَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ8:
15-17)، و«44فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ
حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ
الْكَلِمَةَ. 45فَانْدَهَشَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ
الْخِتَانِ كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ
قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضاً»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ10: 44و45)، و«6وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ
الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ
وَيَتَنَبَّأُونَ»(سِفْرُ أَعْمَالُ الرُّسُلِ19:
6)، مما يدل على أن المقصود فيه ليس الرسامة كما زعم التقليديون. لأن من شروط وضع
الأيدي أن يكون من وُضعت الأيدي عليه قد تعلم الحقائق الدينية واشتهر بحسن السلوك (رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس
3). وكانت المواهب الروحية تسبق الرسامة ولا تنتج عنها، كما يتضح من «2فَدَعَا الاِثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ
وَقَالُوا: «لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ
مَوَائِدَ. 3فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ
مِنْكُمْ مَشْهُوداً لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ
فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَاجَةِ. 4وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ
الْكَلِمَةِ». 5فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ
فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ
الْقُدُسِ وَفِيلُبُّسَ وَبُرُوخُورُسَ وَنِيكَانُورَ وَتِيمُونَ وَبَرْمِينَاسَ
وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيّاً. 6اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ فَصَلُّوا
وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ»(سِفْرُ
أَعْمَالُ الرُّسُلِ6: 2-6)، و(رِّسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تيموثاوس3)، و«5مِنْ أَجْلِ هَذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ
تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ
شُيُوخاً كَمَا أَوْصَيْتُكَ. 6إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ
وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ
مُتَمَرِّدِينَ. 7لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ
كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ
الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، 8بَلْ مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبّاً لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلاً،
بَارّاً، وَرِعاً، ضَابِطاً لِنَفْسِهِ، 9مُلاَزِماً لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ
التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِراً أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ
وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ»(رِّسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ
إِلَى تِيطُسَ1: 5-9).
0 التعليقات:
إرسال تعليق