المقدمة حلقة 39
إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا وهدف كاتبه؟!
إعداد
د. القس سامي منير اسكندر
10 فبراير 2019
الهدف من الإِنْجِيلُ تأكيد لاهوت الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بكونه ابْنِ اللَّهِ الوحيد الجنس، لكن لا لمناقشات نظرية أو مجادلات
فلسفية، وإنما للتمتع بالْحَيَاةُ باسمه. إيماننا بلاهوته يمس حياتنا وخلاصنا
نفسه، لذلك جاءت أول عظة بين أيدينا بعد كتابة الإِنْجِيلُ تبدأ بالكلمات: يليق
بنا أيها الاخوة أن نفكر في الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بكونه اللَّه، ديان الأحياء والأموات.
يلزمنا ألا نقلل من شأن خلاصنا، لأننا عندما نقلل من (الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ) إنما نتقبل منه القليل. كأن هذا الإِنْجِيلُ
جاء يعلن بأكثر وضوحٍ وإفاضة لنا الجانب اللاهوتي:
i. يقدم إِنْجِيلُ يُوحَنَّا أقوى الشواهد الكتابية على ألوهية ابْنِ
اللَّهِ المتجسد «14وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا،
وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً
وَحَقّاً»(إِنْجِيلُ
يُوحَنَّا1: 14). كيف عاش ابْنِ اللَّهِ في العالم، وما الَّذِي جعل الله
الخالق أن يتجسد للإنسان الخاطئ لتسديد حاجاته والاهتمام به! كيف أن الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ وهو ابْنِ اللَّهِ الَّذِي أخضع كل شيء بكلمة قدرته، قد صار
خاضعاً لنواميس الْحَيَاةُ الجوع والعطش..التعب والدموع..الفرح والألم «15لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ
أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا،
بِلاَ خَطِيَّةٍ»(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ4: 15). ليملأ
الثغرة التي أوجدتها الخطية بين الإِنْسَانِ والله والتي فصلت الإِنْسَانِ روحياً
عن الله.
ii. في كل إصحاح يكشف يُوحَنَّا لاهوت الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
ويؤكد الهوية الحقيقية للرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ من خلال الألقاب التي يعلنها
عنه فهو الكلمة. الابن الوحيد حمل الله، ابْنِ اللَّهِ، الخبز الحقيقي، القيامة، الْحَيَاةُ،
الكرمة الحقيقية.
iii.
كتب يُوحَنَّا ليؤكد أن كل من يؤمن بالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ سينال الْحَيَاةُ الأبدية
«12أَمَّا
كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناًأَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ
اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 12)، «16لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى
بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ
تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ
لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ
لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي
يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ
يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا3: 16-18).
iv.
- كأن هذا الإِنْجِيلُ جاء يعلن بأكثر وضوحٍ
العلاقة بين الابن الأزلية مع الآب، ومعنى هذه العلاقة الفريدة في حَيَاةُ المُؤْمِنِينَ،
ودورها في خلاصهم. أراد الرَّسُولِ يُوحَنَّا بالكشف عن شخصية الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ كابْنِ اللَّهِ الوحيد أن نؤمن به فنخلص،
ونحيا أبديًا. وقد أبرز الرَّسُولِ يُوحَنَّا أن معاصري الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أنفسهم لم يدركوا كمال حقيقته كما ينبغي
ولا مغزى كلماته وتصرفاته الفائقة للعقل. أقرباؤه حسب الجسد مثل أمه واخوته (أبناء
خالته)، وأصدقاؤه، ومعلمو اليهود، والكهنة، وأيضًا المرأة السامرية، وبيلاطس
بنطس...هؤلاء جميعًا لم يدركوا كلماته وذهلوا أمام تصرفاته. أتجاسر فأقول يا إخوتي
أن يُوحَنَّا نفسه لم يتحدث في الأمر كما هو، إنما قدر استطاعته فقط. لأنه كان
إنسانًا يتحدث عن اللَّه، حقًا مُوحى إليه من اللَّه، لكنه لا يزال إنسانًا.
v. -
غاية هذا الإِنْجِيلُ هدف دفاعي، فقد ظهرت بعض البدع والهرطقات في بداية
الكنيسة
كانت هذه البدع تنكر تجسد الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ولا تؤمن بأن الله جاء متجسداً، لذلك حافظ
الله على حَيَاةُ هذا الرَّسُولِ يُوحَنَّا ولم يسمح باستشهاده مبكرًا مع بقية
التلاميذ ليقدم للكنيسة الصبية الحق في شيء من الإيضاح، عاش الرَّسُولِ يُوحَنَّا
حتى نهاية القرن الأول، كآخر من رقد بين تلاميذ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ورسله. وقد عاصر الجيل الجديد من
الْمَسِيحِيين، فكان هو - إن صح التعبير - حلقة الوصل بين العصر الرَّسُولِي وبدء
عصر ما بعد الرسل. لقد أراد أن يقدم الكلمة الرَّسُولِية النهائية عن شخص المَسِيَّا، وأن يحفظ الكنيسة من تسلل بعض الأفكار
الخاطئة. فكتب ليؤكد: «1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ
وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. 2هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ...14وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ
بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً
وَحَقّاً»(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا1: 1و2و14)، ويدخل بها إلى يوم الرب لتعاين السماء المفتوحة (سفر
الرؤيا).
يرى
بعض الدارسين أن الرَّسُولِ يُوحَنَّا قصد مواجهة بعض الحركات الغنوسية مثل
الدوناتست(الدوسيتيون) Docetism،
إذ نادى هؤلاء باستحالة أن يأخذ الكلمة الإلهي جسدًا حقيقيًا، لأن المادة في نظرهم
شرّ. لذلك أكد الرَّسُولِ في إِنْجِيلُه أن الرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ وهو ابْنِ اللَّهِ بالحقيقة قد تجسد أيضًا حقيقة، ولم يكن خيالاً، إذ
يقول: «الكلمة
صار جسدًا». ما كان يمكننا أن نتمتع بالخلاص ما لم يحمل طبيعتنا فيه،
ويشاركنا حياتنا الواقعية. لقد أبرز الرَّسُولِ يُوحَنَّا الرَّبِّ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ في عرس قَانَا الْجَلِيلِ وهو
يقوم بدور خادم الجماعة. لقد حوَّل الماء خمرًا، وهو عمل فيه خلق، لكنه قام به
خلال الخدمة المتواضعة غير منتظرٍ أن يأخذ المتكأ الأول. وعلى بئر سوخار ظهر
متعبًا وعطشانًا، وعند قبر لعازر تأثر جدًا بعمقٍ وبكى، وفي العلية غسل أقدام
التلاميذ، وعلى الصليب عطش.
هدف
هذا الإِنْجِيلُ الربط بين الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ المتجسَّد والرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الحاضر في كنيسته. محولاً الأحداث التي تمت
في حَيَاةُ ربنا يسوع للإعلان عن شخصه بكونه رب المجد العامل في كنيسته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق